الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
هل تتعدد الكفارة بتعدد الجماع
لا خلاف بين الفقهاء في أن من تكرر منه الجماع في نهار يوم واحد من رمضان قبل تكفيره، فإن الواجب عليه كفارة واحدة.
كما لا خلاف بينهم في أن من كفر، ثم جامع ثانية في يوم آخر فإن الواجب عليه كفارة ثانية (1).
وإنما الخلاف بينهم في تعدد الكفارة على من جامع في يومين ولم يكفر.
كما اختلفوا في تعدد الكفارة على من جامع ثم كفر، ثم جامع ثانية في نفس اليوم، وإليك ما قاله الفقهاء في ذلك:
المسألة الأولى: تعدد الكفارة على من جامع في يومين ولم يكفر:
إذا جامع في يومين من رمضان ولم يكفر، فقد اختلف الفقهاء فيما يلزمه بذلك على قولين:
القول الأول: تلزمه كفارتان، وإليه ذهب المالكية، والشافعية، وأحمد في أصح الروايتين عنه، وهو قول الليث، وروي ذلك عن عطاء ومكحول (2).
(1) بداية المجتهد (2/ 168)، الحاوي للماوردي (3/ 427 - 428)،
(2)
مواهب الجليل (2/ 346)، القوانين الفقهية (ص 84)، الحاوي للماوردي (3/ 427 - 428)، المجموع (6/ 333، 337)، والمغني (3/ 144).
القول الثاني: تجزئه كفارة واحدة، وإليه ذهب الحنفية، وبه قال الزهري والأوزاعي، وهو ظاهر إطلاق الخرقي، واختيار أبي بكر من الحنابلة (1).
والسبب في اختلافهم:
تشبيه الكفارات بالحدود، فمن شبهها بالحدود قال: كفارة واحدة تجزئ في ذلك عن أفعال كثيرة، كما يلزم الزاني جلد واحد، وإن زنى ألف مرة إذا لم يحد لواحد منها.
ومن لم يشبهها بالحدود جعل لكل واحد من الأيام حكمًا منفردًا بنفسه في هتك الصوم فيه أوجب في كل يوم كفارة.
قالوا: والفرق بينهما أن الكفارة فيها نوع من القربة، والحدود زجر محض (2).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1 ـ بأن صوم كل يوم عبادة منفردة، فإذا وجبت الكفارة بإفساده، لم تتداخل كفاراتها، كرمضانين، وكالحجتين، وكالعمرتين (3).
2 ـ أن سبب الكفارة هو الجماع، وقد تكرر فيجب أن تتكرر الكفارة، والحكم يتكرر بتكرر سببه وهو الأصل إلا في موضع فيه ضرورة كما في العقوبات البدنية وهي الحدود لما في التكرر من خوف الهلاك ولم يوجد ههنا فيتكرر الوجوب ولهذا تكرر في سائر الكفارات وهي كفارة القتل، واليمين، والظهار (4).
(1) بدائع الصنائع (2/ 101 - 102)، المغني (3/ 144)
(2)
بداية المجتهد (2/ 168).
(3)
المغني (3/ 144).
(4)
بدائع الصنائع (2/ 101 - 102)
3 ـ ولأن لكل يوم من الشهر حرمة يتميز بها عن الآخر لما يلزمه من تجديد النية، ولا يتعدى فساد اليوم، إلى غيره فوجب أن يلزمه بهتك حرمة يوم كفارة مجددة (1).
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 ـ حديث الأعرابي أنه لما قال: واقعت امرأتي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعتاق رقبة واحدة (2) بقوله: (أعتق رقبة) وإن كان قوله واقعت يحتمل المرة والتكرار ولم يستفسر فدل أن الحكم لا يختلف بالمرة والتكرار.
2 ـ ولأن معنى الزجر لازم في هذه الكفارة بدليل اختصاص وجوبها بالعمد المخصوص في الجناية الخالصة الخالية عن الشبهة بخلاف سائر الكفارات، والزجر يحصل بكفارة واحدة بخلاف ما إذا جامع فكفر ثم جامع لأنه لما جامع بعد ما كفر علم أن الزجر لم يحصل بالأول (3).
3 ـ أن الكفارات جزاء عن جنايات تكرر سببها قبل استيفائها فيجب أن تتداخل كالحد (4).
والراجح هو القول الأول، لقوة ما استدلوا به.
وأما استدلال أصحاب القول الثاني بحديث الأعرابي فالأصل أن الحادثة واحدة، والواقعة غير متكررة، وإلا لبينها الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يتبين الحكم، وإلا لكان السؤال ناقصاً، فإن الجواب يكون على قدر السؤال.
(1) الحاوي للماوردي (3/ 427 - 428).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
بدائع الصنائع (2/ 101 - 102)
(4)
المغني (3/ 144)، الموسوعة الفقهية (35/ 67).
وقولهم: إن الزجر يتحقق بواحدة ليس بلازم، بل إن القول بالكفارة الواحدة يفتح المجال للتساهل، وانتهاك حرمة الصيام في نهار رمضان أكثر من مرة إذا علم المرء أنه يجب عليه كفارة واحدة ولو تعددت الأيام.
وتفارق الكفارة الحد كون الحد عقوبة محضة، والكفارة تجمع بين التعبد، والزجر، فتتعلق بكل يوم على حده.
وقد يقال: إن تكليف الشخص صيام شهرين متتابعين لعدد من الأيام فيه مشقة غير محتملة.
ونقول: إن الواجب تقرير الحكم من الناحية النظرية، وهو أن كل يوم من رمضان له حرمة، ويترتب على انتهاكه بالجماع في نهاره حقوق، الأول: التوبة والاستغفار، والثاني: الكفارة، والثالث: القضاء.
وأما من الناحية التطبيقية فنرجع إلى مراعاة فقه الاستطاعة المقرر في القرآن الكريم والسنة النبوية، فيقال للشخص: الأصل أن تعتق عن كل يوم رقبة، فإن لم تستطع فعليك صيام شهرين متتابعين عن كل يوم أفطرت فيه، فإن لم تستطع انتقلت إلى الإطعام فتطعم ستين مسكيناً عن كل يوم أفطرته بالجماع، فإن كانت قدرتك أدنى من عدد الأيام التي أفطرت فيها قمت بتكفير ما استطعت، وليس عليك غير ذلك إذ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
المسألة الثانية: تعدد الكفارة على من جامع ثم كفر، ثم جامع ثانية في نفس اليوم:
اختلف العلماء في المسألة على قولين:
القول الأول: لا تلزمه كفارة ثانية وإليه ذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية (1)،
واستدلوا بأن الجماع الثاني لم يصادف صوما منعقدا، ولم يمنع صحته، فلم يوجب شيئا كالجماع في الليل، بخلاف الجماع الأول (2).
القول الثاني: تلزمه كفارة ثانية، نص عليه أحمد (3).
وحجتهم أن الصوم في رمضان عبادة تجب الكفارة بالجماع فيها، فتكررت بتكرر الوطء إذا كان
بعد التكفير كالحج.
وبأنه وطء محرم لحرمة رمضان فأوجب الكفارة كالأول، وفارق الوطء في الليل فإنه غير، محرم.
والراجح هو القول الأول: لأن الجماع وقع في صوم فاسد، ولم يصادف محلاً يوجب الكفارة.
ولأن الكفارة متعلقة باليوم الذي حصل إفساده لا بذات الفعل.
(1) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 240)، الذخيرة (2/ 519)، ومواهب الجليل (2/ 436)، القوانين الفقهية (ص 84)، المجموع (6/ 336، 337).
(2)
الذخيرة (2/ 519)، المجموع (6/ 337، 450)
(3)
المغني (3/ 144).