الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأصل في تقدير الحاجة الفعلية للفرد في اليوم مراعاة الظروف الاجتماعية والفردية لكل شخص بحسبه، ويمكن لمتولي الصرف أن يتحرى لمعرفة ما يسد تلك الحاجة وينبغي في مثل هذه الأمور الاستعانة بأهل الخبرة الموثوق بهم شرعاً.
العدد المعتبر في الإطعام:
اتفق العلماء على أن من أطعم عدد عشرة مساكين فقد أجزأه، وقام بالمطلوب منه شرعاً.
واختلفوا في اشتراط العدد عشرة، ويتفرع عن هذه المسألة مسألتان:
المسألة الأولى: هل يجزئ إطعام مسكين واحد في عشرة أيام متفرقة؟
المسألة الثانية: هل يجزئ إطعام مسكين واحد في يوم واحد دفعة ما يكفي عشرة مساكين؟
المسألة الأولى: هل يجزئ إطعام مسكين واحد في عشرة أيام متفرقة؟
القول الأول: لا يجزيه إلا أن يطعم عشرة مساكين، وهو قول مالك والشافعي وأحمد (1).
القول الثاني: إن أطعم مسكينا واحدا عشرة أيام أجزأه، وهو قول أبي حنيفة (2)، ورواية عن أحمد حكاها عنه أبو الخطاب (3)، وهو مذهب الحنابلة عند عدم توفر العدد المذكور (4).
(1) الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 453)، بداية المجتهد (2/ 181)، مختصر المزني (8/ 399)، المغني لابن قدامة (9/ 538، 543).
(2)
تحفة الفقهاء (2/ 241)، بدائع الصنائع (5/ 104) ،
(3)
المغني لابن قدامة (9/ 543).
(4)
المغني لابن قدامة (9/ 543)، عمدة الفقه (125).
والسبب في اختلافهم هل الكفارة حق واجب للعدد المذكور، أو حق واجب على المكفر فقدر بالعدد المذكور؟ فإن قلنا: إنه حق واجب للعدد كالوصية; فلا بد من اشتراط العدد. وإن قلنا: حق واجب على المكفر لكنه قدر بالعدد أجزأ من ذلك إطعام مسكين واحد على عدد المذكورين، والمسألة محتملة (1).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول:
بظاهر النص الذي حدد العدد المطلوب إطعامه، وهو عشرة مساكين، فالله أمر بفعل الإطعام المتعدي إلى المطعوم وقرنه بعدد فلم يجز الاقتصار على بعض العدد كما لم يجز الاقتصار على بعض الطعام (2).
واستدل أصحاب القول الثاني:
بأن النص ورد بإطعام عشرة مساكين، وهذا يشمل إطعام عشرة مساكين، ويشمل إطعام ما يكفي عشرة مساكين سواء أطعم عشرة مساكين أو لا، فإذا أطعم مسكينًا واحدًا عشرة أيام قدر ما يكفي عشرة مساكين فقد وجد إطعام عشرة مساكين فخرج عن العهدة، باعتبار أن صفة المسكين في الواحد موجودة في كل يوم على حدة، لأن الإطعام لدفع الجوعة وسد المسكنة، وله كل يوم جوعة ومسكنة على حدة؛ لأن الجوع يتجدد، والمسكنة تحدث في كل يوم، ودفع عشر جوعات عن مسكين واحد
(1) بداية المجتهد (2/ 181).
(2)
الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 453)، بداية المجتهد (2/ 181)، مختصر المزني (8/ 399)، الحاوي للماوردي (10/ 513)، المغني لابن قدامة (9/ 538، 543).
في عشرة أيام في معنى دفع عشر جوعات عن عشرة مساكين في يوم واحد أو في عشرة أيام، فكان هذا إطعام عشرة مساكين معنى فيجوز (1).
المسألة الثانية: هل يجزئ إطعام مسكين واحد في يوم واحد دفعة؟
العلماء الذي منعوا إطعام مسكين واحد في أيام متفرقة يمنعون إطعام مسكين واحد في يوم واحد دفعة واحدة من باب أولى.
والمجيزون اختلفوا في ذلك:
فمنهم من منع إطعام مسكين واحد طعام عشرة في يوم واحد وهو المشهور في مذهب أبي حنيفة؛ لأن الله تعالى أمر بسد جوعة عشرة مساكين جملة أو متفرقا على الأيام ولم يوجد.
والأصل في الطعام هو طعام الإباحة إذ هو المتعارف في اللغة وهو التغدية والتعشية لدفع الجوع وإزالة المسكنة وفي الحاصل دفع عشر جوعات وهذا في واحد في حق مسكين واحد لا يكون فلا بد من تفريق الدفع على الأيام (2).
ومنهم من أجازه (3)؛ لأنه دفع ما يتحقق به الإطعام لعشرة أو لواحد في عشرة أيام متفرقة، إذ لا فرق، ولا دليل على وجوب تعدد الأيام.
وأجاز البعض دفع الطعام لمسكين واحد في يوم واحد بشرط أن يكون على دفعات متفرقة في أوقات مختلفة؛ لأن الحاجة إلى التمليك تتجدد في يوم واحد (4).
(1) بدائع الصنائع (5/ 104 - 105)، المبسوط (7/ 17)، تحفة الفقهاء (2/ 341)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 166).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (5/ 105)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 166)، بداية المبتدي (ص 82).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 105).
(4)
العناية شرح الهداية (4/ 272).
ومسألة العدد في المسألتين السابقتين محتملة لمختلف الأقوال، باعتبار النظرين الظاهري والمقاصدي المصلحي، ويمكن التعليق على الاختلاف السابق بما يلي:
1 ـ العدد الذي يحصل به المقصود هو المذكور في القرآن الكريم وهو عشرة مساكين لتعميم سد الحاجة على العدد
المذكور، ولا يجوز العدول عن هذا العدد إلا لعذر أو غرض شرعي.
2 ـ إذا لم يوجد العدد المعتبر جاز إطعام العدد المتوفر، فإن كانوا خمسة أطعمهم يومين، أو أطعم كل مسكين طعام اثنين.
3 ـ إذا لم يوجد إلا مسكين واحد جاز إطعامه عشرة أيام، فإن شق ذلك جاز إطعامه طعام عشرة مساكين دفعة واحدة.
4 ـ يجوز دفع الطعام لأسرة محتاجة إذا كانت أشد حاجة من غيرها، ولو كان العدد أقل من عشرة.
قال ابن قدامة: "وقال أبو عبيد: إن خص بها أهل بيت شديدي الحاجة، جاز، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمجامع في رمضان، حين أخبره بشدة حاجته وحاجة أهله: (أطعمه عيالك) ولأنه دفع حق الله - تعالى - إلى من هو من أهل الاستحقاق، فأجزأه، كما لو دفع زكاته إلى واحد"(1).
(1) المغني (9/ 543).