الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَمَنْ رَأَى مِنَ الحَيَّاتِ شَيْئًا فِي مَنْزِلِهِ
فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلَاثًا، إِنْ بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَتَلَهُ.
وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه إِنْ كَانَ ذُو الطُفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرُ قَتَلَهُ، وَلَمْ يُؤْذِنْهُ. وَذُوْ الطُّفَّتَيْنِ: الَّذِيْ بِظَهْرِهِ خَطٌّ أَسْوَدٌ.
وَالأَبْتَرُ: الغَلِيْظُ القَصِيْرُ الذَّنَبِ.
وَصِفَةُ القَوْلِ الَّذِيْ يُؤذِنُهُ: اِمْضِ بِسَلَامٍ، أَوِ اِذْهَبْ بِسَلَامٍ.
وقول المؤلف: (ومن رأى من الحيات ..... أو اذهب بسلام)
قال ابن عبد القوي في منظومته.
وقتلك حيات البيوت ولم تقل
…
ثلاثاً له اذهب سالماً غير معتد
وذا الطفيتين اقتل وأبتر حيةٍ
…
وما بعد إيذانٍ يُرى أو بفدفدِ. (1)
فمما ينهى عن قتله حيات البيوت، إذا لم تنذرها ثلاثاً ولم تقل: اذهب سالماً غير معتد.
(1) منظومة الآداب لابن عبد القوي بشرح الحجاوي (صـ 303_304).
بعض العلماء يرى أنه لا يجوز قتل حيات البيوت؛ إلا بعد إنذارها في أي مكان.
وبعضهم يقول: إن هذا خاص بالمدينة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن جناً بالمدينة قد أسلموا» والجن منهم من يكون على هيئة حيات، ومنهم من يكون على هيئة السحالي، ومنهم من يطيرون، ومنهم من يحلون ويظعنون مثل أهل البادية.
فما دامت الجن تتمثل بالحيات والكلاب، فلابد من إنذار الحية قبل قتلها، علماً بأن الكلب الأسود شيطان فيقتل مباشرة ومعنى شيطان أي شيطان جنسه لكثرة خبثه لا أنه شيطان حقيقة، نعم، قد يتشكل الجن بصورته لكن الحديث المراد به الأول، لكن الحية قد تكون جناً مسلماً، وقد تكون جناً كافراً، وقد تكون حية أفعى حقيقية.
فقالوا: إن حيات البيوت تنذر إذا وجدت في بيوت المدينة للحديث، وبعضهم قال: لا تقتل الحيات العوامر التي تسكن البيوت في أي بيتٍ وفي أي مدينةٍ، إذا وجدها لا يقتلها مباشرة، وإنما يُنذرها.
وصفة الإنذار أن يقول: أُحرّج عليك بالله أن تخرجي، ثلاثاً واختلف العلماء في معنى ثلاثاً التي جاءت في الحديث، هل هي ثلاثة أيام، أو هي
ثلاث مرات، هل ينذرها ثلاثة أيام كل يوم يقول: أحرج عليك بالله أن تخرجي، أي: أقسم عليك بالله أن تخرجي وتتركي بيتنا مثلاً؟ إن كان جناً مسلماً فسيغادر، وإن لم يغادر فهو شيطان فاقتله، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم. لكن اختلفوا هل هي ثلاثة أيام أو ثلاث مرات؟ والصحيح الثلاث المراد عدد مرات التحريج.
ولو قال قائل: هل أنتظرها حتى تذهب وتدخل في متاع البيت ولا أدري أين تذهب، وقد تكون أفعى عادية وليس لها علاقة بالجن، فهل أتركها؟
نقول له: أنتَ لست ملزماً بإبقائها في البيت، لكن منهي عن قتلها فقط، حتى تحرج عليها، إذا وجدتها بعد ذلك فاقتلها ولا حرج.
وجاء أن رجلاً من شباب الأنصار كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة الخندق وأراد أن يذهب إلى أهله - وكان حديث عهد بعرس - فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يأخذ معه سلاحه، وقال صلى الله عليه وسلم:«خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة» فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به، وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية
عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يدري أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى؟ قال أبو سعيد راوي الحديث: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له وقلنا ادع الله يحييه لنا، فقال:«استغفروا لصاحبكم» ثم قال: إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً، فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان» (1) .. هذا الحديث صريح بأنه ينذر ثلاثة أيام وقد أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد لكن يظهر لي أنه من فهم الراوي وإلا المراد ثلاث مرات، والأصول تعضد ذلك، فإن الغاصب والصائل والمعتدي يجب أن ينزع عن مظلمته فورا، وإلا وجبت عقوبته.
وهناك حيات تقتل مباشرةً سواء أكانت في البيت أو خارج البيت، وهي:
ذو الطفيتين: وهو نوع معين من الحيات له خطان على ظهره، خطان متوازيان، قيل خطان أبيضان، وقيل خطان أسودان، هذا يسمى ذا الطفيتين، يُقتل مباشرة لا يُنذر ولا يُمهل.
(1) أخرجه مسلم (رقم: 2236).
والأبتر: عظيم النهاية، والحيات تكون في العادة غليظة من فوق والمنتصف، وفي نهايتها تدق حتى يكون لها ذنبٌ أو ذيلٌ دقيق، أما الأبتر فكأنه مقطوع الذنب، فهو من جهة الذنب في النهاية غليظ؛ كأنه مقطوع الذيل، فهذا يقتل مباشرة؛ وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث في الصحيحين:«اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يطمسان البصر ويستسقطان الحبل» (1) أي: أن المرأة تسقط الولد الذي في بطنها بمجرد رؤيته، وكذلك يلتمسان البصر، قيل: إنه بمجرد النظر إليه يُعمي، وقيل: إنه يستهدف بصر الإنسان عند اللسع، ففيه قوةٌ سمية تسبب العمى، وقيل إنه ينفث سماً من غُدده السمية التي في نابيه على وجه الشخص وعينه فإذا أصاب السم العين أصابها بالعمى، ونظراً لضرره، ولأن الجني المسلم لا يتمثل بهذا النوع فإنه يقتل مباشرةً.
والفدفد: هي الفلاة، فالحيات في الفلاة تقتل مباشرة، لا يلزم تحريج ولا قسم ولا شيء، فالحكم إذاً بالتحريج خاصٌ بحيات البيوت، ويستثنى من حيات البيوت ذو الطفيتين والأبتر.
(1) أخرجه البخاري (رقم: 3123) ومسلم (رقم: 233).
وقد ورد في صفة التخريج ما أخرجه أبو داود في سننه من طريق ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ فَقَالَ «إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا فِي مَسَاكِنِكُمْ فَقُولُوا أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ نُوحٌ أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَانُ أَنْ لَا تُؤْذُونَا فَإِنْ عُدْنَ فَاقْتُلُوهُنَّ» . وفي هذا الإسناد ضعف من أجل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فإنه سيء الحفظ.