الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا يتم حفظ الصلاة إلا بدرء المرأة، فحينئذ يشرع، وقد نص على هذا شيخنا ابن عثيمين رحمه الله أنه لا بأس برد المار ولو كان امرأة، ولو لزم من ذلك مسها، لأنه إذا مست هذه المرأة في هذه المرة فإنها تتأدب في المرات الأخرى.
مسألة: من أحكام المصافحة:
مصافحة الكفار، فهل يجوز مصافحة الكفار؟
الجواب: نقول: مصافحة الكفار تابعه للسلام عليهم، ونرجع حينئذٍ إلى السلام عليهم، فأما ابتداء الكافر بالسلام فلا يجوز، وقد جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه» (1)
فإذا كان لا يجوز ابتدائهم بالسلام فلا يجوز ابتدائهم بالمصافحة، وعلى هذا إذا دعا الأمر أن تتعامل مع شخص كافر، ثم أراد أن يسلم
(1) أخرجه أحمد (رقم: 8542) ومسلم (رقم: 2167) وأبو داود (رقم: 5205).
عليك فلا تبتدئه، فإذا قال هو: السلام عليكم ورحمة الله، فقل: وعليكم السلام، وهل يقول: ورحمة الله؟ نعم، يقول: ورحمة الله، وأما قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} (1)
فمعنى تبين لهم: أي بالموت، فعلى هذا فلا بأس بالرد عليه: وعليكم السلام ورحمة الله، وإسلام الكافر ممكن، وهذا إذا أوضح لفظ السلام، وقد كان اليهود يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقولون: السام عليك يا محمد- أي الموت- فيقول عليه الصلاة السلام: «وعليكم» (2)
واختلف أهل العلم في الرد على أهل الكتاب، هل يقول وعليكم مطلقاً سواء أفصحوا اللام أم لم يفصحوا؟
(1) التوبة: 113.
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 2777) ولفظه عن عائشة رضي الله عنها: أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك. فلعنتهم. فقال: «ما لك» قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «فلم تسمعي ما قلت وعليكم» وفي (رقم:5902): عن ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك، فقل: وعليك» .
الجواب: قال بعضهم: لا يسلم عليه إلا بقوله: وعليكم، سواء كان السلام ظاهراً أو غير ظاهر، وقال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فإنما يقولوا السام عليكم» (1)
فنص على أن هذا الرد في هذه الصفة، فأما إذا أوضح لفظ السلام فحينئذٍ نرد السلام، وهذا هو الصحيح وهو اختيار ابن القيم في كتابه أحكام أهل الذمة (2) ، وإذا مد يده فمد يدك، أما إذا لم يمد يده فلا تبتدئه.
وحينئذٍ نقول: لا يجوز البُداءة بمصافحة الكافر، أما إذا كان المصافح امرأة، فهذا أعم من أن يكون في مسألتنا، وقد تكون امرأة أجنبية، فإذا دنا الإنسان من امرأة من غير محارمه لسبب أو لآخر، فمدت يدها تريد السلام، فحينئذٍ امتنع ولا تمد يدك، فإن قال قائل: في هذا إحراج للمرأة، وقد تكون كافرة فتزداد بلاءاً، أو تكره الإسلام بسببك، وقد تكون
(1) ونصه عن أنس رضي الله عنه: جاء رجل من أهل الكتاب، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السام عليكم، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال:«لا، إذا سلموا عليكم، فقولوا: وعليكم» وفي رواية: مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: السام عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وعليك» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما يقول؟ قال: السام عليك» قالوا: يا رسول الله ألا نقتله؟ قال: «لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم» أخرجه أحمد (رقم: 13225 و 13317) والبخاري (رقم: 6927).
(2)
أحكام أهل الذمة (1/ 426).
مسلمة فتحقد عليك، فنقول: فليكن ذلك، لأن مس يد الأجنبية محرم، سواء كانت مسلمة أو كافرة. لكن نقول أولاً: حتى لا تقع في هذا الموقف المحرج لا تَدْن من المرأة الأجنبية، اجعل بينك وبينها مسافة لا تسمح لها أن تمد يدها إليك، وأيضاً ضم يديك حتى تشعرها بأنك لن تصافح حتى تتخلص من هذا الموقف وتخلصها معك.
وقد ذكرنا فيما تقدم السلام على المعارف غير المحارم من النساء، وأنك لا تصافحها لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقد يكون الإنسان في البداية يواجه هذا الإحراج، ثم بعد ذلك سيعلمون أن هذا الرجل لا يصافح النساء، فيكون السلام بعد ذلك كلاماً، فتنتهي المشكلة.
وقد وقع لبعض الصحابة شيء نظير هذا الشيء - ليس المصافحة إنما نوع آخر من أنواع عدم قبول الشيء لأجل أنه لا يحل - فقد أخرج البخاري ومسلم عن الصعب بن جثامة الليثي: أنه أهدى لرسول الله صلى صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى- أي النبي صلى الله عليه وسلم ما في وجهه - وكان مضيافاً رضي الله عنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم» (1)
(1) أخرجه البخاري (رقم: 1729 و 2434) ومسلم (رقم: 1193).
يعني لم أرده عليك كراهية لهديتك، أو طعناً فيها، أو بشخصك، ولكن لأننا محرمون، ففرح بذلك، وذهب ما في نفس الصعب رضي الله عنه ، فالإنسان يعتذر في مثل هذه الأشياء ويذكر كلاما مناسبا، والصدق مع الله نجاة ، وعواقبه لذيذة.
وأما قوله: (ولا بأس بالمعانقة .... في الإسلام).
فهذا من باب الإكرام وليس له علاقة بالتحية لأن التحية الشرعية في الإسلام هي: (السلام والمصافحة) فالسلام بالكلام ، والمصافحة باليد.
أما تقبيل الرأس أو اليد فهذا من باب الإكرام، وبعض الناس يغلط، فيقابل كبير السن أو العالم، ويأخذ برأسه ويقبله، ويظن أن هذا سلام، فلا يصافحه ولا يسلم عليه، فإن قال: السلام عليكم، وأخذ برأسه وقبله، فهذا لم يصافحه، فنقول: السنة أن تصافح، وتقول: السلام عليكم، فإن كان بعد ذلك إكرام من تقبيل الرأس أو اليد، فهذا لا بأس به، وهذا من باب الإكرام، وليس له علاقة بالسلام، ولهذا المؤلف قال:(ولا بأس بالمعانقة)، لأنها من باب التبع وليست من التحية. وقد جاء في المعانقة في سنن الترمذي من حديث حنظلة السدوسي عن أنس رضي الله عنه قال:
يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال:«لا» قال: أفيلتزمه ويقبله. قال: «لا» قال: أفيأخذ بيده؟ قال: «نعم» (1)
وهذا الحديث من منكرات حنظلة السدوسي، وهو على قلة روايته منكر الحديث، ونقول: السنة عند الملاقاة المصافحة فقط إذا كان في الحضر، وكثرة اللقاء، فالمصافحة كافية مع السلام، أما إذا كان من سفر أو غيبة طويلة فتشرع المعانقة، فقد روى الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به عن أنس رضي الله عنه، قال: كان أصحاب النبي إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا.
فالمعانقة إنما تكون عند القدوم من الأسفار، هذا ما فعله الصحابة.
ومعنى المعانقة: أن يلي العنق العنق ويحاذيه، والغيبة الطويلة تنزل منزلة القدوم من سفر، وهذا من باب القياس، لا سيما مع اتساع البلاد، وقد كانوا من قبل في حي واحد صغير، حتى كان الجامع الواحد يكفي البلد، ولم يحدث جامعان في مصر واحد؛ إلا في بغداد سنة 282هـ، كما قال بعض علماء المالكية في خلافة المعتضد: كان في كل مصر جامع واحد
(1) أخرجه الترمذي (رقم: 2728) أخرجه أحمد (رقم: 13075) وعبد بن حميد (رقم: 1217) وابن ماجه (رقم: 3702) واستنكره الأمام أحمد كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 240).
يكفي أهل البلد، حتى جاءت خلافة المعتضد سنة 282هـ فأحدث جامع آخر لكثرة الناس.
وتقبيل الرأس شائع في عصرنا، مع أنه في النصوص قليل بل نادر، وأما تقبيل اليد فاختلف فيه أهل العلم: فمنهم من كرهه وشدَّدَ فيه، حتى قال مالك: هو السجدة الصغرى، ومنهم من رخص فيه وجاءت أخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ يده بعض الصحابة. (1)
وبعض أسانيدها لا بأس بها، وجاء عن بعض التابعين أنه فعل ذلك مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. (2)
فتقبيل اليد موجود عند السلف على قلّته، وتقبيل اليد يباح لثلاثة: للعالم الورع، وللوالدين، والإمام العادل، أما فعل هذا لأهل المال والجاه والمناصب فمكروه وأما فعله للولاة الظلمة ومن لا يقيم للدين قدرا فمحرم كما قال النووي (3) رحمه الله وأما فعل هذا لأئمة الضلالة
(1) انظر: ابن أبي شيبة (رقم:34374) وأبو داود (رقم: 2649) والبخاري في التاريخ الكبير (رقم:2048) وفي الأدب المفرد (رقم:972) والبيهقي (رقم:13968).
(2)
انظر: جزء الرخصة في تقبيل اليد لأبي بكر بن المقرئ فقد جمع الأحاديث الواردة فيه.
(3)
قال الإمام النووي في روضة الطالبين: (10/ 236): وأما تقبيل اليد فإن كان لزهد صاحب اليد وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته ونحوه من الأمور الدينية فمستحب، وإن كان لدنياه وثروته وشوكته ووجاهته ونحو ذلك فمكروه شديد الكراهة.
المبتدعة، وشيوخ الخرافات، فلا شك أن فعل هذا من الكبائر لما فيه من تعظيم أهل الضلالة وفتن الناس بذلك؛ والغالب أن هذا يفعله بهم مريدوهم وأصحابهم ومن هلكوا بسببهم، وقد أدركنا بعض هؤلاء الهلكى، وكان يقبله مريدوه كما يقبلون الحجر الأسود.
قول المؤلف: (ويستحب .... ولا يستحب لغير هؤلاء)
القيام على أربع صور:
الصورة الأولى: القيام على رأس من يراد حراسته، وهذا مباح.
كقيام الصحابة على رأس النبي صلى الله عليه وسلم لحراسته عام صلح الحديبية أثناء عقد الصلح، وغيره.
الصورة الثانية: القيام للقادم ونحوه تعظيماً، وهذا محرم.
وفيه حديث معاوية «مَنْ أَحبَّ أن يَمْثُلَ لهُ الناسُ قياما، فَليَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ من النار» . أخرجه أبو داود وغيره وهو حديث لا بأس به ويشهد له ما رواه مسلم من حديث جابر من نهيه عن الصلاة خلفه قياماً وهو قاعد وقال: إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا» وأعظم من هذا القيام تعظيماً للعَلَم مع ما فيه من مشابهة الكفرة الآن، ومما يمنع القيام للمعلم عند دخوله فصل الدراسة وقد أفتى شيخنا بمنعه.
الصورة الثالثة: القيام للتكريم عند قدوم والد أو ولد أو غيرهما، وهذا مباح.
وقد أخرج أبو داود والنسائي بسند صحيح من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى فاطمة بنته قد أقبلت رحب بها، ثم قام فقبلها ثم أخذ بيدها حتى يجلسها في مكانه
…
» وأصله في الصحيح دون ذكر القيام، ومن جنسه القيام للتهنئة كقيام طلحة لكعب لتهنئته بتوبة الله عليه.
الصورة الرابعة: القيام لأجل حاجة من يقام له، وهذا مباح أيضاً.
ومن أدلته حديث أبي سعيد عند البخاري وفيه «أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء، فقال: قوموا إلى سيدكم
…
» ووقع عند أحمد من حديث عائشة «قوموا إلى سيدكم فأنزلوه» .. والكلام في مسألة القيام للغير طويل وإنما ذكرت الخلاصة النافعة ..