الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتشتد الكراهة إذا كان الأخذ من اللحية؛ لأنه حينئذٍ يكون فيه أخذ من اللحية من غير حاجة، فهو في اللحية أشد، والحكم العام عند جماهير أهل العلم أنه مكروه.
مسألة: أما الصبغ بغير السواد
للشيب إذا كثر، فهذا سنة، فإن قال قائل: قد ورد في الحديث التعليل بأنه نور المسلم، نقول: كونه نوراً لا يمنع من صبغه، فإنه يسمى شيباً مصبوغاً، وليس بلازم اشتراك البياض بالنور، فمادام أن هذه الشعرة تسمى شيبة، فإنها تكون نوراً يوم القيامة، فإذا صبغها فقد صبغ الصحابة ومن بعدهم، فلا منافاة بين صبغ الشيب وكونه نوراً.
واختُلِف هل صبغ النبي صلى الله عليه وسلم ،أم لا؟ والتحقيق أنه لم يصبغ وفيه بحث متفرق للحافظ أبي الفضل ابن حجر في شرح البخاري فليراجعه من أحب.
قوله: (وفي الحديث أنه نور الله)
كأن المؤلف وهم في سياق الحديث، فإنه نور المسلم.
ولعل لفظة: (نور الله) هنا بمعنى إضافة مخلوق إلى خالقه، أي: النور الذي جعله الله للمسلم، كناقة الله وبيت الله، ولكن هذه إضافة
تشريف، وهنا لم يجيء أن نور الله إضافة تشريف، فيكون من إضافة الشيء إلى خالقه وموجده، يعني أن الله جعله نوراً، فيستحيل الشيب على الصراط نوراً، وهذا جزء من النور الذي يكون على الصراط، الذي يُعطاه أهل الإيمان.
قوله: (وهو أيضاً نذير الموت ..... وهو وقار).
كل هؤلاء الأربع لا أحفظ أنه صح فيها خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي بالنظر إلى الحال، وقد فُسِّر قوله تعالى:{وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (1) بأنه الشيب، وأيضاً في هذا التفسير نظر، بل النذير هو الرسول، وقد يشيب الإنسان في سن مبكرة فيكون قوي الآلات والأعضاء فلا يكون على إطلاقه نذير موت، وقد يتأخر الشيب في شخص مع وهن الأعضاء وضعف البنية، وتعبير المؤلف بالغالب.
قوله: (ويكره حلق القفا ....... كذلك روي في السنن)
(1) فاطر: 37.
مراد المؤلف في السنن يعني الأخبار الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهناك خبر في النهي عن القزع في الصحيحين (1) ، وأما النهي عن حلق القفا فلا يصح فيه خبر.
وأما شعر الرأس وأحكامه، فالأصل جواز توفير شعر الرأس، وقد اختلف في توفيره وتوفيته وإكثاره، فقال بعض أهل العلم أنه سنة، بشرط الإكرام والتعاهد، وقالوا أيضاً بشرط أن يكون الإكرام والتعاهد غبّاً؛ (2) لأن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه نهى عن الترجل إلا غبّاً، والمراد بالترجل أن يزين
(1) أخرجه البخاري (رقم: 5576 و 5577) ومسلم (رقم: 2120) ولفظ البخاري: عن عبيد الله بن حفص: أن عمر بن نافع أخبره، عن نافع مولى عبد الله، أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القزع.
قال عبيد الله: قلت وما القزع؟ فأشار لنا عبيد الله، قال: إذا حلق الصبي وترك ها هنا شعرة، وها هنا، وها هنا، فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته، وجانبي، رأسه.
قيل لعبيد الله: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري هكذا قال: الصبي.
قال عبيد الله: وعاودته، فقال: أما القصة، والقفا للغلام، فلا بأس بهما، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر، وليس في رأسه غيره، وكذلك شق رأسه هذا وهذا.
(2)
الغِبّ: بكسر المعجمة وتشديد الباء، وهو أن يفعل يوماً ويترك يوماً، والمراد به النهي عن المواظبة عليه، والاهتمام به لأنه مبالغة في التزيين وتهالك في التحسين. حاشية السندي على النسائي - (8/ 132).
الإنسان شعره باستخدام الدهن وما يصلح الشعر، أما مجرد التسريح فيجوز في كل وقت للّحية والرأس.
والمراد بالترجل في ألفاظ الحديث النبوي وألفاظ الفقهاء هو: استعمال مادة لإصلاح الشعر من دهن أو نحوه، وأما مجرد استعمال المشط فلا يسمى ترجلاً.
وهذا أحد الأقوال المنقولة عن الإمام أحمد، وقال: إنه سنة ولكن له مؤنة وكلفة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوفر شعره، وهذه حجة من قال أن توفير الشعر سنة.
وكان صلى الله عليه وسلم يفرقه من الوسط، وكان يتعاهده بنفسه أو بأهله، كما في خبر عائشة في قصة اعتكافه عليه الصلاة والسلام، حينما كانت ترجل شعره وهو في المسجد (1)، وقالوا: أنه لم يعهد عنه حلقه إلا في حج أو عمرة، وهذه حجة من اشترط الإكرام، وقالوا أيضاً: أنه قد كان لبعض أصحابه لمّة كأبي قتادة وغيره.
(1) أخرجه مالك في الموطأ (رقم: 1108) أحمد (رقم: 24284) البخاري (رقم: 1924 و 1925) ومسلم (رقم: 297) وأبو داود (رقم: 2469 و 2471) والترمذي (رقم: 804) والنسائي (رقم: 3370).
وقال بعضهم: ليس بسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم مشى على عادة العرب في اتخاذ الشعر، فهو يحكمه العادات.
لكن السنة جاءت بضوابط في إكرامه ودهنه وتنظيفه وألا يكون ثائراً، ولم تجيء قط بالأمر بتوفيته وإصلاحه وما أشبه ذلك، إنما جاءت بأنه إذا اُتخذ فإنه يفعل به كذا وكذا، وفي الحديث:«من كان له شعر فليكرمه» (1) وهو حديث لا بأس به، وقد بسطت الكلام عليه وتخريجه في شرح منتقى الأخبار يسر الله إتمامه.
ونهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبّاً (2) ، يدل على هذا الشيء، وكان لأبي قتادة لمّة كبيرة فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعاهدها يوميّاً، فأذن له، لأنه كان إذا تعاهدها غبّاً أسرع إليها الشعث، فقيل أنه أذن له لذلك، وقد رواه النسائي من طريق محمد بن المنكدر عن أبي قتادة، وقيل لم يسمع منه مع أن في متنه اختلافاً .. وقد روي عن أحمد رحمه الله أن توفير الشعر عن
(1) أخرجه أبو داود (رقم: 4163) قال الحافظ في الفتح (10/ 368) سنده حسن. والبيهقى في شعب الإيمان (رقم: 6455) والطبراني في الأوسط (رقم:8485).
(2)
أخرجه أحمد (رقم: 16839) أبو داود (رقم: 4161) والترمذي (رقم: 1756) والنسائي (رقم: 5055 و5056) والطبراني في الأوسط (رقم: 2436) وهذا هو حديث عبد الله بن مغفل وقد اختلف في وصله وإرساله وفيه اضطراب أيضاً، لكن له شاهد من حديث حميد الحميري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، فبه يثبت الخبر.
بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولكن نقول أن من وفّره بنية اتباع النبي وأصحابه فإنه لا يلام على ذلك، ولكن إن كان شعاراً لأهل الفسق فينبغي مخالفته؛ لأنها لم تثبت بها سنة صريحة، وتغلب جانب المفسدة إذا تحققت.
فحينئذٍ يكره ترك الشعر وقد نص على مثل هذا ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد وغيره من أهل العلم، قال ابن عبد البر: وإنما توفية الشعر وإكثاره في عصرنا، إنما هو لأهل الفسق والمجون. (1)
وأما بالنسبة لحكم حلق الشعر، فقد اختلف فيه أهل العلم - رحمهم الله تعالى - وقد قسّم أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الحلق إلى أقسام:
القسم الأول: هو حلق الرأس على وجه التدين والتعبد والزهد من غير حج ولا عمرة أو عند التوبه فهذا ونحوه من البدع.
القسم الثاني: حلقه في نسك الحج أو العمرة، فيكون مخيراً فيها بين الحلق وبين التقصير، وهذا واجب، وقربة.
(1) التمهيد (6/ 80).
القسم الثالث: ما تدعو إليه الحاجة؛ كحجامة، أو تداو بالحلق، أو ما أشبه ذلك، فهذا مباح.
القسم الرابع: حلقه لغير حاجة فمن أهل العلم من كره حلق الرأس والمواظبة عليه، وهذا مشهور مذهب مالك، واستدل بأن الخوارج سيماهم التسبيد، أي التحليق، وكانوا يواظبون عليه، ولما جاء ذو الخويصرة التميمي، وكان كث اللحية، محلوق الرأس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«يخرج من ضئضئ هذا الرجل» أي من أصله أناس يتشبهون به، وقد خرج الخوارج بهذا الشيء، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاتلتهم، قال: «تمرق مارقة على حين فرقة من الدين (1) سيماهم التحليق، أي يلزمونه، وقيل يوجبونه ويتعاهدون رؤوسهم دائماً بالحلق، ومن هنا كرهه الإمام مالك.
وجمهور أهل العلم على جواز الحلق بلا حاجة، واحتجوا بما سيأتي من كونه صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، كما في حديث ابن عمر في الصحيحين (2) ، وفسره نافع أن يحلق بعض شعر رأس الصبي ويترك البعض، فدل على أن القزع المحرم أن يحلق بعض الشعر ويترك بعضه، وأما إذا حلقه كله أو تركه
(1) أخرجه أحمد (رقم: 11021 و 11293) والبخاري (رقم: 4094) ومسلم (رقم: 1064) وأبو داود (رقم: 4667) والنسائي (رقم: 8511).
(2)
سبق تخريجه.
كله فمباح، فدل على أن الحلق كلياً مباح، وهذا هو الصحيح، لكن المواظبة على الحلق من غير حاجة ولا تداو ولا مصلحة تعود إلى الشخص ينبغي تركها، إنما يفعله للحاجة.
وأما حكم حلق بعض الرأس وترك البعض، فقد ثبت في الصحيحين من غير وجه من حديث ابن عمر، من طريق نافع مولى ابن عمر، عنه، ومن طريق مالك، عن عبد الله بن دينار، عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع. (1)
والقزع مأخوذ من القزعة، وهي السحابة المنفردة في السماء، ومنه قول أنس في حديث الاستسقاء: والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، فخرجت سحابة من خلف سلع، ثم توسطت السماء ثم رعدت. (2) الحديث.
فالقزع مثل ما فسره نافع، هو: أن يحلق بعض شعر الصبي ويترك البعض.
وأجمع العلماء على كراهيته ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، واختلف في علة الكراهة:
(1) سبق تخريجه ص62.
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 967 و 968) ومسلم (رقم: 897).
فقيل: أنه يشوه الخلقة، وقيل: أنه زي الشيطان وصفته، وقيل: أنه من زي اليهود، وعلى هذه العلة الأخيرة يكون القزع من التشبه بالكفرة.
وصورة القزع: هو: أن يحلق بعض الرأس ويترك البعض، ففي أي بقعة وقع الحلق مع ترك الباقي فهذا قزع، سواءً كان هذا المحلوق هو وسط الرأس وترك الجانبين، أو كان المحلوق الجانبين وترك الوسط، أو كان المحلوق من الأمام وترك الخلف، أو كان المحلوق من الخلف وترك الأمام، أو غير ذلك مما يكون فيه حلق البعض وترك البعض، فهذا كله من القزع المنهي عنه.
والمراد بالقزع المنهي عنه: أن يكون هناك استئصال للشعر، أو قريب منه.
ومما يكون من ذلك ما ذكر المؤلف، بقوله:(ويكره حلق القفا).
والصحيح أنه يحرم إلا لحاجة كالتخلص من أذى الشعر وحركته على الملابس، وأما لغير حاجة فكما أنه ارتكاب للنهي، ففيه أيضاً مشابهة للمجوس، على ما قيل
وقد قيل أن المجوس يحلقون القفا، فهذا لا يجوز؛ إلا إذا كان الإنسان يداوي بعض رأسه بالحجامة أو نحوها.
وعلم بهذا أن كثيراً من قصات الشعر الموجودة التي يفعلها كثير من الشباب، داخلة في القزع المحرم، ومنها القصة المشهورة التي تسمى
(الكابوريا) وهي التي يحلق أطراف الشعر من الصدغين والقفا، ويترك الوسط؛ كما أن القزع المحرم فيه تشبه بالكفرة، فهي جاءت من النصارى، فحينئذٍ تكون فيها مفسدتان.
أما ما يتعلق بأحكام شعر الرأس بالنسبة للمرأة، فإنه لا يتأتى فيها مسألة الحلق، وقد اختلف العلماء في حلق المرأة رأسها، ونقول: من أهل العلم من رأى جواز حلق شعر رأس المرأة عند الحاجة التي لا تصل إلى الضرورة، والصحيح أن المرأة لا يجوز لها أن تحلق رأسها.
وقد جاء في حديث خلاس بن عمرو، عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها. (1) ولكن إسناده منقطع.
ولهذا فالمرأة في الحج والعمرة تقصر من شعرها تقصيرا يسيرا أيضاً، ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحيض: أن نساء النبي عليه الصلاة والسلام لما مات قصصن رؤوسهن كالوفرة. (2)
والوفرة هي الشعر الذي يضرب الأذنين، والجمة الشعر الذي يضرب إلى المنكبين، ومن هنا اختلف أهل العلم في قص المرأة شعر رأسها.
(1) أخرجه الترمذي (رقم: 914).
(2)
أخرجه مسلم (رقم: 320).
فقال بعضهم: لا يجوز مطلقاً، وهذا اختيار صاحب كتاب المستوعب من الحنابلة.
وقال بعضهم: يجوز مع الكراهة، واستدلوا بفعل أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، حينما قصصن شعورهن كالوفرة.
وهن فعلنه للحاجة، ولأنهن أيِسنَ من الأزواج بعد النبي عليه الصلاة والسلام، فهن أزواجه في الآخرة، ولا سبيل لهن إلى الزواج في الدنيا بعد موته ، والشعر له كلفة ومؤونة، ولكن لا يتجاوز حد الوفرة، ولا يصل إلى حد شعر الرجال، وعليه فهو جائز إلى هذا الحد، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ومن الحاجة كثرة الشعر، وتشعثه، وخروج رائحة منه، وقشرة، وما أشبه ذلك، وإلا فالأولى ألا تفعل، وأما فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه كان يشق عليهن توفير الشعر، وليس حال الناس فيما مضى كالحال الآن، فالآن يمكن القضاء على هذه الآفات بالمستحضرات والغسل المتكرر، هذا إذا تجرد القص عن العلة المحرمة، فأما إذا كان القص مشابهةً لكافرة معينة، أو للكوافر بعامة، أو للفواسق، فهذا لا يجوز، لما فيه من التشبه.
ومن أهل العلم من قال: إن الوفرة هي ما وصل إلى المنكبين، وقال: إن شعر المرأة لا يجوز أن يكون أنقص من المنكبين.
ولكن جمهور أهل اللغة على أن الوفرة هي إلى شحمة الأذن، وهذا مذهب جمهور أهل اللغة.
وأجاز بعض الحنابلة أن تقص المرأة شعرها من الأمام فقط، وتتركه من الخلف، لدعاء الحاجة لذلك، حتى لا ينزل على جبهتها ووجهها، والصحيح في مسألة قص الشعر من الأمام إذا دعت الحاجة إليه بالنسبة للمرأة، أنه لا بأس به؛ لأنه قد يؤذيها بكثرة سقوطه على وجهها، فتحتاج إلى كفّه.