الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَيُكْرَهُ الخُيَلَاءُ وَالزَّهْوُ فِيْ المَشْيِ
، وَإِنَّمَا يَمْشِيْ قَصْدًا؛ فَإِنَّ الخُيَلَاءَ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ تَعَالَى؛ إِلَّا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ.
قوله: (فصل ويكره الخيلاء ..... الصفين).
الصواب أنه تحرم الخيلاء ويحرم الزُّهُو، لأنه من مظاهر الكبر، والكبر محرم بالنص والإجماع، وقد تُوعّد عليه بالنار والحرمان من الجنة، نسأل الله العافية وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»
قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنةً.
قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس» (1)
وبطر الحق: أي: دفعه ورفضه وعدم قبوله. وغمط الناس: هو ازدراؤهم واحتقارهم. والأصل أن الكبر في القلب، وهو من الفواحش الباطنة، وفُسِّر به قوله تعالى:{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} (2) وفُسر به
(1) أخرجه مسلم (رقم: 179) وأخرجه أحمد (رقم: 3913 و 3947) وأبو داود (رقم: 4091) وابن ماجه (رقم: 59 و 4173) والترمذي (رقم: 1998).
(2)
الأنعام: 120.
أيضاً قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (1) ومن الفواحش الباطنة: الكبر.
وهذا الكبر له علامات خارجية، وهو محرم وإن لم يظهر على صاحبه أي علامة، ولكن قد يظهر له علامات خارجية، فمنها ما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله:«بطر الحق، وغمط الناس»
فمن صور الكبر دفع الحق، ورفضه، وعدم قبوله، والالتفاف عليه، وتأويله، وازدراء الناس، واحتقارهم.
ومن صور الكبر المشي بخيلاء وزهو.
ومن صوره الإسبال، كما قال صلى الله عليه وسلم:«وإياك وإسبالَ الإزار فإن إسبالَ الإزار من المَخِيلَة» (2)
(1) الأنعام: 151.
(2)
أخرجه الطيالسي (رقم: 1208) وأحمد (رقم 20651) وأبو داود (رقم: 4084) والنسائي (رقم: 9691) والطبراني (رقم: 6384) وابن حبان (رقم: 522) وغيرهم، ولفظه: عن جابر بن سليم الهجيمي رضي الله عنه: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محتب في بردة له؛ كأني انظر إلى هدابها على قدميه، فقلت: يا رسول الله أوصني، قال:«اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، وأن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار، فان إسبال الإزار من المخيلة، ولا يحبها الله، وإن امرؤ شتمك وعيرك بأمر هو فيك، فلا تعيره بأمر هو فيه، ودعه يكون وباله عليه، وأجره لك، ولا تسبن شيئاً» =
= قال: فما سببت بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دابة ولا إنساناً. وهذا لفظ أبو داود الطيالسي.
وأصل الخيلاء في الإسبال، لكنه قد يكون مقصوداً من المسبل فيكون حينئذٍ من الكبائر المغلظات، وإن كان مطلق الإسبال محرماً فهو كبيرة، لحديث أبي سعيد، وصح عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء» (1)
ومن صور الخيلاء تصعير الخد، وقد أوصى لقمان - الرجل الصالح وهو ليس بنبي- ابنه قائلاً:{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} (2)
وتصعير الخد أن الإنسان يميل بوجهه عن الناس، فيحدث الناس إن احتاجوا إلى حديثه وهو مائل عنهم، أو حين استماعه لهم، أو يمشي بين الناس وقد انحرف وجهه عنهم، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أدب الحديث، فقال:«لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» (3)
(1) أخرجه مالك (رقم: 1629) والطيالسي (رقم: 2487) وأحمد (رقم: 9294) والبخاري (رقم: 5451) ومسلم (رقم: 2087) والترمذي (رقم: 1730) والنسائي (رقم: 9723) وفي لفظ: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا» .
(2)
لقمان: 18.
(3)
أخرجه أحمد (رقم: 21559) ومسلم (رقم: 2626) والترمذي (رقم: 1833) وقال: حسن صحيح. من حديث أبي ذر رضي الله عنه. واللفظ لمسلم.
فيكون الوجه قبالة الوجه، فإذا انحرف الوجه عن هذا دل ذلك على تصعير الخد المحرم، وقد يُحتاج للتصعير إذا اقترن بهجر، وهذا جائز وهذا نوع من الجفوة، والجفوة قد يحتاج إليها في التأديب، ولكننا هنا نتحدث عن تصعير الخد على الوجه المحرم، والأصل أنه مذموم، فإن اقترن بالكبر صار من الكبائر.
قوله: (وإنما يمشي قصداً)
هذا الكلام يعالج طريقة المشي، أما مشي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يمشي قصداً، وكان إذا مشى كأنما يتقلع، وكأنما ينحط من صبب، ولا يمشي الهوينى، ولا يتبختر، ولا يعجل عجلة تنبئ عن خفة وطيش، وإنما يمشي مشية معتدلة، كأنما يقصد إلى حاجة، وهذا أعدل المشي وهي مشية النبي صلى الله عليه وسلم.
فائدة:
بالنسبة لمشية الصحابة إلى المسجد، ففي الباب أثر زيد بن ثابت الذي رواه الطبراني بإسناد صحيح: أنه كان يمشي مع بعض أصحابه،
فكان يقصّر الخطى، فقيل له في ذلك، فقال: من أجل أن تكثر عدد خطاي في طلب الصلاة. (1)
وجاء هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح، إنما هو موقوف على زيد بن ثابت، وجاء نحوه عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: كنا إذا قصدنا إلى المسجد قصّرنا الخطى. (2) ولكن في إسناده إبراهيم بن مهدي الهجري، وعلى كل حال فهذا لا أعلمه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن إن قصرها أحياناً في الذهاب للمسجد، فهذا لا بأس به، وهذا لا ينافي كونه يمشي قصداً.
(1) أخرجه الطبراني (رقم: 4798) وأخرجه الطيالسي (رقم: 606) والبخاري في الأدب المفرد (رقم: 458).
(2)
أخرجه الطبراني (رقم: 8596) ولفظه: قال: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ...... فما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، فيخطو خطوة يعمد إلى المسجد من المساجد، إلا كتب الله له بها حسنة، ورفعه بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى إن كنا لنقارب في الخطى.
قال المؤلف: (فإن الخيلاء مشية يبغضها الله تعالى إلا بين الصفين)
في هذا حديث محمد بن إبراهيم التيمي، عن ابن جابر عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«من الخيلاء ما يحبه الله، ومنه ما يبغضه الله، -فذكر ما يحب الله-: اختيال الرجل بنفسه عند القتال، وعند الصدقة» (1)
يعني أن الأصل في مشي الرجل خيلاء أنه محرم، ومن الكبائر، ويستثنى من ذلك القتال، وقال أهل العلم في صفته عند القتال: أن يمشي بين الصفين، ويتبختر، ويتقدم بنشاط، وهذا فيه إظهار عدم المبالاة بالعدو، فيقع الخوف والرهبة في قلوب الأعداء، قالوا: وعند الصدقة أن يعطي هذه الصدقة بطيب نفس وسخاء وكأنها لا تهمه.
وروي أيضاً أن أبا دجانة "سماك بن خرشة" رضي الله عنه كان يمشي بين الصفوف يتبختر، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«إن هذه مشية يبغضها الله تعالى، إلا في هذا الموطن» (2)
(1) أخرجه أحمد (رقم: 23803) وأبو داود (رقم: 2659) والنسائي (رقم: 2339) وابن حبان (رقم: 295) والطبراني (رقم: 1774).
(2)
أخرجه الطبراني (رقم: 6508).