الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَعَشَرَةٌ مِنَ الفِطْرَةِ
، خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ فِي الجَسَدِ.
فَالَّتِيْ فِيْ الرَّأْسِ: الْمَضْمَضَةُ، وَالاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ.
وَالَّتِيْ فِيْ الجَسَدِ: حَلْقُ العَاْنَةِ، وَنَتْفُ الإِبِطَيْنِ، وَتَقْلِيْمُ الأَظْفَاْرِ، وَالاسْتِنْجَاءُ وَالخِتَانُ.
ــ
قوله: (فصل: وعشر من الفطرة .......... والختان.)
لقد ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - هذا الباب هنا، ومحله في كتاب الطهارة، وهو يتعلق بآداب الجسد، ولاشك أن الآداب الجسدية، ومظهر الشخص، وريحه، ونظافة ثيابه، من الآداب العظيمة جداً.
قوله: (وعشر من الفطرة) المؤلف هنا يريد الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب العنزي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عشر من الفطرة ....» (1)
(1) أخرجه مسلم (رقم: 291) وأخرجه وأحمد (رقم: 25104) وأبو داود (رقم:53) والترمذي (رقم:2757) والنسائي (رقم:5040) وابن ماجه (رقم:293).
ثم سردها النبي صلى الله عليه وسلم ، على أن هذا الحديث تُكُلِّم فيه من أجل مصعب بن شيبة، لأن مصعب بن شيبة ضعيف عند الجمهور، لكن مسلماً انتقى من حديثه ما علم أنه قد حفظه كعادته في الانتقاء، وأما البخاري رحمه الله فقد أعرض عن هذا الحديث رأساً، واتفق هو ومسلم على حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الفطرة خمس: الاختتان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط» (1)
قول المؤلف: (فالتي في الرأس: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وإعفاء اللحية)
فالمضمضة والاستنشاق من أفعال الوضوء، ومحلها عند غسل الوجه، وقد بينتها السنة، وهي واجبة في الوضوء والغسل من الجنابة، على الصحيح.
والمراد بالمضمضة وضع الماء في الفم وتحريكه، والصحيح أن مجَّ الماء من الفم غير واجب، فيجوز له أن يبتلعه.
(1) أخرجه البخاري (رقم: 5550) ومسلم (رقم: 257) وأخرجه أحمد (رقم: 9310) وأبو داود (رقم: 4198) والترمذي (رقم: 2756) والنسائي (رقم: 9) وابن ماجه (رقم: 292).
والاستنشاق هو جذب الماء بالمنخرين، والاستنثار واجب؛ لأنه قد جاء فيه أمر، في قوله صلى الله عليه وسلم:«استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثاً» (1) ولأن فائدة الاستنشاق هي نثر الماء من الأنف، فإذا وجب الاستنثار علم وجوب الاستنشاق ضرورة ، والاستنثار يجب عند القيام من النوم، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه» (2) وهذا الاستنثار واجب سواءً كان الإنسان مريداً للوضوء أم لا، فإن توضأ وجب تثليث الاستنشاق والاستنثار، ولم يجئ مثل هذا في المضمضة عند القيام من النوم.
قوله: (والسواك)
السواك يطلق على عود الأراك، وكل ما يحصل به المقصود، وفيه مسائل كثيرة جداً، حتى أنه أُلِّفت فيه مؤلفات في أحكامه، وهو في الأصل سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روى البخاري في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«أكثرت عليكم في السواك» (3) وهو متأكد في عدّة مواضع،
(1) أخرجه أحمد (رقم: 2011) وابن أبى شيبة (رقم: 277) وأبو داود (رقم: 141) والنسائي (رقم: 97) وابن ماجه (رقم: 408).
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 3121) ومسلم (رقم: 238) والنسائي (رقم: 90).
(3)
أخرجه البخاري (رقم: 848) أخرجه ابن أبى شيبة (رقم: 1811) وأحمد (رقم: 12481) والنسائي (رقم: 6) وابن حبان (رقم: 1066).
عند الوضوء، والصلاة، ودخول المنزل؛ كما روى ذلك مسلم في صحيحه من حديث الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ قُلْتُ بِأَىِّ شَىْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَتْ بِالسِّوَاكِ. (1)
وفيه من الفوائد أن التسوك عند دخول المنزل مع كونه امتثالا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ففيه أيضاً تطهير فم الإنسان لعشرة أهله.
واختلف فيه هل يكون باليمين أو بالشمال، ففي حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، قالت:«كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله» (2) وزاد أبو داود: «وسواكه» (3) لكن هذه الزيادة انفرد بها مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ومسلم لا بأس به، فهو ثقة من رجال الستة، لكنه خالف هنا شعبة بن الحجاج، فالزيادة هذه شاذة، وعلى القول بالتيمن عند التسوك اختُلف في صفة ذلك ، فمنهم من قال: التيمن بالسواك أن يستاك باليد اليمنى، وهذا قال به قلة من أهل العلم، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - بالفتاوى بالمجلد الحادي والعشرين: اتفقوا على أنه بالشمال، ولم يخالف فيه
(1) أخرجه مسلم (رقم: 253).
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 166 و 5582) ومسلم (رقم: 268).
(3)
أخرجه أبو داود (رقم: 4142).
أحد من الأئمة، مع أن جدّه أبا البركات يرى أنه باليمين، فلا أدري أنسي أم أنه لم يعدّ جدّه من الأئمة؟!! (1)
ومنهم من قال: يستاك بالشمال، وهو مذهب الأكثر وهو اختيار شيخنا ابن باز - رحمه الله تعالى - ويقولون: التيمن فيه أن يبدأ بشق الفم الأيمن، ومنهم من فصَّل، فقال: إن كان يستاك لمجرد فعل السنة فباليمين، وإن كان لإزالة الأذى فبالشمال، وهذا التفصيل ليس ببعيد.
وجمع السواك: سُوُك، وليس مساويك، مثل كتاب يجمع على كُتُب، ويجوز سُوك، على التخفيف وهذا عند الضرورة، ويقال للعود: سواك ومسواك.
قوله: (وقص الشارب)
علمنا من كلام المؤلف هنا أن المشروع القص لا الحلق، وقد اختلف أهل العلم في السنة في الشارب هل يحلق أم يُقص؟
فذهب بعض أهل العلم إلى أن الحلق أفضل، واحتجوا ببعض ألفاظ الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشارب، والإحفاء هو المبالغة في الأخذ، ومنه قوله:"حتى أحفوه بالمسألة" ، أي بالغوا فيه وآذوه، واحتجوا
(1) انظر مجموع الفتاوى (21/ 108).
أيضاً بفعل جماعة من الصحابة؛ كابن عمر وأبي رافع وغيرهم، أنهم كانوا يحفون شواربهم إحفاءً شديداً، وهذا مشهور مذهب الأحناف.
وقال بعضهم: بل السنة القص، وهذا مذهب الأكثر، بل ذهب مالك رحمه الله إلى أن حلق الشارب بدعة، وقال: أرى أن يُضرب فيها الفاعل. وقال: إنها بدعة ظهرت في الناس.
والصحيح أن السنة القص، وأما الحلق فمباح، لكنه خلاف الأولى، وله وجهة وسلف، ومن الأدلة على سنية القص حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه الذي رواه النسائي وغيره بإسناد صحيح: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا» (1) و «من» هنا للتبعيض.
ومن الأدلة أيضاً أن المغيرة رضي الله عنه، قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاربي قد وفى فقصّه لي على سواك. (2) وإسناده لا بأس به.
(1) أخرجه النسائي (رقم: 13) وأخرجه ابن أبى شيبة (رقم: 25493) وأحمد (رقم: 19283) وعبد بن حميد (رقم: 264) والترمذي (رقم: 2761) وقال: حسن صحيح. وغيرهم.
(2)
أخرجه أحمد (رقم: 18237) وأبو داود (رقم: 188) والنسائي (رقم: 6621) والطبراني في الكبير (رقم: 1059).
وفيه دلالة على أن الشارب يقص من أسفل، فتكون الشفة العليا مكشوفة، أما إعفاء الشارب حتى يكثر ويتوفر فالظاهر أنه من الكبائر؛ لأن فيه تشبه بالكفرة الذين يعفون شواربهم ويحلقون لحاهم.
واختلف في السنة في طرفي الشارب، هل توصل باللحية أم لا؟ فمنهم من قال: مباح، من شاء وصل ومن شاء فصل، ومنهم من قال: الفصل أولى، واحتجوا بأن البخاري رحمه الله علق عن ابن عمر: أنه كان يأخذ طرفي شاربه، ولم يتحرر لي في هذا شيء، فهو مباح، إن شاء أخذ الطرفين، وإن شاء وصلهما باللحية.
قوله: (وإعفاء اللحية)(1)
هذه فيها مسائل:
الأولى: أن العلماء عليهم رحمة الله اتفقوا على تحريم حلق الحية، وهي الشعر النابت على الخدين والذقن، فيشمل عظم اللحي إلى ملتقى العظمين في الذقن، ويشمل ما على الخدين، وخرج بهذا الشعر الذي على
(1) لا أعلم عصراً من العصور استمرأ الناس حلق اللحى وأمعنوا فيه بل عوديت فيه اللحى بالحلق التام أو الجز الشديد شبيه الحلق من أهل الإسلام كمثل هذا العصر مع ما في ذلك من مشابهة أهل الشرك والمجوس ومع ما في ذلك من المثلة ومخالفة الفطرة وسنن الأنبياء مع ما في ذلك من التشبه بالنساء، حتى أضحى الموفر لها غريباً ينظر إليه شزراً وكأنه مجرم - فسبحان الله العظيم - فليحمد الله على نعمة الاستقامة من رزقها وليسأله المزيد.
الحلق، فليس من اللحية، أما الشعر الذي على الفك السفلي فهو من اللحية. فالشعر على الخدين والفكين فهو من اللحية، والعنفقة - وهي الشعر النابت على الشفة السفلى- من اللحية أيضاً؛ كما قال أنس رضي الله عنه:
ولم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ. وهذا استثناء متصل.
ومن المسائل أيضاً مسألة حد الإعفاء، فالأصل في الإعفاء الترك، والإعفاء المراد به التكثير، ومنه قوله تعالى:{حَتَّى عَفَوْا} (1) أي كثُروا، وقد وردت ألفاظ تدل بمجملها على تركها مطلقاً؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:«أعفوا اللحى» (2)«أوفوا» (3)«أرخوا» (4)«وفروا» (5) فهذه أربعة ألفاظ تدل على ترك اللحية وعدم التعرض لها، وهذا المذهب الأول في صفة اللحية، واحتجوا أيضاً بأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لحيته كانت كثة، واللحية الكثة تدل على كثرة الشعر وطوله، والأخذ ينافي الكثرة والطول، واحتجوا أيضاً بأنه صلى الله عليه وسلم
(1) الأعراف: 95.
(2)
أخرجه أحمد (رقم: 5135) والبخاري (رقم: 5554) ومسلم (رقم: 259) والنسائي (رقم: 15 و 9246) والترمذي (رقم: 2763) عن ابن عمر.
(3)
أخرجه مسلم (رقم: 259).
(4)
أخرجه مسلم (رقم: 260).
(5)
أخرجه البخاري (رقم: 5553).
كانت لحيته ترى من خلفه، كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي معمر وهو عبد الله بن سخبرة قال: سألنا خباباً بأي شيء كنتم تعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر؟ فقال: باضطراب لحيته. (1)
قالوا: واللحية القصيرة لا تضطرب.
واحتجوا أيضا بما صح عن علي رضي الله عنه أن لحيته قد ملأت مابين منكبيه؛ كما قاله الشعبي وحكاه عن علي رضي الله عنه وقد أدركه، أخرجه ابن المنذر في الأوسط عنه.
وأما المذهب الثاني في هذه المسألة: أن اللحية الشرعية تكون قبضة، فما فضل يؤخذ شرعاً، واحتجوا بأن ابن عمر رضي الله عنه: كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه. روى ذلك عنه مالك في الموطأ، ورواه البخاري من طريقه. (2) وقد روي عنه غير مقيد في الحج والعمرة. (3) وقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: والذي يظهر لي
(1) أخرجه البخاري (رقم: 76).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (رقم: 2725) والبخاري (رقم: 5553).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (رقم: 25997) وفي الباب عن جابر وفي متنه أبو هلال فيه كلام سئل عنه يحيى بن معين أيهم أحب إليك حماد بن سلمة في قتادة أو أبو هلال، =
= فقال: حماد أحب إلي وأبو هلال صدوق. الجرح والتعديل لعبد الرحمن الرازي -
…
(7/ 273) وأورده ابن حبان في الثقات. وفي الباب عن أبي هريرة.
أن ابن عمر رضي الله عنه كان يفعل ذلك دون التقيد بالنسك. (1)
ولكن نقول أن المحفوظ عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يفعله في الحج والعمرة فقط، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه.
ولكن نقول: هذا لا حجة لهم فيه لأمور: أولاً لأن ابن عمر رضي الله عنه هو أحد رواة حديث: «وفروا اللحى» .
وابن عمر رضي الله عنه له اجتهادات يخالف فيها مرويّه، ويخالف فيها السنة، فهو الذي روى:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأتموا عدة شعبان ثلاثين» (2) ومع ذلك صح عنه كما في الموطأ وغيره، أنه كان يبعث نافعاً فينظر مع الناس، فإن رأوا الهلال أصبح صائماً، وإن كانت الدنيا صحواً ولم يروا الهلال أصبح مفطراً، وإن كان هناك قتر ولم يُرَ الهلال أصبح صائماً. (3) وهذا خلاف ما روى رضي الله عنه ، وقد كان رضي الله عنه يضع الماء في عينيه عند
(1) فتح الباري - ابن حجر - (10/ 350).
(2)
أخرجه مالك (رقم: 1001 و 1002) والشافعي (رقم: 475) وأحمد (رقم: 4488 و 5294) والبخاري (رقم: 1801 و 1807 و 1808) ومسلم (رقم: 1080) وأبو داود (رقم: 2322) والنسائي (رقم: 2119) وابن ماجه (رقم: 1654).
(3)
أخرجه أبو داود (رقم: 2322) والبيهقي (رقم: 8177).
الغُسل حتى عمي رضي الله عنه. (1) وقد كان رضي الله عنه في الحج يدّهن بدهن غير مطيب. (2) مع أنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح كان يدّهن بالمسك ويتضمخ به، (3)
وقد كان ابن عمر رضي الله عنه شاهداً ، ولكنه كان يشدد على نفسه رضي الله عنه ، فنقول في مسألة اللحية: أن ابن عمر رضي الله عنه خالف المعلوم من السنة في هذا، ولا يجوز لنا أن نختزل السنة كلها في فعل ابن عمر رضي الله عنه ، ونقول أيضاً للذين يرون القبضة: ما استدللتم به هو في الحقيقة دليل عليكم، فإن ابن عمر رضي الله عنه حينما كان يحج ويعتمر ويأخذ الزيادة على القبضة فهذا يدل على أنها تطول وتتسع ثم بعد ذلك يأخذ منها، وهذا يدل على طولها وتجاوزها القبضة، وإلا فلو كان يتعاهدها لما كانت تتعدى القبضة، والأمر الثاني أن ابن عمر رضي الله عنه لم يكن داعية إلى هذا الشيء كما هو فعل الكثير الآن، والدعوة لأخذ ما زاد على القبضة بدعة، وقد روي عن ابن عباس أنه كان يأخذ من لحيته في الحج، وتأول قوله تعالى {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا} والإجابة عنه مثل الإجابة عن أثر ابن عمر، والمقبضون في عصرنا في الحقيقة يشرقون بصريح
(1) أخرجه عبد الرزاق (رقم: 991) وابن أبي شيبة (رقم: 1075) والبيهقي (رقم: 870).
(2)
أخرجه أحمد (رقم: 4783 و 5242) وابن ماجه (رقم: 3083) والترمذي (رقم: 692) وابن خزيمة (رقم: 2652) وقد روي مرفوعاً وموقوفاً، فهو مرفوعاً ضعيف فيه فرقد السبخي قال ابن خزيمة: وهم في رفعه، وهو صحيح موقوف.
(3)
أخرجه مسلم (رقم: 1192).
دلالة الأثرين، فلا يقولون بمقتضاهما من كل وجه، ففرق بين التعاهد (لزوم التقبيض)، وبين الأخذ في الحين بعد الآخر، أو في الحج أو العمرة، فمن لم يفهم هذا فليسكت، وأعظم من هذا الدعوة إلى التقبيض وأعظم منه الإنكار على من تركه وهذه من طوام الخلف ومتفقهة هذا الزمان، فواعجباً
المذهب الثالث في هذه المسألة: أنه يجوز أخذ ما شذ ونفر وآذى من اللحية، وهذا لا ينافي الإعفاء في الحد والحقيقة فهو راجع إلى القول الأول، وهذا الذي بيّنه فعل السلف والأئمة كالإمام أحمد وغيره، فالمنقول عن السلف قولان التقبيض أحياناً، وهذا القيد لابد منه أعني أحياناً، وهذا القول الذي حكيته أخيراً، فصار خلاصة مذهب السلف في المسألة قولان سائغان وإن كان أحدهما أرجح من الآخر، أما القول بأن أخذ شعرة واحدة محرم فهذا فيه نظر، بل لا يصح، فيجوز للإنسان أن يأخذ من شعر لحيته ما علم أنه زائد وشاذ، أو كانت لحيته طويلة تدخل في طعامه وشرابه، دون التقصيص الكثير الذي ينافي الإعفاء، فمتى كان القص منافياً للإعفاء حرُم، ومما يجلي ذلك، وتقدم ذكره حديث المغيرة السابق وأن شاربه قد وفى: أي طال فتأمل هذه اللفظة مع قوله صلى الله عليه وسلم: أوفوا: أي طوِّلوا، فدلّ على أن القص ينافي التوفية وكذا ما ثبت في الصحيحين «جزوا الشوارب» و «قصوا الشوارب» و «أعفوا اللحى» يدل على أن
الإعفاء ينافيه القص أو الجزّ ومثله في سنن الفطرة «قص الشارب، وإعفاء اللحية ....»
فمن قال: إن الإعفاء والتقصيص يجتمعان فهذا وسواس فليستعذ بالله منه فإنه يذهب عنه إن شاء الله، ومما يؤيد ذلك زيادة على ما تقدم ما أخرجه أحمد بسند لا بأس به (5/ 264) ورقم (22283) من طريق عبد الله بن العلاء بن زبرحدثني القاسم قال: سمعت أبا أمامة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار .... الحديث وفيه: فقلنا يارسول، إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم، ويوفَّرون سبالهم! قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم «قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب»
والعثانين: جمع عُثنون وهي اللحية، والسَّبال: الشوارب.
وهذا فيه فوائد: المنع من تقصيص اللحى لأنه من التشبه باليهود والنصارى وهذه آفة غير مخالفة أمر الشارع كما تقدم.
وفيه من الفوائد: أن القصّ ينافي التوفير لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذا بإزاء هذا.
قوله: (والتي في الجسد: حلق العانة، ونتف الإبطين، وتقليم الأظفار، والاستنجاء، والختان) وهذه الأشياء كلها تؤخذ.
وقوله: (حلق العانة، ونتف الإبطين)