الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة من مشروعيته:
شرع العتق في الإسلام لغايات نبيلة، وحكم بليغة. فمن ذلك: أنه تخليص الآدمي من ضرر الرق، وملك نفسه، وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه حسب إرادته واختياره.
ولقد حرص الإسلام على تحرير العبيد فجعلها كفارة لعدد من المخالفات الشرعية.
إن الفرد -في التصور الإسلامي- كائن كرمه الله وفضله، وأعلى من قيمته، ومنحه الإرادة والاختيار، التي تعتبر من أبرز خصائص هذا التكريم، وجعل يده مبسوطة على العالم وما فيه باستخلافه له، هذا ما يؤكده القرآن الكريم بقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر
…
}
الآية [الإسراء: 70].
والعبودية والاسترقاق تنافي من حيث الأصل مبدأ التكريم الذي منحه الله الإنسان، بسلب الحرية التي تعد أهم قيمة يتصف بها الإنسان ..
صفة الرقبة التي تجزئ في العتق:
اتفق الفقهاء على أن عتق الرقبة من الخصال التي تجزئ في كفارة اليمين على التخيير بينها وبين الإطعام والكسوة، واختلفوا في شرط الإيمان، هل يجب أن تكون الرقبة مؤمنة؟ على قولين:
القول الأول: أن الإيمان في الرقبة شرط لصحة العتق، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة (1).
(1) الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 453)، البيان للعمراني (10/ 589)، المبدع في شرح المقنع (7/ 22).
القول الثاني: أن الإيمان ليس شرطاً، ويجزئ إعتاق أي رقبة غير مؤمنة، وهو مذهب الحنفية، وابن حزم، ورواية لأحمد في الذمية خاصة (1).
وسبب اختلافهم هو: هل يحمل المطلق على المقيد في الأشياء التي تتفق في الأحكام وتختلف في الأسباب، كحكم حال هذه الكفارات مع كفارة الظهار؟ فمن قال: يحمل المطلق على المقيد في ذلك قال باشتراط الإيمان في ذلك، حملا على اشتراط ذلك في كفارة الظهار في قوله تعالى:{فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: 92]، ومن قال: لا يحمل وجب عنده أن يبقى موجب اللفظ على إطلاقه (2).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 ـ القياس على كفارة القتل، والجامع بينهما، أن الإعتاق يتضمن تفريغ العبد المسلم لعبادة ربه، وتكميل أحكامه وعبادته وجهاده، ومعونة المسلم، فناسب ذلك شرع إعتاقه في الكفارة، تحصيلا لهذه المصالح، والحكم مقرون بها في كفارة القتل المنصوص على الإيمان فيها، فيعلل بها، ويتعدى ذلك الحكم إلى كل تحرير في كفارة، فيختص بالمؤمنة، لاختصاصها بهذه الحكمة.
2 ـ حمل المطلق في كفارة اليمين {أو تحرير رقبة} على المقيد في كفارة القتل: {فتحرير رقبة مؤمنة} . كما قيد الشهادة بالعدالة كقوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وأطلقها في قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
(1) المحلى (6/ 338)،
(2)
بداية المجتهد (2/ 181).
رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] فحمل منه المطلق على المقيد في اشتراط العدالة كذلك الكفارة (1).
واستدل أصحاب القول الثاني:
بأن الله تعالى أطلق الرقبة في هذه الكفارة، فوجب أن تجزئ ما تناوله الإطلاق.
الراجح:
الذي يبدو لي أن الإطلاق في عتق الرقبة هو المراد في تحقيق مقتضى الكفارة، فيجوز عتق غير المسلم مراعاة لظاهر النص وعدم وجود التقييد، وتيسيراً على المُعْتِق، وإن كان الأولى عتق رقبة مؤمنة.
وأما حمل المطلق على المقيد، فهذه قاعدة لها صور وأحوال متعددة، بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه، والصورة التي نحن بصددها هي حمل المطلق على المقيد فيما إذا اتحد الحكم، واختلف السبب، والذي يبدو لي أن حمل المطلق على المقيد لا يكون إلا في حال اتفاق الحكم واتفاق السبب، أما إذا اختلف السبب فإن المطلق يبقى على إطلاقه، والمقيد يبقى في محله الوارد فيه فقط، لأن اختلاف الأسباب يؤثر في الأحكام، أو في قوتها، ومراتبها، فشأن القتل أعظم من شأن اليمين فكان التشديد فيه أنسب، بخلاف اليمين.
ثم بعض الذين حملوا المطلق على المقيد في العتق لم يحملوا المطلق على المقيد في اشتراط التتابع في الصيام.
(1) الحاوي الكبير (10/ 462)، المغني (9/ 547).
وإذا نظرنا إلى أسباب الكفارة في الآيات الثلاث وجدناها مختلفة؛ فالسبب في الآية الأولى الظهار، وفي الآية الثانية الحنث باليمين، وفي الآية الثالثة قتل المؤمن خطأً، وإذا نظرنا إلى الحكم وجدناه واحدًا وهو عتق الرقبة، لكنه في الظهار وفي اليمين مطلق، وفي القتل مقيد، فهل يحمل مطلق في هذه الصورة على المقيد، فنوجب في كفارة الظهار واليمين أن تكون الرقبة مؤمنة أيضًا، هذا ما وقع الخلاف فيه بين العلماء.