الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
تعدد الكفارة بتعدد القتلى
تعدد الكفّارة بتعدد القتلى والقاتل واحد، له حالتان:
1 ـ أن يحصل القتل الثاني بعد التكفير من الجناية الأولى:
ففي هذه الحالة يجب كفارة ثانية عن الجناية الثانية لأن الأولى متعلقة بالجناية السابقة، بناء على نظرية العود التي تقتضي معاقبة الجاني كلما عاد إلى نفس الجناية، والجاني قد أنذر بالعقاب السابق فلما لم يردعه ذلك وعاد للفعل كان مستحقاً للعقاب مرة ثانية، والقاتل المخطئ إذا كفر عن قتله الخطأ كان المفروض أن يأخذ حذره، ويضاعف انتباهه، حتى لا يتكرر منه الخطأ، فإذا تكرر وجب تكرار الكفارة (1).
2 ـ أن يحصل القتل الثاني قبل أن يكفر من الجناية الأولى:
ذهب الشّافعيّة في الصّحيح عندهم والحنابلة إلى أنّ الكفّارة تتعدّد بتعدد المقتولين ، قال الشّافعيّة: لو اصطدمت حاملان وأسقطتا جنينيهما وماتتا فعلى كلٍّ منهما في تركتها أربع كفّاراتٍ على الصّحيح بناءً على أنّ الكفّارة تجب على قاتل نفسه ، وأنّها لا تتجزّأ ، فتجب على كلّ واحدةٍ منهما كفّارة لنفسها وثانية لجنينها وثالثة لصاحبتها ورابعة لجنينها لأنّهما اشتركتا في إهلاك أربعة أنفسٍ ، ومقابل الصّحيح: تجب كفّارتان (2).
(1) التشريع الجنائي د. عبد القادر عودة (1/ 93، 747)، (2/ 443)، تعدد الكفارة مع تعدد المقتول (ص 410).
(2)
فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (2/ 181).
يقول الكاساني: "الكفارتان الواجبتان لا يخلو (إما) إن وجبتا بسببين من جنسين مختلفين وإما إن وجبتا بسببين من جنس واحد؛ (فإن) وجبتا بسببين من جنسين مختلفين كالقتل والظهار فأعتق رقبة واحدة ينوي عنهما جميعا لا يجوز عن إحداهما بلا خلاف بين أصحابنا، وعند الشافعي رحمه الله يجوز، (وإن) وجبتا بسببين من جنس واحد كظهارين أو قتلين يجوز عن إحداهما عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله استحسانا، وهو قول الشافعي رحمه الله، والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر رحمه الله، وهذا الاختلاف مبني على أن نية التعيين والتوزيع هل تقع معتبرة أم تقع لغوا، فعند أصحابنا معتبرة في الجنسين المختلفين، وعند الشافعي رحمه الله لغو فيهما جميعا، (وأما) في الجنس الواحد فهي لغو عند أصحابنا الثلاثة رضي الله عنهم وعند زفر معتبرة قياسا"(1).
وفي المغني لابن قدامة وهو يتحدث عن تعدد كفارة اليمين: "قال أبو بكر: ما نقله المروذي عن أحمد قول لأبي عبد الله، ومذهبه أن كفارة واحدة تجزئه.
وهو قول إسحاق؛ لأنها كفارات من جنس، فتداخلت، كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها، بأن يسرق من جماعة، أو يزني بنساء
…
وفارق الحدود؛ فإنها وجبت للزجر، وتندرئ بالشبهات، بخلاف مسألتنا، ولأن الحدود عقوبة بدنية، فالموالاة بينها ربما أفضت إلى التلف، فاجتزئ بأحدها .. " (2).
(1) بدائع الصنائع (5/ 99).
(2)
المغني (9/ 515).
فتحصل مما سبق أن الفقهاء على قولين:
القول الأول: أن الواجب كفارات متعددة على عدد المقتولين، اعتباراً بالجناية وأن كل جناية فيها عقوبة خاصة (1).
القول الثاني: أن الواجب كفارة واحدة، اعتباراً بتداخل العقوبات إذا كانت من جنس واحد، وأن المقصود من العقوبة الزجر، والردع، وتحصل بواحدة، ولأن الكفارة من حقوق الشارع وهي مبنية على المسامحة، بخلاف الديات فهي حقوق للمخلوق فتجب على كل نفس (2).
والذي يبدو لي هو التفريق بين أمرين:
الأول: إذا كانت الجناية بعمل واحد خطأ كحوادث السيارات في واقعة معينة فإن الواجب كفارة واحدة، لأن الجناية واحدة.
الثاني: إذا كانت الجناية بفعلين مختلفين فالواجب في كل جناية كفارة، لتعدد الجناية. والله أعلم.
(1) مغني المحتاج (4/ 91)، حاشية الباجوري على ابن قاسم (2/ 143، 66)، المغني لابن قدامة (7/ 358).
(2)
المغني لابن قدامة (7/ 358).