الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكانوا - لأجل ذلك - يرون من الضرورة التزلف إلى أولئك العباد المقربين حتى يكون هذا وسيلة لصلاحية القبول في حضرة الملك الحقيقي، وتنال شفاعتهم - في حقهم - عند الجزاء على الأعمال الحساب - الخطوة والقبول لديه - سبحانه -.
ونظراً لهذه الملاحظة والتصور الذي رسخ في نفوسهم حدثتهم أنفسهم بالسجود أمامهم والذبح لهم والحلف بأسمائهم والاستعانة بقدرتهم المطلقة، ونحت صورهم وتماثيلهم من الحجر والصفر والنحاس وغير ذلك. وجعلها قبلة للتوجه إلى أرواحهم، وتدرج الجهلة من هذا الطريق إلى أن بدأوا يعبدون هذه الصور والتماثيل ويعتقدون أنها آلهة بذاتها، ووقع في المعتقدات خلط والتباس وفساد عظيم.
معنى التشبيه وصوره:
والتشبيه عبارة عن إثبات الصفات البشرية (أو أي صفة من صفات المخلوقين) لله - تعالى - فكانوا يقولون مثلا: إن الملائكة بنات الله، وأن يقبل شفاعة عباده ولو لم يرض بها كما يفعل الملوك - أحيانا - مع الامراء الكبار وحكام الولايات، وإنهم - لما لم يستطيعوا إدراك السمع والبصر حسبما يليق بشأن الألوهية - قاسوهما على أسماعهم
وأبصارهم، ووقعوا في التجسيم ونسبة التحيز إلى الله - سبحانه -.
منشأ التحريف ومظاهره:
أما التحريف فإن قصته هي أن أولاد سيدنا إسماعيل عليه السلام كانوا على شريعة جدهم - إبراهيم عليه السلام حتى وجد فيهم "عمرو بن لحى" - لعنه الله - ووضع لهم الأصنام وشرع لهم عبادتها، واختراع طقوس البحيرة والسائبة والحام، والاستقسام بالأزلام وأمثال هذه من الطقوس والبدع، وقد كان ذلك قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بقرابة ثلاثمائة سنة.
وكان هؤلاء الجهلة يستدلون بآثار آبائهم، ويرونها عندهم حجة قاطعة.
وأما أحوال البعث والحشر والنشر فإن الأنبياء السابقين وإن تعرضوا لبيانها فإنهم لم يبينوها أو لم تتضمن صحفهم بيانها بذلك التفصيل والإسهاب الذي نجده في القرآن الكريم، ولذلك كان المشركون قليلي الإطلاع على تفاصيلهما، ويستبعدون وقوعهما.
وكانوا بالرغم من اعترافهم بنبوة جدهم سيدنا إبراهيم عليه السلام ونبوة سيدنا إسماعيل عليه السلام -
حتى بنبوة سيدنا موسى عليه السلام أيضا، تحول الصفات البشرية (التي يتسم بها الأنبياء) بينهم وبين رؤية جمالهم الحقيقي، وتحجبهم - لجهلهم وقلة إدراكهم - عن الإطلاع على مكانتهم الحقيقية، وكانوا لعدم تفطنهم وإدراكهم لحقيقة التدبير الإلهي والحكمة الإلهية التي تقتضي بعثة الأنبياء والمرسلين، يستبعدون رسالة الرسل لاعتقادهم أن الرسول ينبغي أن يكون مثل المرسل (وأن يكون بينهما اشتراك في الصفات) ويوردون لأجل ذلك شبهات واهية ركيكة، فيقولون مثلا:
* كيف يكون النبي محتاجاً إلى الطعام والشراب؟
* ولماذا لم يرسل الله ملكاً رسولا؟
* وما هو الغرض في أنه لا يوحى إلى كل شخص على حدته، وهلم جراً؟
وإذا كنت - أيها القاري - تتوقف في التسليم بصحة ما يقال عن عقائد المشركين وأعمالهم، فانظر إلى المخرفين في هذا العصر، لاسيما من يقطنون منهم بأطراف دار الإسلام، ما هي تصوراتهم عن "الولاية"، فرغم أنهم يعترفون بولاية الأولياء المتقدمين، يرون وجود الأولياء في عصرنا هذا من المستحيلات، ويؤمون القبور والعتبات، وقد ابتلوا بأنواع