الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، قيوم السماوات والأرضين .. مدبر الخلائق أجمعين، باعث الرسل إلى المكلفين؛ لهدايتهم وبيان شرائع الدين، بالدلائل القطعية وواضحات البراهين، أحمده على جزيل نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد؛؛؛
فإن المولى عز وجل شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة كما قال -جلّ وعلا -:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3)} (1)
أرسل إلينا الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم فما من خير إلا دل الأمة عليه، وما من شر إلا حذر الأمة منه، ومن جملة ذلك ما جاء به من تكميل الآداب والحث عليها،
(1) المائدة: 3.
قال عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (1) وقد اعتنى علماء الملة بتأليف الكتب التي تُعنى في هذا الباب وأفردوا لها المؤلفات المطولة والمتوسطة والمختصرة، ومن هذه المؤلفات سِفرٌ مبارك، قليل العبارة، جزيل المعاني، جمع كثيراً من مسائل الآداب، وقرن بعضها بالدلائل، ألا وهو كتاب " فصول الآداب " للإمام أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي المتوفى سنة 513هـ، إلا أن هذا الكتاب لم يخدم الخدمة التي تليق بمكانته، مما دعا شيخنا صاحب الفضيلة الشيخ/ عبدالله بن مانع الروقي إلى القيام بشرحه.
وقد تم ذلك في عدة مجالس جلّى فيها فضيلة الشيخ غامضه، وتبحر في دقائق مسائله، يذكر كل مسألة مبيناً فيها أقوال من سبق، فيستدل ويناقش، ويورد ويردُّ، فعرض بعض الطلبة - لما رأوا من جمال هذا الشرح وقوّته العلمية - على الشيخ تفريغ الأشرطة وإخراج هذا الشرح؛ ليستفيد منه طلاب العلم، فوافق الشيخ على ذلك.
(1) أخرجه أحمد 2/ 381 (8939)، و"البُخاري" في "الأدب المفرد"273.
فقام بعض الإخوة بتفريغ الأشرطة المسموعة، وتخريج الأحاديث المذكورة ثم عُرض الكتاب بعد ذلك على فضيلة الشيخ فراجعه مشكوراً مأجوراً، فصحح ما كان فيه من خطأ، وزاد ما كان يحتاج إلى زيادة، حتى خرج لك الكتاب بهذه الحُلّةِ المباركة سائلين المولى عز وجل أن يبارك في جهود الشيخ، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين
…
وكتب
فهد بن الحميدي البراق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمِّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
هَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ فُصُوْلِ الآدَابِ، وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ المَشْرُوْعَةِ،
قوله: (هذه نبذة من فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة)
النبذة: هي القطعة اليسيرة، والشيء اليسير.
ثم قال: (من فصول الآداب): والفصول جمع فصل، والآداب جمع أدب، وهو في اللغة: الضرب وحسن التناول.
والأدب: اسم جامع لكل ما يحسن من الأقوال والأفعال، ومن اتصف به سُمي أديباً. ثم قال:(ومكارم الأخلاق): المكارم: جمع مكرمة، وهي فعل الخير، يقول ابن فارس: ومن هذا المعنى (أي تقدير الشيء) الخلق، وهو السّجية لأن صاحبه قد قدر عليه، يقال: فلان خليق بكذا
(أي: قادر عليه وجدير به)، وأخلق بكذا أي ما أخلقه، والمعنى هو ممن يقدّر فيه ذلك، والخلاق: النصيب لأنه قد قدّر لكل أحد نصيبه. (1)
والأخلاق: جمع خلق وهي - بضم اللام وسُكونها -: أي الدِّين، والطَّبْع، والسَّجِيَّة، وحقيقتُه أنه لِصُورة الإنسانِ الباطنة، وهي نفْسُه وأوْصافُها ومَعانِيها المُخْتصَّة بها، بمنزلة الخَلْق لِصُورته الظاهرة وأوْصافِها ومَعانيها، ولهما أوصاف حَسَنة وقَبيحة، والثَّواب والعِقاب ممَّا يَتَعَلَّقان بأوصاف الصُّورة الباطنة، أكثر مما يَتَعَلَّقان بأوصاف الصورة الظاهرة، فالمؤلف يشير إلى أنه ينبه في كتابه على هذه الآداب الكريمة.
وقد روى الإمام أحمد من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (2) وابن عجلان حسن الحديث وأخرج له مسلم مقروناً وأحاديثه مشتهاةٌ وله أوهام في أخبار، وودت لو جمعت أحاديثه أو أوهامه رحمه الله في جزء مفرد، ومن أوهامه:
(1) مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 214.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 31773) وأحمد (رقم: 8939) وابن سعد (1/ 192) وأخرجه الحاكم (رقم: 4221) وقال: صحيح على شرط مسلم. والبيهقي (رقم: 20572). وأخرجه أيضًا: الديلمي (رقم: 2098) بلفظ: «بعثت لأتمم صالح الأخلاق» .
حديث استعينوا بالركب فقد رواه ابن عجلان عن سُمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي صالح عن أبي هريرة كذا أخرجه أحمد (2/ 340) وأبو داود (902) وغيرهم، ورواه ابن عيينة وغيره عن سُمي عن النعمان بن أبي عياش عن النبي مرسلاً، فينبغي الكتابة في هذا الباب.
وفي لفظ لهذا الخبر الذي معنا: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (1) وفي لفظ: «محاسن» (2) ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن وغيرهم، وإسناده صحيح.
ونبينا صلى الله عليه وسلم بعث لتكميل هذه الأخلاق، التي كانت موجودة قبل الإسلام، وكان الناس يفخرون قبل الإسلام بالشجاعة والكرم والعفة والنجدة، ثم جاء الإسلام وهذب منها ما يحتاج إلى تهذيب، وزاد عليها الشيء الكثير، فالحمد لله على أن بعث إلينا نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه البزار (رقم: 8949) والبيهقى (رقم: 20571).
(2)
أخرجه مالك (رقم: 1609) وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 333): هذا الحديث يتصل بطرق صحاح عن أبي هريرة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مِنْ تَأْلِيْفِ الشَّيْخِ الإِمَامِ القُدْوَةِ أَبِي الوَفَاءِ ابْنِ عَقِيْلٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-.
ترجمة الإمام ابن عقيل
هو الإمام الفقيه الحنبلي: أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري المقرئ. ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في جمادى الثانية. (1)
يعد ابن عقيل من أشهر المجتهدين في المذهب الحنبلي، ولما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن معرفة المذهب في مسائل الخلاف ذكر كتاب عمدة الأدلة لابن عقيل ضمن الكتب التي يرجع إليها طالب العلم لمعرفة المذهب. (2)
وقال البعلي: انتهت إليه الرئاسة في الأصول والفروع. (3)
(1) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 142) وسير أعلام النبلاء (19/ 443).
(2)
الإنصاف للمرداوي المقدمة (1/ 18، 23).
(3)
المطلع على أبواب المقنع (444).
وقال ابن بدران عنه: الإمام الأصولي المقرئ الواعظ أحد المجتهدين صاحب المؤلفات. (1)
وقال ابن رجب: وكان ابن عقيل كثير التعظيم للإمام أحمد وأصحابه والرد على مخالفيهم، ومن كلامه في ذلك: ومن عجيب ما نسمع من هؤلاء الأحداث الجهال أنهم يقولون أحمد ليس بفقيه لكنه محدث، وهذا غاية الجهل؛ لأنه قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناءً لا يعرفه أكثرهم، وخرج عنه من دقيق الفقه ما لا تراه لأحد منهم.
وقال أيضاً: وما يقصد هذا إلا مبتدع قد تمزق فؤاده من خمود كلمته وانتشار علم أحمد، حتى إن أكثر العلماء يقولون: أصلي أصلُ أحمد، وفرعي فرع فلان، فحسبك بمن يرضى به في الأصول قدوة .... (2)
وكتب بعضُهم إليه يقول له: صِف لي أصحابَ الإمام أحمد على ما عرفت من الإنصاف.
فكتب إليه يقول: هُم قوْم خُشُنٌ، تقَلّصتْ أخلاقهم عن المخالطة، وغلظت طباعهم عن المداخلة، وغلب عليهم الجدّ، وقلَّ عندهم الهزل،
(1) المدخل لابن بدران (416).
(2)
ذيل الطبقات (1/ 157).
وغربتْ نفوسهم عن ذل المراءاة، وفزعوا عن الآراء إلى الروايات، وتمسكوا بالظاهر تحرّجًا عن التأويل، وغلبت عليهم الأعمال الصالحة، فلم يدققوا في العلوم الغامضة، بل دققوا في الورع، وأخذوا ما ظهر من العلوم، وما وراء ذلك قالوا: الله أعلم بما فيها، من خشية باريها، لم أحفظ على أحد منهم تشبيهًا، إنما غلبت عليهم الشناعة لإيمانهم بظواهر الآي والأخبار، من غير تأويل ولا إنكار، والله يعلم أنني لا أعتقد في الإسلام طائفة محقة، خالية من البدع، سوى من سلك هذا الطريق. والسلام. (1)
وقال ابن رجب: وكان مع ذلك يتكلم كثيراً بلسان الاجتهاد والترجيح واتباع الدليل الذي يظهر له، ويقول الواجب اتباع الدليل لا اتباع أحمد. (2)
شيوخه: نقل عنه ابن رجب الحنبلي أنه كان يقول:
شيخي في القراءة: ابن شيطا.
وفي النحو والأدب: أبو القاسم بن برهان.
وفي الزهد: أبو بكر الدينوري، وأبو بكر بن زيدان، وأبو الحسن القرزويني، وجماعة
…
(1) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 157).
(2)
المصدر السابق.
وفي الحديث: ابن النوري، وأبو بكر بن بران، والعشاري، والجوهري، وغيرهم.
وفي الشعر والترسل: ابن شبل، وابن الفضل.
وفي الفرائض: أبو الفضل الهمداني.
وفي الوعظ: أبو طاهر بن العلاف.
وفي الأصول: أبو الوليد، وأبو القاسم بن تيان.
وفي الفقه: القاضي أبو يعلى، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وأبو نصر بن الصباغ.
إلى أن قال: ومن مشايخي أبو محمد التميمي، وأبو بكر الخطيب. وغيرهم كثير من أئمة عصره رحمه الله.
ومن تلاميذه:
- عمر بن ظفر بن حفص المغازلي.
- المبارك بن كامل البغدادي، المعروف بابن الخفاف.
- محمد بن نصر بن محمد السلامي، المحدث أبو الفضل.
- صدقة بن الحسن بن الحداد الفقيه المؤرخ الحنبلي.
- سعد الله بن نصر بن سعد المعروف بابن الدجاجي. (1)
(1) ذيل طبقات الحنابلة (1/ 142،143) والذيل لابن رجب الحنبلي (1/ 155، 339).
ومن مصنفاته:
لابن عقيل مصنفات كثيرة في أصول الدين والفقه والفروع والزهد وغير ذلك، فمنها:
- أحاديث سئل عنها فأجاب.
- الإرشاد في أصول الدين.
- الإشارة، وهو اختصار لكتاب الروايتين والوجهين له.
- الانتصار لأهل الحديث.
- التذكرة في أصول الفقه.
- تفضيل العبادات على نعيم الجنات.
- تهذيب النفس.
- الجدل في الفقه
- جزء في الأصول.
- المناظرات.
- المنثور.
- نفي التشبيه.
- الواضح في أصول الفقه. (1) وغيرهم كثير.
(1) انظر: الذيل على الطبقات لابن رجب (1/ 156) والمطلع على المقنع للبعلي (445) ومقدمة د/سليمان العمير في كتاب الأصول لابن عقيل (23).
وكان رحمه الله من أفاضل العلماء في أوانه، ومن أذكياء بني آدم في زمانه، مفرط الذكاء، زاهداً ورعاً متعبداً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، متسع الدائرة في العلوم، وكان خبيرًا بالكلام، مطلعًا على مذاهب المتكلمين، وله بعد ذلك في ذم الكلام وأهله الشيء الكثير، بارعًا في الفقه وأصوله، وله في ذلك استنباطات عظيمة حسنة، وتحريرات كثيرة مستحسنة، ودرَّسَ وناظر الفحول، وكان دائم التشاغل بالعلم والعمل به، فرحمه الله رحمة الأبرار، العلماء العاملين الأخيار، وعفا عنه بمنه وكرمه.
وتوفي ابن عقيل رحمه الله في بغداد سنة 513هـ، في الثاني عشر من جمادى الأولى. (1)
-
(1) الذيل لابن رجب (1/ 162).