المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب القنوت في الصبح - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٢

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه

- ‌باب ما يقول على وضوئه

- ‌باب ما يقول عند اغتساله

- ‌باب ما يقول على تيممه

- ‌باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد

- ‌باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه

- ‌باب ما يقول في المسجد

- ‌باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه

- ‌باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد والحث علي مكارم الأخلاق ونحو ذلك

- ‌باب فضيلة الأذان

- ‌باب صفة الأذان

- ‌باب صفة الإقامة

- ‌باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

- ‌فائدة

- ‌باب الدعاء بعد الأذان

- ‌باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح

- ‌تتمة

- ‌باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف

- ‌باب ما يقول عند إرادته القيام الي الصلاة

- ‌باب الدعاء عند الإقامة

- ‌باب ما يقول إذا دخل في الصلاة

- ‌باب تكبيرة الإحرام

- ‌باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام

- ‌باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح

- ‌باب القراءة بعد التعوذ

- ‌فائدة

- ‌باب أذكار الركوع

- ‌خاتمة

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله

- ‌باب أذكار السجود

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين

- ‌باب أذكار الركعة الثانية

- ‌باب القنوت في الصبح

- ‌باب التشهد في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

الفصل: ‌باب القنوت في الصبح

‌باب القنوت في الصبح

اعلم أن القنوت في صلاة الصبح سُنة.

للحديث الصحيح فيه عن أنس رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في

الصبح حتى فارق الدنيا"،

ــ

الصلاة واختلف الفقهاء هل هذا موضع استعاذة أو لا بعد اتفاقهم إنه ليس بموضع استفتاح وفي ذلك قولان مبناهما إن قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة فيكفي لها استعاذة واحدة أو قراءة كل ركعة مستقلة بنفسها ولا نزاع بينهم إن الاستفتاح لمجموع الصلاة اهـ.

باب القنوت

في فتح الباري ذكر ابن العربي للقنوت عشرة معانٍ فنظمها شيخنا زين الدين العراقي فقال:

ولفظ القنوت اذكر معانيه تجد

مزيدًا على عشر معان مرضيه

دعاء خشوع والعبادة طاعه

أقامتها إقراره بالعبوديه

سكوت صلاة والقيام وطوله

كذاك دوام الطاعة المتتاليه

وعند أهل الشرع اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام. قوله: (عَنْ أنس إلخ) في الخلاصة للمصنف عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم ثم تركه فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا صحيح رواه جماعات من الحفاظ وصححوه وممن نص على صحته الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي البلخي والحاكم في المستدرك ومواضع من كتب البيهقي ورواه الدارقطني من طرق بأسانيد صحيحة وعن العوام بن حمزة قال سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح فقال بعد الركوع قلت عمن قال عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما رواه البيهقي وقال هذا إسناد حسن، وعن ابن معقل التابعي قال قنت في الفجر علي رضي الله عنه قال البيهقي هذا عن علي صحيح مشهور، قال أصحابنا الذين رووا إثبات القنوت أكثر ومعهم زيادة علم فتقدم روايتهم اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة أما رواية تركه فالمراد ترك الدعاء عليهم لا ترك جميع القنوت أو ترك القنوت في غير

ص: 286

رواه الحاكم أبو عبد الله في كتاب "الأربعين"، وقال: حديث صحيح.

واعلم أن القنوت مشروع عندنا في الصبح، وهو سنة مؤكدة، لو تركه لم تبطل صلاته،

ــ

الصبح كما بينه خبر أنس فإنه مفصل فيقضي به على هذا المجمل اهـ، وزاد في شرح العباب ويوافقه أي خبر أنس المذكور روايتهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ثم ترك الدعاء عليهم لكن في الهدي لابن القيم إنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصلاة وترك وكان تركه أكثر من فعله ولا كراهة على من فعل ولا من ترك وأطال في الاستدلال له بما في بعضه نظر قال ابن حجر في شرح المشكاة في حديث أبي مالك الأشجعي قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ها هنا بالكوفة نحوًا من خمسين سنة أكانوا يقنتون قال أي بني محدث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وأجاب أئمتنا بأن الذين أثبتوا معهم زيادة علم فوجب تقديمهم لا سيما وهم أكثر* قلت قال الحافظ ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذكر أسروه فلم يسمعه أبو مالك وكان بعيدًا أو نسي ويعكر عليه ورود نحو ذلك عن ابن مسعود اهـ. وما روي عن ابن مسعود إنه صلى الله عليه وسلم لم يقنت في شيء من صلاته إلّا في الوتر وكان إذا حارب قنت في الصلوات كلها يدعو على المشركين ضعيف جدًّا، وكذا ما روي عن ابن عباس إنه بدعة وعن أم سلمة إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن القنوت في الصبح فهذه كلها ضعيفة، ومما يرد ما ذكر عن ابن عباس ما رواه البيهقي عنه من طرق إنه صلى الله عليه وسلم يعلمهم اللهم اهدني إلخ، ليدعوا به في قنوت الصبح وقول ابن عمر ما أحفظه عن أحد من الصحابة معارض بمن حفظه

وهو أسن منه وأكثر عددًا فقدم عليه سيما وهو ناف وغيره مثبت اهـ. دوله: (أَخرجهُ أَحمد في كتاب الأَربعين) قال الحافظ وأخرجه الحاكم في كتاب القنوت ولفظه ثم عن أنس قال ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا قال الحافظ حديث حسن أخرجه أحمد وفي سنده أبو جعفر الرازي واسمه عيسى بن ماهان مختلف فيه وكذا في شيخه وأسند الحافظ عن أنس أيضًا قنت صلى الله عليه وسلم شهرًا ثم تركه فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا وأسند أيضًا عن أبي جعفر الرازي قال كنت جالسًا عند أنس بن مالك فقيل إنما قنت صلى الله عليه وسلم شهرًا فقال لم يزل يقنت

ص: 287

لكن يسجد للسهو سواء تركه عمدًا أو سهوًا. وأما غير الصبح من الصلوات الخمس، فهل يقنت فيها؟ فيه ثلاثة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى، الأصح المشهور منها: أنه إن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا

ــ

في الصبح حتى فارق الدنيا أخرجه الحاكم هكذا وصححه على طريقته في تصحيح ما هو حسن عند غيره اهـ. قوله: (لكن يسجدُ للسهو) وكذا يسجد للسهو إذا ترك شيئًا من كلماته ومحل عدم تعين كلماته إذا لم يشرع فيه وفارق بدله لأنه لا حد له. قوله: (عَمدًا أَوْ سَهوًا) وقيل إن تركه عمدًا فلا يسجد لتقصيره فتفوت السنة على نفسه وردوه بأن خلل العمد أكثر فكان إلى الجبر أحوج. قوله: (أَما في غيْر الصبح إلخ) قال بعضهم ليس المراد بالقنوت في النازلة ما يقال في الصبح لأنه لم يرد في النازلة وإنما الوارد الدعاء برفع النازلة فهو المراد هنا ولا يجمع بينه وبين الدعاء برفعها لئلا يطول الاعتدال وهو مبطل اهـ. ورد بأن ظاهر كلامهم خلاف ذلك وقوله هو مبطل خلاف المنقول فقد قال القاضي لو طول القنوت المشروع زائدًا على العادة كره وفي البطلان احتمالان وقطع المتولي وغيره بعدمه لأن المحل محل الذكر والدعاء، إذا تقرر هذا فالذي يتجه إنه يأتي بقنوت الصبح ثم يختم بسؤال تلك النازلة فإن كانت جدبًا دعا ببعض ما ورد في أدعية الاستسقاء كذا في التحفة لابن حجر وخرج بقوله من الصلوات الخمس غيرها فيكره في الجنازة مطلقًا لبنائها على التخفيف والمنذورة والنافلة التي يسن فيها الجماعة وغيرهما فلا يسن فيها ثم إن قنت فيها لنازلة لم يكره وإلا كره وقول جمع يحرم ويبطل في النازلة ضعيف لقول بعضهم يبطل إن أطال لإطلاقهم كراهة القنوت في الفريضة وغيرها لغير النازلة. قوله:(الأَصحُّ المشهورُ إلخ) قال الحافظ دليل هذا القول حديث ابن عباس قنت صلى الله عليه وسلم شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يدعو على رعل وذكران وعصية في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة ويؤمن من خلفه قال الحافظ بعد إخراجه حديث حسن أخرجه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه. قوله: (نازلةً) أي عامة أو خاصة في معنى العامة لعود ضررها على المسلمين على الأوجه كوباء وطاعون وقحط وجراد وكذا مطر يضر بالعمران أو زرع وخوف عدو وكأسر عالم أو شجاع للأحاديث الصحيحة إنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا

ص: 288

في ذلك لجميع الصلوات، وإلا فلا. والثاني: يقنتون مطلقًا. والثالث: لا يقنتون مطلقًا، والله أعلم.

ــ

يدعو على قاتلي أصحابه القراء ببئر معونة لدفع تمرد القاتلين لا لتدارك المقتولين لتعذره وقيس غير خوف العدو عليه.

فائدة

قال الجوهري النازلة الشدة من شدائد الدهر تنزل بالناس. قوله: (وإنْ لم تنزَل لَا يقْنتُوا) أي يكره ذلك لعدم وروده لغير النازلة وفارقت الصبح غيرها بشرفها مع اختصاصها بالتأذين قبل الوقت وبالتثويب وبكونها أقصرهن فكانت بالزيادة أليق وليعود على يومه بالبركة لما فيه من الذلة والخضوع.

فائدة

قال الحافظ في فتح الباري ظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة مشاركة المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على الجهر به خلاف قنوت الصبح ففي الجهر به خلاف اهـ. قوله: (والثالثُ لَا يقْنتُ مطْلقًا) قال الحافظ دليله ما في الصحيحين عن أنس وأبي هريرة إنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا ثم ترك وحمله الأولون على انقضاء الحاجة لقول أبي هريرة في بعض طرقه إن الذي كان يدعو لهم قدموا فترك الدعاء لهم ودليل التعميم حديث البراء بن عازب كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي صلاة مكتوبة إلَّا قنت فيها قال الحافظ بعد إخراجه رجاله موثقون إلّا محمد بن أنس فاختلف فيه وأخرج حديثه هذا الدارقطني والبيهقي وله شاهد من حديث البراء أيضًا قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح والمغرب قال الحافظ بعد إخراجه حديث صحيح أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة من طرق متعددة وله شاهد آخر أخرجه البخاري من رواية محمد بن سيرين عن أنس بلفظه وله شاهد آخر أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقنت في الظهر والعشاء والصبح وحمل بعضهم هذه الأحاديث على قنوت النازلة ويؤيده ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد قنت في الركعة الأخيرة ورواه ابن خزيمة أيضًا بلفظ كان لا يقنت إلَّا إذا دعا لأحد أو دعا على أحد ولهذا اللفظ شاهد من حديث أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 289

ويستحب القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر،

ولنا وجه: أن يَقْنُتَ فيها في جميع شهر رمضان، ووجه ثالث: في جميع السنة، وهو مذهب أبي حنيفة، والمعروف من مذهبنا هو الأول،

ــ

لا يقنت إلا دعا لقوم أو دعا على قوم قال الحافظ بعد إخراجه أخرجه ابن خزيمة وله شاهد آخر من حديث ابن عباس قال قنت صلى الله عليه وسلم دعا لقوم ودعا على قوم أخرجه الطبراني قال الحافظ وسنده حسن اهـ.

قوله: (ويستحب القنُوتُ عندَنَا في النصفِ الأخيرِ منْ رمضَانَ) أي لما رواه أبو داود عن الحسن إن عمر جمع الناس على أبي فكان يصلي لهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم إلَّا في النصف الثاني الحديث قال الحافظ أخرج الحديث بسندين رجالهما ثقات أحدهما منقطع وفي الآخر راو لم يسم وأخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل وأخرجه مثله عن أبي خيثمة واسمه معاذ بن الحارث وهو الذي كان يصلي بهم إذا غاب أبي وأخرج أيضًا عن علي نحوه بسند ضعيف وعلقه عنه الترمذي لعلي والثابت عن علي خلافه. قوله: (في الركعَةِ الأَخيرَةِ) أي التي يعقبها السلام وإطلاق الأخيرة عليها باعتبار الغالب من سبق نحو ركعتين عليها فلا يخالف سنه فيما لو اقتصر على ركعة واحدة. قوله:

(ووجْهٌ ثانٍ) قال الحافظ لم يثبت بعضهم هذا الوجه ونسبه الرافعي لمالك وما وقفت له على مستند لكنه في الموطأ عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج قال ما أدركت الناس إلّا وهم يلعنون الكفرة في رمضان وهذا يحتمل أن يخص بالنصف الأخير فيرجع إلى الأول والوجه الثالث المختار عند جماعة عقد له محمد بن نصر بابًا ذكر فيه عن عمر وعلي وابن مسعود ذلك بأسانيد صحيحة وحديث ابن مسعود وهو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في شيء من الصلوات إلَّا في الوتر الحديث وسيأتي حديث الحسن وإن كان غير صريح في التعميم أيضًا وأخرج ابن خزيمة من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى سئل عن القنوت في الوتر فقال حدثنا البراء بن عازب قال هي سنة ماضية اهـ. قوله: (ووجْهٌ ثالِثٌ في جمِيعِ السنةِ إلخ) قال الشيخ تاج الدين السبكي في الطبقات في ترجمة القفال قال القاضي حسين في تعليقه في باب صلاة

ص: 290

والله أعلم.

فصل: اعلم أن محل القنوت عندنا في الصبح

ــ

التطوع كان القفال يقول وددت أن أجد قول سلف في القنوت في الوتر في جميع السنة لكن تفحصت عنه فما وجدت أحدًا قال به قال القفال وقد اشتريت كتاب ابن المنذر في اختلاف العلماء لهذه المسألة خاصة ففحصت عنها فلم أجد أحدًا قال به إلَّا مالكًا فإنه قال بالقنوت في الوتر في جميع شهر رمضان دون غيره من المشهور قلت كان يعني بالسلف الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمان مالك والشافعي إلا فقد قال بالقنوت في الوتر جميع السنة من أصحابنا أربعة منهم اثنان استبعد خفاء قولهما على القفال وهما أبو الوليد النيسابوري وأبو عبد الله الزبيري وأبو منصور بن مهران وأبو الفضل بن عبدان واختاره النووي في تحقيق المذهب ولكن توقف والدي في موافقته على اختياره قال إذ ليس في الحديث تصريح به ولما رأيت فحص القفال عن أقاويل السلف في هذه المسألة فكشفت أوعب الكتب لأقاويلهم وهو مصنف ابن أبي شيبة فوجدته قال حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن إبراهيم إنه كان يقول القنوت في السنة كلها قال وكان ابن سيرين لا يراه إلَّا في النصف الثاني من رمضان ثم روي عن الحسن أن الإمام يقنت في النصف والمنفرد يقنت في الشهر كله ثم روي ذلك بسنده إلى إبراهيم قال كان عبد الله لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع قال أبو بكر هذا القول عندنا قلت فهذا أبو بكر بن أبي شيبة قد نقل عن إبراهيم عن عبد الله وهو ابن مسعود إنه يقنت في الوتر في السنة كلها وبه قال إبراهيم نفسه وهو النخعي وارتضاه أبو بكر بن أبي شيبة فهؤلاء الثلاثة من السلف اهـ. قلت وقال به الإمام أبو حنيفة كما نقله المؤلف هنا وكان السبكي سكت عن ذكره لنسيانه ذلك حال الكتابة وبه يندفع ما شنع به بعض من أساء الأدب على ابن السبكي في تركه ذكر الإمام أبي حنيفة والله أعلم. وفي كلام ابن السبكي إنه لم يقل بما ذكر أحد من التابعين لكن قال الحافظ نقل القاضي حسين في التعليقة أن القفال ود أن لو قال به أحد من السلف وأقره على ذلك وهو غريب فقد نقله محمد بن نصر وقبله أبو بكر بن أبي شيبة عن جماعة من التابعين ونقله ابن المنذر عن أبي ثور صاحب الشافعي ونقله الروياني عن مشايخ طبرستان وبه قال جماعة من الشافعية اهـ.

فصل

قوله: (في الصُّبحِ)

ص: 291

بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية. وقال مالك رحمه الله: يقنت قبل الركوع. قال أصحابنا: فلو قنت الشافعي قبل الركوع لم يحسب له على الأصح، ولنا وجه أنه يحسب، وعلى الأصح، يعيده بعد الركوع ويسجد للسهو، وقيل لا يسجد.

وأما لفظه، فالاختيار أن يقول فيه:

ما روينا في الحديث الصحيح في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي،

ــ

وكذا فيما يشرع فيه من وتر النصف الأخير من رمضان والمكتوبات عند النازلة فالتقييد به لكونه الغالب فيه لا مفهوم له. قوله: (بعدَ الرفع منَ الركوع) أي لما تقدم بسند حسن أن الصديق وعمر وعثمان كانوا يفعلونه بعد الركوع قال البيهقي صح إنه صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع أيضًا لكن رواة القنوت بعده أكثر وأحفظ فهو أولى وعليه درج الخلفاء الراشدون في أشهر الروابات عنهم وأكثرها وفي الكنى لأبي أحمد الحاكم عن الحسن صليت خلف ثمانية وعشرين بدريًّا كلهم يقنت في الصبح بعد الركوع اهـ، وقول الباقلاني يمتنع على المجتهد عند تعارض الأدلة الترجيح بظني ككثرة الرواة أو الأدلة أو كثرة أوصافهم بخلاف القطعي كتقديم النص على القياس اختيار له والذي صرح به أئمتنا إنه لا فرق قال في التحفة ويسن يعني القنوت بعد ذكر الاعتدال وهو إلى "من شيء بعد" خلافًا لمن قال الأولى أن لا يزيد على ربنا لك الحمد ولمن قال الأولى أن يأتي بذلك الذكر كله اهـ. قوله:(وقَال مالك يقنتُ قبلَ الركوع) في رسالة ابن أبي زيد يقنت قبل الركوع وإن شئت قنت بعد الركوع بعد تمام القراءة اهـ. قوله: (فلو قنتَ شافعي إلخ) إن قلت قياس كلامنا أئمتنا في الجمع بين الروايات المتعارضة هنا حمل ما قبل الركوع على أصل السنة وما بعده على كمالها قلت إنما خرجوا عن ذلك لأنهم رأوا مرجحًا للثانية وقادحًا في الأولى وهو أن أبا هريرة رضي الله عنه صرح ببعد وأنس تعارض عنه حديث رواية محمد وعاصم في القبل والبعد فتساقطا وبقي حديث أبي هريرة الناص على البعدية بلا معارض فأخذوا به على أن عاصمًا انفرد عن أنس بقوله قبل الركوع وخالف هشامًا عن قتادة والتيمي عن أبي مجلز وأيوب عن ابن سيرين وغير واحد كلهم عن أنس إن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع كما قاله الإمام أحمد. قوله: (ويسجدُ للسهْو) قال

ص: 292

وغيرها، بالإسناد الصحيح عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال:

ــ

الشافعي في الأم لأن القنوت عمل من عمل الصلاة فإذا عمله في غير محله أوجب سجود السهو قال في شرح الروض وصورته أن يأتي به بنية القنوت وإلَّا فلا يسجد قاله الخوارزمي وخرج بالشافعي غيره ممن يرى القنوت قبل الركوع كالمالكي فيجزئه عنده اهـ.

قوله: (وغيْرِها) أخرجه الحافظ من طريق أحمد والدارمي وابن خزيمة والطبراني وقال بعد إخراجه والحديث حسن صحيح أخرجه ابن خزيمة اهـ، وأخرجه الحاكم في المستدرك وزاد في أوله علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلَّا السجود ورواه ابن حبان في صحيحه

ولفظه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء فذكره كما في السلاح. قوله: (عنِ الحَسنِ) هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما كناه وسماه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته كما جاء في الأحاديث شبه لسروره به وفرحه به واقبال نفسه عليه بريحان طيب الرائحة تهش إليه النفس وترتاح له وكفاه فخرًا الحديث الصحيح إن رقي المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فأمسكه والتفت إلى الناس ثم قال ابني هذا سيد ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كذلك فإنه لما توفي أبوه رضي الله عنه بايع الناس له فصار خليفة حقًّا مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مدة الخلافة وبعدها تكون ملكًا عضوضًا أي يعض الناس لجور أهله وعدم استقامتهم فلما تمت تلك المدة اجتمع هو ومعاوية رضي الله عنهما كل في جيش عظيم فامتثل الحسن إشارة جده ورغب عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه فسلمها طوعًا وزهدًا وصيانته لدماء المسلمين وأموالهم فإنه بايعه على الموت أكثر من أربعين ألفًا وشرط على معاوية شروطًا وفى له بمعظمها ومناقبه كثيرة وفضائله جمة ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأخيه الحسين ولأبيهما ولأمهما وثناؤه عليهم ونشره لغرر مآثرهم وباهر مناقبهم من الشهرة عند من له أدنى ممارسة بالسنة بالمحل الأسنى ولد الحسن رضي الله عنه في منتصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة على الصحيح ومات مسمومًا من زوجته بإرشاء من يزيد بن معاوية لها على ذلك على ما قيل سنة أربع أو خمس أو تسع أو أربعين أو وخمسين أو إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين ودفن بالبقيع وقبره مشهور فيه وكان من الكرماء الأسخياء روي له عن النبي

ص: 293

علمني

رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنَ في الوتر: "اللهُم اهْدِني فَيمَنْ هَدَيْتَ،

ــ

صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر حديثًا روى عنه أصحاب السنن الأربعة وروت عنه عائشة وغيرها وهو أحد المشبهين به صلى الله عليه وسلم في الخلق وقد ذكرت ذلك في كتابي تحفة الشرفا فيمن حاز بشبه المصطفى الشرفا وأحد من أردفهم النبي صلى الله عليه وسلم معه على الدابة كما بينت ذلك أيضًا في بغية الظرفاء بمعرفة الردفاء.

فائدة

قال ابن الملقن في تخريج أحاديث الشرح الكبير هذا الحديث اشتهر بقنوت الحسن واستفيد إنه روي أيضًا عن الحسين أخيه رضي الله عنهما رواه الإمام أحمد في مسنده في ترجمة الحسين فقال حدثنا يزيد أنبأنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق عن أبي يزيد بن أبي مريم عن أبي الحوراء قلت وهو بالحاء المهملة وسكون الواو وبالراء المهملة وبعدها مدة اسمه ربيعة بن شيبان كما قاله الحافظ عن الحسين رضي الله عنهما قال علمني كلمات أقولهن في الوتر فذكر الحديث اهـ. قوله: (علمني رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم) هكذا هو عند بعض رواته وعند بعضهم علمني جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله، (اقُولهُن في الوترِ) عند أبي داود وفي رواية أخرى في قنوت الوتر. قوله:(فيمَنْ هَديْتَ) أي من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، قيل في فيه وفيما بعده بمعنى مع قال تعالى:{فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] الآية ويصح بقاؤها على حالها متعلقة بمحذوف وأوثر حذفه للمبالغة أي اجعله نصيبًا وافرًا من الاهتداء واجعلني معدودًا في جملتهم مندرجًا في زمرتهم وهكذا كما قال سليمان صلى الله على نبينا وعليه وسلم {وَأدخلني بِرَحمَتِكَ في

عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، ويوسف صلى الله عليه وسلم وألحقني بالصالحين ولم يعبرا بمن كما في قوله تعالى في حق إبراهيم على نبينا وعليه وعلى سائر النبيين الصلاة والتسليم {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130] إيثارًا للتواضع والتذلل لله تعالى فشهدا تأخرهما عن الصالحين ثم سألا إن يلحقا بهم وأما الآية الأخيرة فهي إخبار من الله تعالى عن حقيقة إبراهيم فالملحظ مختلف ثم الصلاح الذي سألاه صلاح الأنبياء وهو أكمل مراتب الصلاح لا مطلق الصلاح إذ مرتبة النبوة أسنى وأشرف والله أعلم.

ص: 294

وَعافِني فِيمَنْ عافَيتَ، وَتَوَلَّني فِيمَنْ تَوليتَ، وبارِكْ لي فِيما أعْطَيتَ، وَقِنِّي شَرَّ ما قَضَيتَ، فإنكَ تَقْضِي ولا يُقْضَى عَلَيكَ، وإنه لَا يَذِلُّ مَنْ واليتَ،

ــ

قوله: (وعافِني) أي من كل نقص ظاهرًا وباطنًا في الدنيا والآخرة واجعلني مندرجًا فيمن عافيت ممن ذكر أولًا. قوله: (وتَولَّني) أي بحفظك لي عن كل مخالفة ونظر إلى غيرك وبإنعامك علي بمعرفتك واجعلني مندرجًا فيمن توليت كذلك وهم المذكورون أولًا. قوله: (فِيمًا أَعطَيْتَ) في للظرفية متعلقة بالفعل المذكور قبلها أي ضع بركتك العظمى لي في كل ما أعطيتني من خير الدارين وفي النهاية أي أثبت لي دوام ما أعطيتني من التشريف والكرامة وهي من برك البعير إذا ناخ في موضعه فيلزمه وتطلق البركة أيضًا بمعنى الزيادة والأصل الأول. قوله: (شَر ما قَضيتَ) أي شر الفعل الذي قضيت به عليّ وشر ما يقترن به من وسوسة الشيطان والهوى والنفس للانسان حتى يمنع ثوابه إن كان ابتلاء ويحمل على الاستمرار فيه إن كان معصية أو يمنع كماله إن كان طاعة وبما تقرر علم إن لا مخالفة بين ما ذكر وبين حديث والشر ليس إليك. قوله: (فإنكَ تَقضِي إلخ) وقع كالتعليل لسؤال ما قبله إذ لا يعطى تلك الأمور المهمة إلا من كملت فيه حقائق القدرة ولم يوجد منها شيء في غيره وإثبات الفاء في رواية الترمذي وإحدى روايات النسائي والحاكم. قوله: (وَإنهُ) أي الشأن. قوله: (لَا يذِلُّ) بفتح فكسر وكذا يعز التي زادها النسائي بقوله "ولا يعز من عاديت" وكان ذكرها فيه مع أنها مفهومة مما قبله أن المقام للإطناب، قال المصنف في الخلاصة ورواها البيهقي بسند ضعيف قال ابن الملقن ولم يظهر لي ضعف السند وتبع ابن الرفعة النووي فيما أظن قال في مطلبه لم تثبت الرواية وتبع النووي في روضته الرافعي في نقله هذه الزيادة عن العلماء لكنه أنكره عليه في شرح المهذب اهـ. وقول أصحابنا إنه غير مستحسن إنما هو لكونه لم يطلع هو ومن انتصر له على وروده على أن الأصحاب ردوه عليه بقوله تعالى:{لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} [الممتحنة: 1] وورد عند ابن أبي عاصم بعد ذلك نستغفرك ونتوب إليك والذل ضد العز والموالاة ضد المعاداة والمعنى لا يطرق الذل والهوان في الدارين أحدًا واليته من عبادك وما يطرقه من الحوادث الظاهرة والأمراض الباطنة ونحوها فهو وإن عده عوام الناس ذلًّا إلَّا أنه غاية الرفعة والعزة

ص: 295

تَبَارَكْتَ رَبنَا وَتَعَاليتَ". قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال:

ــ

عند الله تعالى وعند أوليائه وما العبرة إلّا بهم ومن ثم وقع للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من الامتحان العجيب ما هو مشهور زيادة في التشريف وإعلامًا بعلو المقام المنيف.

فائدة

قال السيوطي لا خلاف بين العلماء من أهل اللغة والحديث والصرف أن يعز بكسر العين وفتح الياء قال وألفت فيه مؤلفًا سميته الثبوت في ضبط ألفاظ القنوت وقلت في آخره نظمًا:

يا قارائًا كتب التصريف كن يقظًا

وحرر الفرق في الأفعال تحريرا

"عز" المضاعف يأتي في مضارعه

تثليث عين بفرق جاء مشهورا

فما كقل وضد الذل مع عظم

كذا كرمت علينا جاء مكسورا

وما كعز علينا الحال أي صعبت

فافتح مضارعه إن كنت تحريرا

وهذه الخمسة الأفعال لازمة

واضمم مضارع فعل ليس مقصورا

عززت زيدًا بمعنى قد غلبت كذا

أعنته فكلا ذا جاء مأثورا

وقل إذا كنت في ذكر القنوت ولا

يعز يا رب من عاديت مكسورا

واشكر لأهل علوم الشرع إذ شرحوا

لك الصواب وأبدوا فيه تذكيرا

وأصلحوا لك لفظًا أنت مفتقر

إليه في كل صبح ليس منكورا

لا تحسبن منطقًا يحكي وفلسفة

ساوى لدى علماء الشرع قطميرا

قلت: وقد بقي عليه عز بمعنى قوي ففي بعض حواشي شرح التحفة في الكلام على نوع العزيز يقال منه عز بمعنى قوي مضارعه يعز بفتح العين اهـ. قوله: (تباركتَ) أي تعاظمت (رَبنَا وَتعَاليتَ) قال بعض مشايخنا كأن الحكمة في الإتيان بضمير الجمع هنا دون ما تقدم من قوله اهدني إلخ، لأن ذلك مقام سؤال وهو مناسب للتذلل والانكسار وهذا مقام ثناء على المولى فناسب الإتيان فيه بضمير الجمع المذكور إما إشارة إلى العجز عن قيام المرء بمفرده بأداء حق ثنائه وإما إشارة إلى أن جميع أجزائه مربوبة للباري وإما تعاظمًا بهذه الإضافة الشريفة إلى الربوبية المنيفة، وفي التحفة لابن حجر الهيثمي وزاد العلماء بعد تعاليت "ذلك الحمد على ما قضيت استغفرك وأتوب إليك" ولا بأس بهذه الزيادة بل قال جمع أنها مستحبة لورودها في رواية البيهقي اهـ. قوله:(هَذَا حدِيث حسن) إلخ قال لا نعرفه إلّا من هذا الوجه من حديث

ص: 296

ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئًا أحسن من هذا.

وفي رواية ذكرها البيهقي: أن

ــ

أبي الحوراء السعدي قلت قال الحافظ هو بفتح الحاء والراء المهملتين بينهما واو ساكنة ممدود الآخر واسمه ربيعة بن شيبان وهو بصري ثقة وقال بعد تخريج الحديث من طريق الإمام أحمد بن حنبل وأبي محمد الدارمي والطبراني وغيرهم بهذا اللفظ بإسقاط الفاء في قوله فإنك تقضي وقال فيه علمني جدي والباقي سواء: حديث حسن صحيح ثم ذكر مخرجيه وما عندهم من الاختلاف فيه اهـ. ثم الحديث رواه الأربعة كما قدمه المصنف قال في السلاح واللفظ لأبي داود أي لكن ليس فيه الفاء في قوله فإنك تقضي قلت قال ابن الملقن في البدر المنير وكذا ليس فيه الواو في قوله وأنه لا يذل من واليت اهـ. قال الحافظ اللفظ الذي أورده الشيخ للترمذي وسقطت ألفًا من قوله فإنك من رواية الباقين قلت تقدم أنها في إحدى رواية النسائي أيضًا اهـ، والله أعلم. قال الحافظ ولم أر في رواية النسائي اللهم في أوله ووقع في رواية ابن ماجة اعفني بدل عافني أي وعفيت بدل عافيت وقدم فيه وأخر وزاد سبحانك قبل قوله تباركت وتعاليت وقد راجعت مصنف أبي بكر بن أبي شيبة وهو شيخه فيه فوجدته ساقه كما سقته من عند الطبراني عن

شيخه عنه، واللفظ الذي أشار إليه من طريق الطبراني هو اللفظ الذي أورده الشيخ سواء إلَّا إنه أسقط الفاء من فإنك وزاد فيه ولا يعز من عاديت قال وهذه الزيادة عند النسائي في رواية له قلت وهو عند البيهقي أيضًا في رواية كما في البدر المنير قال الحافظ وأخرجه بهذه الزيادة ابن خزيمة ووقع في كلام الرافعي العلماء زادوا ولا يعز من عاديت قال الحافظ وقد ذكرتها مسندة من طرق فإن أراد العلماء من المحدثين فلا اعتراض وعجيب ممن أنكر ذلك من كبار الفقهاء اهـ. قوله:(وَلَا نعرفُ إلخ) قالما ابن الملقن في البدر المنير قالما الشيخ تقي الدين في الإلمام وهو مما النزم الشيخان تخريجه ورواه البيهقي في سننه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن أو الحُسين بن علي فالشك في ذكر نسب الحسن لا فيه وضعف أبو حاتم ابن حبان حديث الحسن بما يتسامح فيه وأخرجه في صحيحه عن غير ذكر القنوت ولا الوتر اهـ. قوله: (وفي روَايةٍ ذَكَرَهَا البيْهقي إلخ) قال الحافظ بسنده إلى

ص: 297

محمد ابن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن هذا الدعاء [هو الدعاء] الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته.

ويستحب أن يقول عقيب هذا الدعاء: "اللهم صل على مُحَمدٍ، وعلى آلِ مُحَمدٍ وَسَلمْ"،

ــ

أبي الحوراء قال سألت الحسن ما عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوات تقولهن اللهم اهدني إلخ، فذكرت الحديث بنحو ما تقدم وزاد قال يعني بريد بن أبي مريم أي الراوي عن أبي الحوراء فذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية فقال إنه الدعاء الذي كان يدعو به في صلاة الفجر في قنوته قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن والعلاء بن صالح أي أحد رواته وثقه ابن معين وجماعة وقال البخاري لا يتابع وقد عجبت للشيخ كيف اقتصر على هذا الموقف مع أن البيهقي أخرجه مرفوعًا من وجه آخر فأخرجه عن بريد عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم يعلمنا ندعو به في القنوت لصلاة الصبح اللهم اهدنا فيمن هديت الحديث وأخرجه الحافظ عن بريد عن ابن عباس من طريق آخر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات اللهم اهدني الحديث ثم قال حديث غريب أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل بهذا المتن والإسناد وأخرجه البيهقي في رواية زيادة ابن الحنفية إلى ابن عباس والحديث بنحوه إلَّا إنه قال في قنوت الليل وفي سند الحديث من طريقيه ابن هرمز وهو شيخ مجهول والأكثر إن اسمه عبد الرحمن وليس هو الأعرج الثقة المشهور صاحب أبي هريرة قال الحافظ وأخرج الحاكم من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح يدعو بهذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت الحديث وصححه ورد عليه بأنهم اتفقوا على ضعف عبد الله بن سعيد المقبري. قوله:(محمد بْنَ الحنَفية) قال ابن حجر في شرح الشمائل الحنفية أمه لعلي حصلت له من سبي بني حنيفة قيل من سخافة عقول طائفة من الرافضة أنهم يعتقدون في محمد هذا الألوهية مع أن أبا بكر هو المعطي عليًّا أمه فلولا إعطاؤه له بحقيةكونه إمامًا أعظم لكان إلههم دعيا اهـ. وهو من كبار التابعين اسمه محمد وكنيته أبو القاسم. قوله: (إنْ هَذَا الدُّعاءَ إلخ) قال الترمذي بعد إيراد حديث الحسن السابق وفي

ص: 298

فقد جاء في رواية النسائي في هذا الحديث

ــ

الباب عن علي رضي الله عنه اهـ،

ولعله أراد ذلك. قوله: (فقَدْ جاءَ في روَايَةِ النسَائي إلخ) تعقبه الحافظ بأنه ليس في الدليل مجموع ما ذكره أي فلفظ الدعوى خلاف الدليل وتزيد عليه ذكر الآل والتسليم وقد وقعت الزيادة في الرافعي فإنه بعد أن حكى الخلاف هل تسن الصلاة في القنوت ورجح أنها تسن ونسب ذلك لحديث الحسن بن علي رضي الله عنه وحذفه النووي من الروضة وقال الروياني في الحلية وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما بعد قوله تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي محمد وسلم رواه النسائي في سننه وتبعهم المحب الطبري حيث عزاه إلى النسائي بلفظ وصلى الله على النبي محمد وليس في سنن النسائي عند جميع رواته زيادة على ما ذكره الشيخ أولًا ثم ذكره الحافظ من طريق النسائي عن الحسن وقال علمني رسول الله هؤلاء الكلمات في الوتر اللهم اهدني فيمن هديت فذكر مثل سياق الترمذي لكن سقط منه وعافني فيمن عافيت وزاد بعد قوله تباركت ربنا وتعاليت وصلى الله على النبي ثم قال هذا حديث أصله حسن روي من طرق متعددة عن الحسن لكن هذه الزيادة في هذا السند غريبة لا تثبت ثم ذكر أن سنده لا يخلو إما عن راو مجهول أو انقطاع في السند وقال بعد أن بين ذلك فتبين أن هذا السند ليس من شرط الحسن لانقطاعه أو جهالة راويه ولم ينجبر بمجيئه من وجه آخر وأيد انقطاعه بأن ابن حبان ذكر ذلك الراوي في اتباع التابعين ولو كان سمع من الحسن لذكره في التابعين وقد بالغ الشيخ في شرح المهذب فقال إنه سند صحيح أو حسن وكذا قال في الخلاصة ومع التعليل الذي ذكرناه فهو شاذ اهـ، وسيأتي فيه مزيد، ويمكن الجواب عن عبارة المصنف هنا بأن الاعتراض مبني على أن المصنف استدل بالحديث لجميع ما ذكر استحبابه من الصلاة على النبي والآل وهذا هو المتبادر من العبارة وليس ذلك مرادًا له بل مراده إثبات ذلك المدعي: البعض بالنص وباقبه بالقياس عليه والله أعلم، وعبارة الرافعي لا تجري فيها هذا الجواب لأنه قال روي في حديث عن الحسن بن علي بعد قوله تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي وآله وسلم فهي صريحة بأن الجميع مرفوع وفيه ما علمت والله أعلم، وفي تخريج أحاديث الرافعي لابن الملقن مثله وفي مفاخر أهل الإسلام لابن سعد التلمساني وهو كتاب في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحسن

ص: 299

بإسناد حسن: "وصلي اللهُ على النبِي".

قال أصحابنا: وإن قنت

ــ

المذكور في آخره وصلى الله على محمد النبي وقال أخرجه ابن الضحاك اهـ. وفي المهمات كلامه في الروضة شعر بأن الصلاة على الآل لا تسن لكنه جزم في الأذكار باستحبابها لكن قياس ما قالوه في التشهد حكمًا وتعليلًا أنها لا تستحب بل حكى الرافعي في الكلام على التشهد وجها إن ذكر الصلاة في القنوت مبطل لكونه نقل ركنًا إلى غير موضعه فالسلام الذي لم يثبت أولى وقال صاحب الإقليد وما وقع في بعض كتب أصحابنا من زيادة وسلم وما تعتاده الأئمة الآن من ذكر الآل والأزواج والأصحاب كل ذلك لا أصل له اهـ، وقال السخاوي قد يشهد لما قاله النووي حديث كيف نصلي عليك وفي التحفة لابن حجر ويظهر أن يقاس بالآل الصحب لقولهم حيث سنت الصلاة على الآل سنت على الأصحاب بالأولى ثم رأيت شارحًا صرح بذلك ولا ينافيه إطباقهم على عدم ذكرها في صلاة التشهد لأنهم ثم قد اقتصروا على الوارد وهنا لم يقتصروا عليه بل زادوا ذكر الآل بحثًا فقسنا بهم الصحب لما علمت وكأن الفرق إن مقابلة الآل بآل إبراهيم في أكثر الروايات ثم تقتضي عدم التعرض لغيرهم وهنا لا مقتضى لذلك ولم يسن ذكر الآل في التشهد الأول كالقنوت لأن القنوت محل دعاء فناسبه ختمه بالدعاء لهم بخلاف ذلك اهـ، باختصار ثم حديث الباب في قنوت الوتر وقيس به قنوت الصبح كما نقل أصل الدعاء منه إلى قنوت الفجر وخرج بقوله عقيب هذا الدعاء أوله فلا يسن فيه خلافًا لمن زعمه ولا نظر لكونها تسن أول الدعاء لأن هذا مستثنى رعاية للوارد فيه وقيس به. قوله:(بإِسنَاد حسن) وفي شرح المهذب للمصنف إنه سند صحيح أو حسن اهـ. لكن اعترض بأنه منقطع أو فيه مجهول مع ما فيه من الاختلاف على راويه وشذوذه وصح عن بعض الصحابة موقوفًا عليه إنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت نقله في الدر المنضود وأشار به إلى ما أخرجه الحافظ إن معاذًا أبا حليمة القارئ كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت وقال هذا موقوف صحيح أخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخر حديث فيه وأبو حليمة معاذ بن مالك الخزرجي صحابي يقال إنه شهد الخندق وقيل بل كان صغيرًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وله رواية عن أبي بكر وعمر وعثمان وكان عمر رتبه إمامًا في التراويح

ص: 300

بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حسنًا، وهو أنه قنت

ــ

إذا غاب أبي بن كعب فكان يؤم بهم في العشر الأخير وأخرج محمد بن نصر في قيام الليل بسند صحيح عن الزهري قال يعني في القنوت ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعن أيوب بنحوه وسنده صحيح أيضًا وفيه إخبار عمن أدركه الزهري وأيوب من صغار الصحابة وكبار التابعين ويحتمل أيضًا الإرسال عمن لم يدركاه اهـ.

قوله: (بِمَا جاءَ عَنْ عَمرَ إلخ) قال في السلاح رواه البيهقي في السنن الكبير له من قوله موقوفًا وقال فيه صحيح موصول وأخرجها من طرق أخرى بعضها مرفوع وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بسند رجاله رجال الصحيح من قول ابن مسعود موقوفًا في قنوت الوتر اهـ، وقال الحافظ لم يبين الشيخ من خرجه وقد خرجه البيهقي من وجهين إلى عمر أحدهما باللفظ الذي ذكره لكن ليس بتمامه وقال فيه قبل الركوع بخلاف ما قال المصنف إنه كان يقوله بعد الركوع والآخر بمغايرة في بعض ألفاظه وزيادات وتقديم وتأخير وقال فيه بعد الركوع ولفظ الرواية الثانية أن عمر قنت بعد الركوع فقال اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل بهم الأرض وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد إليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق هذا موقوف صحيح أخرجه محمد بن نصر وزاد في بعض طرقه بيان حكمة البسملة فيه وأنهما سورتان في مصحف بعض الصحابة وبسند آخر إلى أبي بن كعب إنه كان يقنت بالسورتين فذكرهما وأنه كان يكتبهما في مصحفه وأخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبزى قال صليت خلف عمر بن الخطاب صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع اللهم إنا نستعينك فذكره كما عند المصنف لكن قدم وأخر وانتهى إلى قوله ونخلع من يكفرك وإسناده صحيح وهو محمول على أن عمر كان يقنت تارة قبل الركوع وتارة بعده وذكر البيهقي إن من روى عنه بعد الركوع أكثر عددًا قال

الحافظ وقد ورد هذا الحديث المنسوب إلى عمر من

ص: 301

في الصبح بعد الركوع فقال: "اللهُم إنَّا

ــ

وجه آخر مرفوعًا وأخرج الحافظ عن ابن زرير الغافقي قال قال لي عبد الملك بن مروان لقد علمت ما حملك على حب أبي تراب إلا أنك أعرابي جاف فقلت والله لقد جمعت القرآن من قبل إن يجمع أبواك ولقد علمني منه علي بن أبي طالب سورتين علمهما إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمتهما أنت ولا أبوك اللهم إنا نستعينك ونستغفرك فذكره إلى قوله ملحق اللهم عذب كفرة أهل الكتاب والمشركين الذين يصدون عن سبيلك ويجحدون آياتك ويكذبون رسلك ويتعدون حدودك ويدعون معك الها لا إله إلَّا أنت تباركت وتعاليت عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا قال بعد إخراجه حديث غريب وتكلم في رجال سنده قال وأخرج محمد بن نصر بعض هذا الحديث لكن موقوفًا وجعل القصة مع عبد العزيز بن مروان قال الحافظ فإن كان الأول محفوظًا حمل على إنه جرى له مع كل منهما والثاني أشبه لأنه مصري وكان عبد العزيز أمير مصر ثم قال الحافظ وجدت لأصل الحديث شاهدًا رجاله ثقات لكنه مرسل عن خالد بن أبي عمران قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر يعني في الصلاة إذ جاء جبريل فأومأ إليه إن اسكت فسكت ثم قال يا محمد إن الله لم يبعثك لعانًا ولا سبابًا ولم يبعثك عذابًا وإنما بعثك رحمة ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم إلى قوله تعالى ظالمون ثم علمه القنوت اللهم إنا نستعينك فذكره إلى ملحق ولم يذكر ما بعده قال الحافظ بعد إخراجه هكذا أخرجه أبو داود في كتاب المراسيل وخالد من صغار التابعين وعبد القاهر بن عبد الله أي الراوي عن خالد بن أبي عمران قال الحافظ ما وجدت عنه راويا إلَّا معاوية بن صالح وقد ذكره ابن حبان في الثقات اهـ، وأخرج الحافظ عن رفاعة بن رافع الزرقي قال لما انكفأ المشركون عن أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استووا علي أثني على ربي فصاروا خلفه صفوفًا فقال اللهم لك الحمد كله فذكر الحديث بطوله وفيه اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك واجعل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب الكفرة إله الحق وقال الحافظ حديث صحيح أخرجه النسائي في اليوم والليلة وزاد في آخره آمين وأخرجه الحاكم اهـ. قوله:(في الصبحِ) قال ابن المزجد في التجريد كلام الرافعي

ص: 302

نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ ونَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللهُم إياكَ نَعْبُدُ، ولكَ نصلي ونَسْجُدُ، وإلَيكَ نَسْعَى ونحْفِدُ، نَرْجُو رَحمَتَكَ ونَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجدَّ بالكُفار مُلْحقٌ. اللهُم عَذِّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ

ــ

يوهم أن عمر كان يقنت باللهم إنا نستعينك إلخ في الوتر والذي في البيهقي إنما هو في الصبح فاستفده ذكره ابن النحوي في صلاة التطوع اهـ، وفي الإمداد قنوت عمر الذي كان يقنت به في الصبح لا الوتر كما رواه البيهقي وغيره اهـ، وفي الحديث المذكور هنا التصريح بذلك. قوله:(نستعِينُكَ ونستَغْفِرُكَ) أي نسأل منك المعونة على الطاعة وترك المعصية والغلبة على النفس والشيطان وسائر الكفرة والفجرة والغفران للذنوب والستر للعيوب وفي النهر لأبي حيان الاستعانة طلب العون والطلب أحد معاني استفعل اهـ. وحذف المستعان فيه طلبا للتعميم ولكون المقام لطلب ذلك قدم على ضمير المفعول وقدم في الآية لقصد الاختصاص. قوله: (وَلا نكفُركَ) من الكفران نقيض الشكر والعرفان من قولهم كفرت فلانًا على حذف مضاف أي كفرت نعمه. قوله: (وَنَخلَعُ) بفتح اللام من خلع الفرس رسنه ألقاه أي نطرح به وبمعناه ما قال المؤلف أي نترك وفي السلاح والحصن في هذا الحديث من رواية البيهقي زيادة ونترك وهو على تفسير نخلع بما ذكره

المصنف من عطف التفسير أتى به لكون مقام الدعاء للإطناب والفعلان تنازعًا. قوله: (من يَفجرُكَ) أي يعصيك ويخالف أمرك وقال المصنف يلحد في صفاتك. قوله: (إِياكَ نَعبد) ايا ضمير منفصل للمنصوب والياء والكاف والهاء اللواحق له لبيان التكلم والخطاب والغيبة حروف وليست بأسماء ضمائر لعدم وجود ما يعمل فيها وتقديم المفعول لقصد الاختصاص والمعنى تخصك بالعبادة قال في الكشاف وقرئ أياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل ومنه ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة وقوة النسج ولذا لم يستعمل إلَّا في الخضوع لله تعالى لأنه مولى أعظم النعم فكان حقيقًا بأقصى غاية الخضوع اهـ. قو) له: (ونَسْجدُ) تخصيص بعد تعميم. قوله: (نَسعى) قال الجوهري سعى الرجل يسعى سعيًا إذا غدا وكذا إذا عمل وكسب وقال صاحب المشارق قال بعضهم السعي إذا كان بمعنى الجري والمضي عدي بإلى وإذا كان بمعنى العمل فباللام قال تعالى: ({وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] قوله: (نَحفِدُ) قال المؤلف بكسر الفاء أي وبفتح النون

ص: 303

رُسُلَكَ، ويُقاتِلونَ أولِيَاءَكَ. اللهُم اغْفِرْ للمُؤمِنيَنَ والمُؤْمِناتِ والمُسْلِمينَ والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذاتَ بَينِهِمْ،

ــ

قال البعلي ويجوز ضم الفاء وبالدال المهملة يقال حفد بمعنى أسرع ثم أحفد لغة فيه حكاه شيخنا ابن مالك في فعل وأفعل اهـ، أي نسارع في العمل والخدمة وفي المغرب أي نحمل لك بطاعتك ثم الحفد الإسراع في الخدمة وفي مختصر العين نحفد أي نحف في مرضاتك اهـ، وفي غريب أبي عبيد أصل الحفد الخدمة والعمل يقال منه حفد يحفد حفدًا يقول إياك نعبد ونسعى في طلب رضاك. قوله:(اغفرْ للْمؤْمنين والمؤمِنَاتِ) قال القرافي كشيخه عز الدين بن عبد السلام يحرم طلب نفي ما دل السمع الآحادي على ثبوته كاللهم أغفر للمسلمين جميع ذنوبهم لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من إنه لا بد من دخول طائفة منهم النار ولا ينافيه ما تقرر أن اغفر لي ولجميع المسلمين سنة ولا قوله تعالى: ({وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5] واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات أما الأول فلأنه إن أراد بعض الأشياء صح أن يشرك معه أو أراد الكل صح في حقه إذ لم يتعين كونه من الداخلين النار وأما في جميعهم فإن أراد المغفرة من حيث الجملة أو الستر في الدنيا صح أيضًا إذ لا منافاة أو مغفرة الجميع لجميع المسلمين من آدم إلى الساعة في الاخيرة بأن لا يكون معه عقاب حرم لما سبق وأما الثاني والثالث فلا عموم فيهما من حيث المغفرة لأن كلا منهما فعل في الإثبات وإنما فيهما عموم من حيث المغفور له كذا قيل، ونوقش بأن قوله لذنبك من صيغ العموم إذْ هو مفرد مضاف لمعرفة وقوله: (للمؤْمنين والمؤْمِنَات) أي لذنبهم بدليل ما قبله وهو من صيغ العموم وأيضًا فحذف المفعول يفيد العموم، وقوله في الثالث للذين آمنوا أي ذنوبهم أخذًا من أن حذف المعمول يفيد العموم فكان الأوضح أن يقال وأما الثاني والثالث فليس فيهما نص في العموم أي بل هو ظاهر فيه وهو يقبل الصرف فليتأمل اهـ. قوله:(والمسْلمينَ والمسلمَاتِ) عطفه على المؤمنين من عطف المتساويين إذ ما صدق الإيمان وما صدق الإسلام شرعًا واحد فلا يوجد مؤمن إلّا وهو مسلم وبالعكس. قوله: (ذَاتَ بينهمْ) قال الواحدي في قوله تعالى ({وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1]، قال

ثعلب

ص: 304

وألِّفْ بَينَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ في قُلُوبِهِم الإيمَانَ وَالْحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم، وأوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الذِي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وانْصُرهُمْ على عَدُوِّكَ وعَدُوِّهِم إلهَ الحَقِّ واجْعَلْنَا مِنْهُمْ".

ــ

أي الحالة التي بينكم فالتأنيث للحالة وقال الزجاج يعني ذات الحقيقة والمراد بالبين الوصل فالتقدير حقيقة وصلكم اهـ. وفي النهر والبين الفراق والتباعد وذات هنا نعت لمفعول محذوف أي أحوالًا ذات افتراقهم لما كانت الأحوال ملابسة للبين أضيفت صفتها إليها كما تقول اسقني ذا إنائك أي ماء صاحب إنائك لما لابس الماء الإناء وصف بدأ وأضيف إلى الإناء والمعنى اسقني ما في الإناء من الماء اهـ، وفي المغرب لما كانت الأحوال ملابسة للبين وصفت به فقيل لها ذات البين كما قيل للإسرار ذات الصدور لذلك اهـ. راجعت نسختي من المغرب في الكلام على لفظة ذات فلم أجد ذلك فيها ولعله ذكر في محل آخر منه وقيل المراد ما يصدر عن صلح الحالات الواقعة بينهم أي ليسلموا من الخطأ والفساد وفي الحرز وقيل لفظ ذات مقحية فالمفعول محذوف أي أصلح الأمور الدينية والأحوال الدنيوية الكائنة فيها بينهم أهـ. قوله. (وألِّفْ بينَ قلوبهمْ) أي اقذف الألفة بينهم ليتحابوا ويتوافقوا ويصيروا إخوانًا. قوله:(وأَوْزِعهُن إلخ) قال الراغب في مفرداته في قوله ({أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} [النمل: 19] قيل معناه ألهمني وتحقيقه أولعني بذلك أو اجعلني بحيث أزع نفسي عن الكفران اهـ، وما سيأتي عن المصنف من تفسيره بألهمهم بمعناه. قوله: (بِعَهْدِكَ) أي الذي ألزمنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من امتثال الأوامر واجتناب النواهي ويصح أن يكون المراد ما وقع يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172]، ثم رأيت ابن حجر في الإمداد فسره بالأول في زمنه على أكثر بلاد الإسلام وهم لا كتاب لهم وقد زال فينبغي أن يأتي بما ورد اهـ.

قوله: (وَاعلم أَن المنْقولَ عَنْ عمَر إلخ) قال الحافظ ورد عنه الجمع بين الأمرين أخرج عبد الرزاق بسند حسن عن أبي رافع الصائغ واسمه نفيع قال صليت خلف

ص: 305

واعلم أن المنقول عن عمر رضي الله عنه "عَذِّبْ كفرة أهل الكتاب"، لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب، وأما اليوم، فالاختيار أن يقول:"عذِّب الكفرة" فإنه أعم. وقوله: نخلع: أي نترك، وقوله: يفجرك، أي: يلحد في صفاتك، وقوله: نحفِد بكسر الفاء، أي: نسارع، وقوله: الجِد بكسر الجيم: أي الحق، وقوله: ملحق بكسر الحاء على المشهور، ويقال

بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره وقوله: ذات بينهم، أي: أمورهم ومواصلاتهم، وقوله: والحكمة، هي: كل مانع من القبيح، وقوله: وأوزعهم: أي ألهمهم، وقوله: واجعلنا منهم، أي: ممن هذه صفته.

ــ

عمر فقنت بعد الركعة فسمعته يقول اللهم إنا نستعينك إلخ، وفيه اللهم عذب الكفرة وألق في قلوبهم الرعب وأنزل عليهم رجسك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب إلخ، وقد وقع الجمع في حديث على السابق ذكره عند تخريج حديث قنوت عمر فيحتمل أن يكون أحد الرواة في حديث عمر اختصر وكان عمر يقتصر تارة ويجمع أخرى بحسب المقام والله أعلم، اهـ. قوله:(فإنهُ أَعمُّ) أي والدعاء كلما كان أعم وأشمل كان أتم وأكمل قال في الإمداد ويسن أن يقول بدل كفرَة أهل الكتاب عذب الكفرة ليعم كل كافر وذكر أهل الكتاب ليس للتخصيص كما لا يخفى فاندفع قول الأسنوي إنما ذكر النووي ذلك لإدخال الكفار المستولين. قوله: (ملحق بكسر الحاءِ) اسم فاعل قال ابن الجوزي كذا رويناه أي من نزل به عذابك ألحقه بالكفار وقيل بمعنى لاحق يقال لحقته وألحقته بمعنى مثل تبعته وأتبعته. قوله: (ويقالُ

بفَتحهَا) قال ابن الجوزي ويروى بفتح الحاء على المفعول أي إن عذابك ملحق بالكفار يصابون به وفي المطلع للبعلي قال الجوهري لحقه ولحق به أدركه ولحق به غيره وألحقه أيضًا بمعنى لحقه وفي الدعاء إن عذابك بالكافرين ملحق بكسر الحاء أي لاحق بهم والفتح صواب اهـ. قوله: (والحِكمَةَ إلخ) اختلف في تفسير الحكمة على أقوال قال المصنف في شرح مسلم الذي صفا لنا منها أنها العلم المشتمل على معرفة الله تعالى مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق

ص: 306

قال أصحابنا: يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وما سبق، فإن جمع بينهما، فالأصح تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر فليقتصر على الأول، وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفردًا أو

ــ

الحق للعمل به والكف عن ضده والحكيم من حاز ذلك اهـ. قوله: (قَال أَصحابُنا يستَحب الجمعُ) قال الحافظ لم أجد في ذلك حديثًا ونسبة القنوت إلى عمر يخدش فيها وروده مرفوعًا كما تقدم اهـ. قوله: (يستحب الجمعُ بينَ قُنوت عُمَرَ إلخ) لا فرق في استحباب ذلك بين الصبح وباقي المكتوبات عند النازلة ووتر رمضان كما تقتضيه عبارته هنا وما توهمه عبارة المنهاج من اختصاص ذلك بالأخير غير مراد. قوله: (فالأَصح تأْخيرُ قنوتِ عمَرَ) لأن قنوت الصبح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر والآخر لم يأت عنه فيه شيء إنما اخترعه عمر رضي الله عنه فكان تقديمه أولى كذا في التحفة لابن حجر لكن سبق في كلام الحافظ ابن حجر تخريج هذا القنوت الوارد عن عمر مرفوعًا من طريق علي بن أبي طالب وفي ألفاظه مخالفة يسيرة وتقدم الكلام على رتبته وإن لأصل الحديث شاهدًا بسند رجاله ثقات إلَّا أنه مرسل وحينئذٍ فيحمل قوله في التحفة لم يأت فيه شيء إلخ، أي بسند صحيح موصول وفي شرح رسالة ابن أبي زيد المالكي للشيخ داود ذكر عبد الحق في الأحكام أن سبب القنوت ما رواه أبو داود عن خالد بن أبي عمران قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل وأومأ إليه إن اسكت فسكت فقال يا محمد إن الله لم يبعثك سبابًا ولا لعانًا وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذابًا ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال ثم علمه هذا القنوت اللهم نستعينك إلخ، فلذلك استحب أهل المدينة هذا القنوت إلخ، دون غيره اهـ، ووجه اختجار أصحابنا تقديم "قنوت الحسن قوة إسناده حتى قال جمع بصحته وأنه مما الزم الشيخان تخريجه بخلاف حديث قنوت عمر والله أعلم.

وفي شرح المشكاة لابن حجر روى البيهقي من طرق عن ابن عباس إنه صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء يعني اللهم اهدنا إلخ، ليدعوا به في قنوت الصبح وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الصبح ووتر الليل بهؤلاء الكلمات قال البيهقي فدل على أن تعليم هذا الدعاء

ص: 307

إمام محصورين يرضَون بالتطويل.

واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأي دعاء دعا به حصل القنوت ولو قنت بآية، أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتلة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السُّنَّة. وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يتعين ولا يجزئ غيره.

واعلم أنه يستحب إذا كان المصلي إمامًا أن يقول: "اللهم اهدنا" بلفظ الجمع، وكذلك الباقي، ولو قال:"اهدني" حصل القنوت وكان مكروهًا، لأنه يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء.

ــ

وقع لقنوت صلاة الصبح ولقنوت الوتر اهـ، ومثله في الخلاصة للمصنف ولكون قنوت الحسن هو الوارد مرفوعًا بسند قوي كما تقدم قال الأصحاب لو أراد الاقتصار على أحدهما اقتصر عليه ثم مقابل الأصح في كلام المصنف ما رجحه الرافعي في المحرر من تقديم قنوت عمر وجرى عليه ابن الهمام من الحنفية فقال الأولى أن يؤخره لأن الصحابة اتفقوا على اللهم إنا نستعينك إلخ، اهـ. قوله:(أمامَ محصُورين) أي

لم يتعلق بعينهم حق كالأجير والعبد والزوجة إذ لا عبرة برضاهم لأن الحق فيهم لسواهم ولم يكن المسجد مطروقًا.

قوله: (وَاعلم أَن القنوتَ لَا يتعين فيهِ دعاءٌ إلخ) قال الحافظ قال ابن الصلاح القول بتعيينه شاذ مردود مخالف لجمهور الأصحاب ولسائر العلماء وقد نقل القاضي عياض الاتفاق على إنه لا يتعين وأخرج محمد بن نصر في كتاب قيام الليل بسند صحيح عن سفيان الثوري قال كانوا يستحبون أن يقولوا في قنوت الوتر هاتين اللهم إنا نستعينك فذكره إلى قوله ملحق وهؤلاء الكلمات اللهم اهدني فيمن هديت فذكره إلى قوله تباركت ربنا وتعاليت وإن يقرأ المعوذتين وأن يدعو وليس فيه شيء مؤقت اهـ. قوله: (فأَيُّ دعاءٍ إلخ) نعم إن شرع في القنوت السابق فترك منه شيئًا سجد للسهو ومحل عدم تعينه عند تركه رأسًا كما تقدم وإنما تعينت كلمات التشهد لأنه فرض أو من جنسه. قوله: (عَلَى الدعاءِ) قال في التحفة أو شبهه. قوله: (حصَلَ القنُوتُ) قال في التحفة لا بد من قصد القنوت بها لكراهة القراءة في غير القيام فاحتيج لقصد ذلك حتى يخرج عنها اهـ. قوله: (وذَهبَ جمَاعةٌ إلى) منهم الغزالي في فتاويه.

قوله: (وَاعلم أَنَّهُ يُستَحبُّ إِذَا كَانَ المصَلي إِمامًا أَن يقولَ اللهم اهْدِنا بلفْظِ الجمعِ) قال الحافظ

ص: 308

وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَؤمّ عبْدٌ قَومًا فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فإن فَعَلَ فَقَدْ خَانهُمْ" قال الترمذي: حديث حسن.

ــ

ورد بلفظه أي الجمع من طريق للبيهقي ومن طريق ابن حبان وغيرهما بمعناه اهـ، وفي شرح الروض أن البيهقي رواه في إحدى روايتيه بلفظ الجمع وفي التحفة لصحة الخبر بذلك وبه يرد قول ابن الهمام إن قول الشافعية اللهم اهدنا وعافنا بالجمع خلاف المنقول لكنهم لفقوه من حديث في حق الإمام عام لا يخص القنوت ولا يخفى إنه عليه الصلاة والسلام كان يقول ذلك أي بلفظ الإفراد وهو إمام لأنه لم يكن يصلي الصبح منفردا ليحفظ الراوي منه في تلك الحالة مع أن اللفظ المذكور يفيد المواظبة عليه اهـ، ووجه الرد ثبوت الجمع في رواية البيهقي وهي مقدمة على النفي ولا يتأتى في المنفرد فتعين حمله على الإمام. قوله:(وَرَوَينَا إلخ) أي ورواه ابن ماجة أيضًا كما في تخريج الحصين قال الحافظ بعد تخريج الحديث قال الترمذي وفي الباب عن أبي أمامة وأبي هريرة وحديث ثوبان أجود إسنادًا وأشهر وقال البخاري بعد تخريجه هذا أصح شيء يروى في هذا الباب وحديث أبي أمامة الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أحمد وحديث أبي هريرة أخرجه أبو داود وفيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص

ذكره الدارقطني في العلل وفي أسانيدها كلها اختلاف على بعض رواة حديث ثوبان اهـ. قوله: (عَنْ ثَوْبانَ) لفظ الخبر ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلها لا يؤم رجل قومًا فيخص نفسه بالدعاء فإن فعل فقد خانهم ولا ينظر في مقر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف أورده في الجامع الصغير بهذا اللفظ وقال رواه أبو داود والترمذي عن ثوبان وأورده الحافظ في تخريجه بنحوه. قوله: (قَال الترمذي حديث حسَن) به يندفع قول الإمام أبي بكر بن خزيمة في صحيحه هذا الحديث موضوع مردود قال بعض العلماء فإن ثبت الحديث فيكون المراد به دعاء ورد بلفظ الجمع قاله القاضي مجد الدين الشيرازي في سفر السعادة وقال العامري في بهجته ظهر لي أن كل دعاء

ص: 309

فصل: اختلف أصحابنا في رفع اليدين في دعاء القنوت ومسح الوجه بهما على ثلاثة أوجه. أصحها: أنه يستحب رفعهما، ولا

ــ

يدعو به الإمام والمأموم يكون بلفظ الإفراد وكل دعاء يؤمن المأموم فيه على دعاء الإمام يكون بلفظ الجمع فإن أفرد وقع في النهي اهـ. وإنما كان خائنًا لأنهم أمنوا على دعائه بناء على أنه يأتي بالمطلوب منه من لفظ الجمع فإذا خص نفسه وهم لا يعلمون في خيانة لهم وقال ابن حجر في شرح المنهاج وقضية الخبر أن سائر الأذكار كالقنوت ويتعين حمله على ما لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم وهو إمام بلفظ الإفراد وهو كثير بل قال بعض الحفاظ إن أدعيته كلها بلفظ الإفراد ومن ثم جرى بعضهم على اختصاص الجمع بالقنوت وفرق بأن الكل مأمورون بالدعاء إلّا فيه فإن المأموم يؤمن فقط والذي يتجه ويجتمع به الكلام والخبر إنه حيث اخترع دعواه كره له الإفراد وهذا هو محل النهي وحيث أتى بمأثور اتبع لفظه اهـ، وظاهر إيراده أن الجمع من قبله وقد نقل هذا الجمع الحافظ عن بعض العلماء واستدل له بحديث باعد بيني وبين خطاياي في دعاء الافتتاح وحديث اغفر لي بين السجدتين وغير ذلك وهو صلى الله عليه وسلم كان يصلي إمامًا وطعن ابن المنذر في صحيحه في حديث ثوبان بهذا والجمع أولى ويحتمل القصر على ما يجهر به لكون المأموم لا يشاركه اهـ. وقال في الحرز ينبغي حمل حديث ثوبان لا يخص نفسه إلخ. على أن المراد بالتخصيص قصد حصول أثر الدعاء لنفسه دون غيره ولو كان بصيغة الإفراد فيرجع إلى عدم التحجر اهـ، وفيه إنه لا يناسب ظاهر الكلام.

فصل

قوله: (الأَصح أَنهُ يسْتَحبُّ رَفعُهما) أي للاتباع رواه البيهقي بإسناد جيد قال الحافظ وهو من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه لما دعا على الذين قتلوا القراء وفارق نحو دعاء الافتتاح والتشهد بأن ليديه وظيفة ثم لا هنا ومنه يعلم رد ما قيل السنة في الاعتدال جعل يديه تحت صدره كالقيام برفعه قال الحافظ ثم المراد بالرفع هنا بسطهما لا الرفع الذي في الافتتاح هـ، ويسن له ولكل داع رفع بطن يديه إلى السماء إن دعا لتحصيل شيء وظهرهما إن دعا برفعه وبحث إنه ينظر إلى يديه حَال رفعهما لتعذره حينئذٍ إلى موضع سجوده ومحله إن ألصقهما لا إن فرقهما وكل منهما سنة كما دل عليه

كلامهم في الحج كما في التحفة لابن حجر. قوله: (وَلَا

ص: 310

يمسح الوجه. والثاني: يرفع ويمسحه. والثالث:

لا يرفع ولا يمسح. واتفقوا على أنه لا يمسح غير الوجه من الصدر ونحوه، بل قالوا: ذلك مكروه.

وأما الجهر بالقنوت والإسرار به، فقال أصحابنا: إن كان المصلي منفردًا أسَرَّ به، وإن كان إمامًا جهر به على المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الأكثرون والثاني: أنه يُسِرُّ كسائر الدعوات في الصلاة، وأما المأموم، فإن لم يجهر الإمام قنت سرًّا كسائر الدعوات، فإنه يوافق فيها الإمام سرًّا. وإن جهر الإمام بالقنوت، فإن كان المأموم يسمعه أمّنَ على دعائه،

ــ

يَمسحُ الوجهَ) أي الأولى تركه إذ لم يرد والخبر فيه واهٍ على إنه غير مقيد بالقنوت قال الحافظ قال البيهقي مسح الوجه أي عقب القنوت لم أر فيه شيئًا داخل الصلاة وأنكره في رسالته إلى أبي محمد الجويني أما خارج الصلاة فوردت فيه عدة أحاديث اهـ، وقد اختلف فيه خارجها كلام المصنف في كتبه ففي المجموع إنه غير مندوب وجزم في التحقيق بأنه مندوب. قوله:(وَإِنْ كَانَ إِمَامًا جهرَ بهِ) أي للاتباع رواه البخاري وغيره كذا في الإمداد لكن قال الحافظ قضية من روى أنه سمع القنوت في الصلاة أن يكون جهر به ولم أقف على ذلك إلّا في النازلة اهـ، والحديث مبطل لقياسه على بقية أدعية الصلاة قال أصحابنا وسواء في جهر الإمام به المؤداة والمقضية قال الماوردي وليكن جهره به دون جهره بالقراءة. قوله:(والثانِي أَنَّهُ يسِر به، إلخ) وبه قال الحنفية كما في الحرز وعبارته أما قنوت الوتر فهو وإن ورد بصيغة الجمع لكن الإمام يقرأ سرًّا وكذا المأموم في مذهبنا وقيل بل يؤمن انتهت وكذا قال المالكية يسر بالقنوت كل من الإمام والمأموم والمنفرد. قه له: (أَمَّنَ عَلَى دعائهِ) كما كانت الصحابة رضي الله عنهم يؤمنون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح ويجهر به كما في تأمين القراءة ومن الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على المعتمد وقول بعضهم يشارك وإن كانت دعاء للخبر الصحيح رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل علي يرد بأن معنى التأمين في معنى الصلاة عليه مع أنه الأليق بالمأموم لأنه تابع للداعي

ص: 311

وشاركه في الثناء في آخره، وإن كان لا يسمعه، قنت سرًّا، وقيل: يؤمِّن، وقيل: له أن يشاركه مع سماعه، والمختار الأول.

وأما غير الصبح إذا قنت فيها حيث يقول به، فإن كانت جهرية وهي المغرب والعشاء، فهي كالصبح على ما تقدم، وإن كانت ظهرًا أو عصرًا، فقيل: يُسِر فيها بالقنوت، وقيل: إنها كالصبح.

والحديث الصحيح في قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا القراء

ــ

فناسبه التأمين على دعائه قياسًا على بقية القنوت ولا شاهد في الخبر لأنه في غير المصلي. قوله: (وشاركهُ في الثناء) وهو من قوله فإنك تقضي إلخ، فيقوله سرًّا هذا هو الأولى أو يستمع قال في الإحياء وتبعه القمولي وغيره أو يقول أشهد أو صدقت وبررت أو بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وما أشبه ذلك وكأن الفرق بين صدقت وبررت هنا وفي أجابة المؤذن أن هذا متضمن للثناء فهو المقصود منه بطريق الذات وذاك ليس متضمنًا له إذ هو بمعنى الصلاة خير من النوم وهو مبطل وهذا بمعنى أنك تقضي ولا يقضى عليك مثلًا وهذا غير مبطل ولا نظر في الخطاب فيه لأنه متضمن للثناء أيضًا وعليه يفارق نحو الفتح بقصده بأن ذلك بمعنى تنبه مثلًا فلم يتضمن الثناء ولا نظر لأن الملفوظ به نظم القرآن لأن القرينة صرفته عنه وصيرته كاللفظ الأجنبي كما يعلم من محله على أن التسوية بين ما هنا والأذان في البطلان غير بعيدة لأن ما ذكر فيه من التعسف ما لا يخفى كذا في الإمداد لابن حجر (وإن كان لا يسمعه) أي لبعد أو نحوه أو سمع صوتًا ولم يميز حروفه. قوله:

(وقيلَ إِنَّها كالصُّبْحِ) وهو المعتمد فيجهر في قنوتها الإمام دون المأموم والمنفرد: قوله: (قَتلوا القُرَاءَ) بضم القاف وتشديد الراء جمع قارئ وهم سبعون رجلًا كانوا من أهل الصفة الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم لطلب العلم وقراءة القرآن والتفقه في الدين ومع ذلك كانوا ردءًا للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة لوصولهم غاية بالغة من الشجاعة وكانوا يحتطبون بالنهار ويشترون به الطعام لأهل الصفة ويقرؤون ويصلون الليل والمراد بأصحاب الصفة إذا أطلقوا قوم فقراء غرباء زهاد وكانوا يأوون في صفة آخر مسجده صلى الله عليه وسلم مظلل يبيتون فيها يكثرون ويقلون وقد جمع السخاوي

ص: 312

ببئر معونة يقتضي ظاهره الجهر بالقنوت في جميع الصلوات، ففي صحيح البخاري في باب تفسير قول الله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جهر بالقنوت في قنوت النازلة.

ــ

منهم جملة في مؤلفه "رجحان الكفة في بيان أهل الصفة".

وهؤلاء القراء السبعون أصيبوا ببئر معونة في السنة الرابعة لما بعثهم صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجد لإقراء القرآن والدعاية إلى الإسلام لأنهم لما نزلوا بها قصدهم عامر بن الطفيل العامري اللعين، فإنه مات كافرًا قال ابن حجر في شرح المشكاة وهو غير عامر بن الطفيل الأسلمي فإن ذا صحابي اهـ، في أحياء من سليم وهم رعل وذكوان وعصية وقاتلوهم حتى قتلوهم ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد الأنصاري النجاري تخلص وبه رمق ثم استشهد في الخندق رضي الله عنهم ومنهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر لم يوجد جسده دفنته الملائكة وفي الحديث ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد ما وجد عليهم وسيأتي في باب استحباب الصبر والقوة لمن جرح في سبيل الله ما في قول ابن حجر إن عامر بن الطفيل الأسلمي صحابي. قوله:(بِبئرِ مَعُونَةَ) بفتح الميم وضم العين المهملة وفتح النون قال ابن الملقن في البدر المنير قال الحازمي في المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن ببئر معونة بين جبال يقال لها عقبة أيلة في طريق المصعد من المدينة إلى مكة وهي لبني سليم قاله الكندي وقال أبو عبيدة هو ماء لبني عامر بن صعصعة وقال الواقدي هذه البئر في أرض بني سليم وبني كلاب وقال ابن إسحاق وهي بين أرض بني عامر وجزيرة بني سليم كلا البلدين منها هي من بني سليم أقرب اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر بئر معونة موضع ببلاد هذيل وفي التهذيب للمصنف ببئر معونة وهي قبل نجد بين أرض بني عامر وحرة بني سليم. قوله: (ففي البُخاري إلى قوله في قنوتِ النَّازلةِ) قال الحافظ هكذا ذكر في شرح المهذب وهو يوهم إنه في الموضع المذكور من البخاري بهذا اللفظ وإنما فيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد قنت بعد الركوع فذكر الحديث الذي فيه اللهم انج الوليد وفيه يجهر بذلك فذكره الشيخ بالمعنى اهـ.

ص: 313