المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٢

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه

- ‌باب ما يقول على وضوئه

- ‌باب ما يقول عند اغتساله

- ‌باب ما يقول على تيممه

- ‌باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد

- ‌باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه

- ‌باب ما يقول في المسجد

- ‌باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه

- ‌باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد والحث علي مكارم الأخلاق ونحو ذلك

- ‌باب فضيلة الأذان

- ‌باب صفة الأذان

- ‌باب صفة الإقامة

- ‌باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

- ‌فائدة

- ‌باب الدعاء بعد الأذان

- ‌باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح

- ‌تتمة

- ‌باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف

- ‌باب ما يقول عند إرادته القيام الي الصلاة

- ‌باب الدعاء عند الإقامة

- ‌باب ما يقول إذا دخل في الصلاة

- ‌باب تكبيرة الإحرام

- ‌باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام

- ‌باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح

- ‌باب القراءة بعد التعوذ

- ‌فائدة

- ‌باب أذكار الركوع

- ‌خاتمة

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله

- ‌باب أذكار السجود

- ‌باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين

- ‌باب أذكار الركعة الثانية

- ‌باب القنوت في الصبح

- ‌باب التشهد في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

الفصل: ‌باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

‌باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

يستحب أن يقول من سمع المؤذّن والمقيم مثل قوله، إلا في قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإنه يقول في كل لفظة:

ــ

الرجل له لأنه يكره له استماعه مع أمن الفتنة والأذان يسن له استماعه فلو جوزناه لها لأدى إلى أن يؤمر الرجل باستماع ما يخشى منه الفتنة وهو ممتنع وأيضًا فالنظر للمؤذن حال الأذان سنة فلو

جاز لغير الذكر لأدى إلى الأمر بالنظر إليها وهو لا يجوز بخلاف الغناء فإنه من شأن النساء فليس فيه تشبه بالرجال بخلاف الأذان لاختصاهم به في سائر الأعصار والتشبه بهم حرام ومن فرق بينهما بأن فيه تلبسًا بعبادة فاسدة وهو حرام بخلاف الغناء يرد بأن محل حرمة التلبس بها إن احتاجت لنية وإلا فلا وإنما كره رفع صوتها بالتلبية ولو فوق ما تسمع صواحبها لأن كل أحد ثم مشتغل بتلبية نفسه بخلافه هنا وأيضًا فالتلبية لا يسن الإصغاء إليها وتسن للرجل والمرأة بخلاف الأذان فيهما وبما ذكر يندفع ما قيل في كلام النووي تناقض في رفع صوت المرأة.

باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

قوله: (يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقولَ مَنْ سَمِعَ المؤَذنَ إلخ) في فتاوي السمهودي لا يستحب للمؤذن أن يجيب أذان نفسه وإن تردد في تلك الأسنوي في تمهيده وصنف فيه السمهودي جزءًا أودعه فتاويه المشرقة وتردد الأشخر في إجابة أذان غير الصلاة هل يطلب أم لا واستظهر الثاني قال لأن الجواب إنما هو للدعاء إلى الصلاة وغيره ذكر فلا يطلب إجابته قال ولم أر فيه شيئًا وهل يجاب الأذان المكروه أو المحرم مطلقًا أو يفرق بين ما حرمته أو كراهته ذاتية كأذان المرأة فلا يجاب أو لمعنى خارج فيجاب استوجه في شرح العباب الثاني بعد أن ذكر الإطلاق أولًا والمراد من سامع في العبارة من وصل الأذان إلى سمعه سواء قصده بالاستماع أو لا فيشمل المستمع أو يراد منه ما يقابل المستمع ويكون استحباب إجابته بالأولى وظاهر أن المراد بسماعه أن يفسر اللفظ وإلّا لم يعتد بالسماع فلا يجيب وقد ورد في فضل الإجابة أحاديث يأتي بعضها في الأصل لم يذكره فيه ما رواه الطبراني من سمع المؤذن فقال مثل ما يقول فله مثل أجره وبه يعلم تأكد إلاجابة وعظيم ثوابها لما تقدم من ثواب المؤذن. قوله: (إلا فِي قَوْلِهِ حَي عَلَى الصَّلاةِ حي عَلى الفَلاحَ) يقال لهما الحيعلتان. قوله: (فَإِنّهُ يَقولُ فِي دُبرِ كُل لَفظَةٍ مِنْهمَا

ص: 108

لا حول ولا قوة إلا بالله.

ويقول في قوله: الصلاة خير من النوم: صَدَقْتَ

ــ

لَا حَولَ إلخ) فجملة ما يأتي به من الحوقلة أربع وهو ما في المجموع وقيل يأتي عند الحيعلة بمرتيها بحوقلة فجملة ما يأتي به على هذا مرتان واختاره ابن الرفعة لحديث فيه قال البقاعي من الواضح البين أن المعنى في إجابة السامع المؤذن الإيذان باعتقاده والإذعان لمراده وإن تخصيص الجواب في الدعاء إلى الصلاة والفلاح بالحوقلة المراد به سؤال المعونة على تلك الأفعال الكرام تبريًا من الحول والقوة على شيء بغير تقديره تعالى ورده الأمر إليه وأخذ الدين من معدنه وأصله اهـ. وقال الطيبي لما قيل حي أي أقبل قيل له على أي شيء أجيب على الصلاة ذكر نحوه في الكشاف في قوله تعالى: ({هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] فالرجل إذا دعا بالحيعلتين كأنه قيل له أقبل بوجهك وجملتك على الصلاة عاجلًا وعلى الفلاح آجلًا فأجاب بأن هذا أمر عظيم وخطب جسيم فكيف أطيق هذا مع ضعفي وتشتت أحوالي ولكنني إذا وفقني الله تعالى بحوله وقوته لعلي أقوم بها اهـ، والحاصل أنها لما كانت فيها تفويض محض إلى الله عز وجل ولذا كانت من كنوز

الجنة سنت للمجيب في هذا المقام وأيضًا من جهة المعنى إن ألفاظ الأذان غير الحيعلة يحصل الثواب بذكرها للمؤذن والمجيب والحيعلة يقصد بها الدعاء وهو خاص بالمؤذن فعوض المجيب من الثواب الذي يفوته بالحيعلة الثواب الذي يحصل بالحوقلة وفي فتح الباري ما ذكر هو المشهور عند الجمهور ولكن في بعض الأحاديث ما يقتضي أنه يقال هنا أيضًا ما قاله المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح فيحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فتقول تارة كذا وتارة كذا أي كما قاله المنذري والجمع بين الحيعلتين والحوقلة وجه للحنابلة اهـ، ومما يقتضي بظاهره ذلك حديث أبي سعيد الآتي وفي شرح العباب رأيت بعض أصحابنا صرح به أي بأنه يقول الحيعلة والحوقلة وجعله وجهًا ولعله من حيث إن قائله يقول بالاقتصار عليهما ونحن لا نقول به بل نقول أنه يقول كلا منهما ثم يحوقل عقبهما اهـ، وقد جمع بينهما كذلك السيوطي في عمل اليوم والليلة وقال الأذرعي الأولى أن يقولهما احتياطًا اهـ. قال العلقمي في شرح الجامع الصغير وهو الأولى خروجًا من خلاف من قال به من الحنابلة اهـ. قال في الحرز وهو وجيه وجمع نبيه.

قوله: (وَيَقولُ فِي قَوْلِهِ الصَّلاةُ خَيرٌ منَ النوْم) أي

ص: 109

وبَرِرْتَ، وقيل: يقول: صَدَقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير من النوم.

ويقول في كلمتي الإقامة: أقامها الله وأدامها، ويقول عقيب قوله: أشهد أن محمدًا

رسول الله: وأنا أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم يقول: رضيت بالله ربًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا، وبالإسلام دينًا، فإذا فرغ

ــ

عقب كل من مرتيه. قوله: (وَبرِرْتَ) أي بكسر الراء الأولى وحكي فتحها أي صوت ذا بر أي خير كثير لخبر ورد فيه قاله ابن الرفعة قال غيره ولم نره في كتب الحديث وقال بعض العارفين هو من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وزاد في آخره وبالحق نطقت اهـ. قوله (وَقِيلَ يَقُولُ إلخ) وهو مناسب وسكت المصنف عن إجابة الترجيع والمختار من احتمالين أبداهما في المجموع إنه بحيث قال وهذا أظهر وأحوط قال غيره وهو كما قال خلافًا للبارزي ومن تبعه في قوله لا يجيبه لقوله صلى الله عليه وسلم ما يقول ولم يقل مثل ما تسمعون وفارق عدم استحباب الإجابة لنحو الأصم بأن هذا سمع غير الترجيع فأجاب فيه تبعًا وذاك لم يسمع شيئًا أصلًا ومن ثم لو سمع بعضه فقط سن له أن يجيب في الجميع اهـ. قوله: (فِي كَلِمَةِ الإقَامَةِ) أي في كل من كلمتيها إذ المفرد المضاف من صيغ العموم. قوله: (أَقَامَها إلخ) للاتباع رواه أبو داود بإسناد ضعيف وزاد فيه وجعلني من صالحي أهلها ولما فيه من المناسبة وزاد في التنبيه بعد قوله وأدامها ما دامت السموات والأرض وفي النهاية أو يأتي بلفظ الأمر فيقول اللهم أقمها وأدمها واجعلني إلخ. قال الدميري وهو مروي أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عن إجابة باقي ألفاظ الإقامة لكونه يجيبه بلفظه قال الأذرعي نقلا عن ابن كج لو ثني الإقامة عملًا باعتقاده أجيب مثنى لأنه هو الذي يقيم فأدير الأمر على ما يأتي به ويفرق بينه وبين الزيادة على الأذان حيث لا يجاب بأنه لا قائل بالزيادة فيه فلم يراع خلافه بخلاف تثنية كلمات الإقامة وخالف صاحب الإمداد فاختار إفراد الإجابة وإن ثناها المقيم اعتبارًا لعقيدة المجيب والأول أظهر فيما يظهر والله أعلم. قوله: (عَقِيبَ) بإثبات الياء وهي لغة ضعيفة الأفصح حذفها كما ذكره المصنف في

التحرير. قوله: (ثُمَّ يَقولُ رَضِيتُ بالله رَبًّا إلخ) في موجبات الرحمة وعزائم المغفرة للرد إذ اتفقت الأحاديث

ص: 110

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حديث أبي سعيد الخدري وعمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم على إن من سمع الأذان يقول مثل ما يقول وفي الحيعلة الحوقلة وانفرد سعد بن أبي وقاص بأن من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إلخ، وهذا ليس بجواب للمؤذن والسنة الإجابة للمؤذن بمثل ما يقول وعلى ما سبق فحسن صالح لمن سمع المؤذن ولم يتحقق ألفاظه ولم يميز كلماته إما لبعد الصوت أو لعارض آخر أن يقول كما في حديث سعد وأما من عرف الألفاظ كلمة كلمة وميزها أجاب بمثل ما يقول المؤذن على ما وردت به الأحاديث ولا يقتصر على ما دون ذلك وإن قال بعد ذلك الذي روى سعد كان حسنًا اهـ، وما ذكره المصنف من الإتيان به مع إجابة الشهادتين أولى إن لم يترتب عليه ترك إجابة ما بعده وقد جرى على ذلك الحال السيوطي في كتابيه إذكار الأذكار والوظائف وزاد في الوظائف بعد قوله وبالاسلام دينًا وبالقرآن إمامًا وبالكعبة قبلة اللهم اكتب شهادتي هذه في عليين وأشهد عليها ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وعبادك الصالحين واختم عليها بآمين واجعلها لي عندك عهدًا توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد اهـ، وما زاده هو عند البيهقي ولفظه من سمع المؤذن يؤذن فقال كما يقول ثم قال رضيت بالله ربًا إلخ، برزت إليه بطاقة من تحت العرش فيها أمانة من النار وفي رواية للتميمي في الترغيب قد عتقت من النار وهو حديث غريب كما سيأتي بيان حاله وسكت ابن حجر الهيتمي في كتابه تنبيه الأخيار في ما في الكتابين لكنه تردد في شرحي المشكاة والعباب في ذلك وعبارته في شرح المشكاة يحتمل أن يقوله عند سماعه تشهد الأول أو عند الأخير أي عند قوله لا إله إلَّا الله والثاني أقرب لأن الأذان. مشتمل على سائر أصول الشريعة وفروعها وقوله المذكور فيه تصديق بالجميع فيناسب تأخيره عنه وأيضًا فذكره حال الإجابة ربما يفوت الإجابة في بعض الكلمات لتعذر أو لتعسر الإتيان به قبل أن يفرغ المؤذن ما بعد الشهادتين وزاد في شرح العباب حكاية التفضيل السابق عن الرداد ثم قال والوجه ما قدمته أي من تأخيره مطلقًا قال وكان عمر رضي الله عنه يقول إذا سمع المؤذن مرحبًا بالقائلين عدلًا وبالصلاة أهلًا اهـ. وفي شرح العدة وللأذان خمس سنن إجابته وقوله رضيت باللهِ ربا حين يسمع التشهد

ص: 111

من المتابعة في جميع الأذان صلى وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم

ــ

وسؤال الله تعالى لرسوله الوسيلة والفضيلة والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم والدعاء لنفسه بما شاء اهـ، وينبغي أن يكون المراد من التشهد فيه قوله آخر الأذان لا إله إلَّا الله لما تقدم عن شرح العباب. قوله:(مِنَ المتابعةِ) أي يجيب عقب كل كلمة بحيث لا يقارن ولا يتأخر فلا يكفي المقارنة كما يدل عليه كلام المجموع قال ابن العماد والموافق للمنقول أنه لا تكفي المقارنة للتعقيب في الخبر وكما لو قارن المأموم الإمام في أفعال الصلاة بل أولى لأن ما هنا جواب وهو يستدعي التأخير قال ابن حجر الهيتمي ومراده من هذا القياس أن المقارنة ثمة مكروهة فليمتنع هنا الاعتداد وإن لم تمنعه ثم لأنما ثمة خارجية وهنا ذاتية كما أشار إليه تعليله للأولوية إذ مفهوم الجوابية يقتضي التأخير ومفهوم المتابعة يقتضي عدم التعدد وحاصله أن ما هنا جواب وذاته تقتضي التأخر فمخالفته ذاتية وما هناك أمر بمتابعة

لتعظيم الإمام ومخالفته مضادة لذلك فهي خارجية اهـ. وسيأتي في الكلام على الأحاديث مزيد بيان لهذا الشأن. قوله: (صَلى وَسَلم عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم) وكذا تسن الصلاة لكل من المؤذن والمقيم بعد تمامهما وسكت عنه المصنف قال بعض المتأخرين وعند إرادة الإقامة ونقله عن المصنف في شرح الوسيط وألف فيه جزءًا وذكره العامري في آخر بهجة المحافل فيما يسن فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

وعند ما تشرع في الإقامه

تقربها في ساعة القيامه

قال في العباب وشرحه ويسن للمؤذن وسامعه والمقيم وسامعه لحديث فيه أورده ابن السني وذكره في الأذكار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان والإقامة اهـ، وكأنه أراد حديث أبي هريرة الآتي لكنه في طلبها من السامع وهو خبر موقوف ولا حاجة في الاستدلال لطلبها من السامع المجيب إلى ذلك فقد ثبت في حديث ابن عمرو الآتي في صحيح مسلم طلبها منه والظاهر من صنيع السخاوي في القول البديع حيث لم يورد لطلبها من المؤذن خبرًا مرفوعًا بل ولا موقوفًا ولا مقطوعًا إن طلب ذلك منه بطريق القياس الأولوي

ص: 112

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على المجيب وفي شرح العباب أفتى شيخنا زكريا وغيره بأن ما يفعله المؤذنون الآن من الإعلان بالصلاة والسلام مرارًا حسن لأن ذلك مشروع عقب الأذان في الجملة فالأصل سنة والكيفية حادثة وفي القول البديع وقد اختلف في ذلك هل هو مستحب أو مكروه أو بدعة أو مشروع فاستدل للأول بقوله تعالى: (وَافعَلُوا الخَيرَ)[الحج: 77] ومعلوم أن الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم من أجل القرب لا سيما وقد تواترت الأخبار على الحث على ذلك مع ما جاء في فضل الدعاء عقب الأذان والثلث الأخير من الليل وقرب الفجر والصواب أنه بدعة حسنة يؤجر فاعله بحسب نيته اهـ، وهو مصرح بدليل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الأذان كما قدمته.

فائدة

أول ما زيدت الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل أذان على المنارة في زمن السلطان المنصور حاجي بن الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون بأمر المحتسب نجم الدين الطنبدي في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وكان حدث قبل ذلك في أيام صلاح الدين بن أيوب أن يقال قبل أذان الفجر كل ليلة بمصر والشام السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمر إلى سنة سبع وستين وسبعمائة فزيد فيه بأمر المحتسب صلاح الدين البرلسي أن يقال الصلاة والسلام عليك يا رسول الله إلى أن جعل عقب كل أذان كما مر وأول ما حدث التسبيح بالأسحار على المنائر في زمن موسى عليه السلام حين كان بالتيه واستمر إلى بناء داود عليه السلام بيت المقدس فرتب فيه عدة يقومون به على الآلات وبغيره بلا آلات من ثلث الليل الأخير إلى الفجر إلى أن خرب بيت المقدس بعد قتل يحيى وحدوثه في ملتنا بمصر لأن مسلمة بن مخلد الصحابي أمير مصر لما اعتكف بجامع عمرو سمع أصوات النواقيس عالية فشكا إلى شرحبيل بن عامر عريف المؤذنين فقال إني أمد الأذان من نصف الليل إلى قريب الفجر فإنهم أن ينقسوا إذا أذنت ففعل ثم لما ولى أحمد بن طولون رتب جماعة نوبًا

يكبرون ويسبحون ويحمدون ويقولون قصائد زهدية وجعل لهم أرزاقًا واسعة ومن ثم اتخذ الناس قيام المؤذنين في الليل على المنائر فلما ولي صلاح الدين بن أيوب وحمل الناس على اعتقاد مذهب الأشعري أمر المؤذنين أن يعلنوا وقت التسبيح بذكر العقيدة الأشعرية التي تعرف بالمرشدية فواظبوا على ذكرها كل ليلة وفي القول البديع

ص: 113

ثم قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة

ــ

نقل عن أبي سهل من المالكية في كتابه الأحكام حكاية الخلاف في تسبيح المؤذنين في الثلث الأخير من الليل ووجه من منع ذلك أنه يزعج النوام وقد جعل الله الليل سكنًا وفي هذا نظر والله الموفق اهـ، وأول ما حدث التذكير يوم الجمعة ليتهيأ الناس لصلاتها بعد السبعمائة زمن الناصر بن قلاوون. قوله:(ثَم قَال) ظاهر عطفه هنا كالروضة بثم أن السنة لا تتأدى بتقديم هذا الدعاء على الإجابة والحديث الآتي في مسلم مقتض لذلك وهو ظاهر وأن عطف الرافعي وغيره بالواو المقتضي للحصول والله أعلم. قوله: (رَبّ هذِهِ الدعْوَةِ) بفتح الدال معناها الدعاء والمراد بها الأذان والإقامة ورب إما منادى أو بدل من اللهم لا وصف له لما تقدم أنه ممنوع عند سيبويه قال في النهاية رب هذه الدعوة أي صاحبها وقيل المتمم لها والزائد في أهلها والعمل بها والإجابة لها اهـ. قوله: (التَّامَّةِ) أي السالمة من تطرق نقص إليها والمشتملة على أصول الشريعة وفروعها بعضها بالتصريح وبعضها بالإشارة والتلويح كما مر وقيل سميت بذلك لكمالها وعظم موقعها وقال ابن التين لأن فيها أتم القول وهو لا إله إلا الله وقيل المراد بالتامة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة قال في الحرز وقال الخطابي في كتاب شأن الدعاء: وصفها بالتمام لأنها ذكر الله تعالى يدعي بها إلى طاعته وهذه الأمور التي تستحق وصف الكمال والتمام وما سواها من أمر الدين فمعرض للنقص والفساد وكان الإمام أحمد يستدل بذلك على أن القرآن غير مخلوق إذ ما من مخلوق إلَّا وفيه نقص اهـ، وقيل وصفت بالتمام لأن ما اشتملت عليه من أصول الشريعة وفروعها وما والاها هي المستحقة وصف التمام والكمال وما سواها من الأمور الدنيوية في معرض الفساد والنقص والزوال وقيل لأن هذه الكلمات محمية عن التغيير والتبديل باقية إلى النشور وقيل المراد من الدعوة التامة دعوة التوحيد كقوله تعالى:(دَعوَةُ الحَقِّ)[الرعد: 14] وقيل لدعوة التوحيد تامة لأن الشركة نقص. قوله: (وَالصلاةِ القائِمَةِ) التي ستقوم وتحضر أو الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة قال الحافظ ابن حجر والمراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذٍ.

قلت وعليه الجمهور وقال الطيبي من أوله إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الدعوة التامة والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله ويقيمون الصلاة ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء

ص: 114

والفضيلة، وابعثه مقامًا

محمودًا

ــ

وبالقائمة الدائمة من قام على الشيء دام عليه وعلى هذا فقوله الصلاة القائمة بيان الدعوة التامة اهـ. قوله: (وَالفَضِيلَةَ) زاد في أصل الروضة والدرجة الرفيعة قال جماعة ولا وجود لها في كتب الحديث ولكن لا بأس به والفضيلة معطوف على الوسيلة عطف بيان أي عطف نسق للبيان والتفسير فهو عطف تفسير كما عبر بذلك ابن حجر في شرحه على المنهاج وجوز فيه كونه من عطف الأعم وقال السيوطي قال الحافظ ابن حجر الفضيلة أي المرتبة الزائدة على سائر الخلق ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة اهـ، وظاهر أنه على الأول من عطف الأعم وعلى الثاني من عطف المغاير وعلى الأخير من

عطف التفسير. قوله: (مَقَامًا مَحْمُودًا) بالنصب على الظرفية في مقام ونكر كما في الآية تفخيمًا أي مقامًا أي مقام يكل أن تصفه السنة الحامدين وفي شرح العباب هو بالتنكير في رواية البخاري ورواه ابن حبان بالتعريف اهـ. وفي شرح دعاء أبي حربة للأهدل وقع في رواية المقام المحمود بالتعريف وتبعه كذلك البغوي في المصابيح والرافعي في المحرر وكذا في أكثر كتب الفقه قال الأسنوي في شرح المنهاج: وفي السنن الكبرى وصحيح ابن حبان عن شيخه ابن خزيمة وابعثه المقام المحمود أي بالتعريف اهـ. وفي حاشية سنن أبي داود للسيوطي هكذا ورد هنا معرفًا ورواه البخاري والترمذي منكرًا اهـ.

إن قلت يمنع من نصبه على الظرفية أنه اسم مكان غير مبهم وهو لا ينتصب على الظرفية.

قلت هو مشابه للمبهم فله حكمه ويجوز أن يكون ملاحظًا في البعث معنى الإعطاء فيكون مفعولًا ثانيًا ويجوز أن يكون منصوبًا على المصدرية أي ابعثه فأقمه مقامًا محمودًا أو ضمن ابعثه معنى أقمه ويجوز أن يكون حالًا أي أبعثه ذا مقام محمود كذا قرره صاحب الكشاف في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] والمقام المحمود هو المراد في تلك الآية وهو يطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات وقد اختلف في المراد به فيها فقيل شهادته على أمته بالإجابة من تصديق أو تكذيب وقيل إن الله أعطاه لواء الحمد يوم القيامة وقيل هو أن يجلسه الله على العرش وقيل على الكرسي حكاهما ابن الجوزي عن جماعة وقيل هو الشفاعة العظمى في فصل القضاء يحمده فيه الأولون والآخرون ويؤيد هذا الأخير تفسيره في عدة أحاديث

ص: 115