الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَمَنْ أَرَادَ النَّوْمَ يُغْلِقُ بَابَهُ
، وَيُوْكِيْ سِقَاءَهُ، وَيُغَطِّيْ إِنَاءَهُ، وَيُطْفِئُ سِرَاجَهُ، كَذَلِكَ رُوِيَ فِيْ السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَكَرِهَ أَحْمَدُ رضي الله عنه غَسْلَ اليَدِ لِلطَّعَامِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الخَبَرِ غَسْلُ اليَدِ لَهُ، وَلَعَلَّهُ مَا صَحَّ عِنْدَ أَحْمَدَ رضي الله عنه.
قوله: (فصل: ومن أراد النوم
…
في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم)
الأصل في هذه المسألة ما أخرجه صاحبا الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان جُنح الليل فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة العشاء، فخلوا» قال: «وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله، ولو تعرض عليه عوداً» (1) وفي لفظ مسلم: «غطوا الإناء وأوكوا السقاء» (2)
(1) أخرجه البخاري (رقم: 3106 و 3128 و 5300) ومسلم (رقم: 2012).
(2)
أخرجه مسلم (رقم: 2012 و 2014) وأخرجه أحمد (رقم: 14871) وابن ماجه (رقم: 3410) وأبو يعلى (رقم: 2258) وأبو عوانة (رقم: 8165).
وفي حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم: «لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون» (2)
أما إغلاق الأبواب فالمصلحة فيه ظاهرة، وقد نقل الحافظ عن ابن دقيق العيد أنه قال: في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح الدينية والدنيوية، حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولاسيما الشياطين. (3)
فالمصلحة ظاهرة في إغلاق الأبواب، ومن السنة أن الإنسان إذا أراد أن ينام أن يغلق من الأبواب ما يحتاج إلى غلقه.
(1) أخرجه أحمد (رقم: 15206) والبخاري (رقم: 3138) والترمذي (رقم: 2857) وأبويعلى (رقم:2130) والبيهقي في شعب الإيمان (رقم: 6062) والديلمي (رقم: 2845).
(2)
أخرجه أحمد (رقم: 4515) والبخاري (رقم: 5935) ومسلم (رقم: 2015) وأبو داود (رقم: 5246) والترمذي (رقم: 1813) وابن ماجه (رقم: 3769).
(3)
فتح الباري (5/ 144) طبعة دار المعرفة.
وهذا من حسن التدبير، وهو واجب من الواجبات، لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلا يتم حفظ النفوس، والعورات، والأموال، والأعراض، إلا بهذا، فحينئذٍ يكون من الواجبات.
قوله: (ويوكي السقاء)
السقاء، هو: القربة وما أشبه ذلك، يوكيها ويربط عليها، وهذا فيه مصالح عديدة، حتى لا تأتيها الدواب، ولا تدخلها المؤذيات، فيتأذى هو بعد ذلك، ويغطي الإناء كذلك.
وهذه الأفعال مقرونة باسم الله، فتغلق الباب، وتقول:"بسم الله"، ويشمل إغلاق الأبواب إغلاق باب السيارة، فإن السيارة تُنزَّل على أنها بيت صغير، ولا تنزل على أنها دابة، فأحكام البيت الصغير فيها أكثر، ولها أبواب، فهي مشابهة للبيت الصغير، فتغلق الباب وتذكر اسم الله، سواءً أكنت تريد الركوب أو كنت تريد الخروج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فإن الشيطان لا يفتح باباً ذكر اسم الله عليه» (1)
وقد يكون من بركة هذا حفظ هذه السيارة من السرقة.
(1) أخرجه أحمد (رقم: 14266) والبخاري (رقم: 5300) ومسلم (رقم: 2012) وأبو داود (رقم: 3731) والنسائي (رقم: 10581) وابن خزيمة (رقم: 132) وابن حبان (رقم: 1274).
وأصناف أواني الطعام قسمان:
القسم الأول: ما يحتاج إلى غطاء خاص، فغطاؤه وكاؤه، فأغلقه واذكر اسم الله.
والقسم الآخر من الأواني: إذا كان فيه طعام وليس له عادةً غطاء، كالطِّيس وبعض الصحون فأنت مخير، إما أن تغطيه غطاءً كاملاً وهذا أحسن، ويوجد الآن البلاستيك المحكم ويقول:"بسم الله"، فإن تعذر أو تعسر فضع عوداً، وقل:"بسم الله"، وهذا يكفي إن شاء الله، ولهذا قال:«ولو أن تعرض عليه عوداً وتذكر اسم الله» وهذا إن لم يجد الغطاء.
والحكمة في ذلك حفظها من الأذى، وقد جاء في سنن الترمذي: أن الشيطان حساس لحّاس، (1)
والخبر فيه مقال.
(1) أخرجه الترمذي (رقم: 1859) وقال: غريب. والحاكم (رقم: 7127) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وتعقبه الذهبي في التلخيص، قائلاً: بل موضوع.
فإن يعقوب بن الوليد كذبه أحمد وغيره. والحديث صحيح بلفظة: «من بات وفي يده غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه» أخرجه النسائي (رقم: 6906) والبيهقي (رقم: 15001) عن عفان بن مسلم حدثنا وهيب عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة رضي الله عنه. وقال النسائي: أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله. أخرج له البخاري في الصوم والطب والجنائز وغير موضع. وقد جاء الحديث من طرق أخرى.
وإذا بات هذا الطعام مكشوفاً ففي جواز الأكل منه من الغد نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر -كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة- بتغطية الآنية، وقال:«غطّوا الآنية، وأوكوا الأسقية، فإن في السنة ليلة ينزل فيها داء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا حل فيه من ذلك البلاء» (1) فقد يكون في تلك الليلة حل ذلك البلاء.
وعليه فالطعام البائت إذا كان مكشوفاً يكون فيه مضرة. ويقوم مقام تغطية الآنية التي ليس لها غطاء، وضعها في الثلاجة، وتُغلق الثلاجة -وهي الآلة الكبيرة وهي كالإناء الكبير - ويقول:"بسم الله"، وهذا يكفي.
قوله: (ويطفي سراجه)
وفي لفظ جابر: «وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله» (2)
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطفاء النيران، وحُدِّث صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي موسى عن قوم احترق عليهم بيتهم في المدينة، فقال:«إن هذه النار إنَّما هي عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها» (3)
(1) أخرجه أحمد (رقم: 14871) ومسلم (رقم: 2014).
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 3106).
(3)
أخرجه أحمد (رقم: 19588) والبخاري (رقم: 5936) ومسلم (رقم: 2016) وابن ماجه (رقم: 3770) وابن حبان (رقم: 5520).
وقال بعضهم: هذا خاص بالمصابيح الحرارية التي قد يوجد منها معرّة - إيقاد نار وما أشبه ذلك - وهذا لا شك فيه، فالمصابيح الحرارية - أو المدفأة- يجب إطفاؤها عند النوم، أما المصابيح الأخرى فسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله قال: تُطفأ إلا ماله حاجة.
قلت: لأن في إبقاء بعض المصابيح إسراف، لاسيما بعض المصابيح المتوهجة التي قد يخشى من إحراقها.
وجاء في الخبر أيضاً أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكفاء الآنية. وهذا أيضاً أدب للآنية الفارغة، فالسنة أنها تنكس إذا كانت فارغة، لا تكون مكشوفة، والحكمة في هذا حتى لا تأتي دواب فتقع فيها أو تمر عليها أو تلامسها فقد يقع الضرر حينئذٍ، ولا يلزم الغسل إذا كانت منكوسة.
وقوله: (وكره أحمد رضي الله عنه غسل اليد .... ما صح عند أحمد رضي الله عنه)
الصواب أنه لم يصح في غسل اليد للطعام خبر وقد تتبعت هذا كثيراً، فلم أجد حديثاً صحيحاً صريحاً سالماً من المعارضة، ومن أصح ما ورد في هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب وينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة. (1)
(1) أخرجه مالك (رقم: 151) وعبد الرزاق (رقم: 1074) والبخاري (رقم: 285) ومسلم (رقم: 306) والترمذي (رقم: 120) والنسائي (رقم: 259).
وهذا أيضاً ليس صريحاً؛ لأنه في حق الجنب، وهذا لمعنى آخر، فهو لتخفيف الجنابة لا لغسل اليدين، ولما سئل شيخنا ابن باز رحمه الله: هل يؤخذ من هذا الحديث غسل اليدين للطعام؟
قال: لا، هذا لأجل الجنابة.
وأما حديث سلمان رضي الله عنه الذي قال فيه: قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده. (1)
فهذا فيه علل، فيه قيس بن ربيع، له مناكير، وهناك من حسّن حديثه، ولكن بعد التتبع، فحديثه ضعيف، وأيضاً فالوضوء المعروف هو الوضوء الشرعي، والوضوء لأجل الطعام ليس بسنة، دل على هذا ما رواه مسلم في صحيحه أن: النبي صلى الله عليه وسلم أتى الخلاء ثم خرج منه فأتي بطعام فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: «أريد أن أصلي فأتوضأ» ؟ فأكل ولم يغسل يده. (2)
(1) أخرجه أبو داود (رقم: 3763) والترمذي (رقم: 1846) وغيرهم، من طريق قيس بن الربيع عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (رقم: 374) وفي رواية: «إنما أمرتُ بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» وأخرجه أبو داود (رقم: 3760) والترمذي (رقم: 1847) والنسائي (رقم: 132) وأحمد (رقم: 2549).
وروى البيهقي أيضاً: عن عمر رضي الله عنه بإسنادٍ صحيح: أنه قضى حاجته ثم أتي بطعام، فقيل له: ألا تغسل يدك؟ فقال: إنما استجمرت باليسرى وأنا آكل باليمنى.
ولهذا اختلف أهل العلم في غسل اليد عند الطعام، وهما قولان في مذهب أحمد - رحمه الله تعالى - وأكثر السلف على عدم مشروعية ذلك، بل قال بعضهم: أنه من زي العجم، وصح عن أحمد: أنه غسل يديه عند الطعام، فلعله لحاجة.
وساق ابن القيم - رحمه الله تعالى - الخلاف في المسألة، وقال: والصحيح أنه لا يستحب. (1)
وشيخنا ابن باز رحمه الله يميل إلى هذا، وقد رأيته مراراً في بعض المناسبات يدعى إلى الطعام فيذهب إلى الطعام مباشرة ولا يغسل يديه.
ونقل البيهقي في الشعب عن الشافعي، قوله: وأولى الآداب أن يؤخذ ما فعل رسول الله، فيأكل المرء قبل أن يغسل يديه أحب إلي ما لم يكن مس يده قذراً. (2) فهذا هو المعروف عند السلف.
(1) حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (10/ 166)(دار الكتب العلمية ط2).
(2)
أخرجه البيهقي في الشعب (رقم: 5806).
ولكن هذه المسألة ليست من جانب التعبد في شيء، فمن غسل فلا شيء عليه، ومن ترك فلا شيء عليه، لكن من أراد مذهب السلف في هذه المسألة فالمشهور عنهم ترك غسل اليدين، وأما إذا خشي أن يكون عليها أذى فالغسل يتأكد.
أما غسل اليد بعد الطعام فهو مشروع، وقد روى البخاري من حديث جابر رضي الله عنه، قال: كنا إذا طعمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا. (1)
وهذا محمول على قلة الماء أو له أسباب اقتضت ذلك.
وأيضاً قوله: لم يكن لنا مناديل
…
يدل على عدم وجود المناديل، وإلا لو وجدت لاستعملوها والتمندل نوع تنظيف فهو شبيه بالغسل، وأيضاً يبقى في اليد زهومة، لو لم يغسل يديه وسيأتي في الفصل القادم تكميل - إن شاء الله -.
(1) أخرجه البخاري (رقم: 5141).