الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو على يساره جهة يساره، ولا يشمل النهي خارج الصلاة؛ إلا صفة واحدة وهي الاعتماد على اليسرى خلف الظهر (على القول الآخر).
وظاهر الحديث أيضاً أن هذه الجلسة محرمة، ليست مكروهة؛ لأن التشبه الأصل فيه التحريم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من تشبه بقوم فهو منهم» (1)
قوله: (ويكره الجلوس بين الشمس والظل)
.
جاء في ذلك عدة أخبار، فمنها حديث بريدة الذي أخرجه ابن أبي شيبة، ومن طريقه ابن ماجه، عن زيد بن حباب، عن أبي المنيب العتكي، عن ابن بريدة -وهو عبدالله بن بريدة- عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد بين الظل والشمس» (2)
وأبو المنيب هو عبيد الله بن عبد الله العتكي، (3) والصحيح أنه حسن الحديث،
(1) أخرجه أحمد (رقم: 114 و 5667) وعبد بن حميد (رقم: 848) وأبو داود (رقم: 4031).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 25728) وابن ماجه (رقم: 3722).
(3)
وقال أبو حاتم: هو صالح الحديث وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب الضعفاء وقال يحول. وسئل يحيى بن معين عن عبيد الله بن عبد الله أبى المنيب، فقال: ثقة. الجرح والتعديل لعبد الرحمن ابن أبي حاتم (رقم: 1529) وأيضاً وثقه عباس بن مصعب، والنسائي، وقال الحاكم أبو عبد الله: ثقة يجمع حديثه. وقال أبو داود: ليس به بأس، وقال ابن عدي: هو عندي لا بأس به، انظر: التهذيب: (7/ 27)
وقال البخاري: عنده مناكير. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه. وقال النسائي أيضاً: ضعيف. الضعفاء: (رقم: 66) وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. التهذيب، وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات. انظر: المجروحين: (2/ 64) وقال البيهقي: لا يحتج به. التهذيب (رقم: 54).
والخلاصة: أن الحاصل أنه صدوق يخطئ لا بأس به.
قال في الزوائد: إسناده حسن. (1)
ومنها أيضاً ما أخرجه أحمد في المسند عن بهز، وعفان، قالا: حدثنا قتادة، عن كثير بن أبي كثير، عن أبي عياض، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس بين الضَّحِّ والظل، وقال:«مجلس شيطان» (2)
(1) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة لشهاب (2/ 42): هذا إسناد حسن أبو المنيب اسمه عبيد الله بن عبد الرحمن - وهذا خطأ فهو ابن عبد الله كما قال شيخنا أبو محمد عبد الله - العتكي المروزي مختلف فيه، ورواه - أي الحديث - الحاكم في المستدرك من طريق أبي المنيب به ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك من طريق عيسى بن أبي حازم عن أبيه.
(2)
أخرجه أحمد (رقم: 15459) قال الهيثمي (8/ 60): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير كثير بن أبي كثير، وهو ثقة.
وأخرجه الحاكم (1) أيضاً من طريق عبد الله بن رجاء الغداني دون قوله: «مجلس شيطان» وسمى الصحابي المبهم -الذي هو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سماه أبا هريرة، لكن التسمية هنا غير محفوظة؛ لأن بهز بن أسد العمي وعثمان بن الصفار خالفا عبد الله بن رجاء، فالصحيح أن الصحابي مبهم، وفي إسناده مقال.
ويشهد لهذا الخبر ما أخرجه أحمد أيضاً عن عفان قال: حدثنا عبد الوارث، حدثنا محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«إذا كان أحدكم جالساً في الشمس فقلصت عنه فليتحول من مجلسه» (2) وهذا فيه انقطاع بين ابن المنكدر وأبي هريرة، وأخرجه كذلك أبو داود (3) والحميدي (4) والبيهقي (5) ، واختُلف في رفع هذا الحديث ووقفه.
(1) أخرجه الحاكم (رقم: 7710) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح.
(2)
أخرجه أحمد (رقم: 8964) والبزار (رقم: 8809).
(3)
أبو داود (4821).
(4)
الحميدي (1138).
(5)
البيهقي (رقم: 6134) من طريق عبد الرزاق (19799).
وقد أخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: القعود بين الظل والشمس مقعد الشيطان. (1)
وأخرج أيضاً ابن أبي شيبة عن وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن الجلوس بين الظل والشمس. (2) وهذا مرسل صحيح، يعني: مرسل إلى قتادة، وهو صحيح إلى قتادة، وقتادة تابعي، وجاء أيضاً هذا الحديث موقوفاً على أبي هريرة، وأيضاً فقد صححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهوايه، كما في مسائل المروزي، وقال الإمام أحمد عن حديث الصحابي المبهم:"إسناده جيد"، نقله عنه المنذري.
مسألة: هل النهي عن الجلوس بين الشمس والظل للكراهة أو التحريم؟
بمجموع هذه الطرق الخبر لا بأس به، والذي يظهر لي أنه يكره كراهية شديدة، أو يحرم لأمور:
(1) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 26478).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 26479) ولكن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقتادة تابعي صغير فيحتمل أن يكون أسقط غير الصحابي وكما قالوا: أن أوهى المراسيل قتادة والحسن والزهري لأنهم من صغار التابعين فيحتمل أن تكون روايتهم معضلة. وقتادة أيضاً من المدلسين من الطبقة الثالثة، كما قال الحافظ. تعريف أهل التقديس بمن رمي بالتدليس (ص63و146 (.
أولاً: نسبته إلى الشيطان، وهذا جاء في كلام عبد الله بن عمرو رضي الله عنه الصحيح عنه، وفي رواية الحاكم من طريق عبد الله بن رجاء الغداني، وفيه ذكر مجلس الشيطان، ولها شواهد في المعنى يأتي إن شاء الله ذكرها، وقد قال الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} (1)
ثانياً: أنه يضر بالجسم، خصوصاً إذا اعتاده الإنسان، قال ابن القيم:(2) والنوم في الشمس يثير الداء الدفين، ونوم الإنسان بعضه في الشمس وبعضه في الظل رديء.
ثالثاً: وأيضاً فهو منافي للعدل بين الجوارح، فإما أن يكون جميع البدن في الشمس، أو في الظل، وهذا من كمال الشريعة، ولهذا نُهي عن المشي في نعل واحدة، كما في الصحيحين (3) من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وجاءت تسمية مشية الذي ينتعل بنعل واحدة أنها مشية الشيطان، كما أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار من طريق الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة "أن
(1) النور: 21.
(2)
زاد المعاد (4/ 243).
(3)
أخرجه البخاري (رقم: 5518) ومسلم (رقم: 2097).
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المشي في النعل الواحدة وقال: «إن الشيطان يمشي بالنعل الواحدة» (1) وهذا إسناده صحيح، وجعفر بن ربيعة ثقة من رجال الجماعة، ولا يقال إنه خالف أبا الزناد فلم يذكر أن الشيطان يمشي بالنعل الواحدة، فإن هذا مما يحتمل فيه، وجعفر مشهور بالعدالة، ومن رجال الستة.
ووقفت على تقرير طبي نصه: أمر البدن لا يستقيم إلا إذا سار العضو على وتيرة واحدة في جميع أعضاءه، ففي وضع الشمس هناك الأشعة الحمراء التي تسخن الأعضاء، والأشعة دون البنفسجية التي تصبغ الجلد وتحمره، فإذا حصل ذلك في جزء من البدن دون الجزء الآخر ودونما حاجة إلى ذلك، تشوش الدوران، واضطربت وظائف الأعضاء، وهذا ما يحصل عند الجلوس أو النوم بين الظل والشمس.
فالحكمة من هذا أنه مشابه للشيطان، وأنه خروج عن الاعتدال، وقال الذهبي في المهذب في اختصار السنن الكبير على حديث بريدة: أراد بذلك العدل في الجسد كما نهي عن المشي في نعل واحدة عدلاً بين الرجلين.
(1) أخرجه الطحاوي (رقم: 1157).
ويشمل النوم والجلوس وكيفما كان، فلا يكون بين الشمس والظل، ومن أهل العلم من قال: أنك إذا جلست أنه إنما نهي عنه إذا قلص الظل عنه وبدأ يزحف، أما إذا جلست مباشرة بين الشمس والظل فلا بأس، وهذا ليس بصحيح، فإن هذا مصادم للنص.
مسألة: هل هذا يشمل الجالس في مجلس يجب عليه الجلوس فيه كالجالس لخطبة الجمعة؟ نعم، هذا يشمل كل جلوس، سواءً كان هذا الجلوس جلوساً واجباً، أو جلوساً مستحباً، أو جلوساً مباحاً، فإنه يتحول ويكون هذا من الأمر الشرعي، فيتحول إذا قلص عنه الظل في مسجد مكشوف، أو في خارج المسجد، فيتحول قدر الاستطاعة