الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُوْلَ عِنْدَ النُّهُوْضِ مِنَ المَجْلِسِ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوْبُ إِلَيْكَ، فَهِيَ كَفَّارَةُ المَجْلِسِ.
وَيُكْرَهُ الجُلُوسُ فِي ظِلِّ المَنَارَةِ، وَكَنْسُ البَيْتِ بِالخِرْقَةِ، وَالشُّرْبُ مِنْ ثُلَمَةِ الإِنَاءِ.
فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ الآدَابِ، وَاللهُ تَعَالَى المُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
قوله: (ويستحب أن يقول .... فهي كفارة المجلس)
أما كفارة المجلس، فجاءت فيها أخبار كثيرة، واشتهر عن البخاري رحمه الله أنه ضعف هذا الخبر، وهذا من عدم فهم ما نقل عن البخاري، فإنه نقل عنه أنه أعل حديث أبي هريرة، فإن الحاكم أخرجه في المستدرك، وهو عند الترمذي أيضاً، والنسائي في عمل اليوم والليلة، كلهم من رواية حجاج بن محمد - وهو المصيصي - عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جلس في مجلس وكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك
وأتوب إليك، إلا غفر الله ما كان في مجلسه ذلك» (1) هذا لفظ الترمذي، وقال: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث سهيل من هذا الوجه، قال الحافظ: وفي الباب عن أبي برزة - إلى قوله: قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، والبخاري أعله برواية وهيب عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن كعب الأحبار، كذا قال في المستدرك، قال الحافظ: ووهم في ذلك، فليس في هذا السند ذكر لوالد صهيب ولا كعب والصواب عن سهيل عن عون، وكذا ذكره أهل الصواب في علوم الحديث، فإنه ساق فيه من طريق البخاري عن محمد بن سلام عن مخلد بن يزيد عن ابن جريج بسنده ثم قال: قال البخاري: هذا حديث مليح لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول، حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا وهيب، حدثنا موسى بن عقبة، عن عون بن عبد الله، قوله - يعني أن هذا الخبر إنما هو من قول عون بن عبد الله - هذا أولى فإنا لا نذكر لموسى بن عقبة سماعاً من صهيب.
وأخرج البيهقي في المدخل عن الحاكم بسنده المذكور في علوم الحديث عن البخاري، فقال عن أحمد ويحيى بن معين، كلاهما عن حجاج
(1) أخرجه الترمذي (رقم: 3433) وأخرجه أحمد (رقم: 10420) النسائي (رقم: 10230) وابن حبان (رقم: 594) والبيهقي في شعب الإيمان (رقم: 628).
بن محمد، وساق كلام البخاري؛ لكن قال: لا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا غير هذا الحديث، إلا أنه معلول، وقوله لا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا، هو المنقول عن البخاري، وقوله:(لا أعلم في هذا الباب غير هذا الحديث) ، فإن في الباب عدة أحاديث لا تخفى على البخاري.
وقد ساق الخليلي في الإرشاد هذه القصة عن غير الحاكم وذكر فيها أن مسلماً قال للبخاري: أتعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديث غير هذا؟ فقال: لا، إلا أنه معلول.
ثم ذكره عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن موسى بن عقبة، عن عون بن عبد الله، من قوله، والبخاري أنكر هذا الإسناد وأعله، وإلا فهذا المتن جاء من أسانيد جماعة من الصحابة.
قال الحافظ: وقد تتبعت طرقه فوجدته قد ورد من رواية جماعة من الصحابة عدتهم سبعة زائدة على من ذكر الترمذي، وأحال بيان ذلك على تخريجه لأحاديث الإحياء.
وقد تتبعت طرقه ووجدته من رواية خمسة آخرين، فكانوا خمسة عشر نفساً، ومعهم صحابي لم يسم فلم أضفه إلى العدد لاحتمال أن يكون أحدهم، وقد خرجت طرقه فيما كتبت عن علوم الحديث، وأذكره هنا ملخصاً، وهم:
1 -
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عند الطبراني في المعجم الكبير، أخرجه موقوفاً وعند أبي داود أخرجه موقوفاً، -كما تقدم التنبيه عليه-.
2 -
وأبو برزة الأسلمي وحديثه عند أبي داود والنسائي والدارمي، وسنده قوي.
3 -
وجبير بن مطعم وحديثه عند النسائي وابن أبي عاصم، ورجاله ثقات.
4 -
والزبير ابن العوام وحديثه عند الطبراني في المعجم الصغير، وسنده ضعيف.
5 -
وعبدالله ابن مسعود وحديثه عند ابن عدي في الكامل وسنده ضعيف.
6 -
والسائب بن يزيد وحديثه عند الطحاوي في مشكل الآثار والطبراني في الكبير، وسنده صحيح.
7 -
وأنس بن مالك وحديثه عند الطبراني والطحاوي وسنده ضعيف.
8 -
وعائشة وحديثها عند النسائي وسنده قوي.
9 -
وأبو سعيد الخدري وحديثه في كتاب الذكر لجعفر في الرياء بسند صحيح إلا أنه لم يصرح برفعه.
10 -
وأبو أمامة حديثه عند أبي يعلى وابن السني، وسنده ضعيف.
11 -
ورافع بن خديج وحديثه عند الحاكم والطبراني في الصغير، ورجاله موثّقون إلا أنه اختلف على راويه في سنده.
ثم ذكر جملة بقية الصحابة الذين رووه، ثم ختم هو كتابه شرح البخاري، بقوله: ورأيت أن أختم الفتح بطريق من طرق هذا الحديث ثم ساق إسناد حديث عائشة، الذي رواه النسائي في سننه من طريق خالد ابن أبي عمران، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلساً أو صلى تكلم بكلمات، فسألته عن ذلك فقال:«إن تكلم بكلام خير كان طابعاً عليه -يعني خاتماً عليه- إلى يوم القيامة، وإن تكلم بغير ذلك كانت كفارة له، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» (1). (2)
وهذا من آخر كلام الحافظ في شرح البخاري، فيكون هذا الحديث ثابت من حديث أبي برزة وحديث عائشة، وجماعة من الصحابة.
ويقال عند نهاية المجلس، وهذا الدعاء يكفر الصغائر، وإن كان بتوبة كفّر الكبائر التي ليست متعلقة بالمخلوقين، فإن فيه:«أستغفرك وأتوب إليك»
(1) أخرجه النسائي (رقم: 1267).
(2)
فتح الباري لابن حجر - (10/ 410).
فإن كان هذا يتعلق بكلام يختص بمخلوق، فإنه لا بد من رد حقوق المخلوقين، ولكن إذا كان هذا كلاماً سيئاً وفحشاً من القول فإنه يُكَفَّر إذا كان صادقاً فيما يقول، دون أن يكون فيه غيبة أو نميمة أو سب أو قدح.
فإن كان صاحبه يقول هذا الذكر وليس مستحضراً لمعنى التوبة فهل يقال إنه ما يكفر إلا الكبائر التي ذكرناها قبل قليل، التي تتعلق بحقوق المخلوقين؟
نقول: فيه وجهان عند أهل العلم، فإن الإنسان إذا قال: أستغفر الله، فلا يخلو استغفاره أن يكون عن ندم وتوبة، أو يكون مجرد دعاء، فإن كان مجرد دعاء، فالدعاء قد يستجاب وقد لا يستجاب، وإن كان مقروناً بندم أو توبة فإنه يتضمن التكفير، وهذا يقال في مطلق المجالس، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله في بعض مجالسه، فإنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، وأمر به ورغّب فيه، فيقال في مجلس الخير وفي غيره من المجالس، ويقال في آخر المجلس.
وهذا الذكر بعينه جاء مما يقال أيضاً عند الوضوء، كما أخرجه النسائي في الكبرى (1) بسند صحيح، عن أبي سعيد موقوفاً عليه، أن هذا مما يقال عند نهاية الوضوء، فيكون أحد النوعين الذين يقالان بعد الضوء
(1) النسائي (رقم: 9911) وابن أبي شيبة (رقم: 19).
منها: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله» ومنها «سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» والموقوف عن أبي سعيد له حكم الرفع؛ لأن هذا لا يقال بالرأي.
قوله: (ويكره الجلوس في ظل المنارة وكنس البيت بالخرقة).
أما الجلوس في ظل المنارة فيحتمل لما تقدم من أن المنارة قد لا تستره إلا قليلاً، فيكون من الجلوس بين الشمس والظل، وتقدم الكلام عليه، وأما كنس البيت بخرقة فلا يتبين لي العلة، وليس في النصوص ما يدل على هذا الشيء، وقد يقال أنه يخشى من هذا جرح في اليد، وأذيتها، أو ربما يصادف دابة أو ما أشبه ذلك، ولا أعلم في هذا خبراً.
قوله: (والشرب من ثلمة الإناء).
جاء في ذلك أخبار، منها ما رواه أبو داود من طريق عبد الله بن وهب، قال: أخبرني قرة بن عبد الرحمن - وهو ابن حيوه - عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي سعيد رضي الله عنه، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب من ثلمة القدح وعن النفخ في الشراب. (1)
(1) أخرجه أبو داود (رقم: 3724) وأخرجه أحمد (رقم: 11777).
وقرة بن عبد الرحمن: الصحيح أنه لين الحديث، وكيف ينفرد عن الزهري وتلاميذ الزهري كُثر، وله شواهد منها حديث سهل بن سعد عند الطبراني (1)؛ لكن في إسناده عبد المهيمن بن العباس بن سهل بن سعد، حفيد الصحابي سهل بن سعد، وعبد المهيمن هذا ضعيف، وله شاهد أيضاً موقوف على ابن عباس وابن عمر، وأخرجه الطبراني في الكبير من طريق إبراهيم بن طهمان عن إبراهيم عن معاذ عن أبيه عن مجاهد عن ابن عباس وابن عمر. (2)
وهذا فيه أكثر من علة، فإبراهيم بن المهاجر فيه لين، وكذا نعيم بن حماد، ووالد إبراهيم المهاجر غير معروف، وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة، وإسناده من طريق موسى ابن إسماعيل عن ابن المبارك عن معمر عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه: نهى الإنسان أن يشرب من كسر القدح. (3)
(1) أخرجه الطبراني (رقم: 5722) والروياني (رقم: 1075).
(2)
أخرجه الطبراني (رقم: 11055) قال في مجمع الزوائد (5/ 96) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (رقم: 6833) وأخرجه عبد الرزاق (رقم: 19592 و 19593) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 96): رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات رجال الصحيح.
والظاهر أن هذا الإسناد إن سلم من العلة الخفية فإنه لا بأس به، ويكون شاهداً لحديث أبي سعيد، والنهي لا يتعدى الكراهة.
والحكمة التشويش على الشارب بحيث لا يتمكن من الشرب ومجمع للأوساخ والزهومات، وقد تجرح الثلمة فم الشارب، وأيضاً قد ينسكب على الشارب مما في الإناء.
وفي الختام نسأل الله أن ينفع به كاتبه وقارئه والحمد لله رب العالمين.
وكتب
أبو محمد- عفا الله عنه-