الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصيد بإتلاف الأموال؛ فإن الأموال عند الجمهور تضمن خطأ ونسيانا. لكن يعارض هذا القياس اشتراط العمد في وجوب الجزاء، فقد أجاب بعضهم عن هذا - أي العمد - إنما اشترط؛ لمكان تعلق العقاب المنصوص عليه في قوله:{ليذوق وبال أمره} [المائدة: 95]. وذلك لا معنى له; لأن الوبال المذوق هو في الغرامة، فسواء قتله مخطئا أو متعمدا قد ذاق الوبال، ولا خلاف أن الناسي غير معاقب. وأكثر ما تلزم هذه الحجة لمن كان من أصله أن الكفارات لا تثبت بالقياس، فإنه لا دليل لمن أثبتها على الناسي إلا القياس" (1).
والراجح هو القول الأول لقوة ما استدلوا به، ولأن الآية نصت على العمد فدل على انتفاء ما سواه، ونحن نعلم أن الشريعة تفرق بين العمد والنسيان والخطأ.
والقياس على ضمان الأموال قياس مع الفارق، كون الأموال حق آدمي لا يقبل التسامح، وقضية الصيد حق لله، فيجري عليه العفو وعدم المؤاخذة.
المسألة الثالثة: هل يتكرر الجزاء بتكرر قتل الصيد
؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يجب عليه جزاء ثان. وهو قول الجمهور (2).
القول الثاني: لا جزاء عليه في الثاني ولو عاد مائة مرة، وإنما يجب الجزاء بالمرة الأولى وهو قول داود بن علي الظاهري، وفي الصحابة قول ابن عباس، وفي التابعين قول مجاهد وشريح والحسن وقتادة والنخعي (3).
(1) بداية المجتهد (2/ 124).
(2)
الحاوي (4/ 285)، المغني (3/ 451).
(3)
الحاوي (4/ 285)، المغني (3/ 451)
القول الثالث: إن كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة، وإلا فلا شيء للثاني، وهو رواية عن أحمد (1).
الأدلة:
استدل أصحاب الأول بما يلي:
1 ـ قوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95]، فأوجب مثل ما قتل فإذا قتل صيدين وجب عليه مثلهما، لأن الجزاء الواحد لا يكون مثلا لهما، والآية اقتضت الجزاء على العائد بعمومها. وذكر العقوبة في الثاني لا يمنع الوجوب.
2 ـ ولأنها نفس مضمونة بالتكفير فوجب أن يكون تكرار القتل موجبًا لتكرار التكفير كنفوس الآدميين.
3 ـ ولأنه غرم مال يجب بالإتلاف فوجب أن يتكرر الغرم فيه بتكرر الفعل منه كأموال الآدميين (2).
4 ـ أنها كفارة عن قتل، فاستوى فيه المبتدئ والعائد، كقتل الآدمي.
قال أحمد: روي عن عمر وغيره، أنهم حكموا في الخطأ، وفي من قتل، ولم يسألوه: هل كان قتل قبل هذا أو لا؟ (3).
(1) المغني (3/ 451).
(2)
الحاوي (4/ 285)، المغني (3/ 451).
(3)
المغني (3/ 451).
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 ـ بقوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء} [المائدة: 95] فعلق وجوب الجزاء على لفظ: "من" والحكم إذا تعلق بلفظ "من" اقتضى مرة واحدة، ولم يتكرر الحكم بتكرار الفعل كقولهم: من دخل داري فله درهم، فإذا دخلها مرة واحدة استحق درهما، ولو عاد في دخولها لم يستحق شيئا، وكما لو قال لنسائه: من خرجت من الدار فهي طالق، فخرجت واحدة منهن طلقت، ولو عادت فخرجت ثانية لم تطلق، كذلك قاتل الصيد إذا قتله مرة لزمه الجزاء ولو عاد لقتله لم يكن يلزمه الجزاء.
2 ـ ولأن الله تعالى قال في سياق الآية: {ومن عاد فينتقم الله منه} [المائدة: 95]، فأخبر بأن حكم العائد الانتقام منه كما أخبر أن حكم المبتدئ الجزاء، فدل على أن لا حكم للعائد غير الانتقام كما أن لا حكم للمبتدئ غير الجزاء (1).
واستدل أصحاب القول الثالث بما يلي:
أنها كفارة تجب بفعل محظور في الإحرام، فيدخل جزاؤها قبل التكفير، كاللبس والطيب (2).
والراجح هو القول الأول لقوة ما استدلوا به، ولأن الجزاء ضمان عن الصيد بالمثل، والمثل لا يتحقق بالجزاء الواحد عن أكثر من صيد.
(1) الحاوي (4/ 285)، المغني (3/ 451).
(2)
المغني (3/ 451).