الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
حكم إخراج القيمة في الكفارات
اختلف الفقهاء في إخراج المال في الكفارات على قولين:
القول الأول: قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة أنه لا يجزئ المال عن الطعام (1).
القول الثاني: وهو مذهب الحنفية وقول الأوزاعي: أنه يجزئ إخراج المال في الكفارات (2).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 -
قول الله تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89]، وهذا ظاهر في عين الطعام والكسوة ، فلا يحصل التكفير بغيره لأنه لم يؤد الواجب إذ لم يؤد ما أمره الله بأدائه.
2 -
ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء، ولو جازت القيمة لم ينحصر التخيير في الثلاثة.
3 -
ولأنه لو أريدت القيمة لم يكن للتخيير معنى; لأن قيمة الطعام إن ساوت
(1) مواهب الجليل (3/ 272)، المغني (9/ 542)
(2)
المبسوط (2/ 156)، بدائع الصنائع (5/ 102)، تحفة الفقهاء (2/ 341)، المغني (9/ 542).
قيمة الكسوة فهما شيء واحد، فكيف يخير بينهما؟ وإن زادت قيمة أحدهما على الآخر فكيف يخير بين شيء وبعضه؟
4 -
ثم ينبغي أنه إذا أعطاه في الكسوة ما يساوي إطعامه أن يجزئه، وهو خلاف الآية. وكذلك لو غلت قيمة الطعام، فصار نصف المد يساوي كسوة المسكين ، ينبغي أن يجزئه نصف المد، وهو خلاف الآية.
5 -
ولأنه أحد ما يكفَّرُ به، فلا تجزئ فيه القيمة كالعتق. فعلى هذا لو أعطاهم أضعاف قيمة الطعام لا يجزئه؛ لأنه لم يؤد الواجب فلا يخرج عن عهدته (1).
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 ـ إن المقصود دفع حاجة المسكين، وهو يحصل بالقيمة.
2 ـ أن تمليك الثمن أقرب إلى قضاء حاجة المسكين من تمليك عين الطعام؛ لأنه به يتوصل إلى ما يختاره من الغذاء الذي اعتاد الاغتذاء به فكان أقرب إلى قضاء حاجته فكان أولى بالجواز.
3 ـ أن الكفارة جعلت حقا للمسكين، فمتى أخرج من عليه الطعام إلى المستحق بدله وقبله المستحق عن طوع فقد استبدل حقه به فيجب القول بجواز هذا الاستبدال بمنزلة التناول في سائر الحقوق (2).
والراجح أن يقال:
الأصل أن تكون الكفارة طعاماً، أو كسوة حسب ما ورد في ظاهر النص، فإن وجدت مصلحة تقتضي تفضيل القيمة باعتبار حال الشخص المعطى، أو باعتبار البلد بحيث تكون القيمة أنفع للمستحقين فيجوز.
(1) المغني (9/ 542).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 102).
يقول ابن تيمية رحمه الله: "إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك. فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص ومنهم من جعلها على روايتين.
والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين أو عشرين درهمًا ولم يعدل إلى القيمة؛ ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقًا فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة وقد يقع في التقويم ضرر؛ ولأن الزكاة مبناها على المواساة وهذا معتبر في قدر المال وجنسه.
وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به: مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري ثمرًا أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك. ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل وليس عنده من يبيعه شاة فإخراج القيمة هنا كاف ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة، ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها، أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء. كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول لأهل اليمن:"ائتوني بخميص أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار". وهذا قد قيل: إنه قاله في الزكاة، وقيل: في الجزية" (1).
(1) مجموع الفتاوى (25/ 82 - 83).