الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علاقة النذر بكفارة اليمين:
من خلال تقسيم العلماء للنذر وبيان أنواعه تتضح الصور التي تجب فيها كفارة اليمين للخروج من لوازم النذر، وهذه أقسامه:
1.
نذر الطاعة والتّبَرر (النذر المعلق على شرط):
كالتزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها، أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي أن أصوم شهرًا.
فهذا القسم يجب الوفاء به للآيات والأحاديث الواردة في وجوب الوفاء بالنذر (1).
وإن عجز الناذر عن الوفاء بالنذر؛ لكونه لا يطيق الوفاء؛ لكبر، أو لمرض لا يرجى برؤه ونحوه فإن عليه كفارة يمين وتبرأ ذمته بذلك لقول ابن عباس رضي الله عنهما:"من نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين"(2).
2.
نذر اللِّجاج والغضب:
نذر اللّجاج والغضب، وله صور، منها (3):
أ) تعليق نذره بشرطٍ يقصد المنع منه:
مثل: أن يقول: إن فعلت كذا فللَّه علي نذر أن أصوم سنة، وغرضه أن يمنع نفسه من ذلك؛ لأنه إذا تذكر صيام السنة امتنع.
(1) حاشية ابن عابدين (3/ 738).
(2)
أخرجه أبو داود (3322)، وابن ماجة (2128)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5862).
(3)
الشرح الكبير للدردير (2/ 161)، حاشية الصاوي (2/ 250)، الحاوي للماوردي (10/ 362)، البيان للعمراني (4/ 475)، العدة شرح العمدة (ص 510)، الروض المربع (ص 701).
أو يقول إنسان لمن يمتنع بيمينه - كابنه مثلاً -: إن فعلت كذا فلله علي نذرٌ أن أصوم سنة، فهذا - أيضاً - يسمى نذر اللجاج والغضب، فقصده بذلك المنع.
ب) حمل نفسه على فعل:
مثل أن يقول: إن لم أفعل كذا فعلي نذر أن أوقف أملاكي، أو نقودي هبة، والمقصود حمل نفسه على الفعل.
ج) لتصديق حديثه وخبره:
مثل: إذا حدث بحديث فقيل له: هذا ليس بصحيح، فقال: لله علي نذر إن كان كذباً أن أصوم سنة.
د) تكذيب الخبر:
مثل: أن يحدثه شخص بشيء، فيقول: أنت كذاب، إن كان ما تقوله صدقاً أموالي كلها صدقة، فالمقصود التكذيب.
وحكم هذا النذر: أن الناذر مخيّر بين فعل مقتضى النذر، أو كفّارة يمينٍ (1).
لحديث: (لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين)(2)، أما من جهة التعليل فيقال: إن هذا بمعنى اليمين؛ لأنه لم يقصد بهذا النذر إلا المنع، أو الحمل، أو التصديق، أو التكذيب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) (3)(4).
(1) حاشية الطحطاوي (ص 695)،
(2)
أخرجه النسائي (3842)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (6311).
(3)
أخرجه البخاري (1).
(4)
الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (15/ 211 - 212).
3.
النذر المطلق:
وصورته أن يقول الإنسان: لله علي نذر - فقط - ولم يعين شيئاً محددًا (1).
فحكمه: كفارة يمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: (كفارة النذر إذا لم يُسمَّ كفارة يمين)(2)(3).
4.
النذر المباح:
كقوله: لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب سيارتي (4):
وهذا النوع من النذر اختلف العلماء في الوفاء به على قولين:
القول الأول: يرى الحنفية والحنابلة أنه مخير بين فعله وكفارة يمين (5) لما روى أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك)(6).
القول الثاني: ذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا ينعقد نذره، وبناء عليه يباح الوفاء به وتركه وليس على من تركه كفارة (7) لحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأى
(1) الاختيار لتعليل المختار (4/ 77)، الروض المربع (ص 701).
(2)
أخرجه الترمذي (1528)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(3)
حاشية ابن عابدين (3/ 742).
(4)
التاج والإكليل لمختصر خليل (4/ 494)، المجموع (8/ 455)، روضة الطالبين (3/ 303)، الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 212)، الشرح الكبير على متن المقنع (11/ 334).
(5)
الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 213)، المبدع في شرح المقنع (8/ 123)، الشرح الكبير على متن المقنع (11/ 334).
(6)
أخرجه أبو داود (3312)، وأحمد (23011).
(7)
الذخيرة (3/ 92)، مغني المحتاج (6/ 235)، المجموع (8/ 455)
رجلا يهادى بين ابنين له، فقال:(ما هذا؟ ) فقالوا: يا رسول الله، نذر أن يحج ماشيا، فقال:(إن الله لغني عن تعذيبه نفسه، فليركب)(1). ولم يأمر بكفارة.
الراجح:
هو عدم انعقاد النذر، لأن النذر عبادة ولا يقع إلا على عبادة وطاعة لله، وأما قوله صلى الله عليه وسلم لمن نذرت
أن تضرب بالدف، فإنه ينصرف إلى السماح لها وعدم ممانعته لذلك.
5.
نذر المكروه:
كنذر الطلاق ونحو ذلك، وحكم هذا النذر أنه يستحب أن يكفر كفارة يمين ليخرج من عهدة النذر ولا يفعله فإن فعله فلا كفارة عليه؛ لأنه وفى بنذره (2).
6.
نذر المعصية:
كشرب الخمر وأكل الحرام ونحوه وحكم هذا أنه لا يجوز الوفاء به بإجماع العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه)(3).
ولكن اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة عليه:
فقال بوجوبها الثوري وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وبعض الشافعية؛
(1) أخرجه أحمد (13866).
(2)
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 242). يقول ابن تيمية: "من نذر أن يطلق لم يلزمه طلاق بلا نزاع؛ ولكن في لزومه الكفارة له قولان: أحدهما: يلزمه، وهو المنصوص عن أحمد بن حنبل، وهو المحكي عن أبي حنيفة: إما مطلقا. وإما إذا قصد به اليمين. والثاني: لا. وهو قول طائفة من الخراسانيين من أصحاب الشافعي كالقفال، والبغوي، وغيرهما. فمن جعل هذا نذرًا، ولم يوجب الكفارة في نذر الطلاق: يفتى بأنه لا شيء عليه. ومن قال: عليه كفارة لزمه على قوله كفارة يمين .. ".
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (1727)، وأحمد (25738).
وهو مروي عن ابن مسعود وابن عباس وجابر وعمران بن حصين؛ وسمرة بن جندب (1).
ويرى مالك والشافعي؛ وأحمد في رواية أنه لا كفارة عليه (2) لحديث: (من نذر أن يعصى الله فلا يعصه) ولم يأمره بالكفارة.
والراجح أن عليه كفارة يمين لقوله عليه السلام: (لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين)(3).
(1) المغني (5/ 82)، العناية شرح الهداية (2/ 381)، تحفة الفقهاء (2/ 339)، المغني (10/ 5).
(2)
الحاوي (15/ 465)، المهذب للشيرازي (1/ 441)، المغني (10/ 5)،
(3)
أخرجه أبو داود (3290)، والترمذي (1524)، والنسائي (3834)، وابن ماجة (2125).