الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: اعلم أن الصلاة التي هي ركعتان يشرع فيها إحدى عشرة تكبيرةً، والتي هي ثلاث ركعات: سبع عشرة تكبيرةً، والتي هي أربع ركعات: اثنتان وعشرون تكبيرة، فإن في كل ركعة خمسَ تكبيرات: تكبيرةً للركوع، وأربعا للسجدتين والرفعِ منهما، وتكبيرةُ الإحرام، وتكبيرةُ القيام من التشهد الأول.
ثم اعلم أن جميع هذه التكبيرات سُنة لو تركها عمدًا أو سهوًا، لا تبطل صلاتُه، ولا تحرم عليه، ولا يسجد للسهو، إلا تكبيرةَ الإحرام، فإنها لا تنعقد الصلاة إلَّا بها بلا خلاف، والله أعلم.
باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام
اعلم أنه قد جاءت فيه أحاديث كثيرة يقتضي مجموعها أن يقول:
"اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمْدُ للهِ كثيرًا، وسُبحانَ اللهِ بُكْرَةً وَأصيلًا".
ــ
فصل
قوله: (وَلَا يُحْرَمُ عَلَيْهِ) لأنه لم يترك فرضًا. قوله: (وَلَا يسجد للسهو) لأنه لم يترك بعضًا. قوله: (إِلَّا تَكْبيرَةَ الإحْرَام فإنه لَا تَنعَقِدُ الصَلاةُ إلا بِها بِلا خِلافٍ) أي عند الشافعية أما الحنفية فسبق عن أبي حنيفة انعقاد الصلاة بها وبما في معناها من كل ما يدل على التعظيم كالله أعظم أو أجل أو أكرم.
باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام
أي من دعاء الافتتاح وتعبيره ببعد التكبير أحسن من تعبير غيره بعقب التكبير إذ الظاهر أنه لو سكت طويلًا لم يفت عليه دعاء الافتتاح كما في الإيعاب. قوله: (أعْلمْ أَنّه جاءَتْ فِيهِ أَي المقول بَعْدَ التَّكْبِير إلخ) قال الحافظ جميع ما جاء فيه ثلاثة أحاديث أخرجها مسلم وأخرج الثالث منها فقط وسيأتي ذكرها عقب ذكر المصنف لكل ذكر منها. قوله: (الله أَكبرُ كَبيرًا وَالحَمْدُ لله كَثِيرًا وَسبحانَ الله بكْرَةً وأَصيلًا) روى أبو داود عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال الله
"وجَّهْتُ وَجْهي للذي فطرَ السَّمواتِ والأرضِ
ــ
أكبر كبيرًا الله أكبر كبيرًا الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا والحمد لله كثيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثًا ورواه ابن ماجة إلَّا أنه لم يذكر فيه والحمد لله كثيرًا وفي صحيح مسلم عن ابن عمر بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلا فقال صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم من القائل كلمة كذا وكذا فقال رجل من القوم أنا يا رسول قال عجبت لها فتحت لها أبواب السماء قال ابن عمر ما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك رواه الترمذي والنسائي وفي رواية له قد ابتدرها اثنا عشر ملكًا وكأنه معتمد المصنف في الاقتصار على مرة واحدة وإلا ففي الخبر السابق مكررًا ذلك ثلاثًا ثم قوله كبيرًا قال أبو عبيد نصب على القطع مع الله وهو معرفة وكبيرًا نكرة خرجت من معرفة وقد نصب بإضمار فعل كأنه أراد كبر كبيرًا اهـ، وهو حال مؤكدة ولا يصح أن يكون مفعولًا مطلقًا لأنه لا ينصبه إلّا فعل أو اسم فاعل أو اسم مفعول أو مصدر وقوله كثيرًا بالمثلثة
فالتحتية وصف لحمدًا محذوفًا مفعولًا مطلقًا وقوله بكرة وأصيلا منصوبان على الظرف والبكرة بالضم أول النهار والأصيل ويقال الأصيلة العشية وجمع الأصيل أصل وآصال وجمع الأصيلة أصائل هذا أصلهما والمراد هنا سائر الأزمنة على حد قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] أراد دوام الرزق ووروده وخصا لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما. قوله: (وَجَّهْتُ وَجْهِي) بإسكان الياء عند أكثر القراء وفتحها والمراد بوجهي ذاتي وكني عنها بالوجه إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون المصلي حال قوله مقبلا على مولاه غير ملتفت بقلبه وقالبه إلى سواه فيكون على غاية من الحضور والإخلاص وإلا كان كاذبًا وأقبح الكذب ما يكون والإنسان واقف بين يدي من لا تخفى عليه خافية وقال المصنف معنى وجهت وجهي قصدت بعبادتي. قوله: (للذِي فَطَرَ السموَاتِ والأَرْضَ) أي أوجدهما وأبدعهما واخترعهما على غير مثال سابق ومن أوجد مثل هذه المبدعات التي هي على غاية من الإبداع والإتقان حقيق بأن تتوجه إليه الوجوه وأن تعول القلوب في سائر أحوالها عليه فلا يلتفت لغيره ولا يرجو إلّا دوام رضاه وخيره وجمع السموات
حَنيفًا مُسْلِمًا وما أنا من المُشرِكِينَ، إن صَلاتي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَماتِي للهِ رَبِّ العالمِينَ
ــ
لفضلها إذ هي أفضل من الأرض على المختار لأنها لم يعص الله عليها قط وعصيان إبليس كان خارجها ولأنها تشرف جميع طباقها بقدمه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بخلاف الأرض فإنه لم يطأ بقدمه منها سوى العليا ولأنها محل الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم وتعقب الأخير بأن الصحيح في علم الكلام فضل نوع الإنسان على نوع الملك فلا يناسب هذا التعليل ويجاب بأن المذكور جزء علة لا علة كاملة وإلّا فالأرض سيع على الصحيح المختار واختار جمع أفضلية الأرض لأن منها طينة الأنبياء وفيها قبورهم وعليها فجمعت السموات للانتفاع بما بين طباقها بسكنى الملائكة ثمة بخلاف الأرض فإنه قيل أنها سبعة أطباق متلاصقة والله أعلم. قوله: (حَنِيفًا) حال من فاعل وجهت قال الأزهري وآخرون أي مستقيما وقال الزجاج والأكثرون الحنيف المائل ومنه أحنف الرجل مائلا عن كل وجهة وقصد إلى الحضور والإخلاص في عبادة فاطر السموات والأرض حال وهي مؤكدة لمعنى وجهت وجهي وفي المهذب الحنيف المسلم وعليه فيكون. قوله: (مُسْلَمًا) الثابت في رواية ابن حبان تأكيدا له ويمكن أن يكون تأسيسا بأن يكون معناه منقادا أو مخلصًا كما في قوله تعالى: {بَلى مَن أَسلَمَ وَجهَه لِلَّهِ} [البقرة: 112] ومنه قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام: {أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131]. قوله: (وَمَا أَنا مِنَ المُشْرِكِينَ) حال مقررة لمضمون الجملة السابقة وقيل مبينة لمعنى حنيفا وموضحة لمعناه أو مؤسسة بجعل النفي عائدا إلى سائر أنواع الشرك الظاهر والخفي لكن لا يسوغ هذا إلّا للخواص في بعض المنازلات. قوله: (إِنّ صلاتِي) في إن شائبة تعليل لما قبلها والمراد بالصلاة العبادة المعروفة. قوله: (وَنُسُكِي) أي عبادتي من النسيكة وهي النقرة المصفاة من كل خلط عطف عام على خاص. قوله: (وَمَحْيايَ وَمَمَاتِي) أي حياتي وموتي وما بعده ويجوز فيهما فتح الياء وإسكانها لكن الأكثر فتح الأول وإسكان الثاني. قوله: (لله) متعلق بالجميع أي كل ما ذكر كائن لله تعالى وذلك في الصلاة والنسك بالإخلاص لوجهه تعالى وفي الحياة والموت بمعنى أنه خالقهما ومدبرهما لا تصرف لغيره فيهما. قوله: (رَبِّ
العَالمينَ) أي مالكهم ومربيهم بسوابغ نعمه ومزايا كرمه وهم ما سوى
لا شَريكَ لهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وأنا مِنَ
المُسْلمينَ، اللهُم أَنتَ المَلِكُ، لا إلهَ إلا أنتَ أنت رَبي وَأنا عَبدُكَ،
ــ
الله تعالى من سائر الأجناس. قوله: (لَا شَرِيكَ لَهُ) أي في تلك التربية البديعة الباهرة أو لا شريك له أي في جميع ما ذكر. قوله: (وَأَنَا مِنَ المُسْلمِينَ) هكذا رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان والطبراني من جملة حديث كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى رواه أبو داود وفي رواية له وأنا أول المسلمين فكان صلى الله عليه وسلم يقول تلك تارة وهذه أخرى لأنه أول مسلمي هذه الأمة بل جاء أن النور الذي خلق منه صلى الله عليه وسلم سبق إيجاده قبل خلق الخلق بأزمنة متطاولة ومن ثم قال في التحفة لأنه أول المسلصين مطلقًا أما غيره صلى الله عليه وسلم فيقتصر على من المسلمين لا غير إلَّا أن يقصد لفظ الآية وحينئذٍ يفوته إن اقتصر عليها سنة دعاء الافتتاح وقال ابن الهمام من الحنفية لو قال وأنا أول المسلمين قيل تفسد صلاته للكذب وقيل لا وهو الأولى لأنه مخبر أو راو عن المخبر صلى الله عليه وسلم كذا في الحرز ثم ظاهر كلام أئمتنا إن المرأة تقول وما أنا من المشركين وأنا من المسلمين لأن مثل ذلك سائغ لغة شائع استعمالًا وفي التنزيل وكانت من القانتين ووجهه أنه من باب التغليب أو على إرادة الأشخاص وقد لقن صلى الله عليه وسلم إن صلاتي إلي وأنا أول المسلمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها في ذبح الأضحية وقياس ذلك إن تأتي بحنيفا مسلمًا بالتذكير على إرادة الشخص محافظة على الوارد ما أمكن وعليه فهما حالان من الفاعل أو المفعول لأن التذكير إذا لوحظ فيه معنى الشخص لم يظهر فرق بين ذينك.
فإن قلت الوجه مراد به البدن فناسب التذكير بحذف التاء.
قلت ممنوع بل الضمير صالح باعتبار تلك الإرادة للمذكر فإذا أريد به الشخص صح مجيء الحال المذكر منه. قوله: (أَنْتَ الملكُ لا إِله إلا أَنْتَ) إثبات الإلهية المطلقة له تعالى على سبيل الحصر بعد إثبات الملك له كذلك في أنت الملك لما دل عليه تعريف الخبر باللام ترق إلى الأعلى على طبق قوله تعالى: ({مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)} [الناس: 2 - 3]. قوله: (أَنت رَبي وأَنا عبدُك) أي أنت مالكي وموجدي ومغذيني بأنواع المنن وأنا عبدك الذليل الخاضع لأمرك الراجي لفضلك وأحوج إليهما كون المقام للإطناب والتلذذ بالخطاب مع رب الأرباب مع إن فيهما تخصيصًا لوصف الربوبية بالإضافة لنفسه ومخرجها
ظَلَمتُ نَفْسِي واعتَرفتُ بذَنبِي فاغفِر لي ذُنوبي جَمِيعًا لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ، واهدِني لأحسَنِ الأخْلاقِ، لا يَهدِي لأحْسَنها إلا أنتَ،
ــ
عن الإطلاق وهذا لم يستفد مما قبله بطريق التصريح وفيه طباق لمقابلة العبد بالرب أي المالك. قوله: (ظلمتُ نفسي) أي بالمخالفة واعترفت بذنبي أي وأنت الكريم العفو وقدمت هاتان الجملتان على ما بعدهما لأنهما وسيلتان للغفران كما قال تعالى عن آدم وحواء {ربنا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23 - 23][الأعراف: 23] الآية. قوله: (ذنوبي جَمِيعًا) أي حتى الكبائر والتبعات لأن المسئول كريم له أن يعفو عما شاء من الكبائر والتبعات فإذا أراد أن يعفو عن التبعات عوض مستحقها حتى يعفو عنها وفي الدعاء إيماء إلى قوله تعالى ({إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] وقد قيل أنها أرجى آية في الكتاب. قوله: (لَا يغفرُ الذُّنوب) أي صغائرها وكبائرها وتبعاتها حقيرها وجليلها كما يؤذن به التعميم المستفاد من الجمع المحلى بأل إلّا أنت. قوله: (واهدِني) أي ارشدني وأوصلني. قوله: (لأَحسنِ الأخلاقِ) أي للأخلاق الحسنة الظاهرة والباطنة والخلق الحسن بضم الخاء المعجمة
ملكة في النفس نفسانية ينشأ عنها جميع الأفعال وكمال الأحوال وهذا منه صلى الله عليه وسلم لأداء مقام العبودية والخضوع لله تعالى وإلا فهو مجبول على الأخلاق الكريمة في أصل جبلته بالفضل الوهبي والجود الإلهي من غير رياضة ولا تعب بل لم تزل أنوار المعارف تشرق في قلبه حتى اجتمع فيه من خصال الكمال ما لا يحيط به حد ولا يحصره عد ومن ثم أثنى عليه تعالى في كتابه العزيز فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] فوصفه بأنه عظيم في قوته العلمية والعملية وبأنه مغمور في الثانية مستغرق فيها مشتغل عن الأولى ووصف بالعظيم مع أن الغالب وصف الخلق بالدماثة والسماحة إشارة إلى أن خلقه صلى الله عليه وسلم لم يقصر على ذلك بل كان رحيما بالمؤمنين رؤوفًا بهم شديدًا على الكفار غليظًا عليهم كما قيل:
يتلقى الندا بوجه صبيح
…
وصدور القنا بوجه وقاح
فبهذا وذا تتم المعاني
…
طرق الجد غير طرق المزاح
أو على سبيل التعليم للأمة. قوله: (لا يَهدِي لأحسَنِها إلا أَنتَ) لعجز الخلق طرا
واصْرِفْ عَنِّي سيئهَا، لَا يَصرِف سَيِئَهَا إلا أنتَ، لبيكَ وسَعْديكَ، والخَيرُ كلهُ في يَديكَ، والشَّرُّ ليسَ إلَيكَ، أنا بِكَ وإليكَ،
ــ
عن أن يوجدوا شيئًا ولو ذرة بل الموجد لكل شيء أنت فبعضها عقب أفعالهم وبعضها ابتداء وفيه الإشعار بأن العقل لا يستقل بالاهتداء لما ينفعه فلا تحسين ولا تقبيح له في حال أو قال خلافًا لأرباب الاعتزال. قوله: (واصْرفْ عنِّي سَيِّئهَا) أي ادفع عني سيئها أي الأخلاق السيئة وهذا منه وإن لم تدع نفسه الشريفة إليه بل لا يتصور أن يصدر من بين يديه على سبيل التواضع والتذلل لعلا مقام ربه سبحانه وتعالى أو لتعليم أمته الطريق لينالوا إحسانه وأما قول ابن حجر في شرح المشكاة لا يصرف عني سيئها إلَّا أنت لا سيما ونفسي تدعو وتبذل في تحصيلها معظم جهدها وكلها اهـ. ففيه ما لا يخفى وكأنه غفل حال ذكره ذلك عن كون هذا الكلام الذي ذيله مما تقدم صادرًا من سيد الأنام عليه الصلاة والسلام إذ نفسه الشريفة لا يخطر بها السوء فضلًا عن الدعاء إليه كما قال البوصيري:
فلا يخطر السوء
…
على باله ولا الفحشاء
ويمكن أن يجاب بأن هذا اللفظ إنما هو تعليم لأمته فينبغي للعبد إذا أتى به إن يلحظ بقلبه هذا المعنى وينزل نفسه بهذا المنزل وأنه لما كان صلى الله عليه وسلم في أعلى مقام التمكين وكلما ازداد العبد من ذلك المقام زاد في اتهام نفسه ورأى قصورها وإن لم يكن عندها قصور رأى أنه بالنظر إليّ على مقامه يقول هذا المقال على سبيل التخضع والتذلل لذي الجلال وهذا لا يستلزم صدور الذنب بحال والله أعلم بحقيقة المقام والمقال. في: (لَبيْكَ) مصدر لب أقام بالمكان وتثنية للتكثير المؤذن بالتكرير إلى غير نهاية أي إقامة على إجابتك لما أمرت به المرة بعد الأخرى. قوله: (وَسَعْديْكَ) أي أسعد وأحظى بإقامتي على طاعتك وإجابتي لسائر أوامرك سعادة بعد سعادة وسيأتي تحقيق الكلام في هذين اللفظين في أذكار الحج إن شاء الله تعالى. قوله: (والخيرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ) أي كل فرد من أفراده من طولك وإفضالك المكنى عنه باليدين أو أريد بهما القدرة والإرادة إذ لا يصدر شيء إلَّا عنهما. قوله: (أَنَا بكَ
وإِليكَ) أي إيجادي وإنشائي بك أي بإيجادك وإمدادك ومنتهى أمري وغاية وجهتي ورغبتي وصلاح حالي معاشًا ومعادًا
تبارَكْتَ وتعاليتَ، أسْتغفِركَ وأتوبُ إليْكَ".
ــ
إليك أو التقدير أنا بك إيجادًا وتوفيقًا وإليك التجاءً واعتصامًا أو رجوعًا بعد البعث وهو قريب مما قبله أو أنا بك أعتمد وألوذ وإليك التجئ وأعوذ. قوله: (تباركتَ) أي تعاظمت أو تعظمت وتمجدت أو أدررت البركة على خلقك إذ تفاعل اللازم قد يأتي بمعنى فاعل المتعدي أصل الكلمة الدوام والثبات من البركة وهي الكثرة والاتساع ولا تستعمل إلّا في الله تعالى كما في الكتاب العزيز وفيه تنبيه على اختصاصه تعالى بالحركات الإبداعية والبركات المتوالية واختلف هل يلحق تبارك تاء التأنيث الساكنة والصحيح لحوقها سمع تباركت يا الله وتبارك أسماؤك كما في شرح التوضيح للشيخ خالد وغيره وقال البعلي تبارك فعل جامد لا يتصرف ومعناه دام دوام خيره وقال العزيزي في غريب القرآن تبارك تفاعل من البركة وهي الزيادة والنماء والكثرة والاتساع أي البركة تكتسب وتنال بذكرك ويقال تبارك تقدس والقدس الطهارة ويقال تبارك تعاظم اهـ. قوله: (وتعاليت) من العلو أي تنزهت عما لا يليق بذاتك وفي مفردات الراغب العلي هو الرفيع القدر من علا وإذا وصف به الباري تعالى كما في قوله: {هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62] فمعناه أنه يعلو عن أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين وعلى ذلك يقال تعالى وتخصيص التفاعل لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التكلف كما يكون من البشر قال عز وجل سبحانه {سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 43] وقد سبق بعضه. قوله: (أَستغفرُكَ وأَتوبُ إِليكَ) قال العز بن عبد السلام هذا وعد بطلب المغفرة إذ السين للطلب فمعنى أستغفر الله وأتوب إليه أطلب منه المغفرة فهو وعد بأن يطلبها منه ولا يلزم من الوعد حصول المطلوب الذي هو الطلب وكذا أتوب إليك وعد بالتوبة لا أنه توبة في نفسه والجواب أنه ليس وعدًا ولا خبرًا بل إنشاء أي المراد به الإنشاء وإلّا فلفظه خبر والله أعلم وبهذا يجاب عما يأتي في كتاب الاستغفار عن الربيع بن خثيم من كراهة ذلك وهذا الذكر أي وجهت وجهي إلى قوله وأتوب إليك رواه مسلم والأربعة وعبارة السلاح رواه الجماعة إلَّا البخاري ورواه ابن حبان والطبراني كلهم عن علي بن أبي طالب من جملة حديث قال علي كرم الله وجهه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة المكتوبة وفي رواية إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي إلخ، وذى فيه ما يقال في الركوع والاعتدال والسجود وبعد التشهد الأخير نعم انفرد ابن حبان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بزيادة مسلمًا وفي رواية للشافعي بعد والشر ليس إليك والمهدي من هديت أنا بك وإليك لا منجا منك ولا ملجأ إلَّا إليك تباركت وقال الحافظ بعد تخريجه بجملته حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود وابن خزيمة والطحاوي وابن حبان وأخرجه البيهقي ووقع في رواية سويد بن عمرو أحد رواته في أوله إذ قام إلى الصلاة المكتوبة ومثله للبيهقي من وجه آخر عن الأعرج وأخرجه الشافعي وزاد فيه سبحانك وبحمدك بعد قوله لا إله إلّا أنت وفيه أيضًا والمهدي من هديت بعد قوله في يديك ووقع في رواية للبيهقي بعد قوله سعديك ولبيك أنا بك وإليك لا منجا منك إلا إليك فاقتصر المصنف فيما ساقه على لفظ مسلم ثم أورد الحديث من طرق في كل منها وأنا أول المسلمين ثم قال وهذا يشعر بأن المحفوظ في المرفوع على وفق الآية وإن من ذكره بلفظ من المسلمين أراد المناسبة لحال من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولذا قال الشافعي
بعد أن أخرجه على التردد في اللفظين أو أول المسلمين بدل وأنا أول المسلمين اهـ، ووقع في شرح العباب عزو قوله اللهم أنت الملك إلى قوله وأتوب إليك إلى رواية الشيخين ولم أر ذلك لغيره بل هم مصرحون بأن البخاري لم يخرج ذلك وقد تقدم ذكر ذلك في كلام الحافظ أول الباب والله أعلم، وما أفاده كلام المصنف كالحديث من أن السنة تقديم وجهت وجهي سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك أي تعاظمت ذاتك أو المراد بالاسم حقيقته كما قيل به في سبح اسم ربك بتوجيهه وتعالى جدك أي غناك عن أن تفتقر إلى أحد وقيل الجد العظمة أي ارتفعت عظمتك ومنه قوله تعالى إخبارًا عن الجن:{وَأَنَّهُ تَعَالى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن: 3] أي عظمته (ولا إلى غيرك) أي برفعهما وبناء الأول على الفتح مع نصب الثاني ورفعه ورفع إله ونصب غيرك لوقوعه موقع أداة الاستثناء كما نقله في المطلع عن ابن الأنباري في المزهر لأن هذا وإن ورد من طرق إلَّا أنها كلها ضعيفة بخلاف ذاك وظاهر كلام المصنف هنا تقديم الله أكبر كبيرًا إلخ، ثم وجهت وجهي إلخ، ثم اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلخ، واعترض ما مر عن المجموع بأن الأول في مسلم والثاني في الصحيحين وبأن الثاني يتضمن الثناء والسؤال وبأنه ورد في الفرض والأول ورد في قيام الليل ويرد منع أن كلا من هذه الثلاثة يقتضي أفضلية الثاني وبأن الأول امتاز لأمره
ويقول: "اللهُمَّ باعِد بَيْني وبَينَ خَطايايَ كما باعَدْتَ بَينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللهُم
ــ
تعالى لنبيه بأنه يقوله. قوله: (وَيقولُ اللهم إلخ) أي يقول ما رواه أحمد وابن راهويه والحميدي في مسانيدهم وثبت في الصحيحين ورواه النسائي وأبو داود وابن ماجة وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي في شرح السنة وغيرهم عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي رأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلخ. قوله: (باعدْ بيني وبين خَطايايَ) المراد بالمباعدة إما محو الخطايا السابقة وترك المؤاخذة أو المنع من الوقوع فيها والعصمة منها بالنسبة للاحقة وهذا مجاز لأن المباعدة إنما تكون في المكان أو الزمان ثم أصلها لا يقتضي الزوال بالكلية كما هو المراد من الحديث بل يقتضي البقاء مع المباعدة وكذلك التشبيه بما بين المشرق والمغرب قال ابن دقيق العيد وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد ألا يبقى للخطاب منه اقتراب بالكلية والإتيان بصيغة المفاعلة للمبالغة لعدم صحة المغالبة قال القرطبي وهو من باب المبالغة في طلب السلامة من الذنوب وكرر لفظ بين هنا بقوله وبين خطاياي لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض والخطايا جمع خطيئة وأصلها خطاي بوزن فعايل فأبدلت الياء بعد ألف الجمع همزة فصار خطائئي بهمزتين ثم أبدلت الهمزة الثانية ياء لتطرفها ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار خطاءاي بألفين بينهما همزة فاجتمع شبه ثلاث ألفات فأبدلت الهمزة ياء فصار خطايا بعد خمسة أعمال والخطيئة فعيلة من الخطء بكسر أوله الذنب وفرق بينها وبين الإثم بأنها ما بين العبد وربه وهو بين المخلوقين ونظر فيه بأنه استعمل كلا منهما فيما قيل أنه للآخر وقد تقرر غير مرة أن هذا وأمثاله منه صلى الله عليه وسلم من القيام بمقام العبودية وأداء حق الألوهية فلا ينافي عممته من سائر الذنوب صغائرها وكبائرها قبل النبوة
وبعدها ومثله في ذلك جميع الأنبياء صلى الله عليه وسلم أجمعين أو أعد أحواله كلها خطيئات وذنوبًا بالنسبة لعظيم جلاله تعالى وعظيم حقه سبحانه العاجز عن القيام بها على كمالها حتى الكل من الخلق كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أو المراد خطايا أمته أو مما وقع منه مما عتب عليه لمخالفته الأولى
نقني من خَطايايَ كما يُنقَّى الثوبُ الأبيَضُ من الدَّنَسِ، اللهُم اغْسِلْني من خَطايايَ بالثلْجِ والماءِ والبَرَدِ".
فكل هذا المذكور ثابت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء في الباب أحاديث أُخر منها: حديث عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال:
ــ
والأكمل نظرًا لعلو مقامه صلى الله عليه وسلم كما في عفا الله عنك ونحوه أو أنه تعليم للأمة وإن استحال في حقه صلى الله عليه وسلم قوله: (نقني من خطاياي) هو مجاز عن زوال الذنب ومحو أثره وفيه الإشارة إلى أن الذنب سبب لإظلام القلب. قوله: (مِنَ الدنَسِ) وفي رواية من الدرن وفي رواية من الوسخ وكلها متقاربة أو مترادفة إذ الدنس بفتح أوليه الوسخ فلما كان النقاء أظهر في الثوب الأبيض من غيره من الألوان وقع التشبيه به. قوله: (اغسِلْني مِنْ خَطايايَ) هذه رواية مسلم أي طهرني منها ورواية غيره اللهم اغسل خطاياي. قوله: (بالثلج والماءِ والبَرَدِ) كذا في نسخ الأذكار وفي المشكاة تقديم الماء عليهما قال الخطابي هذه أمثال ولم يرد الشارع أعيان هذه المسميات وإنما أراد بها التوكيد في التطهير من الخطايا والمبالغة في محوها عنه والثلج والبرد ماء إن لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما استعمال فكان ضرب المثل بهما آكد وقال ابن دقيق العيد هذا مجاز ويحتمل أمرين أحدهما أن يكون أراد التعبير بذلك عن غاية المحو بالأمور الثلاثة فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء ثانيهما إن يكون كل واحد منها مجازًا عن صفة يقع بها التكفير والمحو ولعل ذلك في قوله تعالى: ({وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286] فكل واحد من هذه الصفات له أثر في محو الذنب وإلى هذا أشار الطيبي بحثًا فقال يمكن أن يقال المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول أنواع المغفرة والرحمة بعد العفو لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة ومنه قولهم برد الله مضجعه أي رحمه ووقاه عذاب النار ويؤيده وصف الماء بالبارد في رواية مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى ولعله جعل الخطايا بمنزلة جهنم لأنها مسببة عنها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيًا عن الماء إلى ما هو أبرد منه وبهذا ظهر السر في التعبير بالماء البارد والثلج والبرد مع إن الماء السخن أبلغ في إذهاب الوسخ من الماء البارد وقال التوربشتي إنما خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها منزلة من السماء
"سُبحانكَ اللهُم وبحَمْدكَ، وتَباركَ اسْمُكَ، وتعالى جَدُّكَ، ولا إلهَ غَيرُكَ" رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه بأسانيد ضعيفة،
ــ
ولا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلَّا بواحدة منها فكان تبيانًا لأنواع المغفرة التي لا يخلص من الذنوب إلا بها أي طهرني من الخطايا بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمنزلة هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس ورفع الأحداث والأنجاس وقال بعضهم عبر بالماء عن الرحمة وبالثلج عن العفو وبالبرد عن المغفرة وفي فتح الإله ويصح أن يشار بجمع الثلاثة إلى المبالغة بطلب أنواع من المغفرة والرحمة والرضا تطفئ حرارة العذاب المتولد من تلك الخطايا ثم يبوأ رياض النعيم ثم يمنح معاني الشهود ودوام القرب ولا يضر كون مفاد الجملتين واحدًا لأن المقام مقام إطناب على إن الثانية أبلغ لأنها أفادت من المقابلة الأول كما علم مما تقرر في الأخيرين على الماء إشارة إلى ما هو المقرر عندنا من أنهما مثله في تطهير الحدث والخبث الحسيين اهـ. وقال الكرماني يحتمل إن تكون الدعوات الثلاث فيها إشارة إلى
الأزمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي وفي فتح الباري الحكمة في تقديم المستقبل الاهتمام بدفع ما يأتي قبل رفع ما حصل والثلج معروف والبرد بفتح الموحدة والراء المهملة هو حب الغمام قال الهروي سمي بردًا لأنه يبرد وجه الأرض. قوله: (سبحانك الله إلخ) اقتصر المصنف على ما ذكر ورواه جابر وزاد في حديثه بعد قوله غيرك وجهت وجهي إلخ، وبتلك الزيادة أخذ في الروضة فقال يقدم سبحانك اللهم وبحمدك إلخ، على وجهت وجهي إلخ، قال في شرح العباب ويشهد له حديث البيهقي فساقه ثم ذكر نحو ما تقدم من تقديم وجهت وجهي إلخ. وفي شرح الهداية لابن الهمام من الحنفية الأولى العمل برواية جابر عنه رضي الله عنه أنه كان إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك إلخ، وجهت وجهي إلى الله رب العالمين أخرجه البيهقي كذلك قال في الحرز فيستفاد منه تقديم التسبيح على التوجه اهـ، وكأن من ذكر لم ينظروا لقول المصنف هنا بأسانيد ضعيفة إلخ، أو أراد أن ذلك الضعف غير مؤثر لأنه في الفضائل ويعمل بالضعيف فيها بشرطه. قوله:(رَوَاه الترمذيُّ وأَبُو دَاودَ إلخ) قال الحافظ ليس له عند هؤلاء الثلاثة سوى إسنادين أخرج أحدهما أبو داود والآخر عند الآخرين
وضعَّفَهُ أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم،
ــ
ثم ذكرهما وبين حال كل منها فقال في السند الأول أخرجه أبو داود بهذا السند وأخرجه الحاكم وهو شيخ البيهقي فيه وقال صحيح على شرط الشيخين قال الحافظ ابن حجر رجاله من رجالهما في الجملة وليس على شرط واحد منهما ثم بين ذلك وقال قال أبو داود بعد تخريجه هذا الحديث ليس بالمشهور لم يروه إلا طلق بن غنام عن عبد السلام بن حرب أي عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة وقد روى جماعة الحديث عن بديل بن ميسرة يعني بالسند المذكور فلم يذكروا فيه شيئًا من هذا اهـ، كلامه وأشار به إلى ما أخرجه مسلم وغيره من طريق شعبة وغيره عن بديل بلفظ كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين الحديث بطوله فظاهر رواية عبد السلام تقتضي الزيادة على ما رواه أولئك وهم أحفظ منه وأتقن لكن طريقة المصنف الحكم بقبول الزيادة من الثقة مطلقًا كما صرح بذلك في غير موضع وهذا من هذا القبيل فأقل درجاته أن يكون حسنًا لا سيما إذا انضم إليه الطريق الآتي والشواهد الآتية وقال الحافظ في السند الثاني أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم وابن خزيمة كلهم عن أبي معاوية عن حارثة بن محمد عن عمرة عن عائشة قال الترمذي بعد تخريجه لا نعرفه إلَّا من حديث حارثة بن محمد وقد تكلم فيه من قبل حفظه وقال ابن خزيمة بعد تخريجه حارثة بن محمد لا يحتج أهل الحديث بحديثه وقال الحاكم حارثة بن محمد لم يرتضه مالك ورضيه غيره من أقرانه قال العراقي حارثة متفق على ضعفه ومراد الحاكم ممن رضيه غير مالك أنهم رووا عنه ولا يلزم من رواية الثقة أن يكون المروي عدلًا عنده اهـ. وقال البيهقي بعد تخريج الحديث حارثة ضعيف وله طريق أخرى عن عائشة ضعيفة ساقها في الخلافيات وأخرجها الطبراني في كتاب الدعاء والدارقطني وفي سند الجميع سهل بن عامر وهو متروك وورد من طريق أخرى عن عطاء موقوفًا عليه قال الحافظ وهذا وإن كان مقطوعًا ففيه إشعار بأن
لهذا المرفوع أصلًا اهـ. قوله: (وضعفهُ أَبو دَاودَ والترمذيّ إلخ) قال الحافظ لم يصرح أبو داود بضعفه وإنما أشار إلى غرابته كما قدمته، نعم لما أخرج الدارقطني الحديث المذكور بسنده إلى أبي داود إلّا قوله ليس
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي من رواية أبي سعيد الخدري
ــ
بالمشهور فعبر بقوله ليس بالقوي وأما الترمذي فضعفه من طريق حارثة ولم يعرج على الطريق الأولى بل صرح بتفرد حارثة به ولو وقعت له الطريق الأولى لكانت على شرطه في الحسن وأما البيهقي فحكى كلام أبي داود الأول بعد إن أخرجه من طريقه ثم ساق طريق حارثة وضعفها به ثم ذكر أنه روي من طريق ثالثة عن عائشة وأما قوله وغيرهم فقد يوهم الاتفاق على تضعيفه وليس كذلك بل هم مختلفون. قوله: (وَرَوَاه أَبو دَاودَ والترمذيُّ إلخ) قال الحافظ ولم أر عن واحد منهم التصريح بتضعيفه كما سأبينه ثم قال بعد تخريجه الحديث بإسناده من طرق حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي فأما الترمذي فقال حديث أبي سعيد أشهر شيء في الباب وبه يقول أكثر أهل العلم وقد تكلم بعضهم في سنده كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي الرفاعي وأما النسائي فسكت عليه فاقتضى أنه لا علة له عنده وأما ابن ماجة فلم يتكلم عليه أصلًا كعادته وأما البيهقي فحاصل كلامه في السنن الكبرى وفي الخلافيات أن حديث علي في وجهين أرجح من هذا الحديث لكون حديث علي مخرجًا في الصحيح ولكون هذا وإن جاء من طرق متعددة لا يخلو سند منها من مقال وإن أفاد مجموعها القوة وهذا أيضًا حاصل كلام ابن خزيمة في صحيحه وأشار إلى أن حديث أبي سعيد أرجح وقال العقيلي بعد أن أخرجه من طريق حارثة في ترجمته في الضعفاء هذا الحديث روي بأسانيد حسان غير هذا قال الحافظ وسائر رواة أبي سعيد المذكور رواة الصحيح إلَّا علي بن علي الرفاعي فقد وثقه ابن معين. قوله: (قَال البيهقي إلخ) قال الحافظ عبارة البيهقي بعد ذكر حديث ابن مسعود رواه ليث عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وليس بالقوي وروي عن حميد عن أنس مرفوعًا ثم ساقه بسنده إليه ولم أر الكلام الأخير في كلامه وقد أخرج الطبراني في الدعاء حديث ابن مسعود بسندين آخرين وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن حميد ومن وجه ثالث عن أنس وأخرجه في المعجم الكبير من حديث واثلة بن الأسقع ومن حديث الحكم بن عمير ومن حديث عمرو بن العاص وأخرجه البيهقي بسند جيد عن جابر بن عبد الله كما سنذكره بعد اهـ، والله أعلم. قوله:(مِنْ روايةِ أَبي سعيد) أي ولفظه كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول سبحانك اللهم
وضعَّفوه.
قال البيهقي: وروي الاستفتاح "بِسُبْحانكَ اللهُم وبِحَمدِكَ" عن ابن مسعود مرفوعًا، وعن أنس مرفوعًا، وكلها ضعيفة.
قال: وأصح ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم رواه بإسناده عنه: أنه كبر ثم قال: "سُبْحانكَ اللهُم وبحَمْدِكَ، تَبارَكَ اسْمُكَ، وتَعالى جَدُّكَ، ولا إلهَ غَيْرُكَ". والله أعلم.
ــ
وبحمدك ثلاثًا ثم يقول الله أكبر كبيرًا ثلاثًا أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ وقال الترمذي حديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب وقال أيضًا قد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي يعني ابن نجاد وقال أحمد لا يصح هذا الحديث اهـ. قوله: (وضعفوهُ) قال الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلَّا عن حارثة بن أبي الرجال وقد تكلم فيه من قبل حفظه أي لكونه لم يوجد فيه شرط الاحتجاج وهو الحفظ إن حدث من غير كتاب وقول بعض شراح المشكاة إن الترمذي لم يضعف متنه إنما ضعف بعض أسانيده ولا يلزم منه تضعيف المتن كما هنا لروايته من طريق أخرى محتج بها فما أوهمه كلام المصنف مما يخالف
ذلك معترض قال وقد رواه أبو داود بإسناد حسن اهـ. فيه نظر فإن الذي صرح به الحافظ والمرجع إليهم في ذلك أن طرقه كلها ضعيفة لكن قال ابن الجوزي يقوي بعضها ببعض فيصل إلى حد الحسن فيحتج به وهذا يتوقف على أن ذلك الضعف مما يقبل الانجبار وإلا فكذب الراوي أو اتهامه بالكذب مثلًا لا ينجبر وإن تعددت طرقه كما سبق.
قوله: (وَرُويَ الاستفتاح إلخ) ورواه الدارقطني عن عثمان من قوله ورواه سعيد بن منصور عن أبي بكر الصديق من قوله نقله في الحرز. قوله: (وأصح ما رُوي فِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطابِ) ثم رواه عنه يعني البيهقي قال الحافظ بعد تخريجه من طريق البيهقي موقوفًا على عمر هذا موقوف صحيح ثم خرجه أيضًا من طريق الدارقطني وقال الدارقطني هذا صحيح عن عمر من قوله وقد روي عنه مرفوعًا ثم ساقه من رواية عبد الرحمن بن عمرو بن شيبة عن أبيه عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدارقطني رفعه هذا الشيخ عن أبيه ورواه يحيى بن أيوب عن عمر بن شيبة عن نافع عن ابن عمر موقوفًا على عمر وهو الصواب قال الحافظ كذا
وروينا في "سنن البيهقي" عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: لا إله إلا أنتَ سُبْحانك، ظلَمْتُ نَفْسي، وعَمِلتُ سُوءا فاغْفِر لي إنهُ لا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ، وجَّهْتُ وَجْهي .. " إلى اخرِهِ، وهو حديث ضعيف، فإن الحارث الأعور: متفق على ضعفه، وكان الشعبي يقول: الحارث كذاب، والله أعلم.
ــ
وقع في الأصل عمرو بن شيبة بفتح العين في السند الأول وبضمها في السند الثاني وفي إحداهما تصحيف وغفل ابن الجوزي في التحقيق فصحح المرفوع ظنًّا منه أن عبد الرحمن بن عمرو بن شيبة أحد شيوخ البخاري في صحيحه وليس كذلك فإن شيخ البخاري إنما هو عبد الرحمن بن أبي شيبة ولا ذكر لعمرو في نسبه وعلى التنزل فوائد عبد الرحمن لا يعرف اهـ. وفي الخلاصة للمصنف إنما الحديث صحيح عن عمر موقوف عليه اهـ. وقال السلاح بعد أن روى الحديث موقوفًا على عمر رواه مسلم ثم قال ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحاكم فيه صحيح على شرط الشيخين اهـ، وسبق شرحه في أثناء الكلام على ما تقدم من أدعية الافتتاح قال ابن حجر في شرح المشكاة وأخذ به ابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة واختاره للافتتاح به أبو حنيفة وغيره وذهب إليه الأجلة من علماء الحديث كسفيان وأحمد وغيرهم اهـ.
قوله: (وَرَوينا فِي سُنن الْبيْهقي) قال الحافظ بعد تخريجه بسند له بلفظ قال البيهقي ذكره الشافعي عن هشيم بلا رواية لكن قال عن أبي الخليل بدل الحارث فيحتمل أن يكون لأبي إسحاق الراوي عن الحارث شيخان في الحديث وعلى هذا الاحتمال فيكون الحديث صحيحًا ويقوي ذلك أن الرواية الصحيحة عن علي بطولها تشتمل على ألفاظ هذا الطريق وليس فيها إلَّا الاختصار وتأخير وجهت ثم أجاب عن قول المصنف في الحارث بما سيأتي نقله عنه. قوله: (فإِن الحارثَ الأَعور متفَق عَلَى ضَعْفِهِ) قال الحافظ هو متعقب فيما قاله فقد وثقه يحيى بن محين في سؤالات الدارمي وفي
تاريخ العباس الدوري وأما ما نقله عن الشعبي فقد أوضح أحمد بن صالح الحارث صاحب علي ثقة ما أحفظه
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "والشرُّ ليسَ إليكَ" فاعلم أن مذهب أهل الحق من المحدثين والفقهاء والمتكلمين من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم من علماء المسلمين أن جميع الكائنات خيرَها وشرَّها، نفعَها وضرَّها كلها من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته وتقديره، وإذا ثبت هذا
ــ
وما أحسن ما روي عن علي قيل له فما يقوله الشعبي فيه قال لم يكن يكذب في حديثه وإنما كان يكذب في رأيه اهـ، وأبدى الذهبي ذلك احتمالًا والمراد بالرأي المذكور التشيع وبسببه ضعفه الجمهور ثم رأيت عن أبي حاتم في حق الحارث شيئًا يصلح أن يحمل تكذيب الشعبي عليه قال كان الحارث أعلم الناس بالفرائض وكان يروي ذلك عن علي فقيل له سمعت هذا كله من علي فقال سمعت منه بعضًا وبعضًا أقيسه على قوله وقد بسط ابن عبد البر في كتاب بيان العلم ما يتعلق بذلك اهـ.
قوله: (وأَمَا قَولهُ والشرُّ ليسَ إِليَكَ فاعلَمْ أَن مَذهَبَ أَهْلِ الحق إلخ) أنكرت المعتزلة إرادته تعالى للشر والقبيح حتى قالوا أنه تعالى أراد من الكافر والفاسق الإيمان والطاعة لا الكفر والمعصية زعمًا منهم أن إرادة القبيح قبيحة كخلقه وإيجاده واستدلوا بهذا الحديث أي قوله والشر ليس إليك بناء على تقدير متعلق الجار منسوبًا ومنعه أهل السنة وقالوا القبيح كسب القبيح والاتصاف به ومتعلق الظرف ليس منسوبًا بل متقربًا أو منسوبًا أي لا يليق بالأدب نسبته إليك وإن كنت فاعله وعند المعتزلة أكثر ما يقع من أفعال العباد على خلاف إرادة الله تعالى وهذا شنيع جدًّا والمعتزلة اعتقدوا أن الإرادة والمشيئة والرضا والمحبة والأمر بمعنى ونحن لا نقول به بل نقول الإرادة والمشيئة بمعنى والرضا والمحبة كذلك والأمر لا يستلزم الإرادة فقد يكون الشيء غير مراد ويؤمر به وقد يكون مرادًا وينهى عنه لحكم ومصالح يحيط بها علمه تعالى ولأنه لا يسأل عما يفعل واستدلت المعتزلة بنحو ولا يرضى لعباده الكفر، إن الله لا يأمر بالفحشاء، ولا دليل لأنا نقول بمقتضاهما لما تقرر من أن الإرادة غير الرضا والأمر ولنا قوله تعالى: ({فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] وقول السلف قبل ظهور أهل البدعة "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" وليس هذا محل تحقيق المرام ومجمله أن كتب أهل السنة مختلفة في هذه المسألة فقال إمام الحرمين إن من حقق لم يشك أن المعاصي بمحبته ونقله بعضهم
فلا بد من تأويل هذا الحديث، فذكر العلماء فيه أجوبة:
ــ
بمعناه عن الأشعري لتقارب الإرادة والمحبة في المعنى اللغوي فإن من أراد شيئًا أو شاءه فقد رضيه وأحبه قال ابن الهمام وهذا الذي قاله إمام الحرمين خلاف كلمة أكثر أهل السنة اهـ. وقال شارح العقيدة المنظومة لليافعي الإرادة والمشيئة والمحبة والرضا معناها واحد عند جمهور أهل السنة لكن قال بعضهم ما سبق إلَّا المحبة والرضا مترادفان وهما غير الإرادة والمشيئة واستدل لذلك بقوله تعالى {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] وأجيب بأنه لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر لأنه لم يرده ويرضاه للكفار لأنه أراده لهم أو أنه لا يرضاه شرعًا ودينًا يثيب عليه ويرضاه معصية ومخالفة يعاقب عليها اهـ،
وحاصله أن النفي والإثبات واردان على مختلفين بالحيثية مع اتحادهما بالذات كما قيل في الإشكال المشهور أن الرضا بالقضاء واجب والرضا بالكفر كفر مع أن الكفر بالقضاء مجيبًا بأنه يرضى به من حيث أنه فعل الله تعالى ولا يرضى به من حيث أنه كسب للعبد أو أن الكفر مقضي لا يجب الرضا به إذ هو إنما يجب بالقضاء لا بالمقضي وقال الشيخ عطية السلمي في تفسيره ما تعلق به الثواب يقال فيه إن الله رضيه وأحبه وأراده وشاءه وما تعلق به العقاب يقال فيه أراده وشاءه ولا يقال أحبه ورضيه بل يقال كرهه ونهى عنه ومعنى ذلك أنه لا يثيب عليه لا أنه وقع عليه قهرًا كسائر مكروهات العباد فإن العبد يقع عليه المكروه قهرًا ولو قدر على دفعه والله متعال عن ذلك وهذا مذهب كثير من السلف قال قتادة والله ما يرضى الله لعبد ضلالة ولا أمره بها ولا دعاه إليها وقال ابن عباس والسدي وجماعة إن الله يرضى الكفر للكفار كما يرضى الإيمان للمؤمنين اهـ، والحق إن الخلاف لفظي كذا في المرقاة. قوله:(فَلَا بد مِنْ تأْويلِ هذَا الحديثِ إلخ) قال ابن حجر في شرح المشكاة قال بعضهم وإنما أولنا الحديث لأنه لم يقل أحد من المسلمين بقضيته بل أهل السنة على أن الخير والشر من الله تعالى لا صنع للعبد فيهما والمعتزلة على أنهما من العبد لا صنع لله فيهما ولم يقل عالم سنين ولا بدعي إن الخير من الله والشر من النفس وإنما سمع ذلك من همج العامة اهـ. وفيه نظر ونقله في شرح العباب عن المجموع وعن الشيخ أبي حامد وتعقب بأنه قد نقل ذلك عن المعتزلة كثيرون والظاهر أنهم فرقتان فرقة على الأول وفرقة على الثاني ومن ثم
أحدها وهو أشهرها قاله النضر بن شميل والأئمة بعده: معناه: والشر لا يتقرب به إليك، والثاني: لا يصعد إليك، إنما يصعد الكلم الطيب، والثالث: لا يضاف إليك أدبًا، فلا يقال: يا خالق الشر وإن كان خالقَه، كما لا يقال: يا خالق الخنازير وإن كان خالقَها، والرابع: ليس شرًّا بالنسبة إلى حِكْمَتِكَ، فإنك لا تخلق شيئًا عبثًا، والله أعلم.
ــ
اختلف كلام الزمخشري منهم في ذلك اهـ. قوله: (أَحدُهَا وَهُوَ أَشهرُها قَالهُ النضْرُ بْنُ شُمَيلٍ) أي والخليل بن أحمد وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم قال صاحب أنوار البروق في أنواء الفروق استدلت المعتزلة على أن الشر من العبد لا من الله تعالى بقوله صلى الله عليه وسلم والشر ليس إليك وهذا سلب عام تقوم به الحجة على الأشعري وجوابه أن قوله صلى الله عليه وسلم ليس إليك لا بد له من عامل يتعلق به فالمعتزلة يقدرونه ليس منسوبًا إليك حتى يكون من العبد على زعمهم ونحن نقدره والشر ليس قربة إليك لأن الملوك كلهم يتقرب بالشر إليهم إلّا الله تعالى لا يتقرب إليه إلا بالخير وهذا معنى حسن جميل يحمل اللفظ عليه وعليه فيكون اللفظ محتملا لما قلناه ولما قالوه وليس اللفظ ظاهرًا في أحدهما من حيث الوضع بل الاحتمالان منسوبان فيسقط استدلال المعتزلة به لحصول الإجمال فيه اهـ، وأصل هذا الكلام لشيخه العز بن عبد السلام كما نقله عنه السيوطي في حواشيه على النسائي. قوله:(والثَّالثُ) وحكاه الشيخ أبو حامد عن المزني وقاله غيره أيضًا ويؤيده إن عادة العرب ينسبون ما كان يعجبهم إلى الله وإن كانت الأشياء كلها له في الحقيقة. قوله: (لَا يُضافُ إِليك) أي على انفراده. قوله: (فَلَا يُقالُ يا خالِقَ الشَّرِّ ونحوه) بل يا خالق كل شيء وحينئذٍ يدخل الشر في العموم. قوله: (ليسَ شَرًّا إلخ) قال التفتازاني في شرح العقائد فإن قيل كيف كان كسب القبيح سببًا موجبًا لاستحقاق الذم بخلاف خلقه قلنا لأنه قد
ثبت أن الخالق حكيم لا يخلق شيئًا إلا وله عاقبة حميدة وإن لم نطلع عليها فجزمه بأن ما نستقبحه من الأفعال قد يكون فيها حكم ومصالح كما في خلق الأجسام الخبيثة الضارة المؤلمة
فصل: هذا ما ورد من الأذكار في دعاء التوجه، فيستحب الجمع بينها كلَّها لمن صلى منفردًا،
ــ
بخلاف الكاسب فإنه قد يفعل قبيحًا سفهًا موجبًا لاستحقاق الذم والعقاب اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر وقيل ليس الشر قضاك فإنك لا تقضي الشر من حيث هو شر بل لما يصحبه من الفوائد الراجحة فالمقضي به بالذات هو الخير والشر داخل تحت القضاء اهـ، وهو بكونه جوابًا أشبه وفي شرح الأربعين له ما في الوجود من الشر فهو إضافي بالنسبة لبعض الأشياء وليس شرًّا مطلقًا بحيث عدمه خير من وجوده بل وجوده مع ذلك خير من عدمه ويصح أن يراد هذا في خبر والشر ليس إليك أي الشر المحض الذي عدمه خير من وجوده ليس موجودًا في ملكك اهـ، وذكر المصنف في شرح مسلم جوابًا خامسا حكاه عن الخطابي أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم أو أضافوه إليهم.
فصل
قوله: (هَذَا مَا وَرَدَ مِنَ الأذكار فِي دعاءِ التوجُّهِ) قال الحافظ هذا يشعر بالحصر وليس كذلك بل ورد فيه غير ذلك ذكره الطبراني في الدعاء وكذا غيره اهـ. قوله: (فَيُستَحَبُّ الجمعُ بينَها كلها) قال الحافظ لم يرد بذلك حديث وقد استحب الجمع بين وجهت وسبحانك أبو يوسف صاحب أبي حنيفة وأبو إسحاق المروزي من أكابر الشافعية وبوب البيهقي لذلك وأورد فيه حديثًا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك إلى ولا إله غيرك وجهت وجهي إلى قوله العالمين وسنده قوي فإن رجاله رجال الصحيح إلَّا عبد السلام بن محمد الحمصي وأما الراوي عن عبد السلام إبراهيم بن يعقوب فمن كبار الحفاظ الأثبات من شيوخ أبي داود والترمذي والنسائي وأخرج الحافظ من طريقين أحدهما للطبراني في الدعاء من حديث جابر كان صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبّر ثم قال إن صلاتي ونسكي إلى قوله أول المسلمين اللهم اهدني لأحسن الأخلاق ولا يهدي لأحسنها إلَّا أنت وقني سيئ الأعمال والأخلاق ولا يقي سيئها إلَّا أنت قال الحافظ وهكذا أخرجه النسائي ورجاله
وللإمام إذا أذِنَ له المأمومون. فأما إذا لم يَأذَنوا له فلا يُطَوِّل عليهم، بل يقتصر على
بعض ذلك، وحَسُن اقتصاره على: وجهت وجهي إلى قوله: من المسلمين، وكذلك المنفرد الذي يؤثر التخفيف.
واعلم أن هذه الأذكار مستحبة في الفريضة والنافلة، فلو تركه في الركعة الأولى عامدًا أو ساهيًا لم يفعله بعدها لفوات محله، ولو فعله كان مكروهًا ولا تبطل صلاته، ولو تركه عقيب التكبيرة حتى شرع في القراءة أو التعوذ، فقد فات محله فلا يأتي به، فلو أتى به لم تبطل صلاته،
ــ
ثقات كالذي قبله وكأن الحديث كان عند شعبة مطولًا فحدث عبد السلام عنه ببعضه وحدث أبو حيوة عنه ببعضه ثم أشار الحافظ إلى اختلاف وقع لبعضهم في بعض هذا الحديث غير من ذكرناه اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر قول النووي يستحب الجمع إلخ. لا ينافيه قول الشافعي فإن زاد فيه أو نقص كرهته لأنه محمول على الزيادة من غير الوارد وقول بعض أئمتنا لم يرد في تلك الأدعية شيء عن السلف بل يأتي بكل مرة يرده أن الأصل الإتيان والتأسي بجميع ما ورد حتى يقوم دليل على خلافه ولم يوجد وكذا في كل محل وردت فيه أذكار متعددة اهـ. فإن علم أنه لا يمكنه الجمع لا يأت به أو يمكنه البعض فقط مع التعوذ والفاتحة أتى به نص عليه في الأم. قوله: (وللإِمامِ إِذَا أَذِنَ لَهُ
المأمُومُونَ) أي وهم محصورون راضون بالتطويل لم يتعلق بعينهم حق للغير بأن لم يكونوا مملوكين ولا مستأجرين إجارة عين على عمل ناجز ولا نساء متزوجات ولم يطرأ غيرهم وإن قل حضوره ولم يكن المسجد مطروقًا ولو أذن الجمع المحصورون إلَّا واحدًا فينظر فإن كان ملازمًا للحضور فلا ينظر لقوله بل يطول لئلا يفوت ثواب أولئك بقوله وإلا اقتصر رعاية له أفتى به ابن الصلاح واستحسنه من بعده. قوله: (وَحَسُنَ اقْتصارُهُ عَلى وجهتُ) أي لأن الله تعالى أمر نبيه في كتابه أن يقوله وكذا المأموم الذي يسمع قراءة الإمام يقتصر على وجهت وجهي إلخ، ويسْرع فيه حتى يسمع قراءة إمامه.
قوله: (والنَّافِلَةِ) سواء كانت مطلقة أو راتبة وسيأتي في باب التراويح أن ما يفعله الناس من ترك الافتتاح والتسبيحات فيها وغير ذلك من السنن تساهل والصواب ما سبق وسكت المصنف عن الجنازة لأنه لا يسن فيها ولو
ولو كان مسبوقًا أدرك الإمام في إحدى الركعات أتى به إلا أن يخاف من اشتغاله به فواتَ الفاتحة، فيشتغل بالفاتحة، فإنها آكد، لأنها واجبة، وهذا سُنةٌ.
ولو أدرك المسبوق الإمامَ في غير القيام، إما في الركوع، وإما في السجود، وإما في التشهد، أحرم معه،
ــ
على غائب وقبر على الأوجه، ومحل استحباب الافتتاح ما لم يدرك الإمام في غير القيام ما لم يسلم قبل أن يجلس أو في الاعتدال بل يقول في الأخير سمع الله لمن حمده إلى آخر ما يأتي من ذكر الاعتدال حينئذٍ ولو أدركه في أثناء الفاتحة فأتمها الإمام أمن المأموم لقراءته ثم افتتح ونفى مالك استحباب الافتتاح من أصله لعدم ذكره في خبر المسيء صلاته ولخبر كان صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين قال في شرح العباب عجيب إذ لا جواب له عن تلك الأحاديث وخبر المسيء صلاته لم يذكر فيه إلّا الفرائض أو النوافل والثاني معناه تفتتحون القراءة بل لو صرح صحابي بنفيه لكان محجوبًا بإثبات غيره اهـ. قوله:(وَلَوْ كَانَ مسبوقًا إلخ) المسبوق هو من لم يدرك مع الإمام زمنًا يسع الفاتحة بالنسبة إلى القراءة المعتدلة لا لقراءة الإمام ولا لقراءة المأموم. قوله: (أَتَى بِه) أي إذا ظن إدراك الفاتحة مع إمامه بأن كان الإمام بطيء القراءة ومدرك سريعها. قوله: (إلا أَنْ يَخافَ) أما بأن جهل حال إمامه أو ظن منه الإسراع وأنه لا يدركها ولو اشتغل به فيشتغل بها لأنها أهم ويشرع فيها ليدركها ثم إذا ركع الإمام قبل إتمام الفاتحة نظر فإن لم يشتغل بافتتاح ولا تعوذ ركع مع الإمام وتمت ركعته وتحمل عنه الفاتحة أو ما بقي منها وإن اشتغل بهما أو بأحدهما أو سكت لزمه أن يقرأ من الفاتحة قدر ذلك في ظنه كما هو ظاهر أو زمن سكوته لتقصيره في الجملة بالعدول عن الفرض إلى غيره وإن كان قد أمر بالافتتاح والتعوذ لظنه إدراك الركوع فركع على خلاف ظنه واختار جمع أنه يركع ويسقط عنه بقية الفاتحة وأطالوا في الاستدلال له وإن كلام الشيخين يقتضيه وعلى الأول متى ركع قبل وفاء ما لزمه بطلت صلاته إن علم وتعمد وإلا
لم يعتد بما فعله ومشى ركع الإمام وهو متخلف لما