الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصولها ومقاصدها دون دقائقها ونوادرها، وأحذفُ أدلَّة مُعْظَمها إيثارًا للاختصار، إذ ليس هذا الكتاب موضوعًا لبيان الأدلة، إنما هو لبيان ما يُعمَل به، والله الموفق.
باب تكبيرة الإحرام
اعلم أن الصلاة لا تَصِحُّ إلا بتكبيرة الإحرام فريضة كانت أو نافلة،
ــ
صلواها فوجد مصدر واوي اللام مناسب يمكن الاشتقاق منه فتعين ثم قال:
فإن قلت إنما يعتبر الاشتقاق من المصادر في اسمي الفاعل والمفعول ونحوها وأسماء الأجناس يعتبر فيها التلاقي في الحروف والمعنى والصلاة اسم مصدر فلا يكون اشتقاقها من المصدر أولى.
قلت اسم المصدر تابع للفعل والفعل هنا لا يشتق إلَّا من مصدر وقد أمكن اشتقاقه من الصلو فكذا اسم المصدر اهـ. قوله: (أُصُولِهَا) أي القواعد التي يرجع إليها كثير من الأحكام الجزئية.
باب تكبيرة الإحرام
(باب تكبيرة الإحرام) سميت بذلك لأن المصلي يحرم عليه بها ما كان حلالاله قبل مفسدات الصلاة وفي الحديث تحريمها التكبير أي يحرم عليه بتمام الراء ما ينافي الصلاة مما كان حلالا له قبل ذلك. قوله: (لَا يَصحُّ إلا بتَكْبيرَةِ الإحرام) لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته وهو خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري لما صلى ثلاث مَراتَ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له أثر كل مرة ارجع فصل فإنك لم تصل إذا قمت إلى الصلاة فكثر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعًا ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها رواه الشيخان وفي رواية للبخاري ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تستوي قائمًا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها وفي صحيح ابن حبان بدل قوله حتى تعتدل قائمًا حتى تطمئن وفي رواية صححها أحمد والبيهقي وابن حبان بدل ما تيسر معك ثم اقرأ بأم القرآن فقول الإمام لم يذكر له صلى الله عليه وسلم الطمأنينة في الاعتدال والجلوس بين السجدتين غفلة عما ذكر قال المصنف وهو أحسن الأدلة لأنه لم يذكر فيه سوى الأركان أي ولم يذكر فيه باقي الأركان لعله إما لعلمه بأنه يعلمه أو لفرضه بعد ذلك فإنه قضية كانت في أوائل الهجرة كما في
والتكبيرة عند الشافعي والأكثرين جزءٌ من الصلاة وركن من أركانها،
ــ
شرح المشكاة لابن حجر وحكمة الاستفتاح بتكبيرة الإحرام استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه ليمتلئ هيبة فيخشع ويحضر قنبه ويسكن جوارحه. قوله: (وركن مِنْ أَركَانها) الركن والشرط مشتركان في أن كلا منهما لا توجد العبادة بدونه لكن إن كان داخلًا في الماهية فيسمى ركنًا وإن كان خارجًا فيسمى شرطًا أو يقال إن كان ما ذكر يعتبر متقدمًا على العبادة موجودًا فيها كالطهارة فشرط وإن كان لا يوجد إلَّا فيها فركن وبعبارة أخرى إن كان ما اعتبر فيها بحيث يقارن كل معتبر سواه كالطهر فشرط وإلا فركن وأورد عليه خروج الاستقبال عن كونه شرطًا إذ لا يقارن كل معتبر إذ هو إنما يقارن القيام والقعود وأجيب بأن التوجه إليها في غيرهما حاصل عرفًا إذ يقال على المصلي أنه متوجه إليها لا ينحرف عنها مع أن التوجه إليها ببعض مقدمه حاصل. قوله: (عِنْدَ الشافعي) اعلم أنه لما تقدم في الفصول ترجمة الإمامين مالك وأحمد تعين ترجمة الإمامين الباقيين من الأربعة الشافعي وأبي حنيفة وقد صنف في مناقبهما كما صنف في مناقب من ذكر قبلهما الكتب الكثيرة بعضها على سبيل الانفراد وبعضها على سبيل إجمال الأربعة الأمجاد الأنجاد لأنهم قدوة الأمة ومصابيح الظلمة نفع الله بهم فنقول "أما الشافعي" فهو الإمام القرشي المطلبي الملتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده الرابع عبد مناف، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف إمام الأئمة علمًا وورعًا وزهدًا ومعرفةً وذكاءً وحفظًا ونسبًا فإنه برع في كل مما ذكر وفاق فيه أكثر من سبقه لا سيما مشايخه كمالك وسفيان بن عيينة ومشايخهم واجتمع له من تلك الأنواع وكثرة الاتباع في أكثر أقطار
الأرض وقد تقدم مذهبه وأهله فيها لا سيما في الحرمبن والأرض المقدسة وهذه الثلاثة وأهلها أفضل أهل الأرض واجتمع له ما لم يجتمع لغيره وهذا هو حكمة تخصيصه في الحديث المعمول به في مثل ذلك وزعم وضعه حسد أو غلط فاحش وهو قوله صلى الله عليه وسلم عالم قريش يملأ طباق الأرض علمًا قال أحمد وغيره من أئمة الحديث والفقه نراه الشافعي أي لأنه لم يجتمع لقرشي حين الشهرة كما ذكر ما اجتمع له فلم ينزل الحديث إلّا عليه وكاشف أصحابه بوقائع وقعت بعد موته كما أخبر ورأى النبي - صلى الله عليه
وعند أبي حنيفة: هي شرط ليست من نفس الصلاة.
واعلم أن لفظ التكبير أن يقول:
ــ
وسلم - وقد أعطاه ميزانًا فأولت له بأن مذهبه أعدل المذاهب وأوفقها للسنة الغراء التي أعدل الملل وأوفقها للسنة للحكمة العلمية والعملية ولد بغزة على الأصح سنة خمسين ومائة ثم أجيز بالإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة ثم رحل لمالك فأقام عنده مدة ثم لبغداد ولقب ناصر السنة لما ناظر أكابرها وظفر عليهم كمحمد بن الحسن وكان أبو يوسف إذ ذاك ميتًا ثم بعد عامين رجع لمكة ثم لبغداد سنة ثمان وتسعين ثم بعد سنة لمصر فأقام بها كهفًا لأهلها إلى أن تقطب ومن الخوارق التي لم يقع نظيرها لمجتهد غيره استنباطه وتحريره لمذهبه الجديد على سعته المفرطة في نحو أربع سنين قال المزني دخلت عليه في مرض موته فقلت له كيف أصبحت قال أصبحت من الدنيا راحلًا ولسوء أعمالي ملاقيًا وعلى الله واردأ فلا أدري روحي تفسير إلى الجنة فأهنيها أو إلى النار فأعزيها ثم بكى وأنشأ يقول:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
…
جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
…
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
…
تجود وتعفو منة وتكرما
وتوفي آخر يوم من رجب ليلة الخميس أو ليلة الجمعة أو في شهر ربيع آخر يوم منه أقوال أشهرها الأول سنة أربع ومائتين بها وقبره بقرافة مصر وأريد بعد أزمنة نقله لبغداد فظهر من قبره لما فتح روائح عطلت الحاضرين عن إحساسهم فتركوه رضي الله عنه وله شعر كثير جدًّا غالبه في المواعظ والحكم ومنه:
عزيز النفس من لزم القناعه
…
ولم يكشف لمخلوق قناعه
أنالته القناعة كل عز
…
وهل عز أعز من القناعه
فصيرها لنفسك رأس مال
…
وصير بعدها التقوى بضاعه
أحب الصالحين ولست منهم
…
لعلي أن أنال بهم شفاعه
وأكره من تجارته المعاصي
…
ولو كنا سواء في البضاعه
قوله: (وَعِنْدَ أَبي حنيفة هِي شرط) وفي المهمات للأسنوي أما التكبير ففي البحر للروياني وجه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنه شرط لا ركن وعلله قائله إن الركن هو الداخل في الماهية والمصلي لا يدخل في الصلاة إلَّا بفراغه منه وأجاب عنه الروياني بأن المصلي إذا فرغ منه تبينا دخوله بأوله والنووي في شرح المهذب حكى هذا عن أبي حنيفة قال وفائدة الخلاف في كونه شرطًا أو ركنًا فيما لو افتتح بمانع ما من النجاسة
أو استدبار القبلة أو غيره وهي فائدة صحيحة فاعلمها اهـ. قال الفاكهاني في شرح العمدة ما لفظه نقلًا عن شيخه عبد الحميد: الذي عندي إن فائدة الخلاف في ذلك صحة تقديم الإحرام على وقت تقديم العبادة إن كان شرطًا وعدم صحته إن كان ركنًا إذ لا يشترط في إيقاع شرط العبادة المؤقتة دخول وقت العبادة كالطهارة اهـ. وقال بعض متأخري الشافعية تظهر فائدة الخلاف فيما لو كبر وفي يده نجاسة فألقاها في أثناء التكبير أو شرع في التكبير قبل ظهوره لزوال الشمس ثم ظهر الزوال قبل فراغها فلا تصح صلاته عندنا في الصورتين أي على القول المعتمد أنه ركن وتصح على القول بأنها شرط كستر العورة اهـ. "والإمام أبو حنيفة" فهو الإمام الأعظم والعلم المفرد المكرم إمام الأئمة المتفق على علو مرتبته ووفور علمه وزهده وتجليه من العلوم الباطنة فضلًا عن الظاهرة بما فاق به أهل عصره وفاق بحسن الثناء عليه وإذاعة ذكره من أكابر التابعين أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بضم الزاي وفتح الطاء ماه مولى تيم الله بن ثعلبة الكوفي روى الخطيب بإسناده عن حفيدة عمر بن حماد بن أبي حنيفة إن ثابتًا ولد على الإسلام وزوطي كان مملوكا لبني تيم فأعتقوه فصار ولاؤه لهم وأنكر إسماعيل أخو عمر حفيد أبي حنيفة ذلك وقال إن والد ثابت من أبناء فارس وأنهم أحرار والله ما وقع علينا رق قط ولد جدي سنة ثمانين وذهب بثابت ابنه إلى علي بن أبي طالب وهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته ونحن نرجو الله أن يكون ذلك قد استجيب فينا اهـ، وهو كما رجا فقد بارك الله في جده أبي حنيفة بركة لا نهاية لأقصاها ولا حد لمنتهاها وبارك في أتباعه فكثروا في سائر الأقطار وظهر عليهم من بركة إخلاصه وصدقه ما اشتهر به في سائر الأمصار أخذ الفقه عن حماد بن أمية وأدرك أربعة من الصحابة بل ثمانية منهم أنس وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعد وأبو الطفيل وقد نظم بعضهم أسماء بعض من روى عنه الإمام أبو حنيفة من الصحابة فقال:
أبو حنيفة زين التابعين روى
…
عن جابر وابن جزء والرضى أنس
الله أكبر،
ــ
ومعقل وحريثي وواثلة
…
وبنت عجرد علم الطيبين قبس
وقيل لم يلق أحدًا منهم وسمع من عطاء وأهل طبقته وروى عنه ابن المبارك ووكيع بن الجراح وآخرون وطلب منه المنصور أن يلي القضاء فامتنع فحبسه على ذلك وضربه وهو مصر على الامتناع حتى مات في السجن رضي الله عنه قال عبد الله بن المبارك في حقه أتذكرون رجلًا عرضت عليه الدنيا بحذافيرها ففر منها وكان حسن الثياب طيب الريح يعرف بريح الطيب إذا أقبل حسن المجلس كثير الكرم حسن المواساة لإخوانه ربعة وقيل كان طوالا أحسن الناس منطقًا وأحلاهم نغمة قال قدمت البصرة فظننت أني لا أسأل عن شيء إلّا أجبت عنه فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب فجعلت على نفسي ألا أفارق حمادًا حتى أموت فصحبته ثماني عشرة سنة ثم ما صليت صلاة إلَّا استغفرت له مع والدي وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علمًا أو تعلم مني علمًا قال سهل بن مزاحم بذلت له الدنيا فلم يردها وضرب عليها بالسياط فلم يقبلها وكان خرازا أي يبيع الخرز ودكانه في دار عمر بن حريث ولما بلغ ابن جريج موته توجع وقال أي علم ذهب وقال الفضيل بن عياض وناهيك بها شهادة من هذا الحبر كان أبو حنيفة معروفًا بالفقه مشهورًا بالورع واسع العلم معروفًا بالأفضال
صبورًا على تعليم العلم بالليل والنهار قليل الكلام حتى ترد مسألة في الحلال والحرام وفضائله كثيرة قال زفر كان يحيي الليل كله بركعة يقرأ القرآن فيها وقال أسد بن عمر وصلى أبو حنيفة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة وكان عامة الليل يقرأ القرآن في ركعة وكان يسمع بكاؤه حتى يرحمه جيرانه وحفظ أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعة آلاف ختمة ولما غسله الحسين بن عمارة قال له غفر الله لك لم تفطر منذ ثلاثين سنة ولم تتوسد يمينك في الليل أربعين سنة وكان يجمع القرآن في ركعتين ولد رضي الله عنه سنة ثمانين من الهجرة وتوفي ببغداد قيل في السجن على أن يلي القضاء سنة خمسين على المشهور أو إحدى أو ثلاث وخمسين ومائة في شهر رجب وقبره ببغداد يزار ويتبرك به ومن فضله قول إمامنا الشافعي الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة رحمه الله. قوله: (الله أَكبرُ) رواه عنه صلى الله عليه وسلم البزار بإسناد على شرط مسلم والترمذي وابن ماجة وغيرهما وقد قال كما في البخاري
أو يقول: الله الأكبر، فهذان جائزان عند الشافعي وأبي حنيفة وآخرين، ومنع مالك الثاني، والاحتياط أن يأتيَ الإنسانُ بالأوَّل ليخرج من الخلاف، ولا يجوز التكبير بغير هذين اللفظين،
ــ
صلوا كما رأيتموني أصلي أي كما علمتموني حتى لا ترد الأقوال فإنها لا تبصر وهو وإن كان خطابًا لمالك بن حويرث فيجري في جميع الأمة كما صرح به ابن دقيق العيد وبه اندفع ما أوهمه كلام الزركشي من أنه لا يصح الاستدلال به إلّا إن كان خطابًا لجميع الأمة وصح أنه صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة استقبل القبلة ورفع يديه وقال الله أكبر ومعنى أكبر قيل كبير لأن أفعل قد يجيء نعتًا بمعنى فعيل كأمر أهون أي هين وقيل أكبر كبير كأعز عزيز وقيل أكبر من أن يشرك به أو يذكر بغير الثناء الحسن قال في المجموع عن التيمي من أصحابنا في شرح مسلم وهذا أحسن الأقوال لا سيما على أصلنا من عدم جواز كبير بدل أكبر وقيل أكبر مما سواه واعترضه المبرد بأن أفعل إنما يستعمل بين متجانسين وأجاب الفخر الرازي بأن الناس قد يستعظمون غير الله فقصد بهذا تنبيههم على أنه تعالى أولى بالتعظيم والإجلال من غيره اهـ، والحكمة في افتتاح الصلاة بها تنبيه المصلي على عظم مقام من قام لأداء عبادته من وصفه بأنواع الكمال وإن كل ما سواه حقير وأنه جل عن أن يكون له شبيه من مخلوق فإن فيخضع قلبه وتخشع جوارحه ويخلو قلبه من الأغيار فيمتلئ بالأنوار.
قوله: (أَوْ يَقولَ الله الأكبرُ) لوجود اللفظ الوارد فيه وزيادة أل لا تغير المعنى بل تفيد المبالغة في التعظيم بإفادتها حصر الكبرياء والعظمة بسائر أنواعها فيه ويفرق بينه وبين الله هو أكبر حيث أبطل مع إفادته ما ذكر بأن هو كلمة مستقلة غير تابعة بخلاف أل ويجوز أيضًا الله الكبير الأكبر كما في المجموع. قوله: (وَمَنَع مالِك الثَّانيَ) وعزا الفاكهاني في شرح العمدة منع إجزاء ذلك عن أحمد وداود قال الشيخ داود المالكي في شرح رسالة ابن أبي زيد يقول الله أكبر لا يجزي غيرها إذ لم يرو أحد أنه صلى الله عليه وسلم دخل الصلاة بغير الله أكبر اهـ، وسيأتي عن الفاكهاني تحقيق لهذا المقام. قوله:(لِيَخْرُجَ مِنَ الخِلافِ) أي فالإتيان بالأكبر بالتعريف خلاف الأولى "ولمراعاة الخلاف شروط" أن يكون مأخذه قويًّا فإن كان واهيًا لم يراع كما نقل من بطلان
فلو قال: الله العظيم، أو الله المتعالي، أو الله أعظمُ، أو أعز أو أجلُّ وما أشبه هذا، لم تصحُّ صلاته عند الشافعي والأكثرين،
ــ
الصلاة عن بعض الأئمة لكن ظاهر كلام بعضهم قبول الخلاف وإن ضعف مأخذه إذا كان فيه احتياط، وألا يؤدي مراعاته إلى خرق إجماع كما نقل عن
غسل الأذنين مع الوجه ومسحهما مع الرأس ومنفردين مراعاة لمن قال إنهما من الوجه أو من الرأس أو مستقلان فوقع في خلاف الإجماع إذ لم يقل بالجمع أحد لكن قال المصنف من غلطه في ذلك فهو غالط فإن الشافعي والأصحاب استحبوا غسل النزعتين مع الوجه ومسحهما مع الرأس خروجًا من خلاف من قال أنهما من الوجه أو من الرأس، وألا يصادم الخلاف سنة صحيحة إلا كما ينقل من نجاسة المائع بوجود ميتة نحو الذباب فيه عن بعض الأئمة لا يراعى، وإن يكون الجمع بين المذاهب ممكنًا فإن لم يكن كذلك فلا تترك الراجح عند معتقده لمراعاة المرجوح لأن ذلك عدول عما وجب عليه من اتباع ما غلب على ظنه وهو لا يجوز قطعًا مثاله ما روي من اعتبار المصر الجامع في انعقاد الجمعة لا يمكن مراعاته عند من يقول إذا بلغ أهل القرية العدد الذي تنعقد به الجمعة لزمتهم ولا يجزيهم الظهر فلا يمكن الجمع بين القولين، وألا يؤدي إلى المنع من العبادة كالمنع من تكرار العمرة المشهور من قول مالك لا تكرر العمرة في السنة أكثر من مرة فلا ينبغي للشافعي مراعاته لضعف مأخذه ولما يفوته من كثرة الاعتمار وهو من القربات الفاضلة فإن لم يكن كذلك سن الخروج منه سيما إن كان فيه زيادة تعبد كالمضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة تجب عند الحنفية والاستنشاق في الوضوء يجب عند الحنابلة والدلك فيهما يجب عند مالك، وأصل هذا الاحتياط قول الشافعي في مختصر المزني فأما أنا فأحب أن لا أقصر في أقل من ثلاثة أيام احتياطًا لنفسي قال الماوردي أفتي بما قامت الأدلة عنده عليه من القصر في مرحلتين ثم احتاط لنفسه اختيارًا لها قال القاضي أبو الطيب أراد خلاف أبي حنيفة كذا يؤخذ من قواعد الزركشي. قوله:(فَلَو قَال الله العظيمُ) أي لأنه صلى الله عليه وسلم قال مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم قال في المجموع وليس تمسكًا بدليل الخطاب بل بمنطوقه وهو أن
وقال أبو حنيفة: تصح.
ــ
تحريمها النكبير يقتضي الاستغراق وأن تحريمها لا يكون إلّا به اهـ، وتبعه ابن الرفعة فقال وظاهره الحصر إذ لم يقل التكبير تحريمها فإن العرب تفرق بين زيد صديقي وعكسه إذ الثاني يقتضي حصر الصداقة في زيد دون الأول لأنه يفهم أن المجهول هو الصداقة فأثبتها للسامع بالخبر وأما في صديقي زيد فهي المعلومة والمجهول محلها ولو كان محلها زيدًا وغيره لم يحسن الاقتصار على زيد فكذا في تحريمها التكبير فلا يكفي الله كبير لفوات معنى أفعل ولا الرحمن الرحيم الله أو الله أعظم وأجل وفارق أعظم أكبر بأن فيه من الفخامة ما ليس في أعظم بدليل الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته والرداء أعظم من الإزار في التجمل وغيره. قوله:(وَقَال أَبُو حنيفة يصح) قال الفاكهاني في شرح العمدة بعد ذكر ما تقدم عن مالك والشافعي وأحمد قال أبو حنيفة تنعقد الصلاة بكل ذكر يقصد به تعظيم الله تعالى ووافق على أنه لا ينعقد بنحو يالله ارحمني أو بالله أستعين وقال أبو يوسف تنعقد بألفاظ التكبير كالله أكبر أو الكبير فلو قال الله أو الرحمن واقتصر عليه فعن أبي حنيفة روايتان وحجة الشافعي قوله عليه الصلاة والسلام مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم والتكبير يشتمل على الله أكبر والله الأكبر وأورد عليه الله الكبير فينبغي أن ينعقد به كما قال به أبو يوسف فإذا منع هذا لزم الاتباع وتعين ونزل الخبر عليه أقول المرجع للاتباع
وهو إنما ورد بصيغة أفعل التفضيل منكرًا إلَّا أنه لما كان معنى التفضيل حاصلًا مع التعريف مع مبالغة كما تقدم جاز بخلاف كبير لفوات معنى أفعل كما قدمناه ثم قال نقلًا عن الشيخ أبي بكر الأبهري الفرق بين أكبر والأكبر نكرة ومعرفة بأنه إذا دخل أل على أكبر صار نعتًا كمصير الكبير ويبقى المبتدأ بلا خبر قال بعض المتأخرين من أصحابنا وفيه نظر إذ لا يمتنع كون الأكبر خبرًا لأن الخبر قد يكون معرفة إلَّا أنه صار بالتعريف مجملًا محتملًا للنعت والخبر فكيف يقوم مقام أكبر المتعين لكونه خبرًا وإنما يلحق الأصل بالفرع إذا ساواه وزاد عليه ولعل الشارع إنما جعل قوله الله أكبر عقدا للصلاة لا الأكبر لتعين كونه الخبر قال الأبهري وأيضًا فمعنى المنكر أكبر من كل شيء فيكون أبلغ في المدح ولا يبقى هذا المعنى مع أل إذ لا يجمع بينها وبين من في أفعل التفضيل فإذا قيل الأكبر جاز
ولو قال: أكبر الله، لم تصحّ على الصحيح عندنا، وقال بعض أصحابنا: تصحُّ، كما لو قال في آخر الصلاة: عليكم السلام، فإنه يصحُّ على الصحيح.
واعلم أنه لا يصحُّ التكبير ولا غيره من الأذكار حتى يتلفظ بلسانه بحيث يُسمع نفسه
ــ
وجود مشارك له في الكبر بخلاف أكبر فإنه يدل على أنه ليس له نظير وفيه نظر فإن صيغة أفعل التفضيل تقتضي بوضعها المشاركة في أصل الشيء والزيادة عليه سواء كان فيه أل أم لا كزيد أفضل من عمرو وزيد الأفضل فتأمله وحاصله أن أصل الاشتراك والدلالة على زيادة الموصوف به مدلول لأفعل سواء كان معرفًا أو منكرًا ووجه باعتبار اعتقاد بعض القاصرين كبر بعض المخلوقين وإلا فلا مشارك للباري سبحانه في وصف من صفاته إلّا في مجرد الاسم وكيف يشارك الحادث القديم في حقيقة وصف ثم قال الأبهري وأما أصحاب أبي حنيفة فقولهم أقرب من قول غيرهم قال صاحب البيان والتقريب يعني أقرب من قول الشافعي وأبي يوسف فإنهما لم يطردا القياس في كل لفظ معناه التعظيم ولم يقتصرا على ما ورد وقول أبي حنيفة بعد ذلك ضعيف لأنه استعمل القياس في عبادة لا يعقل لها معنى قال صاحب البيان والتقريب ثم المعنى الذي استنبطوه من التكبير وقاسوا به ليس من معاني الشرع بل هو راجع إلى تفسير معنى اللفظ فلا يصح القياس به ولو تنزلنا على صحة ما قالوه للزمهم أن تنعقد الصلاة بنحو اللهم اغفر لي ولا تنعقد عندهم بذلك اهـ، ولك أن تقول إن الشافعي إنما أجاز الأكبر لكون قوله تحريمها التكبير شاملًا له مع أنه يشتمل على اللفظ الوارد عنه صلى الله عليه وسلم مع زيادة مبالغة بخلاف الكبير فإنه ناقص عن اللفظ الوارد عنه صلى الله عليه وسلم فيكون من تخصيص عموم حديث تحريمها التكبير بمنطوق ذلك الخبر وليس هو من القياس وأما أبو يوسف فلم ينظر إلى ما ذكر في الأخير فأخذ بعموم حديث تحريمها التكبير وما ألزم به أبا حنيفة من الانعقاد بنحو اللهم ارحمني غير لازم إذ هذا اللفظ ليس موضوعًا للدلالة على التعظيم والإجلال وإن كان ذلك من لازم السؤال نعم ما أورد عليه من كونه قياسًا فيما لا يعقل من التعبدي وارد والله أعلم. قوله:(وَلَو قَال أَكبرُ الله لَمْ يصح على الصحيح عندنا) قال أصحابنا لأنه لا يسمى تكبيرًا بخلاف عليكم السلام وإن كره فإنه يسمى تسليمًا لانتظامه واعتياده في كلام العرب وغيرهم
إذا لم يكن له عارض، وقد قدَّمنا بيان هذا في الفصول التي في أوّل الكتاب، فإن كان بلسانه خَرَسٌ أو عَيْبٌ حركه بقدر ما يقدر عليه وتصح صلاته.
واعلم أنه لا يصحُّ التكبير بالعجمية لمن قَدَرَ عليه بالعربية، وأما من لا يقدر، فيصح، ويجب عليه تعلُّم العربية
ــ
قاله في المجيوع وبه يعلم أن سبب انتفاء التسمية عن الأول عدم اعتياده في كلام العرب وثبوتها للثاني اعتياد النطق به هكذا في كلامهم وبذلك يجاب عن منازعة الرافعي في ذلك بأن ذلك إن كان يسمى تسليمًا فهذا يسمى تكبيرًا ويفرق أيضًا بأن تأخير أكبر يمنع الإلباس فيه لوقوعه محمولًا على ما يعين حمله على المعنى اللائق بخلاف تقديمه فإنه لا مانع حينئذٍ من حمله على الأبلغية في الجسم ونحوه من صفات الحادث إلا حمل الجلالة عليه فكان قبلها ملبسًا
ولا كذلك في السلام فتأمله وسيأتي إن الفاتحة يجب ترتيبها فلا يبني المتعمد لتركه بخلافه في الأذان مع الفرق وقضيته إلحاق التكبير هنا بالأذان في ذلك وليس ببعيد فله البناء قصر المرتب أو طال فيما يظهر لأن غير المرتب متقدم على كلمتي التكبير فلا يؤثر كالصفات اللاحقة لهما فإنها غير مؤثرة وإن طالت.
قوله: (إِذَا لَمْ يَكن لَهُ عارضٌ) أي من خرس به أو لغط عنده فإن كان كذلك رفع بحيث يسمع لولا المانع ويقدر ذا سمع معتدل فيما يظهر. قوله: (فإِنْ كَانَ بلسانِهِ خَرسٌ) أي على أخرس طرأ عليه ذلك أو عقل الإشارة إلى الحركة لأنه حينئذٍ يحسن تحريك لسانه على مخارج الحروف كما بحثه الأذرعي وتبعه عليه الزركشي تحريك لسانه وشفتيه ولهاته قدر إمكانه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور فإن عجز عن ذلك نواه يقلبه نظير ما ذكروه فيمن عجز عن كل الأركان أما من لا يحسن ذلك فلا يلزمه تحريك لأنه عبث وفارق الأول بأنه كناطق انقطع صوته فإنه متكلم بالقوة وإن لم يسمع صوته بخلاف هذا فإنه كعاجز عن الفاتحة وبدلها فيقف بقدرها ولا يلزمه تحريك بل قالا إن التحريك حينئذٍ نوع من اللعب فيشبه أن يكون مبطلًا.
قوله: (لَا يصحُّ التَّكْبيرُ بالعجمية إلخ) بلا خلاف عندنا كما في شرح العباب قال الشاشي وذلك لشرفها بنزول القرآن بها وبأنها لسان أهل الجنة. قوله: (فَيصحُّ) ويترجم
فإن قصر في التعلُّم لم تصح صلاته، وتجب إعادة ما صلاه في المدة التي قصَّر فيها عن التعلُّم.
واعلم أن المذهب الصحيح المختار أن تكبيرة الإحرام لا تمدَّ ولا تمطَّط، بل يقولها
مُدْرَجة مسرِعة، وقيل: تمد، والصواب الأوَّل وأما باقي التكبيرات، فالمذهب الصحيح المختار استحبابُ مدِّها إلى أن يصلَ إلى الركن الذي بعدها، وقيل: لا تمد، فلو مَدَّ ما لَا يُمَدُّ، أو تركَ مدَّ ما يمَد، لم تبطل صلاته لكن فاتته الفضيلة.
واعلم أن محلَّ المدّ بعد اللام من "الله" ولا يمد في غيره.
ــ
بأي لغة شاء وجوبًا ولا يعدل لذكر آخر وفارق القرآن بأنه معجز وإعجازه يفوق بالترجمة ولا إعجاز في التكبير. قوله (فإِنْ قصَّر فِي التعلم) أي بأن آخره مع التمكن منه لاتساع الوقت وعدم بلادته لم تصح صلاته وأعاد فإن لم يقصر بأن آخره لبلادة أو ضيق وقت فلا يلزمه الاعادة لأنه بذل ما في وسعه قال الأسنوي في باب صفة الأئمة وإمكان التعلم معتبر من الإسلام فيين طرأ عليه كما قاله البغوي وفي غيره المتجه اعتباره من التمييز لكون الأركان والشروط لا فرق فيها بين البالغ وغيره فلا تصح صلاة المميز إن أمكنه التعلم والاقتداء به ووافقه على ذلك أبو زرعة وغيره ويطرد ذلك في نظائره من كل واجب قولي والله أعلم. قوله: (لَا تُمدَّ وَلا تمطَّط) بالبناء للمفعول فيهما أي لا تمد تكبيرة الإحرام ولا تمطط لئلا تزول النية عن قلبه بالمد أو يخرجه عن موضوعه وعلى المد حمل الجزم في قول إبراهيم النخعي التكبير جزم وليس المراد بالجزم أحد أنواع الإعراب خلافًا لمن وهم لأن الجزم لا يدخل الأسماء وفي المجموع عن التبصرة لا يجوز المد إلّا على الألف التي بين اللام والهاء ولا يخرجها به عن حد
الاقتصاد إلى الإفراط اهـ. قيل وينبغي ضبط الإفراد الإفراط بأن يطيله إلى حد لا يراه أحد من القراء وقيل يسن مده ولم يجر نظيره في السلام وكأنه لأن طلب المد في التكبير مشروع في بقية التكبيرات فقيس بها هذا على وجه بخلاف السلام فإنه لم يشرع مده أصلًا وعلم من قوله لا تمد إلخ، أنها لا تقصر بحيث لا يفهم
فصل: والسُّنَّةُ أن يجهر الإمام بتكبيرة الإحرام وغيرِها ليسمعه المأموم، ويسِرُّ المأموم بها بحيثُ يُسمِع نفسه، فإن جهر المأموم أو أسرّ الإمام، لم تفسد صلاته.
وليحرص على تصحيح التكبير، فلا يمد في غير موضعه، فإن مدَّ الهمزةَ من "الله"، أو أشبع فتحة الباء من "أكبر" بحيث صارت على لفظ "أكبار" لم تصح صلاته.
ــ
والسنة إن يشرع به مع تبيين معناه لئلا تزول النية وفارق تكبيرات الانتقالات لئلا يخلو باقيها عن الذكر.
تتمة
سكت المصنف هنا عن النية وهو أول الأركان وذكرها في كل من أذكار الزكاة والصوم وكان وجه ذلك على ما فيه طول الكلام على أذكار الصلاة وقصره فيها ويستحب أن يجمع فيها بين التلفظ باللسان والقصد بالجنان فلو اقتصر على القلب كفى أو اللسان فلا ثم إن كانت الصلاة فرضا وجب قصد فعل الصلاة والفرضية وتعيين أنها ظهر مثلًا وإن كانت نفلًا ذا سبب أو ذا وقت وجب قصد الفعل أو التعين وإن كانت نفلا مطلقًا وجب قصد فعل الصلاة ولا يجب نية النفل ولا ذكر عدد الركعات ولا الأداء والقضاء ولا الإضافة إلى الله تعالى نعم يستحب ما جرى في وجوبه خلاف ويجب قرن ذلك كله بالتكبير على منقول المذهب وقيل يكفي المقارنة العرفية واختير والله أعلم.
فصل
قوله: (أَنْ يَجْهَر الإِمَامُ بتَكبيرَةِ الإحْرَامِ وغيرها) كالتسميع ليسمعه المأمومون أي فيعلموا أفعال صلاته فيتابعوه فيها وفي الجوَاهر ترفع أمامة النساء صوتها بالتكبير ندبًا أقل من رفع الرجل. قوله: (وَيُسِرّ المأْمومُ بِهَا) وكذا المنفرد لكن محله في المأموم إن لم يكن مبلغًا وإلَّا جهر بقدر الحاجة. قوله: (لمْ تَفسُدْ صَلاتهُ) لكن يكره جهر المأموم بقيده قياسًا على جهره بالفاتحة وظاهر كلامهم أنه لا يكره للمنفرد الجهر وقد يفرق بأن جهر المأموم يشعر بالاستقلال وعدم الارتباط بالغير مع أنه غالبًا لا يخلو عن إيذاء بعض المأمومين بخلاف المنفرد. قوله: (مدَّ الهَمْزَةَ مِنْ الله أَوْ أَشْبع فتحةَ البَاءِ مِنْ أَكْبر لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ) لأنه غير معناه فنقله في الأولى من الخبر للاستفهام وفي الثانية إلى جمع كبر وهو طبل ذو وجه واحد كما في المحكم تستعمله الحبشة بل إن قصد ذلك كفر.