الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الإقامة
المذهب الصحيح المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة أن الإقامة إحدى عشرة
كلمة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
ــ
إسلامًا لنطقه بهما اختيارًا ولا نظر لاحتمال الحكاية وفي المجموع لغير العيسوي في نطقه بالشهادتين ثلاثة أحوال أحدها أن يقول سمعت الناس تقولهما فقلتهما حكاية فلا يصير مسلمًا قطعًا الثاني أن يقولهما بعد أن يؤمر بهما فيصير مسلمًا قطعًا الثالث أن يقولهما ابتداءً لا بحكاية ولا باستدعاء والأصح أنه يصير مسلمًا والكلام فيمن كفر بنفي التوحيد لما في الردة أن المشبه لا يسلم بالشهادتين حتى يعلم أن محمدًا جاء بنفي التشبيه وكذا من يزعم قدم شيء مع الله تعالى وكذا الوثني حتى يتبرأ من أن الوثن يقربه إلى الله ومحل الخلاف في غير العيسوي والعيسوية فرقة من اليهود تنسب إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصبهاني كان في خلافة المنصور يعتقد إن محمدًا رسول الله إلى العرب خاصة فلا يحكم بإسلامه بذلك لأنه يدّعي الاختصاص بل لا بد من أن يقول وأن محمدًا رسول الله إلى جميع الخلق، ولا نظر إلى أنه يلزم العيسوي أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول إلى الناس كافة إذ النبي لا يكذب بإجماع أهل الملل، لأنه إما أن ينكر إخباره بذلك أو حقيقته وإن أخبر به فيكون كفره بتكذيبه له، فاندفع بنظير الزركشي في عدم إسلامه نظرًا إلى أنه يلزم من اعتقاده رسالته إلى العرب اعتقاد رسالته إلى غيرهم لأن النبي لا يكذب اهـ، ومع الحكم بالإسلام للكافر يقيده السابق بالأذان فلا يصح أذانه لوقوع ابتدائه في الكفر والله أعلم.
باب صفة الإقامة
قوله: (المذهبُ الصحيحُ المختارُ الذي جاءَتْ بهِ الأحادِيث الصحيحةُ) قال الحافظ الذي في الصحيحين حديث أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وفي رواية إلَّا الإقامة وفي أخرى إلَّا قوله قد قامت الصلاة وأخرجه النسائي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأبو عوانة في صحيحه بلفظ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا وجاء في غيرهما عن بلال وجابر وسعد القرظ وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن زيد بن عبد ربه رائي الأذان وعبد الله بن عمر وأبي جحيفة وأبي رافع وأبي محذورة وأبي هريرة رضي الله عنه في شيء منها تفضيل الإقامة إلّا في حديث عبد الله بن زيد وهو في أحد طريقيه عند أبي داود والترمذي ونقل عن البخاري أنه صححه وصححه محمد بن يحيى الذهلي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم قال الحافظ وكأنهم صححوه لموافقته ما دل عليه حديث أنس في الصحيحين ومما صحح أيضًا في هذا الباب حديث ابن عمر صححه أبو عوانة من وجهين وهو عند أصحاب السنن وابن خزيمة أيضًا وابن حبان من أحد الوجهين ولفظه كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة إلّا قوله قد قامت الصلاة وأما حديث بلال وسائر من ذكر بعده ففي إسناد كل منها مقال وهي عند الطبراني والدارقطني إلَّا حديث جابر فعنده في الأفراد وإلَّا حديث أبي رافع ففي ابن ماجة وقد اختلفت الرواية على عبد
الله بن زيد في تثنية الإقامة وأخرج ابن خزيمة وأبو داود من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد ألفاظ الإقامة مرتين وأعله ابن خزيمة بالانقطاع والاضطراب أما الانقطاع فلأن عبد الرحمن لم يدرك عبد الله بن زيد لأنه استشهد باليمامة في خلافة الصديق وولد عبد الرحمن في خلافة عمر وأما الاضطراب فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن معاذ وقيل عنه عن أصحابه وقيل عنه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم واختلفت الرواية أيضًا عن أبي محذورة وأشهرها عنه الأذان بالترجيع والإقامة مرتين أخرجها أحمد وابن خزيمة وأصحاب السنن فذكروا فيها الإقامة كالأذان سواء لكن بغير ترجيع وزيادة قد قامت الصلاة مرتين واختصره بعضهم بلفظ علمني الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة ودعاء تشفيع الإقامة عن أبي جحيفة أيضًا عند الطبراني قال الحافظ وقد اختلف العلماء في الجمع بين هذه الإخبار فمنهم من رجح إفراد لفظ الإقامة ومنهم من رجح شفعها فمن حجة الأول كثرتها وأصحيتها ومن حجة الثاني تأخير قصة أبي محذورة عن قصة عبد الله بن زيد لأن رؤيا ابن زيد الأذان كانت في أوائل الهجرة إلى المدينة وتعليم أبي محذورة كان في أواخر الثامنة لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حنين ليكون ناسخًا وقد أجاب الإمام أحمد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بأن بلالًا أذن بعد ذلك للنبي شفعًا وأقام فرادى ومنهم من جعله من الاختلاف المباح وسلك ابن خزيمة في الجمع مسلكًا آخر فقال إن لم يرجع أفرد الإقامة على ما في حديث عبد الله بن زيد وإن رجع شفع الإقامة على ما في حديث أبي محذورة اهـ، وقد بسط الكلام على اختلاف العلماء في هذه المسألة ابن عبد البر فقال في التمهيد ما حاصله أما اختلافهم في الإقامة فذهب مالك والشافعي إلى أن الإقامة مفردة إلَّا قوله الله أكبر في الموضعين فإنه مكرر مرتين وقال الشافعي وإلا قد قامت الصلاة فمرتين وعند مالك مرة واحدة وأكثر الآثار على ما قاله الشافعي فيه وعليه أكثر الناس. قلت وفي حاشية عليه كل الأحاديث جاءت بتثنية قد قامت الصلاة في الإقامة وبه قال عامة العلماء وسائر المحدثين في كل الأقطار إلّا مالكًا فقال بالإفراد قال في التمهيد ومذهب الليث في هذا كله مذهب مالك وقال أبو حنيفة والثوري الإقامة والأذان سواء مثنى مثنى يقول في أول أذانه وإقامته الله أكبر أربع مرات وذهب أحمد وآخرون إلى إجازة القول بكل ما روي عنه صلى الله عليه وسلم وحملوا ذلك على الإباحة والتخيير قالوا لأنه قد ثبت جميع ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمل به أصحابه بعده فمن شاء أفرد ومن شاء ثنّى اهـ. قال في شرح العباب ومعظم الأذان مثنى مثنى ومعظم الإقامة فرادى لورود ذلك في خبر عبد الله بن زيد وهو صحيح وفي خبر أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وهي في الصحيحين وغيرهما وخبر ابن عمر إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وهو صحيح والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة ولمزيد شهرة رواتها وعدالتهم قدمها الشافعي وأصحابه على ما صح عند الترمذي من قول أبي محذورة علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة على أن الرواية اختلفت عن أبي محذورة فروي عنه جمع أفرادها كما بينته وأيضًا فأنا والحنفية متفقون على عدم
العمل بظاهر حديثه هذا لأن فيه الترجيع وهم لا يقولون به وتثنيتها ونحن لا نقول به فلا بد لنا ولهم من تأويله فكان الأخذ بالإفراد أولى لأنه الموافق لباقي الروايات والأحاديث الصحيحة وقد بين البيهقي أن التعبير بسبع عشرة كلمة وقع
فصل: واعلم أن الأذان والإقامة سنتان عندنا على المذهب الصحيح المختار، سواء في ذلك أذان الجمعة وغيرها. وقال بعض أصحابنا: هما فرض كفاية، وقال بعضهم: هما فرض كفاية في الجمعة دون غيرها، فإن قلنا: فرض كفاية، فلو تركه أهل البلد أو محلَّة قوتلوا على تركه، وإن قلنا: سنة لم يقاتلوا على المذهب الصحيح المختار، كما لا يقاتلون على سُنة الظهر وشِبْهها، وقال بعض أصحابنا: يقاتَلون لأنه شعار ظاهر.
فصل: ويُستحبُّ ترتيل الأذان
ــ
من تفسير بعض الرواة توهمًا منه أنه المراد من تثنية الإقامة وليس المراد بل تثنية كلمتي الإقامة وبين أيضًا أن اتفاق أبي محذورة وأولاده في حرم الله تعالى وسعد القرظ وأولاده في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على إثبات الترجيع وإفراد الإقامة مع توفر الصحابة ومن بعدهم يؤذن بضعف رواية تثنيتها واحتج على ذلك بكلام مالك والشافعي وغيرهما ومن ثم أجمع فقهاء أصحاب الحديث على إفراده اهـ، والحكمة في إفراد الإقامة وتثنية الأذان أنه للغائبين فكرر ليكون أبلغ في إعلامهم وهي للحاضرين فلا حاجة إلى تكرارها ولذا قال أصحابنا يكون صوته في الإقامة دونه في الأذان وإنما كرر لفظ الإقامة خاصة لأنه مقصود الإقامة ولما كان لفظ التكبير في الأذان أربعًا وفي الإقامة اثنين صار كأنه إفراد بالنظر لذلك ولذا استحب كون كل تكبيرتين في نفس والله أعلم.
فصل
قوله: (سنَّة) استشكل قول المصنف أنهما سنة مع قوله في الجماعة أنها فرض كفاية مع أنهما وسيلة وللوسائل حكم المقاصد وأيضًا ما لا يتم الواجب إلّا به واجب ويرد بمنع كونهما وسيلة لعدم توقفها عليهما على أن هذا إنما يأتي على الضعيف إن الأذان حق للجماعة والأصح خلافه. قوله: (قُوتِلُوا) أي بعد الإنذار والمقاتل لهم هو الإمام لأن ذلك لكونه محل نظر واجتهاد ليس للآحاد. قوله: (وَقَال بَعضُ أَصحابِنَا يقاتَلونَ لأَنه شِعار ظاهر) أي والإمام يقاتل على ترك السنة إذا كانت شعارًا ظاهرًا من شعار الإسلام ورد بأنه لا قتال على ترك سائر السنن وقتال الصحابة تاركيه لأن تركه كان في زمنهم علامة على الكفر.
فصل
قوله: (ويستحَب تَرْتيلُ الأَذَانِ وَرَفْعُ الصوتِ إلخ)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أما الترتيل فقال الحافظ بعد تخريج حديث علي رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نرتل الأذان وأن نحذف الإقامة هذا حديث غريب أخرجه الدارقطني في السنن ورجاله موثقون إلا ثلاثة منهم وجاء في معناه عن جابر قال قال صلى الله عليه وسلم لبلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر قال الحافظ حديث غريب أخرجه الترمذي وقال لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه وإسناده مجهول قال الحافظ عبد المنعم معروف بالضعف وسائر رواته موثقون إلّا يحيى بن مسلم فإنه مجهول وعليه يصب كلام الترمذي وجزم البيهقي بأنه يحيي البكاء قال الحافظ وهو ضعيف
أيضًا وقد أخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث وأدخل بين عبد المنعم ويحيى بن مسلم عمرو بن فايد وقال ليس في رواته مطعون فيه إلَّا عمرو بن فايد قال الحافظ ويتعجب من كلامه فإنه إن كان ثابتًا في الإسناد وسلم عدم الطعن في الباقين فالحديث ضعيف بسبب عمرو فكيف يستدرك على الصحيحين والراجح أن زيادته في هذا الإسناد وهم فقد وقع التصريح عند الترمذي وغيره بالتحديث بين عبد المنعم ويحيى وأما قول الترمذي لا نعرفه إلّا من هذا الوجه فيرد عليه مجيئه من وجه آخر من طريق أبي هريرة مثل حديث جابر سواء أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان وقال البيهقي الإسناد الأول أشهر من هذا قال الحافظ ورواة هذا موثقون إلَّا صبيح بن عمرو فلا يعرف إلّا في هذا الحديث وللمتن شاهد موقوف أخرجه الحافظ من طريق الدارقطني عن أبي الزبير مؤذن بيت المقدس قال جاءنا عمر رضي الله عنه قال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر هذا حديث موقوف حسن الإسناد ونقل عن الأصمعي أن الحدم والحدر بمعنى والمراد به الإسراع قال الحافظ وهو المراد بالإدراج في كلام المصنف وأما رفع الصوت بالأذان فتقدمت الإشارة إليه في فصل الأذان عن أبي محذورة في بعض طرقه أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع وعن سعد القرظ أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا أن يجعل أصبعيه في أذنيه وقال أنه أرفع لصوتك قال الحافظ حديث حسن أخرجه ابن ماجة وجاء من فعل بلال أخرجه أبو داود اهـ. قال ابن حجر في شرح العباب ترتيل الأذان أي التأني فيه بأن يأتي بكلماته مبنية من غير تمطيط مجاوز الحد لما صح عند الحاكم لكن ضعفه الترمذي من الأمر به ومن ثم تأكد على المؤذنين أن يحترزوا من أغلاط يقعون فيها نحو مد همزة أشهد
ورفع الصوت به، ويستحبُّ إدراج الإقامة، ويكون صوتها أخفض من الأذان، ويستحبُّ أن يكون المؤذن حَسَن الصوت،
ــ
فتصير استفهامًا ومد باء أكبر فيصير جمع كبر بالفتح وهو طبل له وجه واحد قاله في المحكم ومن الوقف على إله والابتداء بإلا الله لأنه ربما يؤدي إلى الكفر ومن إدغام دال محمد في راء رسول الله لأنه لحن خفي عند القراء كذا في الخادم وهو غير معروف ولعل الأصل من عدم الإدغام فسقطت لفظة عدم إذ المعروف عند القراء هو الإدغام وإنما اختلفوا في كونه صغيرًا أو كبيرًا فتركه هو اللحن الخفي كذا في شرح العباب ومن مد ألف الله والصلاة والفلاح لأن الزيادة في حرف المد واللين على ما تكلمت به العرب لحن ومن فلب الألف هاء من إلا الله ومن عدم النطق بها الصلاة لئلا يصير دعاء إلى النار ويقع لهم أيضًا مد همزة أكبر ونحوها وهو خطأ ولحن فاحش ويحرم تلحين الأذان إن تولد منه بعض ما ذكر من الأغلاط وإلا فيكره والله أعلم. قوله: (ورفع الصوت به) قدر ما يسمع نفسه هذا للمنفرد لأن الغرض منه الذكر لا الإعلام وعلى هذا حمل ما نقل عن نصّ الشافعي من أنه لو أسر ببعض الأذان أجزأ وقدر ما يسمع واحدا إن كان يؤذن لجماعة ولا بد من إسماع الواحد جميع كلماته قال في المجموع لأن الجماعة تحصل بهما فلا يجزئ الإسرار ولو ببعضه ما عدا الترجيع لفوات الإعلام والإقامة في هذا التفصيل كالأذان فلا بد في الإقامة لهم من إسماع بعضهم ولو واحدًا جميع كلماتها ويبالغ كل منها في الرفع من غير أن يجهد نفسه لما سبق من حديث سعيد لا يسمع صوت المؤذن إلخ. قوله: (وَيُسْتَحَب إِدراجُ الإقامَةِ) أي إسراعها إذ أصل الإدراج الطي ثم استعير لإدخال بعض الكلمات في بعض لما صح من الأمر به وفارقت الأذان بأنه للغائبين والترتيب فيه أبلغ وهي للحاضرين فالإدراج فيها أشبه.
قوله: (وَيكُونُ صوتُها أَخفضَ مِنَ الأذَانِ) أي بحيث يكون بقدر الحاجة كما نقله الزركشي عن العراقي وأقره فمع اتساع المسجد وكثرة الجماعة يحتاج للرفع أكثر منه مع ضد ذلك وفي الحالين لا يبلغ رفعها رفع الأذان. قوله: (حَسَنَ الصوتِ) لأمره صلى الله عليه وسلم نحوًا من عشرين رجلًا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان رواه جماعة في رواية بلفظ
ثقةً، مأمونًا، خبيرًا بالوقت، متبرعًا، ويستحبُّ أن يؤذِّن ويقيم
ــ
فأعجبه صوت أبي محذورة وفي طريق آخر لقد سمعت في هؤلاء صوت إنسان حسن الصوت وكلاهما في السنن والثاني منهما عند ابن خزيمة ويؤخذ أيضًا من قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد رائي الأذان قم فألقه على بلال فإنه أندى صوتًا منك بناء على أن المراد أطيب وقيل المراد به أرفع ولأنه لترقيقه قلوب السامعين يكون أرق فيكون ميلهم إلى الإجابة أكثر ولو وجد متبرع بالأذان وطلب حسن الصوت أجرة قدم لعموم نفعه وفي شرح مسلم للأبي قال عمر بن عبد العزيز لمؤذن أذن أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلنا.
قلت يذكر إن يهوديًّا كان يبعث ولده من سوق الصاغة بتونس فبطا عليه فسمع أن الولد يقف ينتظر أذان مؤذن حسن الصوت بمسجد سوق القلعة فخاف على ولده الإسلام وكان اليهودي يعرف مؤذنا فظيع الصوت بمسجد آخر فتحين أذانه ورفع ولده إليه حتى سمعه وقال له ذلك الذي يقوله المؤذن بسوق القلعة هو الذي يقوله هذا اهـ. قوله: (ثقة مأْمونًا) لخبر ضعيف وليؤذن لكم خياركم وفي الأم للشافعي وأحب أن يكون المؤذنون خيار الناس ولأنه أمين على الوقت ويطلع لعلو مكانه على العورات فإن أذن فاسق فيكره إذ لا يؤمن أن يؤذن في غير الوقت لكن يحصل بأذانه السنة وإن لم يقبل خبره. قوله: (مُتَبرِّعا) أي لا يأخذ عليه رزقا ولا أجرة لخبر من أذن سبع سنين محتسبا كتب الله له براءة من النار رواه الترمذي وغيره وفي إسناده مقال وروى الطبراني المؤذن المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه إذا مات لم يدود في قبره.
وقد نظمت بعض من لا يأكله الدود في قبره في بيتين فقلت:
لا يأكل الدود جسمًا للنبي ولا
…
مؤذن باحتساب والشهيد ذكي
وعالم عامل لله مجتنبًا
…
أكل الحرام كثير الدين والنسك
قال في الأنوار ويكره أن يأخذ له أجرة ويدل له خبر الترمذي وحسنه ورواه باقي أصحاب السنن الأربعة كما قال الحافظ عن عثمان بن أبي العاص آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا ففيه دليل ظاهر للكراهة ولا يرزق الإمام مؤذنًا وهناك متطوع عدل فإن كان فاسقًا أو أمينًا وثم أمين أحسن صوتًا غير متطوع رزقه من المصالح قدر حاجته وحاجة مموِّنه أو رزقه من ماله
قائمًا على طهارة وموضعٍ عالٍ،
ــ
لا من الفيء ولا من الصدقات ولو تعدد المؤذنون والمساجد رزق الكل وإن تقاربت وأمكن جمع الناس بمسجد وقدم حتمًا الأهم كمؤذن الجامع إن ضاق سهم المصالح وإلا فندبا وللآحاد استئجاره بما تراضيا به وإذا استأجره الإمام لم يشترط ذكر الغاية فيكفي استأجرتك لتؤذن في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا وإن استأجره من ماله أو استأجره الآحاد اشترط ويستحق
الإقامة تبعًا فلا يجوز إفرادها بعقد كذا في العباب. قوله: (قَائِمًا) بالإجماع لأمره صلى الله عليه وسلم بلالا به رواه الشيخان ولأنه أبلغ في الإعلام وكان القياس وجوبه كما قيل به إذ لم يرد ما يصرف الأمر به عن الوجوب وأذانه صلى الله عليه وسلم على راحلته لا يحتج به خلافًا لما وقع في المجموع لأنه في السفر والكلام في غيره قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن السنة الأذان قائمًا اهـ، فيكره للقاعد وللمضطجع أشد والراكب المقيم لا المسافر فلا يكره له ذلك لحاجته للركوب لكن الأولى له ألا يؤذن إلا بعد نزوله لأنه لا بد له منه للفريضة وقضية كلام الرافعي أنه لا كراهة له في فعله راكبا وقاعدا ويوجه بأن من شأن السفر التعب والمشقة فسومح له قال الأسنوي ولا يكره له ترك الاستقبال والمشي لاحتماله في صلاة النفل ففي أذانه أولى لكن محله في المشي بالنسبة لغيره أن يكون بحيث يسمع آخره من يسمع أوله وإلَّا فلا يجزئه لهم بل لنفسه فقط كما في شرح العباب وغيره قال ابن الملقن في البدر المنير روينا إن ابن عمر كان يؤذن على البعير فينزل ويقيم وفي حديث النسائي عن أبي محذورة خرجت في سفر وكنا في بعض طرق حنين الحديث وفيه قم فأذن بالصلاة وقال عبد الحق فيما رده على المحلي وكذا تلقاه الناس قال ولم يرو عن أحد منهم أنه أذن راكبًا لغير عذر اهـ. قال الحافظ ودليل القيام والطهارة ما أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان عن وائل قال حق وسنة ألا يؤذن إلا وهو طاهر وأنه لا يؤذن إلا وهو قائم أخرجه البيهقي وقال عبد الجبار لم يسمع من أبيه وائل وعند الترمذي عن أبي هريرة لا يؤذن إلا متوضٍ أخرجه مرفوعًا وموقوفًا ورجح الموقوف وفي سند كل منهما انقطاع اهـ. قوله:(عَالٍ) كمنارة بفتح الميم وسطح للخبر الآتي في بلال وابن أم مكتوم أنه لم يكن بين أذانيهما
مستقبل القبلة، فلو أذن أو أقام مستدبر القبلة، أو قاعدًا، أو مضطجعًا،
ــ
إلَّا أن ينزل هذا ويرقي هذا وروى أبو داود عن امرأة من الأنصار من بني النجار كان بيتي طول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له عن شيء فوق ظهره قال الحافظ عند أبي الشيخ في كتاب الأذان من حديث أبي برزة الأسلمي قال من السنة الأذان في المنارة وأخرجه البيهقي من طريقه وقال إسناده واهٍ اهـ، ولزيادة الإعلام ومن ثم بنى عثمان رضي الله عنه المنائر، أما الإقامة فلا يسن فيها ذلك إلّا إن احتيج إليه لكبر المسجد كما في المجموع وفي البحر لو لم يكن للمسجد منارة يسن أن يؤذن على الباب وينبغي تقييده بما إذا تعذر في سطحه وإلّا فهو أولى كما هو ظاهر. قوله:(مستقبلَ القبلَةِ) لما وقع في بعض طرق حديث عبد الله في رؤياه الأذان قال فرأيت رجلًا عليه ثوبان أخضران استقبل القبلة فقال الله أكبر الله أكبر وساق الحديث هكذا في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل في السنن وعبد الرحمن عن معاذ منقطع ولأنه المنقول سلفًا وخلفًا ولأنها أشرف الجهات نعم يسن فيه وفي الإقامة الالتفات بعنقه من غير تحويل صدره وقدميه عن الاستقبال ولو في منارة كالالتفات بسلام الصلاة أي بحيث يرى خده لا خداه يمينًا في كلمتي حي على الصلاة ثم يستقبل القبلة ثم يسارًا في كلمتي حي على الفلاح لأن بلالًا كان يفعل ذلك رواه الشيخان وفي رواية صحيحة فلما بلغ حي على الصلاة لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر ورواية فاستدار ضعيفة من سائر طرقها أو المراد بالاستدارة فيها الالتفات ليوافق رواية الالتفات قاله في المجموع وقول الحاكم إن الاستدارة سنة مستغربة صحيحة على شرط الشيخين مردود واختصت الحيعلتان بالالتفات لأن غيرهما ذكر الله وهما خطاب آدمي كالسلام في الصلاة يلتفت فيه دون غيره من الأذكار ويشرع في حيعلتي الإقامة كما هو ظاهر كلامهم لكن في الوسيط المشهور أنه مشروع عند قوله قد قامت الصلاة وظاهره ككلام البيان أنه يشرع عندهما فقط قال في شرح العباب ولو قيل يشرع عندهما وعند كلمة الإقامة لم يبعد وعليه فيقول يمينًا حي على الصلاة وشمالًا حي على الفلاح ويمينًا قد قامت الصلاة ثم يسارًا الأخرى وفارق ما مر في الأذان بأن
أو محدثًا، أو جنبًا صحَّ أذانه وكان مكروهًا،
والكراهة في الجنب أشدَّ من المحدث، وكراهة الإقامة أشدّ.
فصل: لا يشرع الأذان إلا للصلوات الخمس: الصبح والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وسواء فيها الحاضرةً
ــ
كلا من مر في الحيعلة الأولى جنس واحد فناسبه التفات واحد وكذلك الثانية بخلاف ما هنا فناسبه التفات جديد وإنما كره الالتفات في الخطبة لأنها وعظ للحاضرين فالأدب ألا يعرض عنهم وفارقت الإقامة بأن القصد منها الإعلام فليس فيها ترك أدب اهـ. قوله: (وَمُحْدثًا) أي غير متيمم أو سلس أو فاقد طهور ومن أحدث في أذانه ولو بالجنابة أتمه ولا يسن قطعه فإن تطهر عن قرب جاز له البناء والاستئناف أولى. قوله: (والكراهة في الجُنب أشد) أي الجنب غير المتيمم وفاقد الطهورين أشد لغلظ حدثه وكراهة الإقامة من كل منهما أشد منها في الأذان لذلك إن اختلف سببها وإلا فلا لأن الإقامة تعقبها الصلاة فإن انتظره القوم ليتطهر شق عليهم وإلا ساءت به الظنون وقضية كلام المصنف والرافعي وغيرهما أن كراهة إقامة المحدث أشد من كراهة أذان الجنب لكن بحث الأسنوي في تساويهما والحيض والنفاس أغلظ من الجنابة فتكون الكراهة معهما أشد منها معها وبه صرح الزركشي وغيره ثم الكراهة في أذان من ذكر أما لغيرها فلا كما يؤخذ من العلة.
فصل
قوله: (لا يُشرَعُ الأذان) أي وكذا الإقامة إلَّا للصلوات الخمس ولا يندبان في غيرها كالسنن وصلاة الجنازة والمنذورة وفي شرح العباب وكذا المعادة في جماعة كما اقتضاه كلام الشامل بل يكرهان فيه كما في الأنوار وغيره وسكت المصنف عن بيان حكم الإقامة مع أنها آكد من الأذان كما نقله ابن عبد البر عن الشافعي لأنه صلى الله عليه وسلم تركه دونها في ثانية المجموعتين وبه يراد إفتاء بعض المتأخرين بأفضليته عليها إلّا أن يريد القيام بوظيفته أفضل لأنها أشق إما اكتفاء بالأذان إذ حيث سن سنت وحيث لم يسن هو لم تسن هي إلَّا فيما ذكر من المكتوبات إلَّا إذا صليت ولا يجمع أو قضاء قال في شرح العباب وتكره الصلاة جامعة في الفرائض بدلا عن الإقامة نعم ورد بسند حسن عن جابر يرفعه النداء بالصلاة جامعة في الخوف وهو غريب اهـ. قوله: (الصبح) يجوز فيه وجوه الإعراب الثلاثة فالجر على الاتباع بدل كل من كل بناء على سبق
والفائتة، وسواء الحاضرُ والمسافر، وسواء مَنْ صلى وحده أو
في جماعة،
ــ
العطف على الإبدال والنصب بإضمار أعني والرفع بإضمار هي وهذان الوجهان جاريان في بدل المفصل من المجمل إذا استوفى العدة فإن لم يستوفها تعين الاتباع. قوله: (وَالفائتة) طلب الأذان في الفائتة وهو القول القديم للشافعي وهو المعتمد لقوة دليله بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الوادي في صلاة الصبح: ثم نزل فتوضأ ثم أذن بلال فصلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى صلاة الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم متفق عليه وبقوله كما كان يصنع إلخ، مع رواية أبي داود عن عمرو بن أمية وعمران بن حصين أنه جمع بين الأذان والإقامة يندفع احتمال أن يراد بالأذان فيه الإقامة واقتصار مسلم عليها فيه اختصار وأما الخبر الصحيح عن أبي سعيد إنهم حبسوا يوم الخندق حين ذهبت طائفة من الليل فدعا صلى الله عليه وسلم بلالًا فأمره فأقام الظهر وما بعدها فصلاهن كما كان يصليهن في وقتهن فلا يعارض الخبر الأول لأنه أصح منه مع أن مع رواته زيادة علم على أن في طريق أخرى عن ابن مسعود في قضية الخندق أن بلالا أمر فأذن ثم أقام ولا يضر انقطاعها لأن المنقطع يصلح للتقوية قيل وهذا أولى مما في المجموع من الجواب بأنهما قضيتان في أيام الخندق لأنه لا يأتي إلا على الضعيف أن المنقطع حجة أما على الأصح أنه غير حجة فليس هناك قضية ثانية وفي شرح العباب يسن للفائتة في القديم وإن صلى وحده كما يصرح به كلامهم خلافًا لمن زعم أن شرطه يصليها جماعة لأن القديم يشترط في الأذان للمؤداة الجماعة ويجاب بأنه لا يلزم من اعتمادهم للقديم في الثانية اعتمادهم له في اشتراطه في الأذان للمؤداة بجماعة على أن في كون القديم يشترط ذلك جزمًا أو على خلاف فيه نظرًا ومما يرده نقل الرافعي وغيره عن القديم أنه حق للمكتوبة وعن الجديد قولين حق للجماعة حق الوقت فهذا تصريح منهم بأن القديم لا يشترط الجماعة في المؤداة فضلًا عن الفائتة اهـ.
فإن قلت ما تقرر في كون الأذان حق المكتوبة يخالفه ما يأتي في قضاء الفوائت والمجموعتين من أنه لا يؤذن لغير الأولى.
قلت لا يناقضه خلافًا لمن توهمه لأن وقوع الثانية تابعة حقيقة في الجمع وصورة في غيره صيرها كجزء من أجزاء الأولى فاكتفى بالأذان لها. قوله: (مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ) ظاهر إطلاقه شمول ما إذا سمع الأذان من غيره فيقتضي استحبابه له حينئذٍ وهو ما في التحقيق والتنقيح ونقله في المجموع عن نص الأم والشيخ أبي حامد
وإذا أذَّن واحد كفى عن الباقين، وإذا قضى فوائت في وقت واحد أذَّن للأولى وحدها، وأقام لكل صلاة. وإذا جمع بين الصلاتين، أدن للأولى وحدها، وأقام لكل واحدة، وأما غير الصلوات الخمس
ــ
وغيره ولا ينافيه قول القاضي أبي الطيب عن عامة الأصحاب فيمن دخل مسجدا قبل إقامة الصلاة أو بعده يجزيه أذان المؤذن وإقامته لأنا نقول بموجبه من الإجزاء حتى لا يكره تركهما وإنما الكلام في الاستحباب ولا تعرض منهم لنفيه بل لإثباته لأن هذا هو شأن سنة الكفاية كفرضها لكن في شرح مسلم للمصنف أن من سمع أذان الجماعة لا يشرع له وقواه الأذرعي والزركشي قال ابن حجر وينبغي حمله على أن مراده لا يتأكد حتى لا يكره له تركه أو على ما إذا أراد الصلاة معهم ويحمل الاستحباب على خلافه اهـ. قوله: (وَلَوْ أَذّنَ وَاحدٌ كَفى عَنِ الباقِينَ) لأنه سنة كفاية كابتداء الإسلام وفرع الزركشي على كونه سنة كفاية أنه لو أذن واحد لجمع لم يسن لكل منهم أن يؤذن والظاهر أنه مبني على ما تقدم عن شرح مسلم وإلَّا فالقياس ندبه لكل كما أن التسمية سنة كفاية على الأكمل فإذا أتى بها أحد الآكلين لا يقال للبقية لا يسن لكم الإتيان بها بل يقال سقط عنكم حرج تركها فقط وفرق ظاهر بين المقامين ولو أذن واحد في جانب فقط من قرية كبيرة حصلت السنة في ذلك الجانب فقط. قوله: (وإِذَا جَمَعَ بَينَ صَلاتَينِ) أي سواء كان لسفر أو مطر. قوله: (أَذّنَ
للأُولى) سواء في جمع التأخير قدم الأولى أم الثانية كما في المجموع ونقل الزركشي عن النووي أنه يؤذن للثانية أيضًا سهو كيف وفي المجموع القول بالتأذين للثانية غلط. قوله: (وَأَقَامَ لِكُل وَاحدةٍ) ودليل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين العشاءين بمزدلفة بأذان وإقامتين رواه الشيخان عن جابر ولا يعارضه روايتهما عن ابن عمر أنه صلاهما بإقامتين لأن مع العلم زيادة علم على أن جابر استوفى أمور حجة الوداع وأتقنها فهو أولى بالاعتماد لأنه أشد الصحابة عناية بضبط المناسك وأيضًا فهولم يختلف عليه وابن عمر اختلف عليه فقد روى أبو داود عنه أنه أذن وأقام للمغرب وتقاس الفوائت بالمجموعتين على أنه مر التصريح بذلك في خبر ابن مسعود يوم الخندق ولا يضر انقطاعه لما مر ولأن المنقطع يعمل به في الفضائل وسكت المصنف عما إذا والى بين فائتة ومؤداة وحكمه كما ذكر إلَّا إن قدم الفائتة ثم دخل وقت الحاضرة
فلا يؤذن لشيء منها بلا خلاف، ثم منها ما يستحب أن يقال عند إرادة صلاتها في جماعة: الصلاة جامعة مثل
ــ
فيعيد الأذان للحاضرة أيضًا وكذا يتكرر الأذان فيما إذا أخر مؤداة لآخر وقتها فإن أذن لها وصلى فدخل وقت ما بعدها فيؤذن لها قطعًا ومحل الاكتفاء بالأذان. إذا والى بين الصلاتين فيما ذكر، وإلَّا بأن طال الفصل أذن وأقام لكل قال في شرح العباب يظهر أن الطول في هذا الباب أزيد منه في صلاتي الجمع لأن ذلك رخصة فاحتيط فيه بما لم يحتط به في غيره والله أعلم. قوله:(فلا يُؤَذِّنُ لِشَيْءٍ مِنْهَا) بل يكره كالإقامة كما في الأنوار ويوافقه قول الشافعي لو أذن أقام للعيد كرهته نعم قد يسن لغير الصلاة كما في أذن المولود والمهموم والمصروع ومن ساء خلقه من بهيمة أو إنسان وعند مزدحم الجيش وعند الحريق وقيل عند إنزال الميت قبره قياسًا على أول خروجه للدنيا ورد وعند تغول الغيلان أي تمرد الجن لخبر صحيح فيه وهو والإقامة خلف المسافر. قوله: (ثُمّ مِنْها) وهوما يشرع فيه الجماعة. قوله: (عِنْدَ إِرادَة صَلاتِهَا إلخ) قال في شرح العباب قال الزركشي هل محله عند الصلاة كالإقامة أو عند دخول الوقت كالأذان لم أر فيه شيئًا وقال بعض مشايخنا الظاهر الثاني ليكون سببًا لاجتماع الناس ويؤيده أنه لما كسفت الشمس أرسل صلى الله عليه وسلم مناديه فاجتمع الناس وقد يقال هذا كان في أول مشروعية هذه الصلاة فقدم النداء ليجتمع الناس إليها ولو قيل باستحبابه مرتين أو عند دخول الوقت وإرادة الصلاة ليكون بدلًا عن الأذان والإقامة لم يبعد لكن جزم في الأذكار بأنه يأتي به عند إرادة فعلها اهـ. قال ابن قاسم وفيه رمز إلى أنه بمنزلة الإقامة في الفرائض اهـ. قوله: (الصَّلاةُ جَامِعةٌ) بنصبهما الأول بالإغراء والثاني بالحالية ورفعهما على الابتداء والخبر ورفع أحدهما على أنه مبتدأ حذف خبره أو عكسه ونصب الآخر على الإغراء في الأول والحالية في الثاني كذا في شرح الروض وغيره ثم قوله ورفع أحدهما أراد به المفهوم العام الشامل لكل منهما وقوله غير أنه مبتدأ حذف خبره راجع للإحد باعتبار الأول وقوله أو عكسه راجع له باعتبار الثاني على طريق اللف والنشر فاندفع اعتراض من فهم أن مراده إن كلا من الوجهين راجع للإحد باعتبار كل من الفردين فاعترضه بأنه يلزم الابتداء بجامعة وهو نكرة بلا مسوغ على أنه لو سلمنا لقلنا المسوغ الفائدة
العيد والكسوف والاستسقاء. ومنها ما لا يستحب ذلك فيه، كسنن الصلوات، والنوافل المطلقة، ومنها ما اختلف فيه كصلاة التراويح، والجنازة، والأصحُّ أنه يأتي به في التراويح دون الجنازة.
ــ
أي ولا حاجة إلى غيرها مع وجودها كما جنح إليه الرضي نقلًا عن ابن الدهان واستحسنه كذا في حواشي المحقق ابن قاسم على شرح المنهج. قوله: (العيدِ والكسوفِ) الظاهر مثل الكسوف والعيد أي بتأخير العيد في
الذكر لأنه ورد في الصحيحين في الكسوف، والعيد والاستسقاء وغيرهما مما يشرع فيه الجماعة مقيس عليه في ذلك فكان تقديم العيد في الذكر لكونه أفضل وآكد حتى قيل أنه أولى فرض. قوله:(ومِنْهَا مَا لَا يُسْنِ فِيهِ) وهو ما لا يسن فيه جماعة وكذا ما يسن فيه إذا صلى فرادى والمنذورة وقول المحلي يسن في المنذورة إذا قلنا يسلك بها مسلك واجب الشرع قال في المجموع غلط وهو كثير الغلط وقد اتفقوا على أنه لا يقال فيها شيء أصلًا اهـ. قوله: (فِي الترَاويح) قال ابن حجر الذي يظهر أنه إذا صلى التراويح عقب العشاء لا يحتاج إلى نداء لها وكذا يقال في الوتر عقبها فمحل استحباب النداء للتراويح إذا أخرت عن فعل العشاء اهـ، وخالفه بعض المحققين فقال هذا بناء على القول بأن ذلك نائب عن الأذان والإقامة أما إذا قلنا أنه نائب عن الإقامة فيأتي فيه مطلقًا اهـ.
وأقول فيه نظر لأن ابن حجر وإن قال باستحباب ذلك في محل الأذان إلَّا أنه يقول باستحبابها ثانيًا نيابة عن القيامة لتكون نائبة عنهما كما سبق والظاهر أن علة ترك ذلك عنده حينئذٍ ما ذكروه في عدم طلبه ذلك على الجنازة من كون المشيعين لها حاضرين لا حاجة لإعلامهم وذلك لأنه حيث كان مريد صلاة التراويح بعد العشاء حاضرًا زال السبب الداعي لها من إعلام القوم بحضور وقتها ومن ثم لو كان بعضهم غائبًا أو يزيدوا بالنداء سن ذلك قياس ما يأتي في الجنازة. قوله: (دُونَ الجنازَةِ) خالف فيه جمع متقدمون ووجه ما رجحه المصنف هنا وفي الروضة ونقله عن نص الأم أن المشيعين لها حاضرون فلا حاجة لإعلامهم ومنه يؤخذ أنه لو لم يكن معها أحد وزادوا بالنداء سن النداء حينئذٍ لمصلحة الميت كما في شرح العباب.
فصل: ولا تصحُّ الإقامة إلا في الوقت وعند إرادة الدخول في الصلاة، ولا يصحُّ الأذان إلا بعد دخول وقت الصلاة، إلا الصبح، فإنه يجوز الأذان لها قبل دخول الوقت.
واختلف في الوقت الذي يجوز فيه، والأصح أنه يجوز
ــ
فصل
قوله: (وَعِنْدَ إِرَادةِ الدخولِ فِي الصَّلاةِ) حيث لا جماعة وإلا فأذان الإمام ولو بالإشارة فإن قدمت عليه اعتد بها وقيل لا ويشترط ألا يطول الفصل بينهما أي عرفًا كما في المجموع وفيه ما يعلم منه أن الكلام لحاجة لا يؤثر في طول الفصل أي كالأمر بتسوية الصفوف وإن كثرت لكن إن لم يفحش بأن لا يمضي زمن يقطع نسبة الإقامة عن الصلاة من كل وجه لأن ذلك من مصلحتها فلم يضر الإبطاء لأجله فإن فحش بأن مضى ذلك أعادها وظاهر أن الكلام في غير الجمعة لوجوب الموالاة فيها ويحتاط للواجب ما لا يحتاط لغيره ومن ثم ينبغي أن يضبط الطول المضر فيها بقدر ركعتين بأخف ما يمكن أخذًا مما في جمع التقديم ولا يضبط الطول هنا بذلك لما تقرر من الفرق بين الواجب والمندوب وأما الطول بالسكوت والكلام لا لحاجة فيقتضي إعادتها. قوله: (إلا الصبحَ) ونقل عن الخفاف وعن أبي حامد في الرونق والمحاملي أن مثله أذان الجمعة فإنه يؤذن له قبل وقتها نظرًا إلى أنه إنما يدخل بعد الخطبة وهو مردود بأن الخطبة شرط للصحة لا للوقت فهو كأذان المحدث قبل
طهارته. فاندفع قول الزركشي في هذا رد لقول النووي وغيره: ولا يجوز تقديم أذان غير الصبح إجماعًا. كذا في شرح العباب لابن حجر وهو مصرح بأن يجعل أذان الجمعة الذي في الظهر قبل وقتها لا أنه يجوز قبل الظهر لكن عبارة التحفة له فأذان الجمعة الأول ليس كالصبح في ذلك أي الأذان قبل الوقت خلافًا لما في الرونق لأنه لا مجال للقياس في ذلك انتهت وهي تقتضي أنه يجوز الأذان الأول قبل دخول وقتها وهو محتمل لأن يكون وقت الظهر كما هو المعتمد ويقربه قوله لأنه لا مجال للقياس في ذلك أو وقت الصلاة الذي لا يدخل إلّا بالخطبة كما تقدم عن شرح العباب والله أعلم. قوله: (فإنه يجوزُ الأذانُ لهَا إلخ) بل يسن لخبر الشيخين أن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ورواية إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال لا تنافيه لأنها على تقدير صحتها محمولة على أنه
بعد نصف الليل، وقيل: عند السحر، وقيل: في جميع الليل، وليس بشيء، وقيل: بعد ثلثي الليل، والمختار الأول.
فصل: وتقيم المرأة والخنثى المشكل، ولا يؤذّنان لأنهما منهيان عن رفع الصوت.
ــ
كان بينهما نوبًا ثم ظاهر قوله فإنه يجوز إلخ، أنه لا يجوز الأذان قبل دخول الوقت في غير الصبح وهو كذلك لأنه عبادة فاسدة ونقل ابن قاسم عن الشمس الرملي والطبلاوي أنه صغيرة وبالغًا في رد ما نقل لهما عن بعض أنه كبيرة اهـ. قوله:(بَعْدَ نِصفِ الليْلِ) لأنه أقرب إلى وقت الصبح بل في ذيل فصيح ثعلب للموقف البغدادي من أول النصف الثاني من الليل إلى الزوال صباح ومن الزوال إلى آخر النصف الأول مساء اهـ، ويشهد له أن العرب تقول بعد مضي النصف الأول من الليل أنعم صباحًا وتشبيهًا بالدفع من مزدلفة ولتنبيه النائمين بالصلاة ليتأهبوا لإدراك فضيلة أول الوقت وقيل عند السحر واختاره جمع متقدمون ومن المتأخرين السبكي والأذرعي وغيرهما وفي المجموع أنه ظاهر المنقول من فعل بلال وابن أم مكتوم وبين ذلك بقوله في شرح مسلم في كلامه على أنه لم يكن بين أذانيهما إلّا أن ينزل ويرقي هذا قال العلماء معناه أن بلالًا كان يؤذن قبل الفجر ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب ثم يرقي ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر والمراد بالسحر على هذا ما بين الفجرين كما قاله المتولي قال أهل اللغة والكاذب يطلع وقد بقي من الليل سبعه وقال ابن أبي الصيف المراد به سدس الليل الأخير وقال الرافعي أنه بعد سبع الليل الأخير شتاء ونصف الليل صيفا قال في المجموع احتج له على خلاف عادته في التحقيق بحديث أورده الغزالي وغيره وهو حديث باطل والذي ورد من طرق ضعيفة أنه في الشتاء لسبع ونصف وفي الصيف لسبع اهـ.
فصل
قوله: (لأَنهُمَا مَنْهِيانِ عَنْ رَفْع الصوْتِ) فيحرم رفع صوتهما بهما فوق ما يسمع صواحباتها وإن لم تبالغ في الرفع مبالغة الرجل وذلك للافتتان بصوتها لوجهها وإنما جاز غناؤها مع الكراهة مع استماع