المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب التشهد في الصلاة - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٢

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه

- ‌باب ما يقول على وضوئه

- ‌باب ما يقول عند اغتساله

- ‌باب ما يقول على تيممه

- ‌باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد

- ‌باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه

- ‌باب ما يقول في المسجد

- ‌باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه

- ‌باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد والحث علي مكارم الأخلاق ونحو ذلك

- ‌باب فضيلة الأذان

- ‌باب صفة الأذان

- ‌باب صفة الإقامة

- ‌باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

- ‌فائدة

- ‌باب الدعاء بعد الأذان

- ‌باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح

- ‌تتمة

- ‌باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف

- ‌باب ما يقول عند إرادته القيام الي الصلاة

- ‌باب الدعاء عند الإقامة

- ‌باب ما يقول إذا دخل في الصلاة

- ‌باب تكبيرة الإحرام

- ‌باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام

- ‌باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح

- ‌باب القراءة بعد التعوذ

- ‌فائدة

- ‌باب أذكار الركوع

- ‌خاتمة

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله

- ‌باب أذكار السجود

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين

- ‌باب أذكار الركعة الثانية

- ‌باب القنوت في الصبح

- ‌باب التشهد في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

الفصل: ‌باب التشهد في الصلاة

‌باب التشهد في الصلاة

اعلم أن الصلاة إن كانت ركعتين فحسب، كالصبح والنوافل، فليس فيها إلا تشهد واحد، وإن كانت ثلاث ركعات أو أربعًا، ففيها تشهدان: أول، وثان. ويتصور في حق المسبوق ثلاث تشهدات، ويتصور في حقه في صلاة المغرب أربع تشهدات، مثل أن يدرك الإمام بعد الركوع في الثانية، فيتابعه في التشهد الأول والثاني، ولم يحصل له من الصلاة إلا ركعة، فإذا سلم الإمام قام المسبوق ليأتيَ بالركعتين الباقيتين عليه، فيصلي ركعة، ويتشهد عقيبها لأنها ثانيته، ثم يصلي الثالثة ولتشهد عقيبها. أما إذا صلى نافلةً فنوى أكثر من أربع ركعات، بأن نوى مائة ركعة، فالاختيار أن يقتصر فيها على تشهدين، فيصلي ما نواه إلا ركعتين ولتشهد، ثم يأتي بالركعتين، ويتشهد التشهد الثاني ويسلم.

ــ

باب التشهد في الصلاة

هو الذكر المخصوص الآتي وسمي تشهد لاشتماله على كلمتي الشهادتين ويسمى دعاء أيضًا كما في بعض الأحاديث لاشتماله عليه إذ من جملته السلام عليك أيها النبي إلى الصالحين وهذا كله دعاء وإنما عبر عنه بلفظ الإخبار لمزيد التوكيد ولذا قال أئمة البيان إن غفر الله له أبلغ من اللهم اغفر له لأن الأول يستدعي قوة الرجاء بوقوع المغفرة وأنها صارت كالأمر الواقع المحقق حتى أخبر عنها بلفظ الماضي بخلاف الثاني. قوله: (ويُتَصوَّرُ في حقِّهِ في صَلاةِ المَغرِب أَرْبعُ تَشهُّدَاتٍ) قال شيخ الإسلام زكريا في شرح التنقيح فيفترش فيما عدا الرابع ويتورك في الرابع اهـ. قوله: (صَلَّى نافِلةً) أي مطلقة وإلَّا ففي الوتر الموصول لا يزاد على تشهدين بينهما ركعة فقط والتراويح لا يجوز أن يسلم عن أكثر من ركعتين. قوله: (فالاخْتيَارُ أَنْ يقتَصرَ عَلَى تَشهُّدَيْن إلخ) ويقرأ السورة في الركعات التي قبل التشهد الأول سواء أتى بتشهدين أو أكثر فإن اقتصر على تشهد واحد قرأ في الركعات كلها ذكره في الروضة.

ص: 314

قال بعض أصحابنا: لا يجوز أن يزيد على تشهدين، ولا يجوز أن يكون بين التشهد الأول والثاني أكثر من ركعتين، ويجوز أن يكون بينهما ركعة واحدة، فإن زاد على تشهدين، أو كان بينهما أكثر من ركعتين، بطلت صلاته. وقال آخرون: يجوز أن يتشهد في كل ركعة، والأصح جوازه في كل ركعتين، لا في كل ركعة، والله أعلم.

واعلم أن التشهد الأخير واجب عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء،

ــ

قوله: (قَال جماعة منْ أَصحابنَا إلخ) عبارة الروضة وذكر صاحب التتمة والتهذيب وجماعة إنه لا تجوز الزيادة على تشهدين بحال ولا يجوز أن يكون بين التشهدين أكثر من ركعتين إن كان العدد شفعًا وإن كان وترًا لم يجز بينهما أكثر من ركعة انتهت. قوله: (وقَال آخرُونَ يجُوزُ أَنْ يتَشهدَ في كل ركعةٍ) قلت وجرى عليه الرافعي في المحرر وفي المهمات عن الكافي للخوارزمي إن في المسألة وجهين اهـ. قوله: (في كل ركعتَينِ لَا في كل ركعةٍ) ظاهر هذه العبارة يوهم إنه لا يفصل بينهما بأكثر من ثنتين وليس مرادًا ففي التحقيق والمجموع يجوز الفصل بينهما بثلاث أو أكثر أي لأن ذلك معهود في الفرائض في الجملة نعم ظواهر السنة تقتضي الفصل بينهما بالركعتين فهو بهما أفضل لذلك كما في المجموع ولذا اقتصر عليه هنا. قوله: (لَا في كل ركعةٍ) قال في المجموع لأنه اختراع

صورة في الصلاة لم تعهد وفي التحفة لابن حجر وظاهر كلامهم امتناعه في كل ركعة وإن لم يطول جلسة الاستراحة وهو مشكل لأنه لو تشهد في المكتوبة الرباعية مثلًا في كل ركعة ولم يطول جلسة الاستراحة لا يضر كما هو ظاهر فإما أن يحمل ما هنا على ما إذا طول بالتشهد جلسة الاستراحة لما مر أن تطويلها مبطل للصلاة أو يفرق بأن كيفية الفرص استقرت فلم ينظر لإحداث ما لم يعهد فيها بخلاف النفل ويأتي هذا في منع أكثر من تشهدين في الوتر الموصول اهـ، وفي الإمداد له ولو نوى ركعة فلما تشهد نوى أخرى فهذا جائز على الأوجه لأنه لم يخترع الصورة التي لم تعهد قصدًا بل وقعت ضمنًا فاغتفرت اهـ.

قوله: (التشهد الأَخِيرَ وَاجبٌ إلخ) أي التشهد الذي يعقبه السلام فرض لحديث ابن مسعود كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل

ص: 315

وسُنة عند أبي حنيفة ومالك. وأما التشهد الأول فسنة عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة والأكثرين، وواجب عند أحمد،

ــ

السلام على ميكائيل السلام على فلان السلام على فلان فقال صلى الله عليه وسلم لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله إلخ، رواه البيهقي والدارقطني بسند صحيح، فقوله قبل أن يفرض دليل صريح في فرضيته ولا أثر لقول ابن عبد البر في الاستذكار تفرد بقوله قبل أن يفرض ابن عيينة لأنه ثقة متقن ثبت يقبل ما تفرد به وليس فيه مخالفة لما رواه غيره من الثقات، واستدل للوجوب أيضًا بقوله في حديث ابن مسعود أيضًا في الصحيحين فليقل التحيات لله إلخ، وتعقب بأن مجموع ما توجه إليه هذا الأمر ليس بواجب بل الواجب بحضه وسيأتي بيانه في كلام المصنف والمراد فرضه في جلوس آخر الصلاة قال أئمتنا وحكمة وجوبه كالقرآن أن محل كل منهما يكون عادة وعبادة فوجب فيه ذلك ليميزه عن العادة بخلاف نحو الركوع والسجود فإنهما لم يستعملا في العادة ولا يرد عليهم الاعتدال والجلوس بين السجدتين لأنهما بقيد كونهما ركعتين لم يشبها ما في العادة وأما خبر إذا قعد الإمام في آخر صلاته ثم أحدث قبل أن يتشهد فقد تمت صلاته فضعيف باتفاق الحفاظ وكذا ما روي عن علي موقوفًا عليه إذا جلس قدر التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته. قوله:(وسنَّة عنْدَ أَبِي حنيفَة ومالِكٍ) قال القارئ الحنفي في الحرز فالقعدة الأولى واجبة والأخيرة فريضة والتشهد فيهما واجبان عندنا اهـ. ولعل ما نقله المصنف رحمه الله تعالى هنا قول للإمام وعبارة القلقشندي قال الشافعي بفرضية الأخير وسنية الأول وقال أحمد بفرضية الأخير ووجوب الأول وقال جمهور المحدثين هما واجبان وقال أبو حنيفة بوجوب الأخير دون الأول قال مالك هما سنتان لكنه أوجب الجلوس اهـ، والواجب عند مالك الجلوس في الأخير بقدر ما يقع فيه السلام قال الشيخ داود في شرح الرسالة واختلف المذهب في التشهد فقيل هو سنة وشهره قوم أو فضيلة وشهره آخرون اهـ. والمذهب عندهم الأول. قوله:(أَمَّا التشهُّدُ الأَولُ فسُنة) أي لأنه صلى الله عليه وسلم سجد لتركه رواه البخاري ولم يتداركه فدل على عدم وجوبه وإن الأمر في قوله فليقل التحيات إلخ. فيه أن شمله

ص: 316

فلو تركه عند الشافعي صحت صلاته، ولكن يسجد للسهو سواء تركه عمدًا أو سهوًا، والله أعلم.

فصل: وأما لفظ التشهد، فثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث تشهدات.

أحدها: رواية ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ للهِ،

ــ

للندب. قوله: (فَلو تَرَكهُ إلخ) أي إذا ترك الواجب منه في التشهد الأخير أو شيئًا منه وكذا إذا ترك قعوده بأن كان لا يحسنه فإنه يسن له الجلوس بقدره

فإذا تركه سجد له وظاهر عبارته أن الشافعي اختص بالقول بالسجود لتركه وليس كذلك فعند مالك يستحب السجود لتركه التشهد مطلقًا.

فصل

قوله: (فثبَتَ فيِه إلخ) قال القلقشندي في شرح عمدة الأحكام ورد في الباب عدة تشهدات وجملة من رواها من الصحابة أربعة وعشرون صحابيًّا الذي منها في الصحيحين حديث ابن مسعود وفي صحيح مسلم حديث ابن عباس وحديث أبي موسى اهـ، ومنه يعلم أن مراد المصنف الثابتة في الصحيحين أو أحدهما وإلّا فبقية الروايات بعضها ثابت أيضًا ثم رأيت الحافظ قال كأنه يريد تقييده بما في الصحيحين وإلَّا فقد ثبت فيه غيره. قوله:(رواية ابْنِ مسعودِ) تقدم في حديث البيهقي ذكر سبب هذا التشهد عنه وهو أنهم كانوا يقولون السلام على الله قبل عباده إلخ. قوله: (التحيات لله) التحيات جمع تحية واختلف في معناها فقيل الملك وجزم به أكثر العلماء وقيل السلام وقيل البقاء قاله النضر بن شميل وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الحياة وأشار المحب الطبري إلى أنها مشتركة بين هذه المعاني اشتراكًا معنويًّا وقال أنها بمعنى السلام هنا أنسب وأمس فإذا حملت على الملك والعظمة فيكون المعنى الملك الحقيقي التام والعظمة الكاملة لله لأن ما سوى ملكه وعظمته ناقص زائد إذا حملت على السلام فيكون التقدير التي يعظم بها الملوك مثلًا مستحقة لله تعالى وإن جرت لغيره صورة وإن حملمت على البقاء فهو مختص به تعالى من غير نزاع وكذا الحياة والسلامة من الآفات وقال أبو سعيد الضرير ليست التحية للملك نفسه إنما هي ما يحيا به الملك قال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة وكأنها إنما جمعت لتشمل هذه المعاني كلها وهذا أبلغ من

ص: 317

والصَّلوَاتُ والطيباتُ،

ــ

قول أبي قتيبة وجمعت لأن كل ملك من ملوكهم كانت له تحية يحيا بها فقيل لنا قولوا التحيات لله أي الألفاظ الدالة على الملك مستحقة له تعالى وحده اهـ. قال البغوي ولما لم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء عليه فلهذا أنهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم فقال قولوا التحيات لله أي أنواع التعظيم لله واللام في لله للملك والاستحقاق وقال القرطبي قوله لله تنبيه على الإخلاص في العبادات أي تلك لا تفعل إلَّا لله ويحتمل أن يكون المراد الاعتراف بأن ملك الملوك وغير ذلك مما ذكر كله في الحقيقة لله تعالى وتعميم المبتدأ بأل التي هي للاستغراق الداخلة على الجمع تشعر بالاختصاص أيضًا وعلم مما تقرر أن القصد الثناء على الله سبحانه بأنه مالك مستحق لجميع التحيات من الخلق وإن كل تحية وقعت لغيره صورة فهي له تعالى حقيقة اهـ. قوله: (والصلواتُ والطيباتُ) يحتمل أن يكونا معطوفين على التحيات فيكون من باب عطف الجمل لاستكمال الجملة الأولى وعليه فيكون الخبر محذوفًا أي الصلوات لله والطيبات لله دل على ذلك خبر الجملة التي قبلها وعلى هذا اقتصر ابن حجر في شرح

المشكاة ويحتمل أن يكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف والطيبات معطوفة عليها وتكون الواو الأولى لعطف الجملة على الجملة والثانية لعطف المفرد على المفرد أشار إلى ذلك البيضاوي، واختلف في المراد "بالصلوات" فقال ابن المنذر وآخرون المكتوبات الخمس المعهودة وقيل النوافل وقيل ما هو أعم من الصلوات المفروضة والنوافل في كل شريعة وقيل العبادات كلها قاله الأزهري وقيل الدعاء بخير وقيل الرحمة والمعنى إنه هو المتفضل بها جزم به البغوي في شرح السنة قال ابن حجر الهيثمي إذ الرحمة التامة الحقيقية له لا لغيره لأن رحمة المخلوق لغيره إنما هي لباعث رقة حصلت له عليه فهو بها دافع لألم تلك الرقة التي لم تحصل فيه إلَّا بخلق الله تعالى وحده فهو الراحم وحده ومعنى كون غير الرحمة ما ذكر له سبحانه أنها مستحقة له أو خاصة به بطريق الحقيقة أو مخلصة له لا يقصد بها غيره، ومعنى "الطيبات" عند الأكثر الكلمات الطيبات وهي ذكر الله تعالى واعترض بأن في تخصيصه بالأقوال قصورًا والأولى تفسيرها بالأعم الأولى أي الطيبات من الأفعال والأقوال والأوصاف، وطيب الأوصاف بأن يخلص من شوائب النقص ويتوفر بها صفات الكمال وقال بعضهم أظهر الأقوال

ص: 318

السلامُ عَلَيكَ أَيها النبِي ورَحْمَةُ اللَّهِ

ــ

وأجمعها ما قيل إن التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات البدنية والطيبات العبادات المالية. قوله: (السلام عَليكَ) لما ذكر صلى الله عليه وسلم الثناء المتعلق بالخالق وكان وصول ذلك الفيض إلينا بواسطته أمرنا بإفراده بالذكر إظهارًا لعظيم شرفه ومزيد حقه حتى يفوز بقربه وحبه معبرًا عنها بالنبي وفيما يأتي بالرسول للترتيب الوجودي إذ النبوة المستفادة من "اقرأ" النازلة أولًا مقدمة على الرسالة المستفادة من ({قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} [المدثر: 2]، النازلة له ثانيًا على الأصح فقال مبلغًا عن الله لا من اجتهاده كما يدل عليه قول الصحابة الآن قد عرفنا كيف نسلم عليك أي هنا لا في سلام التحلل فكيف نصلي عليك.

واختلف في المراد هنا فقيل المعنى اسم السلام عليك أي اسم الله عليك فإن السلام من أسمائه إذ هو المسلم لعباده من الآفات واستبعد إلّا أن يراد بالاسم آثاره ومظاهره أي آثار اسمه السلام من المكاره والآفات ونحوها مترادفة عليك أيها النبي قال ابن حجر في شرح المشكاة وأشار إليه البيهقي بقوله معناه السلام الذي هو اسم من أسماء الله عليك وتأويله لا خلوت من البركات والخيرات وسلمت من المكاره والآفات إذ كان اسم الله إنما يذكر على الأمور توقعًا لاجتماع معاني الخير والبركة فيها وانتفاء عوارض الخلل عنها ويحتمل أن تكون بمعنى السلامة أي سلمك الله من المذام والنقائص فمعنى اللهم سلم على محمد اكتب له في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص فتزداد دعوته على ممر الأيام علوا وأمته تكاثرًا وذكره ارتفاعًا اهـ. وقال التوربشتي السلام بمعنى السلامة كالمقام والمقامة وهو اسم من أسماء الله تعالى وضع المصدر موضع الاسم مبالغة والمعنى إنه سالم من كل عيب ونقص وفساد ومعنى قولنا السلام عليك في الدعاء سلمت من المكاره اهـ، وقيل معناه الله عليك حفيظ وكفيل كما تقول معك الله أي متوليك وكفيل بك، وقيل معناه السلامة والنجاة لك قال الأزهري فالسلام بمعنى التسليم ومن سلم الله عليه سلم من الآفات اهـ، ويكون مصدرًا كاللذاذ واللذاذة قال تعالى:{فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 91]، وقيل الانقياد لك كما في قوله تعالى:

{ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، قال ابن دقيق العيد ليس يخلو بعض هذا من نقص لأن السلام يتعدى لبعض هذه المعاني بلفظ على

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا إذا أريد بالتسليم الانقياد فإن أريد به الدعاء بأن الله يسلم عليه كان معناه واضحًا وقال ابن عبد السلام في مقاصده هو مصدر سلم يسلم سلامًا وقيل جمع سلامة كملامة وملام.

وقال الطيبي أصل سلام عليك سلمت عليك سلامًا ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره، قال ثم التعريف إما للعهد التقديري أي ذلك السلام الذي وجه للأنبياء والأمم السابقين عليك متوجه إليك أيها النبي والسلام الذي وجه لصالحي الأمة إلينا وإلى إخواننا المؤمنين وإما للجنس أي حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد وعمن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا وإما للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] قال ولا شك أن هذه التقادير أولى من تقدير النكرة اهـ، وحكى صاحب الإقليد أن التنكير فيه للتعظيم وهو وجه من وجوه الترجيح لا يقصر عن الوجوه المتقدمة وتقدم في كلام البيهقي وجه الإتيان بعلى وقال وغيره إنما جيء بعليك دون بك لأن المراد والمعنى قضى الله بهذا وقضاؤه إنما ينفذ في العبد من قبل ملكه وسلطانه عليه فظهر أن قضاء الله عليك بالسلامة أبلغ من قضائه لك بها، ومن استعمال نحو ذلك إخبارًا مرادًا به الدعاء قوله تعالى {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} كذا في فتح الإله، قال الطيبي وإنما لم يأت بلفظ الغيبة وهو الذي يقتضيه السياق فتقول سلام على النبي لأجل اتباع لفظ الشارع بعينه الذي علمه الصحابة وفي شرح المشكاة لابن حجر وكان وجه مخاطبته بذلك الإشارة إلى أن الله يكشف له صلى الله عليه وسلم عن المصلين من أمته حتى يكون كالحاضر معهم ليشهد لهم بأفضل الأعمال وليكون تذكر حضوره سببًا لمزيد الخضوع والخشوع ثم رأيت الأمة عدوًا من خصائصه صلى الله عليه وسلم إن أعمال أمته تعرض عليه ويستغفر لهم واستدلوا بما رواه ابن المبارك عن ابن المسيب ليس من يوم إلَّا ويعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أعمال أمته غدوة وعشيًّا فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم اهـ، وهو مؤيد لما ذكرته ورأيت الغزالي قال في الإحياء وقبل قولك السلام عليك أيها النبي أحضر شخصه الكريم في قلبك ليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه اهـ، ويحتمل أن يقول على طريق أهل العرفان إن المصلين لما استفتحوا باب الملك بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت فقرت

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بسبب المصطفى وبركة متابعته فالتفتوا فإذا الحبيب في حريم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وإلى هذا المعنى أشار الشيخ محمد البكري بقوله لما كان صلى الله عليه وسلم هو السبب في هذه النعمة الجسيمة ناسب أن يستحضر المصلي شخصه في ذهنه يخاطبه بكاف الخطاب مخاطبة الحاضر اهـ. وقال الولي بالاتفاق أبو بكر الوراق ذات يوم لأهل مجلس الرقاق يا أيها الناس أبشروا بالبشارة العظمى والكرامة الكبرى وهي أنه صلى الله عليه وسلم لا ينساكم في حال من الأحوال ولا في مقام من مقامات الإكرام والإجلال إذ لو كان ينساكم ساعة أو لحظة لنساكم في مقام الهيبة حين قام بين يدي رب العزة فقال التحيات لله والصلوات والطيبات قال الرب سبحانه السلام

عليك أيها النبي إلخ. الثلاث بالثلاث طباقًا جزاءً وفاقًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعتناء بكم السلام علينا إلخ.

قالت الملائكة أشهد أن لا إله إلّا الله إلخ. اهـ، وذكر ابن العربي في الأحوذي نحوًا من الجواب الأول وفي شرح العمدة للقلقشندي ورد في بعض طرق هذا الحديث عند البخاري في الاستئذان ما يقتضي المغايرة بين زمنه صلى الله عليه وسلم فيقال بلفظ الخطاب وبين غيره فيقال بلفظ الغيبة ولفظه فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي صلى الله عليه وسلم ووقع كذلك عند ابن أبي شيبة وأبي عوانة والجوزقي وأبي نعيم والبيهقي وغيرهم بلفظ قلنا السلام على النبي بدون لفظ يعني ووقع مثله في الموطأ عن ابن عمر من فعله وهذا يحدس في الجواب المتقدم ولذا قال السبكي في شرح المنهاج إن صح هذا عن الصحابة دل على إن الخطاب الآن غير واجب اهـ، ويجاب عن هذا بأن الذي وقع من تعليمه لهم إنما هو بكاف الخطاب ولم يقيده بحالة الحياة وهو مقدم على اجتهاد من رأى خلافه وقال ابن حجر في شرح المشكاة وقول ابن مسعود كنا نقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليك أيها النبي فلما قبض صلى الله عليه وسلم قلنا السلام على رسول الله وذلك لأن هذا لفظ أبي عوانة ورواية البخاري الأصح منها بينت أن ذلك ليس من قول ابن مسعود بل من فهم الراوي عنه ولفظها فلما قبض قلنا سلام يعني على النبي صلى الله عليه وسلم فقوله سلام يحتمل أنه أراد استمر بنا على ما كنا عليه

ص: 321

وبَرَكاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصالِحِينَ،

ــ

في حياته ويحتمل إنه أراد أعرضنا عن الخطاب وإذا احتمل اللفظ لم يبق فيه دلالة اهـ، وما زعمه القلقشندي من خدش تلك الرواية أي إن ثبتت في التوجيه السابق للإتيان به بلفظ الخطاب غير ظاهر كما لا يخفى على أولي الألباب والنبي إنسان أوحي إليه بشرع فإن أمر بالتبليغ فرسول أيضًا فكل رسول نبي ولا ينعكس والمراد بالرحمة من الله غايتها من إرادة الإنعام والتفضل أو من الإنعام والتفضل فعلى الأول هو صفة ذات وعلى الثاني صفة فعل وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بيان حكم الدعاء له صلى الله عليه وسلم بالرحمة. قوله:(وبَركاتهُ) أي خيراته الإلهية الدائمة اللازمة المستمرة قيل ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة غير محسوسة هو مبارك فيه وفيه بركة وأصل البركة النمو والزيادة من الخير أو الكرامة أو التطهر من العيوب والتزكية أو ثبوت ذلك ودوامه واستمراره من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على مناخها ومنه بركة الماء لإقامته بها ثم أورد البركات بالجمع دون السلام والرحمة بخلاف التحيات والصلوات والطيبات ولعله للتفنن في التعبير أو للاستغراب أو موكول علمه إليه صلى الله عليه وسلم. قوله: (السلام علينَا) قال البيضاوي علمهم صلى الله عليه وسلم أن يفردوه بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم ثم علمهم أن يخصوا أنفسهم أولًا فإن الاهتمام بها أهم.

قلت وهو الأدب في الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلامًا منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملًا وقوله علينا أي معشر الحاضرين من المصلي ومن معه من مؤمني الإنس والجن. قوله: (الصالحِينَ) جمع صالح وهو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد كذا نقله المصنف في مجموعه عن الزجاج وغيره لكن قضية قول الفاكهاني ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين ليتوافق لفظه مع قصده اهـ، إنه المسلم، وكذا يقتضيه قول كلام السبكي لكل مسلم حق في أداء الخمس لأن فيها السلام علينا

وعلى عباد الله الصالحين وهو إذا قال ذلك أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض أي كما ورد ذلك في حديث ابن مسعود هذا في

ص: 322

أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلا اللهُ،

ــ

حديث الصحيحين فمن ترك واحدة منها سمعت الدعوى عليه وإن لم يكن على وجه الحسبة من كل مسلم لتعدية بركتها على كل مسلم قال ابنه ووجدت في كلام القفال ما يشهد له اهـ. لكن قد يقال إنه ليس قضيتهما ذلك ولا بد لاحتمال أن يكون أخذ ذلك من كون الضمير في علينا عائدًا على المسلمين أي السلام علينا معشر المسلمين وعبارة القفال في فتاويه ترك الصلاة يضر بجميع المسلمين لأن المصلي لا بد أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فيكون مقصرًا بخدمة الله وفي حق رسول الله وفي نفسه وفي حق كافة المسلمين ولذا عظمت المصيبة بتركها ثم أل في الصالحين مفيدة للعموم لأنه جمع على بأل ومما يدل له قوله صلى الله عليه وسلم إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض ومن نازع في كونها للعموم فقد غفل عن هذا ونحوه الكثير مما يصرح بأنها للعموم وخص الصالحون بذلك للتعظيم وأصل الصلاح استقامة الشيء على كماله والفساد ضده وكمال ذلك إنما يتحقق في الآخرة لأن أحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح في بعض الأحوال لا تخلو عن فساد وخلل إذ لا يصفو ذلك إلّا في الآخرة خصوصًا لزمرة الأنبياء لأن الاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقرب الأعلى ونال المقام الأسنى ومن ثم كانت هذه المرتبة مطلوب الأنبياء قال تعالى في حق خليله ({وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)} [البقرة: 130] وحكى عن يوسف ({وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)} [الشعراء: 83]، وتقدم الحكمة في الفرق بين الإخبار بأن الأول من الصالحين وسؤال الثاني لذلك. قال بعضهم وصلاح الأنبياء صلاح خاص لا يتناوله عموم الصالحين واحتج بأنه قد تمنى بعض الأنبياء اللحاق بالصالحين ولا يتمنى الأعلى اللحاق بالأدنى ولا خلاف أن النبوة أعلى من صلاح الصالحين من الأمم فهذا يحقق إن الصلاح المضاف إلى الأنبياء غير الصلاح المضاف إلى الأمم وصلاح الأنبياء صلاح كامل لأنه يزول بهم كل فساد فلهم كمال الصلاح ومن دونهم الأمثل فالأمثل فكل واحد يستحق اسم الصلاح على قدر ما زال به أو منه من الفساد ولشرف وصف صلاح الأنبياء تطابق الأنبياء ليلة الإسراء على وصف نبينا صلى الله عليه وسلم به لشموله خلال الخير كذا في الابتهاج. قواهه:(أَشهَدُ أَن لَا إلهَ إلَّا الله) أي أعلم وأتيقن وإنما أتي بلفظ أشهد دونهما لأنه أبلغ في معنى العلم

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واليقين فإنه يستعمل في ظواهر الأشياء وبواطنها بخلاف العلم واليقين فإنهما يستعملان غالبًا في البواطن دون الظواهر ولهذا قال الفقهاء لا يصح أداء الشهادة بدون لفظ أشهد من أعلم وأتيقن.

وسبق في باب فضل الذكر في حديث جابر بعض إعرابات كلمة التوحيد ونذكر حاصل ذلك بزيادة عليه فنقول: قال بعض المحققين يجوز في الاسم الواقع بعد إلا ستة أوجه "أولها" أن خبر لا محذوف أي موجود أو في الوجود والله بدل من موضع لا مع اسمها أو من موضع اسمها قبل دخول لا "ثانيها" إن الخبر محذوف والله بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف وهذا لا كلفة فيه واختاره بعض المتأخرين "ثالثها" إن الخبر محذوف وإلا الله صفة لإله على موضع لا مع اسمها أو من موضع اسمها فبل دخولها ولا يستنكر وقوع إلا صفة فقد جاء {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}

[الأنبياء: 22] ويصير المعنى لا إله غير الله في الوجود وقد جاء ({مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] ولكن الخبر محذوف كما تقدر قدره بعضهم في الوجود وبعضهم كائن ويرد عليه ما تقدم عن ناظر الجيش في رد إعراب الجرجاني من أن القصد من كلمة التوحيد نفي الإلهية عن غيره تعالى وإثباتها له ولا يفيده التركيب الأخير نعم يفيده بالمفهوم وأين هو من المنطوق اهـ، ومما يرد على هذا الإعراب إن إلا الوصفية إنما هي التابعة لجمع منكر غير محصور وذلك نحو قوله: ({لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] أما في غير ذلك فضعيف كما في الكافية الحاجبية وغيرها "رابعها" أن يكون الاستثناء مفرغًا وإله اسم لا بني معها وإلا الله الخبر وهذا منقول عن الشلوبين فيما علقه على المفصل ونقله ابن عمرون عن الزمخشري في حواشيه وإن كان في المفصل قال غيره وذهب إلى أن الخبر محذوفة "خامسها" أن لا إله في موضع الخبر وإلا الله في موضع الابتداء ذكر ذلك الزمخشري في كلام تلقفه عنه بعض تلامذته وقال العصام جعل الزمخشري كلمة التوحيد جملة تامة مستغنية عن تقدير الخبر وكتب فيه رسالة ومحصول ما ذكره أن أصل التركيب الله إله فدخل لا وإلا للحصر فالمسند إليه هو الله والمسند هو إله وهذا مما يتحير في تعقله الأذكياء ويتعجبون من كلامه هذا وأنا أوضحه لك بكلام وجيز وهو أنه لو أبدل لا وإلا بإنما وقيل إنما الله إله لكان كلامًا تامًّا من غير تقدير وإنما بمعنى ما للنفي وكلمة إلا فعلم أن قول النحاة بالتقدير لداع لفظي هو أن لا تطلب خبرًا

ص: 324

وأشْهَدُ أن مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، رواه البخاري

ومسلم في "صحيحيهما".

الثاني: رواية ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التحِياتُ المُبارَكَاتُ، الصلَوَاتُ الطيبَاتُ للَّهِ، السلامُ عَلَيكَ أيهَا النبِيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه، السلامُ

ــ

ولا يحتاج إليه المعنى اهـ. "سادسها" أن تكون لا مع اسمها مبتدأ والله مرفوع بإله ارتفاع الاسم بالصفة واستغنى بالمرفوع عن الخبر كما في مضروب العمران وشجع على ذلك قول الزمخشري إله بمعنى مألوه من أله أي عبد ولو قلت لا معبود إلا الله لم يمتنع فيه ما ذكر، وسبق ما في هذين الوجهين الأخيرين عن ناظر الجيش، وأجاز بعضهم النصب على الاستثناء إذا قدر الخبر محذوفًا أي موجود أو في الوجود إلا الله والمراد بإله المعبود بحق وهو المقصود بحصر الوجود فيه لكثرة المعبودات الباطلة فلا يخالف ما في شرح الكشاف من أن إلهًا بالتنكير بمعنى المعبود مطلقًا وبالتعريف بمعنى المعبود بحق فإنه هناك بصدد بيان المعنى بحسب الوضع. قوله:(وأَشْهدُ أَن مُحمدًا عَبدُه وَرَسولُهُ) تقدم معنى الشهادة ومحمد علم منقول من اسم مفعول المضاعف لمن كثر حمد الناس له وهو ذو الخصال الحميدة وسبق معنى العبد وجموعه أول الكتاب والرسول إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه وإن لم يأت بشرع جديد أو بكتاب. قوله: (رَوَاهُ البخَاري ومسلم إلخ) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة قال في السلاح ولفظهم من قوله التحيات إلخ، سواء وفي لفظ للبخاري ومسلم والنسائي علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن فذكر مثله وفي رواية للبخاري ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي هذه الزيادة وفي رواية النسائي سلام علينا وله في رواية أخرى أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله قال الترمذي وهو أصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وروى البيهقي في سننه الكبير بسند جيد عن القاسم قال علمتني عائشة رضي الله عنها قالت هذا تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء اهـ.

قوله: (التحياتُ المباركاتُ الصلَواتُ الطيبَاتُ لله) قال المصنف في مجموعه قالوا

ص: 325

عَلَينا وعلى عِبادِ اللهِ الصالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشْهَدُ أن مُحَمدًا رسول الله" رواه مسلم في "صحيحه".

الثالث: رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَاتُ الطيباتُ الصلَوَاتُ للهِ، السلامُ عَلَيكَ أيهَا النَّبِيّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ، السلامُ عَلَينا وعلى عبادِ اللهِ الصالِحِينَ،

ــ

تقديره والصلوات والطيبات وحذف واو العطف جائز ولا يتعين ذلك بل المعنى صحيح مع عدم تقديرها كما هو ظاهر وقول الرافعي إن حرف العطف مقدر قبل الطيبات فقط فيه نظر لما يلزمه من نوع تحكم بل تقديره قبل الصلوات أولى وأظهر ثم رأيت المتولي من أكابر أئمتنا صرح بما ذكرته من عدم تعين تقدير الواو في الكل فقال إن الألفاظ الثلاثة نعت للتحيات أي سواء أردنا بالصلوات العبادات وهو ظاهر أم غيرها مما مر لكن يلزم عليه قصر التحيات على بعض أنواعها وهو خلاف المقصود وإن جوزنا بدل البعض من الكل قال ابن الرفعة ردًّا على المتولي التحيات كيفما فسرت لا يجوز أن تفسر بالصلوات كيفما فسرت اهـ، وقد علمت رده من قولنا سواء أردنا إلخ، قال الحنفية من جملة ما وجهوا به ترجيح تشهد ابن مسعود: إن واو العطف تقتضي المغايرة فتكون كل جملة ثناءً مستقلًا بخلاف ما إذا سقطت فإن ما عدا الأول يكون صفة فيكون جملة واحدة في الئناء والأول أبلغ اهـ، وكأن المصنف في المجموع قدر الواو جوابًا عن احتجاجهم لا لتعين تقديرها ذكره ابن حجر في شرح المشكاة وقد سبق المصنف إلى ما قال الخطابي فقال حذفت الواو من حديث ابن عباس اختصارًا وذكر الطيبي في جعل التحيات المباركات جملة محذوفة الخبر والصلوات الطيبات فيه جملة أخرى مستأنفة توجيها في غاية البعد والتكلف قال في الحرز والظاهر أن كلا من هذه الأربع مبتدآت إما بحذف العاطف كما جوزوا أو على سبيل التعداد ولله خبرها. قوله:(رَوَاه مسلم في صحيحهِ) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول التحيات إلخ، وفي رواية ابن رمح كما يعلمنا القرآن وفي رواية الترمذي سلام في الموضعين كذا في السلاح، قلت أي بالتنكير وهي رواية الشافعي فيهما كما قال الحافظ قال ووقع عند جميع رواته محمدًا رسول الله اهـ.

قوله: (روَايةِ أَبي مُوسى) أي من جملة حديث طويل في آخره وإذا كان عند القعدة فليكن من أول

ص: 326

أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وأنَّ مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"، رواه مسلم في "صحيحه".

وروينا في سنن البيهقي بإسناد جيد عن القاسم قال: علمتني عائشة رضي الله عنها قالت: هذا تشهُّدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّحِياتُ للهِ والصلَوَاتُ والطَّيِّباتُ، السلامُ عَلَيكَ أيهَا النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللهِ الصالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ، وأشْهَدُ أن مُحَمدًا عَبْدُه ورَسُولُهُ"، وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهده صلى الله عليه وسلم بلفظ تشهدنا.

وروينا في موطأ مالك، وسنن البيهقي،

ــ

قول أحدكم التحيات إلخ. قال بحذف لفظ أشهد الثانية الحديث بجملته رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة ولفظ النسائي أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله اهـ. قوله: (رَواهُ مسلم في صحيحه) بلفظ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة بحذف أشهد الثانية ولفظ النسائي أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله.

قوله: (وَرَوَيْنا في سُنَن البيهَقي بإِسنادٍ جيدٍ إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه في سنده محمد بن صالح بن دينار وهو مختلف فيه فوثقه أحمد وأبو داود وغيرهما وقال أبو حاتم الرازي ليس بقوي وكذا لينه الدارقطني وأما ابنه صالح فلم أجد له ذكرًا بجرح ولا تعديل ولا ترجمة في كتب الرجال كالبخاري وابن أبي حاتم وابن حبان وابن عدي وهو درجة المستور فلم أعرف مستند الشيخ في وصف هذا الإسناد بالجودة وقد قال البيهقي بعد تخريجه الصحيح عن عائشة موقوف فأشار إلى شذوذ الزيادة والعلم عند الله اهـ. قوله: (وفي هذا فائده حسنة إلخ) قال الحافظ بعد تخريجه كأنه يشير إلى رد ما وقع للرافعي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في التشهد وأشهد أني رسول الله وقد تعقبوه بأنه لم يرد كذلك صريحًا اهـ، وكذا قال بعضهم إنه مردود وقيل مؤول بأن مراده ما في البخاري عنه صلى الله عليه وسلم لما خفت أزواد القوم فدعا ثم قال أشهد أن لا إله إلَّا الله وأني رسول الله ولما بشره جابر باستيفاء غرمائه قال وأشهد أني رسول الله ومما يؤيد أن هذا مراده ذكره لذلك

ص: 327

وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ

ــ

في الأذان ردًّا على من قال إنه لو أذن ماذا كان يقول في لفظ الشهادة فرد عليه بأن المنقول أنه يقول في تشهده أي نطقه بكلمتي الشهادة لهذا الحديث ولم يرد تشهد الصلاة ولذا لم يذكره هنا وحقيقته النطق بكلمتي الشهادة وإطلاقه على ما يقال في جلوس الصلاة من إطلاق اسم البعض على الكل فأراد الرافعي المعنى الحقيقي لا المجازي اهـ. قوله: (وغيْرِهمَا) كالشافعي والحاكم في مستدركه قال الشافعي بعد تخريج الحديث فكان هذا الذي علمنا من سبقنا من علمائنا صغارًا ثم سمعنا بإسناد فكان الذي نذهب إليه أن عمر لا يعلم الناس بين ظهراني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتهى الينا حديث نثبته عن النبي صلى الله عليه وسلم صرنا إليه ثم ذكر حديث ابن عباس قال الحافظ فكأنه رجح المريح على المحتمل وأخرج حديث عمر عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن ابن شهاب قال وكان ابن شهاب يأخذ به ويقول علمه عمر الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون لا ينكره منهم أحد اهـ.

قوله: (بالأَسانيدِ الصحيحةِ) قال الحافظ مداره في الكتب كلها على عروة عن عبد الرحمن عن عمر ومنهم من أسقط عبد الرحمن بين عروة وعمر ومداره على عروة عن أبيه هشام وابن شهاب وإنما تعددت طرقه بعد ذلك ثم أخرجه الحافظ عن مالك من طريق الشافعي وأبي مصعب الزهري وابن وهب وأخرجه عن معمر كلاهما عن الزهري وبين الحافظ أسانيدها فقال وقد جاء من وجه آخر عن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلم المكتب الولدان أخرجه أحمد وفي مسنده رجل مجهول ولم يسق مع ذلك لفظه وجاء عن عمر من وجه آخر مرفوعًا وفيه عن ابن عباس أن عمر أخذ بيده فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التحيات الصلوات الطيبات المباركات لله قال الحافظ بعد تخريجه

قال الدارقطني بعد تخريجه هذا إسناد حسن وأخرجه الطبراني في الأوسط ومن طريق ابن لهيعة أيضًا وساق بقية التشهد لكن خبط في سنده بين أبي لهيعة وعمر ومن بين الطبراني وابن لهيعة ضعيف اهـ. كلام

ص: 328

-وهو بتشديد الياء- أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر وهو يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: "التَّحِياتُ للَّهِ، الزاكياتُ للهِ، الطيباتُ الصلوَاتُ للهِ، السلامُ عَلَيْكَ أيها النَّبيُّ ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصالِحِينَ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشْهَدُ أن مُحَمدًا عَبْدُهُ ورَسُوله".

وروينا في الموطأ، وسنن البيهقي، وغيرهما أيضًا بإسناد صحيح، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول إذا تشهدت:"التَحِياتُ الطيباتُ الصلوَاتُ الزَّاكِياتُ للهِ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السلامُ عَلَيْكَ أيها النَّبِيُّ ورحمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عبادِ اللهِ الصالِحِينَ".

ــ

الحافظ. قوله: (وهُوَ بتشدِيدِ الْيَاءِ) أي منسوب إلى القارة وهي أثيغ من مليح بن الهون بن خزيمة وعبد الرحمن هذا يروي عن عمر رضي الله عنه توفي سنة ثمان وثمانين كذا في لب اللباب في الأنساب. قوله: (الطيبَاتُ) أي لله وحذف اكتفاء بما قبله أو ما بعده وهو قوله الصلوات.

قوله: (وَرَوَينَا في الموطأ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف صحيح أخرجه مالك هكذا والبيهقي من طريق يحيى بن بكير عن مالك وخالفه حماد بن زيد فأخرجه الحافظ من طريق البزار عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال كانت عائشة تعلمنا التشهد وتعقدهن بيدها التحيات الصلوات الطيبات لله وقدم السلام على الشهادة كالحاجة وقال في روايته وأشهد أن محمدًا وكذا رواه ابن سعيد ثم أفاد الحافظ أن في الكتب المذكورة عنها رواية أخرى فساقها وقال زاد فيها بعض رواته وحده لا شريك له وقال موقوف صحيح أخرجه مالك والبيهقي اهـ. قوله: (التَّحياتُ الطيبَاتُ الصلوَاتُ إلخ) يجري في إعرابه ما سبق في حديث ابن عباس. قوله: (الزاكياتُ) أي الناميات باعتبار ذاتها لكونها طاعة أو وصفها لكونها خالصة أو ثوابها لأن الحسنة تقابل بعشر بل بسبعين بل بسبعمائة بل بأكثر بفضله تعالى وإحسانه. قوله: (أَشهَدُ أَن لَا إِله إلا الله إلخ) أخذ منه أن ترتيب كلمات التشهد ليس بواجب وهو كذلك عندنا عنذ السلامة من تغيير المعنى وإلَّا أبطل الصلاة إن

ص: 329

وفي رواية عنها في هذه الكتب: "التَّحِياتُ الصلَواتُ الطيباتُ الزَّاكِياتُ للهِ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وأن مُحَمَدًا عَبْدُهُ وَرَسُولهُـ السلامُ عَلَيْكَ أيُّها النَّبيُّ ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، السلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللهِ الصالِحِينَ".

وروينا في الموطأ، وسنن البيهقي أيضًا بالإسناد الصحيح، عن مالك، عن نافع،

عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يتشهد فيقول:"بسْم اللهِ، التَّحِياتُ للهِ، الصلوَاتُ للهِ، الزاكِياتُ للهِ، السلامُ على النبي ورَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، السلَامُ عَلَيْنا وعلى عبادِ اللهِ الصالِحِينَ، شَهِدْتُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، شَهِدتُ أن محَمدًا رسول الله" والله أعلم.

فهذه أنواع من التشهد. قال البيهقي: والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث: حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى، هذا كلام البيهقي.

ــ

تعمده وسيأتي بيانه في الأصل في الفصل آخر الباب وفي التتمة تجب موالاته وسكتوا عليه قال في التحفة وفيه ما فيه اهـ. قوله: (وفي روَايةٍ عنهَا) أي بتقديم الصلوات على الطيبات عكس الرواية السابقة والباقي سواء. قوله: (وروَينَا في الموطأ وسُنَنِ البيهقي أيْضًا إلخ) قال الحافظ بعد

تخريجه موقوف صحيح وأخرجه البيهقي عن مالك وقد جاء عن ابن عمر مرفوعًا وجاء عن ابن مسعود في بعض الطرق عنه موافقة لقوله السلام على النبي أخرجه عند البخاري بلفظ السلام عليك أيها النبي وقال في آخره كنا نقول ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات قلنا السلام على النبي اهـ.

قوله: (فهذِه أَنوَاعٌ منَ التشهدِ) تقدم الكلام في قوله ثبت منها ثلاثة بأن المراد ما في الصحيحين أو أحدهما وإلا فقد ثبت غيرها ومثله يأتي في كلام البيهقي الذي نقله عنه الشيخ قال الحافظ جمع الحافظ أبو بكر بن مردويه طرق التشهد فبلغ عن أربعة وعشرين صحابيًّا فمن الجياد منها حديث ابن عمر مرفوعًا ولفظه التحيات لله الطيبات الصلوات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله قال ابن عمر زدت فيها وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلَّا الله قال ابن عمر زدت فيها وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله قال الحافظ حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي في العلل الكبير وأبو يعلى والبزار في

ص: 330

وقال غيره: الثلاثة صحيحة وأصحها حديث ابن مسعود.

واعلم أنه يجوز التشهد بأي التشهد من هذه المذكورات،

ــ

مسنديهما وأخرجه الدارقطني وقال رجاله ثقات وقال في حاشية السنن إسناده صحيح وأشار في العلل إلى صحته قال ورواه معاذ بن معاذ عن شعبة موقوفًا لكن قوله في الحديث زدت فيها يشعر بأنه مرفوع ونقل الترمذي في العلل ما يوهم القدح في رفع هذه الرواية فقالت سألت عنه محمدًا يعني البخاري فقال المحفوظ ما رواه مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود وساق حديث ابن مسعود السابق أول الباب قال الحافظ وليس هذا بقادح لأن اختلاف سياق الحديثين يشعر بأن مجاهدًا رواه على الوجهين ثم أخرج الحافظ عن عبد الله بن دابي المكي قال صليت إلى جنب ابن عمر بمكة فلما فرغ ضرب بيده على فخذي فقال ألا أعلمك تحية الصلاة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا فتلاه هؤلاء الكلمات التحيات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي فذكر باقي التشهد مثل رواية ابن مسعود لكن قال وإن محمدًا عبده ورسوله قال الحافظ بعد تخريجه حديث صحيح أخرجه أحمد ورجاله رجال مسلم وأخرجه الطحاوي وغيره قال الشافعي يحتمل أن الاختلاف في التشهد إنما نشأ عن أن بعضهم عبر بالمعنى دون اللفظ وأقرهم صلى الله عليه وسلم لأن المقصود الذكر كذا نقله الطيبي قال ابن حجر في شرح المشكاة وهو غريب بل المقصود هنا اللفظ لما يأتي أنه لا يجوز إبدال كلمة من التشهد الواجب برديفها فكيف بغيره اهـ.

قوله: (وقَال غيْرهُ الثَّلاثةُ صحيحةٌ) قال الحافظ كونها صحيحة لا نزاع فيه لأنها في الصحيحين اتفقا على حديث ابن مسعود وانفرد مسلم بحديثي ابن عباس وأبي موسى. قوله: (وأَصحها حدِيثُ ابْنِ مَسْعودٍ) أي لكونه متفقًا عليه وما اتفقا عليه أصح مما انفرد به أحدهما وقد ورد التنصيص على

الأصحية فيه في كلام الترمذي في جامعه والبزار في مسنده والذهلي في علله وقال مسلم في التمييز إنما اتفقوا على حديث ابن مسعود لأن أصحابه لم يختلفوا عليه في لفظه بخلاف غيره وذكر البزار إن الذين رووه عن ابن مسعود عشرون نفسًا بأسانيد جياد قاله الحافظ قيل ولذا قال باختياره أبو حنيفة وأحمد لما تقدم من أن واو العطف تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناءً مستقلًا ويفوت ذلك جمع حذف العاطف إذ ما عدا الأول عند

ص: 331

هكذا نص عليه إمامنا الشافعي وغيره من العلماء رضي الله عنهم.

ــ

حذفه يحتمل أن يكون كذلك بتقدير العاطف وأن يكون صفة له فيكون جملة واحدة في الثناء والأول أبلغ فكان أولى قال بعض الحنفية في تقريره لو قال والله والرحمن والرحيم لكانت إيمانًا متعددة تتعدد بها الكفارة ولو قال والله الرحمن الرحيم لكانت يمينًا واحدة فيها كفارة واحدة كذا في شرح العمدة لابن دقيق العيد وبأن الرواة عنه لم يختلفوا في ألفاظه وبأنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم وبأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غيره فإنه مجرد حكاية ورجحه آخرون بأن السلام في حديث ابن مسعود معرف وفي رواية ابن عباس منكر والتعريف أعم وتقدم الجواب عن الأول عن المجموع وأما التنكير في الموضعين من تشهد ابن عباس فإنما هو في رواية الترمذي كما تقدم قال القلقشندي وقال النووي التعريف أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين وتعقبه شخينا في فتح الباري بأنه لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بالتنكير وإنما وقع ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم قال ابن حجر الهيتمي والظاهر إنه في بعض نسخه ويحمل قول صاحب المشكاة لم أجد في الصحيحين ولا في الجمع بينهما سلام عليك ولا سلام علينا بغير ألف ولام ولكن رواه صاحب جامع الأصول عن الترمذي اهـ. على نسخ أخرى ورواه منكرًا أيضًا الشافعي وأحمد رضي الله عنهما وهو كذلك عند الدارقطني في إحدى روايتيه وفي صحيح ابن حبان تعريف الأول وتنكير الثاني وعكسه الطبراني قال القلقشندي وفي تعقب شيخنا نظر من وجهين أحدهما إن النووي لم يذكر أن التنكير جائز في رواية ابن مسعود وجائز من حيث المذهب لثبوته في حديث ابن عباس وغيره وثانيهما إنه وقع في بعض طرق حديث ابن مسعود السلام منكرًا فعند الطبراني تنكير الأول وتعريف الثاني وعند النسائي عكسه قال فبطل قولهم إن رواة ابن مسعود لم يختلفوا في ألفاظه وقولهم إنه معرف في حديث ابن مسعود دون ابن عباس اهـ. قوله: (هَكذَا نص عليهِ الشَّافعي) قال الحافظ لم يخص الشافعي ذلك بالثلاث المذكورات بل ذكر معها عن ابن عمر وجابر وعن

ص: 332

وأفضلها عند الشافعي: حديث ابن عباس للزيادة التي فيه من لفظ المباركات. قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله: ولكون الأمر فيها على السعة والتخيير اختلفت ألفاظ الرواة، والله أعلم.

ــ

عمر وعائشة رضي الله عنهم. قوله: (وأَفضلُهَا عِنْدَ الشافعي) قال الحافظ بعد نقل عبارة الشافعي من طريق البيهقي وهي قال الشافعي جوابًا لمن سأله بعد ذكر حديث ابن عباس فإنا نرى الرواية اختلفت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى ابن مسعود خلاف هذا فساق الكلام إلى أن قال فلما رأيته واسعًا وسمعته يعني حديث ابن عباس صحيحًا وروايته أكثر لفظًا من غيره يعني من المرفوعات أخذت به غير معنف لمن أخذ بغيره اهـ. كلامه ليس فيها تصريح بالأفضلية اهـ. لكن خالفه غيره فنقلوا عن الشافعي الأفضلية قال العلماء رجح الشافعي حديث ابن عباس بكونه من أحداث الصحابة وبتأخره عن تشهد ابن مسعود إذ ابن عباس وأقرانه من الصحابة يكون تعليمهم متأخرًا عن تعليم ابن

مسعود وبكونه أفقه من رواه وبكون إسناد حديثه حجازيًّا وإسناد حديث ابن مسعود كوفيًّا وهو مما يرجح به وبقوله كان يعلمنا التشهد إلخ الدال على مزيد اعتنائه صلى الله عليه وسلم بمرويه وبزيادة لفظ المباركات فيه وبموافقته لقوله تعالى: ({تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] ولما قيل للشافعي كيف صرت إلى اختيار تشهد ابن عباس قال لما رأيته واسعًا وسمعته عن ابن عباس صحيحًا وكان عتدي أجمع وأكثر لفظًا من غيره فأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح وما ذكر عن الشافعي هو القول الجديد والقول القديم وهو اختيار مالك أفضلها تشهد عمر الذي علمه الناس على المنبر لأنه لا يفعل ذلك بين المهاجرين والأنصار إلَّا لما علمه صلى الله عليه وسلم وأجيب بأنا لا ننازع في أصل الثبوت بل فيما كان يعتني به أكثر وهو تشهد ابن عباس لا غير والرفع فيه بطريق استدلالي في حديث ابن عباس ومسعود بالتصريح، لا يقال يرد أن قوله في حديث ابن مسعود علمني النبي صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني في السورة من القرآن لأنا نقول لا يرد علينا ذلك لوضوح الفرق بينهما لأن هذا تعليم خاص به والذي في ابن عباس عام فيه وفي

ص: 333

فصل: الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة، الأول بكماله، فلو حذف بعضه فهل يجزيه؟ فيه تفصيل.

فاعلم أن لفظ المباركات، والصلوات، والطيبات، والزاكيات، سُنةٌ ليس بشرط في التشهد، فلو حذفها كلها، واقتصر على قوله: التحيات لله السلام عليك أيها النبي

إلى آخره، أجزأه. وهذا لا خلاف فيه عندنا.

وأما في الألفاظ من قوله: السلام عليك أيها النبي

إلى آخره،

ــ

غيره وهذا أدل على مزيد الاعتناء به بمروي ابن عباس فقدمناه لا يقال في تشهد جابر إنه كان يعلمه لهم كما يعلمهم السورة لأنا نقول لا يرد علينا من وجه آخر هو أنه ليس في مرتبة حديث ابن عباس في الصحة ولا قريبًا منه فإنما رواه النسائي وابن ماجة والحاكم في المستدرك وذهب جماعة منهم ابن خزيمة إلى عدم الترجيح بين التشهدات.

فصل

قوله: (فاعلم أَن لفْظ المبَاركاتُ إلخ) قال في المجموع قال الشافعي والأصحاب يتعين لفظ التحيات لثبوتها في جميع الروايات بخلاف المباركات وما بعدها واعترض بأن الزائد في بعض الروايات يجب قبوله لأنه زيادة ثقة يوجه إليها الأمر في قوله التحيات إلخ، ويرد بأن محل ذلك في رواية لم يقم دليل على جواز إسقاطه وهنا قام دليل على ذلك وهو حذفه فوجب الجمع بأن ذكره لبيان الأكمل وحذفه لبيان الإجزاء بدونه، واعترض أيضًا بأن حذف غير المباركات لم يرد في شيء من التشهدات نعم في الدارقطني من حديث ابن عمر إسقاط الصلوات فالأولى التعليل بأن ما بعد التحيات من الكلمات الثلاث توابع لها كما علم مما تقدم والتابع لا يحسن إيجابه إذ المعنى لا يختل بحذفه مع أن الأصل براءة الذمة وبه ضعف النظر إلى ما في الأخذ بالأكثر من الخروج عن العهدة بيقين. قوله:(سَلام علينَا وعَلَى عبَادِ الله الصالحِينَ) قال المصنف في المجموع ومن أسقط

الصالحين أو علينا فقد وهم لأن الشرع لم يرد بالسلام على العباد بل خص به الصالحين فتعين ولأن المتكلم قد لا يدخل في الصالحين فلم يجز حذفه اهـ، واعترض ما ذكره في الصالحين بأن إضافة العباد إلى الله يغني عن ذلك لقوله تعالى: ({إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، ويرد بأن الإضافة ليست نصًّا في ذلك لفظًا بل بمعونة قرينة المقام وهي ضعيفة تتخلف

ص: 334

فواجب لا يجوز حذف شيء منه إلا لفظ "ورحمة الله وبركاته"، ففيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا، أصحها: لا يجوز حذف واحدة منهما، وهذا هو الذي يقتضيه الدليل لاتفاق الأحاديث عليهما. والثاني: يجوز حذفهما. والثالث: يجوز حذف "وبركاته" دون "رحمة الله".

وقال أبو العباس بن سريج من أصحابنا: يجوز أن يقتصر على قوله: التحيات لله،

ــ

كثيرًا فلم يكتف بها على أنه مع هذه الإضافة قد يستعمل مرادًا به العموم كما في الحديث القدسي يا عبادي كلكم ضال إلّا من هديته على أن المقام للإطناب وقد صح الخبر به فلا يلتفت إلى ما ذكر. قوله: (فواجب لَا يَجُوزُ حذفُه) أي ولا إبدال كلماته بغيرها ولو بمرادفها كالنبي بالرسول ومحمد بأحمد وأشهد بأعلم ولا إسقاط شدة من شداته ويؤخذ مما تقرر في التشديد إنه لو أظهر النون المدغمة في اللام من لا إله أبطل لتركه شدة منه فزعم عدم إبطاله لأنه لحن لا يغير المعنى ممنوع لأن محل ذلك حيث لم يكن فيه ترك حرف والتشديدة بمنزلة الحرف كما صرحوا به نعم لا يبعد عذر الجاهل بذلك لمزيد خفائه، ووقع لابن كثير إن فتح لام رسول الله من عارف متعمد حرام مبطل ومن جاهل حرام غير مبطل إن لم يمكنه التعلم إلا أبطل اهـ. قال في التحفة وليس في محله لأن الفتح فيه ليس فيه تغيير للمعنى فلا حرمة ولو مع العلم والتعمد فضلًا عن البطلان نعم إن نوى العالم الوصفية ولم يضمر خبرًا بطل لفساد المعنى اهـ. قال الأشخر ولا بد من إضمار الخبر لفظ رسول الله وإلَّا فلو أضمر صادق أو نحوه لم تصح الصلاة. قوله:(لاتفَاقِ الأَحادِيثِ عَلَيهِمَا) قال الحافظ قلت وقد وقع في بعضها حذف وبركاته كما تقدم قبل في حديث ابن عمر اهـ. قلت وعند الدارمي في مسنده من حديث طويل لأبي موسى الأشعري في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات الطيبات الصلوات لله السلام أو سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وليس فيه قول وبركاته إلخ. قوله: (يجوزُ حذفُ وَبَرَكاته) أي لإغناء السلام عنه ولأنها حذفت في بعض الروايات كما ذكر.

قوله: (وقَال أَبو العباسِ بنُ سُرَيْج) بالسين والراء المهملتين فالتحتية

ص: 335

سلام عليك أيها النبي، سلام على عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وأما لفظ السلام، فأكثر الروايات، السلام عليك أيها النبي، وكذا "السلام علينا" بالألف واللام فيهما.

وفي بعض الروايات: "سلام" بحذفهما فيهما.

قال بعض أصحابنا: كلاهما جائز، ولكن الأفضل:"السلام" بالألف واللام لكونه الأكثر، ولما فيه من الزيادة والاحتياط.

ــ

فالجيم بصيغة التصغير وقوله هذا فيه رحمة الله وبركاته وفيه تنكير السلام في الموضعين وحذف علينا من الثاني وفي الروضة عن بعضهم سلام عليك أيها النبي وعلى عباد الله الصالحين بإسقاط سلام الثاني قال وأسقط بعضهم الصالحين واختاره الحليمي اهـ.

قوله: (وفي بَعض الرواياتِ سَلامٌ علَيْكَ إلخ) تقدم بيانها ومن روى ذلك في حديثي ابن عباس ومسعود وبكونه واردًا في التشهد فجاز فارق عدم إجزائه في السلام على المعتمد لعدم وروده والتنوين وإن قام مقام أل في التكميل لا يقوم مقامه في التعريف والتعميم وغيرهما. قوله: (كلاهُما جائزٌ إلخ) سئل الأشخر اليمني هل من شرط التنكير الإتيان بالتنوين فيهما فأجاب بأن للمتشهد حالين أحدهما أن يقف عليه سواء حسن الوقف علينا كأن قال علينا وعلى عباد الله الصالحين سلام وذلك جائز لعدم وجوب الترتيب في التشهد بشرطه وكأنه احتاج للوقف لنحو انقطاع نفسه، أم لم يحسن كأن وقف بلا سبب على سلام ثم قال عليك أيها النبي مثلًا فترك تنوينه مطلوب بل ترك الحركة على ما هو المقرر في القواعد النحوية في الوقف على غير المنصوب، الثاني ألا يقف فتنوينه حينئذٍ مطلوب من القواعد النحوية ومع ذلك لو تركه لم يضر إذ غايته أنه لحن لا يغير المعنى، فإن قلت بترك التنوين يسقط النون الظاهرة في اللفظ وفيه إخلال بحرف من التشهد وذلك فيه وفي سائر الأركان القولية ضار كما يصرح به قول الأنوار وأقروه التشهد كالفاتحة في وجوب الولاء ومراعاة الكلمات والحروف والتشديدات والإعراب المخل تركه، قلت لا يضر سقوط تلك النون لعدم ثبوتها أصالة بل كما تثبت تارة تسقط أخرى كما مر وهذا نظير قول ابن عبد السلام لو أسقط الهمزة من الله فقال

ص: 336

وأما التسمية قبل التحيات، فقد روينا حديث مرفوعًا في "سنن النسائي" والبيهقي وغيرهما بإثباتها، وتقدم إثباتها في تشهد ابن عمر، لكن قال البخاري والنسائي وغيرهما من أئمة الحديث: إن زيادة التسمية غير صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال جمهور أصحابنا:

لا تستحب التسمية، وقال بعض أصحابنا: تستحب، والمختار أنه لا يأتي بها، لأن جمهور الصحابة الذين رووا التشهد لم يرووها.

ــ

مأمومًا الله أكبر انعقدت الصلاة وإن كان الأفضل أن ينطق بالهمزة وعلله بأن همزة الوصل تسقط في الدرج فليست ثابتة أصالة اهـ.

قوله: (وأَما التَّسمِيةُ قَبْل التَّحياتُ إلخ) أخرج الحافظ في أماليه على الأذكار عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة بسم الله وبالله التحيات لله وذكر مثل حديث ابن مسعود وزاد في آخره أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار وقال بعد تخريجه من طريقين عن أيمن بن نابل بنون فموحدة عن أبي الزبير عن جابر ما لفظه حديث حسن أخرجه النسائي والطحاوي والبيهقي وأخرجه أحمد عن أيمن مختصرًا وأبهم الصحابي وأخرجه ابن ماجة أيضًا عن أيمن قال النسائي لا نعلم أحدًا تابع أيمن وأيمن لا بأس به لكنه أخطأ وقال الترمذي بعد أن ساق حديث الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس رواه أيمن عن أبي الزبير عن جابر فسألت محمدًا فقال المحفوظ عن أبي الزبير ما رواه الليث وجرى الحاكم على ظاهر الإسناد فأخرجه في مستدركه عن أيمن كما ذكر وقال صحيح فقد احتج البخاري بأيمن ومسلم بأبي الزبير قال الحافظ وهو الذي يجري على طريقة الفقهاء إذا كان الكل ثقات لاحتمال أن يكون عند أبي الزبير على الوجهين لا سيما مع اختلاف السياقين وقبولهم زيادة الثقة مطلقًا اهـ.

قوله: (إِنَّ الجمْهورَ لَمْ يذكروها) قال الحافظ هذا ليس كافيًا في تركها وجاء ذكر التسمية في التشهد في حديث ابن الزبير قال إن تشهد رسول الله بسم الله خير الأسماء فذكر مثل حديث ابن عباس لكن زاد فيه وحده لا شريك له بعد كلمة التشهد وقدمها على قوله السلام عليك أيها النبي وزاد بعد قوله وأن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة أخرجه البزار في مسنده والطبراني

ص: 337

فصل: اعلم أن الترتيب في التشهد مستحب ليس بواجب، فلو قدم بعضه على بعض جاز على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الجمهور، ونص عليه الشافعي رحمه الله في "الأم". وقيل: لا يجوز كألفاظ الفاتحة، ويدل للجواز تقديم "السلام" على لفظ الشهادة في بعض الروايات، وتأخيره في بعضها كما قدمناه.

وأما الفاتحة، فألفاظها وترتيبها معجز، فلا يجوز تغييره، ولا يجوز التشهد بالعجمية لمن قدر على العربية، ومن لم يقدر، يتشهد بلسانه ويتعلم كما ذكرنا في تكبيرة الإحرام.

فصل: السُّنَّة في التشهد الإسرار لإجماع المسلمين على ذلك، ويدل عليه من الحديث:

ما رويناه في سنن أبي داود والترمذي والبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: "من السنة أن يخفي التشهد". قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح.

ــ

في الكبير وفي سندهما ابن لهيعة ووقع ذكر التسمية في حديث عمر أخرجه البيهقي وفي حديث علي أخرجه البيهقي وفيه الحارث الأعور وهو ضعيف قال وقد جاء ذكرها في إحدى الروايتين عن ابن عمر وعن عائشة وجاء عنهما مرفوعًا بسند ضعيف اهـ.

فصل

قوله: (فَلو قَدّمَ إلخ) أي بشرط السلامة من تغيير المعنى.

قوله: (-في الفصل الأخير- مَا رَوَيناهُ في سُنَنِ أَبِي دَاودَ) قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن وأخرجه المعمري في عمل اليوم والليلة وعنده في لفظ ليس الجهر بالتشهد من السنة وأخرجه المعمري أيضًا بلفظ كان عبد الله يعلمنا التشهد قال وكانوا يخفون التشهد وأخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة المفرد باللفظ المذكور في الكتاب عن ابن خزيمة وأخرجه الحاكم فأخرجه البيهقي عن الحاكم قال الترمذي حديث حسن غريب وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم قال الحافظ لم يخرج مسلم لمحمد بن إسحاق إلَّا شيئًا يسيرًا في المتابعات ولم أره في شيء من هذه الطرق عن محمد

ص: 338