الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرساً كان أو نحوه» (1) وهذا صريح في العموم، لكن نقول: هذا السياق غير محفوظ، والمحفوظ في الحديث:«من دعي إلى وليمة فليجب» (2)
كما هي ألفاظ حديث ابن عمر الصحيحة، وما جاء في معناها، من حديث جابر وحديث أبي هريرة، والحديث صريح في الوليمة فقط، وأخشى أن يكون هذا إدراجاً من الراوي.
والحضور إلى وليمة العرس واجب إلا أنه يسقط بأسباب، كمشقة حضور، أو عجز، أو ما أشبه ذلك من الموانع المعتبرة، وأيضاً يسقط عنه إذا أذن صاحب الدعوة؛ لأن الحق له.
فمن
مسقطات وجوب إجابة الدعوة:
1 -
المرض الذي يبيح التخلف عن صلاة الجماعة.
2 -
إذن صاحب الدعوة بالتخلف.
3 -
المشقة التي مثلها يسقط الحضور كالبعد ونحوه.
(1) أخرجه عبد الرزاق (رقم: 19666) وأحمد (رقم: 6337) ومسلم (رقم: 1429) وأبو داود (رقم: 3740) وأبو عوانة (رقم: 3399) والبيهقي (رقم: 14302).
(2)
أخرجه أحمد (رقم: 4712 و 4730) والبخاري (رقم: 4878) ومسلم (رقم: 1429) وابن ماجه (رقم: 1914) وأبو عوانة (رقم: 3387) والبيهقي (رقم: 14295) بلفظ: «إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب» إلا البخاري فقال: «إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها» .
4 -
وجود دعوة سابقة.
5 -
وجود دعوة في الوقت نفسه، وبيت صاحبها أقرب، وفي هذه والتي قبلها حديث عائشة الذي رواه أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق} وروى البخاري بإسناده {عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال: أقربهما منك بابا} ولأن هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني.
6 -
أن يكون الداعي ممن يشرع هجره.
7 -
أن يوجد في الوليمة منكر لا يستطيع تغييره أو إزالته.
مسألة: بم تحصل الدعوة؟
تحصل الدعوة بالتنصيص عليه بقوله: "يا فلان احضر"، أو بطاقة دعوة فيها اسمه كما هو حاصل الآن، أو بالاتصال الهاتفي، أو بتوكيل رجل يدعوه، في كل هذه الحالات يحصل تعيين المدعو، ويجب عليه أن يحضر، ومما لا يجب عليه الحضور: لو قال: "ادع لي كل من لقيت"،
وهذه يسميها العلماء دعوة الجفلى، وقد قال طرفة:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى
…
لا ترى الآدب منا ينتقر
الآدب: هو صاحب المأدبة
والانتقار: هي دعوة البعض وترك البعض، فيقول: نحن في المشّتات، وفي شدة البرد، ووفرة الجوع، ندعو كل من لقينا كرماً منا، كذلك بطاقات الدعوة أحياناً يكون الذي يلي كتابة الأسماء ليس صاحب الدعوة، بل صاحب الدعوة لا يدري عن كثير من الأشخاص الذين دُعوا، فإذا عُلم أن صاحب هذه الدعوة ليس هو الداعي ولا وكيله فلا يلزم الناس الحضور، وهي تشبه حينئذ دعوة الجفلى وقد صرح الفقهاء بأن دعوة الجفلى ليست ملزمة.
ويجب الحضور ولو كان الإنسان صائماً، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم» (1)
والمراد بالصلاة هنا الدعاء، وفي قوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (2)
(1) أخرجه أحمد (رقم: 10593) ومسلم (رقم: 1431) وأبو داود (رقم: 2462) والترمذي (رقم: 780) والنسائي (رقم: 3270).
(2)
التوبة: 103.
أي: ادع لهم، وكان ابن عمر رضي الله عنه يجيب الدعوة فإن كان صائماً برّك ودعا ثم انصرف، وإن كان مفطراً طعِم.
مسألة: حكم الأكل عند حضور الدعوة.
قال بعضهم: يلزمك إذا دعيت أن تأكل، وقال في حديث ابن عمر:«وإن كان مفطراً فليطعم» وهذا أمر.
وقال بعضهم: الواجب الإجابة وليس الأكل، بدليل وتعليل، أما الدليل فهو حديث جابر رضي الله عنه:«إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك» (1) وهذا أخرجه مسلم في الصحيح.
وهذا صريح، فإن شاء طعم وإن شاء ترك، وأيضاً لو كان الأكل واجباً لما شُرِع دعوة الصائم، ومع ذلك فالصائم يجيب، ثم إذا حضر دعا وانصرف، وهذا القول هو الصحيح، وأُورد على حديث جابر إيرادٌ وهو:«فإن شاء طعم وإن شاء ترك» حمل هذا على الصائم «إذا دعي أحدكم وهو صائم فإن شاء طعم وإن شاء ترك» كأنه يخير الصائم بين الطعام والترك، وهذا فيما إذا كان الصوم نفلاً، أما إذا كان فريضة فلا يجوز أن
(1) أخرجه مسلم (رقم: 1430) وأخرجه أحمد (رقم: 15256) وأبو داود (رقم: 3742)(والنسائي (رقم: 6610) وابن ماجه (رقم: 1751).
يقطع الصوم، ونقول: أن الإشكال لم يزل إلى الآن فإنه إذا خير الصائم نفلاً بين كونه يفطر أو لا يفطر، علم أن الأكل أصلاً ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لتحتم على صائم النفل أن يأكل، فتعين ما ذكرنا أن الأكل ليس بواجب في دعوة الوليمة، ويستحب الأكل لأن فيه إتمام الدعوة، وبه جبر قلب صاحب الدعوة.
ومن مسقطات الدعوة: وجود منكر فيها لا يستطيع إنكاره، فإذا كان المدعو يستطيع إنكاره فيجب الحضور والإنكار؛ لأن في حضوره حينئذٍ مصلحتين:
المصلحة الأولى: إجابة الدعوة.
والمصلحة الثانية: إزالة المنكر.
بل يتأكد على من علم أن في الوليمة الفلانية منكراً وهو أحد المدعويين فعليه أن يحضر وينكر، فإن لم يستطع الإنكار أو علم مسبقاً أنه لا يستطيع فإنه لا يجوز له الحضور.
فإن حدث المنكر وهو حاضر، فإنه يجب عليه أن ينكر، وكذا كل واحد في الوليمة، فإن زال فالحمد لله، وإن لم يزل نُظِر، فإن كان المنكر
عاماً يعم أهل الوليمة، كأن يكون في الوليمة صوت منكر، فحينئذ إما أن ينكر أو يذهب، وإن كان المنكر خاصاً، كأن يتعلق ببعض الحاضرين، فهذا يجب فيه الإنكار، ولا يلزم المغادرة؛ كأن يدخن إنسان في زاوية المجلس، فهذا رأى منكراً يجب عليه إنكاره، وإنكاره فرض كفاية، فإن زال فالحمد لله، وإن لم يزل فلا يجب مغادرة المكان؛ لأن هناك فرقاً عند أهل العلم بين مجلس المنكر ومجلس فيه منكر.
وأيضاً المنكرات تختلف فالمجلس الذي فيه هتك حرمة وركوب الكبائر ليس مثل مجلس يخلو من ذلك وفيه مخالفة دون ذلك بكثير، ومراعاة المصالح في الجلوس أو المفاسد يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر وله شاهد من حديث عمر:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر» (1)
قال: (وليس له أن يستجيب إلى وليمة الختان فإنها محدثة)
(1) أخرجه النسائي (رقم: 6741) والترمذي (رقم: 2801) وقال: حسن غريب. والحاكم (رقم: 7779) وقال: صحيح على شرط مسلم، والطبراني في الأوسط (رقم: 688) من حديث جابر رضي الله عنه، وحديث عمر رضي الله عنه أخرجه أحمد (رقم: 125) قال الهيثمي (1/ 277): فيه رجل لم يسم، والبيهقي (رقم: 14326).
وليمة الختان لم تكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولا في عهد الصحابة، وقال شيخ الإسلام: وأما دعوة الختان فلم تكن الصحابة تفعلها وهي مباحة. (1)
ثم من العلماء من أصحاب أحمد وغيره من كرهها، ومنهم من رخص فيها، والصحيح أن الوليمة لها مباحة، لحصول القيام بواجب الختان ولسلامة الولد وهي ليست بسنة ولا بدعة، كوليمة نهاية البناء، على أن في المسألة تفصيلاً ليس هذا مكانه.
ومما ينبغي التنبه له الحرص على تآلف القلوب، والحذر الشديد من زوال ذلك كأن يحصل منه حين الدعوة لهذه الوليمة، أن يقول: إنها بدعة وليست بسنة، وكان الأولى حين الامتناع أن يرد بلطف.
وأيضاً على الطرف الآخر قبول العذر؛ لأن مثل هذه الولائم مباحة فكيف يكون التثريب عليه بعدم الحضور مع العلم أنها ليست واجبة.
مسألة: اختُلف في رقص النساء للزواج، فمنهم من منعه، وكان شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - يشدد فيه، ويقول: يبلغني عنه
(1) مجموع الفتاوى (32/ 206).
مفاسد، منها أن بعض النساء يسقط في أثناء الرقص، ومنها أن بعضهن يفتن بعضاً، بحركاتها ولعبها، ومنها أن فيه إظهاراً لبعض المفاتن - كأن يكون اللباس غير كاسٍ.
وسئل شيخنا ابن باز - رحمه الله تعالى - فقال: جائز، إن لم يكن فيه مضرة وهذا هو الصحيح.