الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
ويُسْتَحَبُّ تَحْوِيْلُ غَسْلِ اليَدِ مِنَ الزُّهَامِ
، وَعِنْدَ النَّوْمِ أَشَدُّ اِسْتِحْبَابًا، فَقَدْ وَرَدَ التَّحْذِيْرُ مِنْهُ مِنْ أَجْلِ الهَوَامِّ.
وَيُكْرَهُ لِمَنْ أَرَادَ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ، وَالاعتِكَافِ، أَنْ يَتَعَرَّضَ لِأَكْلِ الخَبَائِثِ مِنَ البُقُوْلِ، كَالبَصَلِ، وَالثُّوْمِ، وَالكُرَّاثِ، فَقَدْ نَهَى النَبَيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قُرْبَانِ الْمَسْجِدِ مَعَهُ.
وَيُسْتَحَبُّ الإِجَابَةُ إِلَى وَلِيْمَةِ العُرْسِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَجِيْبَ إِلَى وَلِيْمَةِ الخِتَانِ؛ فَإِنَّهَا مُحْدَثَةٌ.
وَإِذَا حَضَرَ وَلَيْمَةَ العُرْسِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الأَكْلُ، بَلْ إِنْ أَكَلَ وَإِلَّا دَعَا وَانْصَرَفَ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الإِجَابَةُ إِلَيْهَا؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيْهَا لَعِبٌ وَلَا مُنْكَرٌ وَلَا لَهْوٌ، فَإِنْ كَانَ فِيْهَا مُحَرَّمٌ حَرُمَتِ الإِجَابَةُ، وَإِنْ كَانَ فِيْهَا مَكْرُوْهٌ كُرِهَتِ الإِجَابَةُ.
وَيُكْرَهُ لِأَهْلِ المُرُوْءَاتِ وَالفَضَائِلِ التَسَرُّعُ إِلَى إِجَابَةِ الطَّعَامِ، وَالتَسَامُحُ، وَحُضُوْرُ الوَلَائِمِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ يُوْرِثُ دَنَاءَةً وَإِسْقَاطَ الهَيْبَةِ مِنْ صُدُوْرِ النَّاسِ.
وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ عِيَادَةُ أَخِيْهِ المُسْلِمِ، وَحُضُوْرُ جَنَازَتِهِ إِذَا مَاتَ، وَتَعْزِيَةُ أَهْلِهِ.
وَلَا بَأْسَ بِعِيَادَةِ الذِّمِّيِّ، فَقَدْ عَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَهُوْدِيًّا، وَقَالَ:((كَيْفَ تَجِدُكَ يَا يَهُوْدِي)).
قوله: (فصل ويستحب غسل اليد ..... من أجل الهوام)
فغسل اليد بعد الطعام لا شك في مشروعيته؛ كأن يكون في هذا الطعام زهومة سواء نام أو لم ينم، وعند النوم أشد، لحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بات وفي يده غَمَر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه» (1)
(1) أخرجه أحمد (رقم: 7559 و 10953) والترمذي (رقم: 1860) والحاكم (رقم: 7197) وأخرجه: ابن أبي شيبة (رقم: 26742) وأبو داود (رقم: 3854) والبخاري في الأدب المفرد (رقم: 1220) وابن ماجه (رقم: 3297) والدارمي (رقم: 2115) وابن حبان (رقم: 5521) والبيهقي (رقم: 15002) من طريق: سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة:«من نام وفي يده غمر لم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه»
وأخرجه: أحمد (رقم: 8512) والنسائي (رقم: 6905) والبيهقي (رقم: 15001) من طريق: وهيب عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه. ==
== والحديث له طريق ثانٍ ضعيف عن ابن أبي ذئب، عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد جاء الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعاً به، عند النسائي (رقم: 6907) والطبراني في الأوسط (رقم: 5441) وفي الصغير (رقم: 816) والخطيب (4/ 339).
وهذا الحديث في إسناده اختلاف كثير واضطراب، وقد ذكره ابن أبي حاتم في العلل (1) ، والدارقطني في علله (2) ، وأعرض عنه صاحبا الصحيح، وقد أومأ أبو حاتم إلى أنه موقوف، وجاء أيضاً في معنى هذا الحديث أخبار، وهو يدل على التحذير من كون الإنسان ينام وفي يده دسومة طعام.
الغمر -ضُبط بالتسكين وبالفتح- هي زهومة اللحم. (3)
والإنسان قد ينام ويكون في يده من بقايا الأكل، فربما أتت دابة وحسبت أن هذا طعاماً أو لحماً فنهشته، فأصابه إما مرض، أو سمّته فمات، أو ما أشبه ذلك، وفي بعض ألفاظ الحديث:«فأصابه وَضَح» (4)
(1) قال ابن أبي حاتم: قال أبي هذا خطأ، في أصل جرير عن أبي صالح، عن أبي هريرة، موقوف، الشيء الذي أوقفه ابن حميد فما بقي مع أن يحيى بن المغيرة أيضا أوقفه. علل الحديث لابن أبي حاتم (رقم: 2202).
(2)
علل الدارقطني - (10/ 202) دار طيبة الرياض ط1.
(3)
فيض القدير للمناوي (1/ 214)(المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط1).
(4)
أخرجه الطبراني (رقم: 5435) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الهيثمي (5/ 30): إسناده حسن.==
== وفيه: مطلب بن شعيب الأزدي أورده ابن عدي الجرجاني في الضعفاء (رقم: 1945 - دار الفكر) وقال: له حديث منكر عن كاتب الليث فيه شئ، وسائر أحاديثه عن أبي صالح مستقيمة. وقال الحافظ في اللسان (9/ 51): وقد أكثر الطبراني عن مطلب هذا وهو صدوق.
وعبد الله بن صالح: أورده العجلي في الثقات (رقم: 908 - مكتبة الدار - المدينة المنورة)، وابن حبان في الثقات (رقم: 13834 - دار الفكر) وقال فيه ابن أبي حاتم: روى عنه أبي وأبو زرعة قال أبي هو صدوق. التعديل والتجريح للباجي (رقم: 830 - دار اللواء، الرياض)
وذكره العقيلي في الضعفاء (4/ 296)، وقال فيه كلاماً عن الإمام أحمد وليس في كلامه جرحاً معتبراً. وأورده النسائي في الضعفاء والمتروكين (رقم: 334) وقال: ليس بثقة كذلك لم يذكر فيه جرحاً جرح به، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال (رقم: 4919): سألت عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، فقال: كان أول أمره متماسك ثم فسد بأخرة وليس هو بشيء.
قال أبو عبد الله الذهبي في الكاشف (رقم: 2780): عبد الله بن صالح أبو صالح الجهني مولاهم المصري كاتب الليث عن معاوية بن صالح وموسى بن علي وعنه البخاري وابن معين وبكر بن سهل: وكان صاحب حديث فيه لين. قال أبو زرعة: حسن الحديث لم يكن ممن يكذب. وقال الفضل الشعراني: ما رأيته إلا يحدث أو يسبح. وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث له أغاليط. وكذبه جزرة.
وخلاصة الكلام فيه ما قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (10/ 405): وبكل حال، فكان صدوقا في نفسه، من أوعية العلم، أصابه داء شيخه ابن لهيعة، وتهاون بنفسه حتى ضعف حديثه، ولم يترك بحمد الله، والأحاديث التي نقموها عليه معدودة في سعة ما روى.
أي برص، وهذا الحديث يدل على أنه ينبغي للإنسان أن يغسل يده من الطعام إذا كان له زهومة وأثر في اليد.
وهذا عام في وجود جزء من الزهومة على الجسم، سواء في اليد أو في الرجل، أو رائحة البدن فإنه يتأكد عند النوم تنظيف البدن.
قوله: (ويكره لمن أراد المساجد للصلاة أو الاعتكاف أن يتعرض لأكل الخبائث من البقول؛ كالبصل والثوم والكراث، فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن قربان المسجد معه)
هذا يتعلق بآداب الحضور إلى المساجد، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه من حديث جابر وحديث أنس وحديث ابن عمر، أنه قال:«من أكل ثوماً فلا يقربن المساجد» (1)
(1) حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه أحمد (رقم: 15334) والبخاري (رقم: 817) ومسلم (رقم: 564) وأبوداود (رقم:3822) والنسائي (رقم:6679) وابن خزيمة (رقم:1664)
حديث أنس: أخرجه البخاري (رقم: 818) ومسلم (رقم: 562) وحديث ابن عمر: أخرجه أحمد (رقم: 4715) والبخاري (رقم: 815) ومسلم (رقم: 561) وأبو داود (رقم: 3825) وابن ماجه (رقم: 1016) وابن حبان (رقم: 2088) وابن خزيمة (رقم: 1661)
وجاء أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه عبد الرزاق (رقم: 173) وأحمد (رقم: 11099) ومسلم (رقم: 565) وأبو يعلى (رقم: 1195) وابن خزيمة (رقم: 1667) وأبو عوانة (رقم: 1229)
وجاء أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه مسلم (رقم: 563) وابن ماجه (رقم: 1015) ==
== وجاء أيضاً عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الأوسط (رقم: 8550) قال الهيثمي (2/ 17): رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجال الكبير رجال الصحيح. وجاء هذا الحديث أيضاً عن غيرهم.
وفي سياق حديث جابر عند مسلم: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال:«من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا» (1)
وسميت هذه خبائث؛ لأنها طعام دنيء، وأيضاً لرائحتها، وقد يسمى الشيء الحلال خبيثاً باعتبار دناءته أو رائحته، وفي التنزيل قوله تعالى:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} (2)
يعني لا تيمموا الدنيء من المطعومات والمشروبات فتصدقون به، بل اعمدوا إلى الأطيب، فـ «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً» (3) وليس هذا الخبث مما يتعلق به التحريم كما في قوله تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (4) ويؤيد هذا قوله تعالى في بني إسرائيل حينما
(1) أخرجه مسلم (رقم: 563).
(2)
البقرة: 267.
(3)
أخرجه أحمد (رقم: 8330) ومسلم (رقم: 1015) والترمذي (رقم: 2989) والدارمي (رقم: 2717).
(4)
الأعراف: 157.
تمنوا البصل والثوم والعدس: {قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} (1)
فقوله تعالى: {الَّذِي هُوَ أَدْنَى} أي: من المطاعم التي اخترتموها.
والحكمة واضحة في النهي عن دخول المساجد لمن أكل بصلاً أو ثوماً أو كراثاً، والمراد مع بقاء الرائحة، لأن هذا النهي معلل بعلتين: أذية المؤمنين، وأذية الملائكة.
وهل يلحق بهذه الثلاثة ما سواها من المأكولات ذوات الرائحة الخبيثة؟ نعم، قد جاء في حديث جابر نفسه عند الطبراني في الصغير التنصيص على الفجل، ولكن في إسناده يحيى بن راشد (2).
وألحق أهل العلم كل ماله رائحة تؤذي المصلين، سواءً كان هذه المطعوم أو المشروب حلالاً أو حراماً، وإن كان حراماً فهو أشد وأخبث،
(1) البقرة: 61.
(2)
أخرجه الطبراني في الصغير (رقم: 37) قال: حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة، قال: حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثنا يحيى بن راشد البراء، قال: حدثنا هشام بن حسان الفردوسي، عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«من أكل من هذه الخضروات فلا يقربن مسجدنا الثوم والكراث والبصل والفجل فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» قال الهيثمي (2/ 17): فيه يحيى بن راشد البراء البصري وهو ضعيف ووثقه ابن حبان وقال يخطئ ويخالف وبقية رجاله ثقات.
فألحقوا السمّاك الذي يبيع السمك أو يصطاده، فإن رائحة السمك شديدة، وقد لا تخرج من الإنسان بسهولة، وفي الأعصار المتأخرة صاحب الدخان، وهو شارب التبغ، من أجل الرائحة الخبيثة التي تفوح من فيه، مع أن الدخان محرم، وتحريمه ظاهر، ومفاسده كثيرة، وعلى هذا يحرم دخول المسجد لمن فيه رائحة منتنة من بصل، أو ثوم، أو كراث، أو دخان، أو عرق، أو بخر شديد يظهر أثناء الكلام، أو اتساخ ملابس برائحة مطعوم أو مشروب أو غير ذلك لحصول الأذية للمسلمين والملائكة.
ونستفيد من هذا الحديث وما جاء في معناه، أنه يحرم لمن أراد المساجد للصلاة أو الاعتكاف أن يتعرض لهذا الشيء.
وتعبير المؤلف بقوله: (أن يتعرض)
فيه نظر، فإن أكل الإنسان الثوم أو الكراث أو البصل أوكل ذي رائحة نتنة لا يخلو من أقسام:
القسم الأول: أن يكون لحيلة إسقاط صلاة الجماعة، فهذا لا يحضر ويأثم، أما عدم حضوره فللأحاديث الواردة في الباب، وأما كونه يأثم فلأنه احتال لإسقاط واجب.
القسم الثاني: أن يأكلها لشهوة ولم يتخذها عادة هذا جائز ولا يأثم، ولكن لا يحضر صلاة الجماعة.
ولكن هل يكتب له أجر الجماعة؟ قال بعض أهل العلم: إن كان عادته حضور الجماعة فإنه يكتب له أجر صلاة الجماعة؛ لأنه تأخر عن حضور صلاة الجماعة بسبب إعذار ومسامحة من الشارع، بل الشارع هو الذي نهاه، وقال بعضهم: الذين يأكلون الثوم والكراث ينقسمون إلى قسمين: فمنهم من يأكله لحاجة كتطبب ودواء وحاجة كأن لا يكون عنده طعام سواه فهذا يعذر، وله أجر الجماعة، لأنه مريد لها.
أما إذا أكلها شهوةً، فهو الذي أسقط الجماعة باختياره وهذا هو الصحيح، وحسبه عفو الشارع عن الجماعة أما ثبوت أجرها فلا، هذا ما ظهر لي.
وأما حد إباحة حضور المسجد لمن أكل الثوم أو البصل أو الكراث: فهو زوال الرائحة، فإذا زالت الرائحة جاز له دخول المسجد بعد ذلك، وعليه أن يتعاطى الأشياء التي تزيل الرائحة إذا قرب وقت الصلاة، وقد بوب ابن خزيمة باباً يوهم أن حد إزالة الرائحة ثلاثة أيام، فجاء عنده:«من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مساجدنا ثلاثاً» (1) وبوب عليه: (باب توقيت النهي عن إتيان الجماعة لآكل الثوم)(2) وفي هذا نظر لأن
(1) أخرجه ابن خزيمة (رقم: 1663) وأخرجه أبو داود (رقم: 3824) وابن حبان (رقم: 1639) والبيهقي (رقم: 4834) عن أبي سعيد.
(2)
صحيح ابن خزيمة (3/ 82).
قوله: (ثلاثاً) راجع إلى تكرار النبي صلى الله عليه وسلم القول، لا أن وجود الرائحة لا يزول إلا بعد هذه الأيام الثلاث، فالرائحة تزول قبل ذلك بكثير، ولكنه فهم رحمه الله أنه يسمح للإنسان ثلاثة أيام في ترك الجماعة، وقد وهم في هذا.
فإذا قلنا أن العلة مركبة من أذية الملائكة، وأذية المؤمنين، فالتقسيم حينئذٍ كالتالي:
1 -
أن يأكل بعض جماعة المسجد ولا يأكل البعض فحينئذ يحرم على الذين أكلوا أن يحضروا المسجد؛ لأن فيه أذيتين الأذية الأولى أذية الملائكة، وأذية الذين لم يأكلوا.
2 -
أن يأكلوا جميعاً بإمامهم فبعض أهل العلم رخص لهؤلاء أن يحضروا، فقالوا: لا أذية، فالجميع قد أكل ورضي بالرائحة لنفسه ولغيره، والصحيح أنه يحرم للعلة الأولى وهي أذية الملائكة.
3 -
أن يأكل الرجل الثوم أو الكراث ثم يدخل المسجد، سواءً كان للصلاة أو بدون صلاة، وليس في المسجد أحد، فهذا أيضاً يمنع لما فيه من أذية للملائكة.
ولو أن الناس يصلون في الخارج، وليسوا في المسجد فلا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: إذا أكلوا جميعاً فلا بأس أن يصلوا جماعة، إذا لم يؤذِ بعضهم بعضاً لزوال العلتين.
الحالة الثانية: إذا أكل البعض وترك البعض ويحصل الأذى فحينئذ لا يصلي من أكل مع غير الآكلين لوجود إحدى العلتين وهي أذية المؤمنين.
وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه لما فتحت خيبر -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على زَرّاعة بصل هو وأصحابه، فنزل ناس منهم فأكلوا منه، ولم يأكل آخرون، فرحنا إليه فدعا الذين لم يأكلوا البصل، وأخر الآخرين حتى ذهب ريحها. (1)
والمقصود أنه عزل من أكل ولم يثرّب عليهم، لأنهم إنما أكلوا لحاجة، فقد كانوا جميعاً جياعاً، وهؤلاء الذين أكلوا لم يتعرض لهم في الحديث، هل صلوا جميعاً أم لا، ولكن نقول كما تقدم: إن صلوا جميعاً فلا بأس، وإن تأذى بعضهم بأكل غيره فصلى لوحده فلا بأس.
وعلم بهذا أن داخل المسجد ولو لم يكن في وقت صلاة ينبغي أن تكون رائحته طيبة.
(1) أخرجه مسلم (رقم: 566).
فمن أراد أن يأكل هذه الأشياء فكما قال عمر رضي الله عنه: إنكم تأكلون شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين، فمن أراد أن يأكلهما فليمتهما طبخاً. (1)
فقد يشتهي بعض الناس هذا الأشياء، فنقول: بالغ في طبخها حتى تزول منها الرائحة الخبيثة، وإن كان الثوم في الغالب لو بالغ في طبخه فإنه لا تزول رائحته.
لكن ذكر ابن القيم (2) وغيره أن مصّ ورق السَذَاب يذهب رائحة البصل والثوم، وعلى من ابتلي بهذا أن يستعمل السواك ويستخدم المنظفات والمعطرات حتى تزول هذه الرائحة.
وإذا وجدت رائحتها من رجل فإنه يشرع للإمام أو غيره أن يخرجه، وقد وقع عند مسلم من حديث عمر رضي الله عنه: أنه خطب الناس فقال: أيها الناس إنكم تأكلون شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين -أي أظنهما- ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها من رجل أمر به فأُخرج إلى البقيع. (3)
(1) أخرجه الطيالسي (رقم: 53) وأحمد (رقم: 89) ومسلم (رقم: 567) وأبو عوانة (رقم: 1218) والنسائي (رقم: 708) وابن ماجه (رقم: 1014) وأبو يعلى (رقم: 256) وابن حبان (رقم: 2091) وابن خزيمة (رقم: 1666).
(2)
زاد المعاد لابن القيم (4/ 290 - مؤسسة الرسالة، ط3).
(3)
صحيح مسلم (رقم: 567).
وفي هذا الحديث من الدلائل أنه يخرج بعيداً، ليس في رحبة المسجد؛ لأن العلة فيها أذية الملائكة أيضاً، فهو إذا أخرج من المكان الذي به المصلون زالت علة وهي أذية المصلين، ولكن بقيت أذية الملائكة، وهم في الرحبة وفيما يسمى مسجداً، فإن الملائكة تكون في المساجد.
فائدة:
روى الإمام أحمد في مسنده (16972): حدثنا أبو المغيرة حدثنا حريز بن عثمان الرّحبي قال: سمعت عبد الله بن غابر الألهاني قال: دخل المسجد حابس بني سعد الطائي في السحر وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فرأى الناس يصلون في مقدم المسجد، فقال: مُراءون وربُّ الكعبة، أرعبُوهم، فمن أرعبهم، فقد أطاع الله ورسوله، فأتاهم الناس، فأخرجوهم، قال: فقال: إن الملائكة تصلي من السحر في مقدم المسجد» وهذا إسناد لا بأس به وقد رواه الطبراني في الكبير من طريق حريز
…
ورواه غيره.
وهذا - أعني صلاة الملائكة في مقدم المساجد في السحر - لا أحفظه مرفوعاً في الأخبار .. ، ونهي الناس عن الصلاة في مُقدمِ المسجد في وقت السحر فيه نظر، بل لا يجوز حتى يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك خبرٌ صحيح صريح، وهذا اجتهاد صحابي.
وسألت شيخنا ابن باز رحمه الله عن ملائكة البيوت وأن الإنسان قد يأكل ويصلي في البيت؟ فقال: ملائكة البيوت لا حيلة في ذلك، والمراد في الحديث ملائكة المسجد.
مسألة:
ذكر جماعة من أهل العلم أن أصحاب العاهات أيضاً يمنعون من دخول المسجد، إذا كانت هذه العاهة مما قد يعدي، أو مما يتقزز الناظر منها، ويحصل له أذية لأن الأذية قد تكون في هذه الصورة أشد من الرائحة، فقد تكون أذية صوت أو منظر أو ريح أو ما أشبه ذلك، فللإمام أن يمنع أصحاب العاهات المعدية من دخول المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لذاك الرجل الذي أصيب بالجذام:«ارجع فقد بايعناك» (1) فترك مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه النبي صلى الله عليه وسلم دون أن تمس يده يده، ولهذا المريض بالعنقز (جدري الماء) وما أشبهه يرخص له في ترك صلاة الجماعة.
قوله: (ويستحب الإجابة إلى وليمة العرس، وليس له أن يستجيب إلى وليمة الختان؛ فإنها محدثة)
قرر المؤلف أن إجابة وليمة العرس مستحبة، وفي هذا نظر، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه من حديث ابن عمر وحديث جابر وغيرهما:
(1) أخرجه مسلم (رقم: 2231) والنسائي (رقم: 4182) وابن ماجه (رقم: 3544).
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليجب، ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله» (1)
وهذا صريح في الوجوب.
فقول المؤلف: (يستحب الإجابة) ليس بسديد، بل الصواب وجوب الإجابة إلى وليمة العرس.
وقد اختلف العلماء في دعوة الوليمة، هل هي عامة لكل فرح أم هي خاصة بطعام العرس؟
فجمهور اللغويين على أن الوليمة إنما يراد بها دعوة العرس (النكاح) وقال بعض الفقهاء: هي عامة لكل فرح، من عرس وبناء بيت، وشفاء مريض، وعقيقة، وما أشبه ذلك.
(1) أخرجه مالك (رقم: 1137) وأحمد (رقم: 4712 و 4730) والبخاري (رقم: 4878) ومسلم (رقم: 1429) وأبو داود (رقم: 3736) والنسائي (رقم: 6608) وابن ماجه (رقم: 1914) من حديث ابن عمر.
وأخرجه أحمد (رقم: 15256)؛ ومسلم (رقم: 1430) وأبو داود (رقم: 3740) والنسائي (رقم: 6610) وابن حبان (رقم: 5303) من حديث جابر.
وأخرجه أحمد (رقم: 7302) ومسلم (رقم:1150) وأبوداود (رقم:2461) والترمذي (رقم: 781) والنسائي (رقم: 3269) وابن ماجه (رقم: 1750) من حديث أبي هريرة.
والصحيح أن الوليمة المراد بها دعوة النكاح والعرس، ولاشك أن الفرح بها والدعوة إليها لا يشاكل غيرها، وقد تكلم الناس في أسماء الأفراح والولائم فسموا الوليمة عند تمام البناء بالوكيرة، والنقيعة عند القدوم من السفر؛ وفي حديث جابر رضي الله عنه عند البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزوراً أو بقرةً. (1)
والعقيقة ذبيحة الولادة، والخَرْس هي ذبيحة الختان على خلاف في مشروعية بعضها.
وأما في إجابة الدعوة لوليمة العرس فالصحيح أنها واجبة وأما ما سواها فاختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من قال: إذا كانت الوليمة يسمى بها كل ما يصنع لكل فرح حادث، فيجب على الإنسان أن يستجيب إلى كل دعوة، سواءً كانت الدعوة إلى وليمة عرس، أو غيرها؛ لأن هذا مما يؤلف القلوب، والصحيح كما أسلفنا أن الوجوب معلق بوليمة النكاح للفرق بينها وبين غيرها، فإن قيل قد روى مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من دعي إلى وليمة فليجب،
(1) أخرجه (رقم: 2923).