الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
بقلم السيد أحمد بن محمد بن علوي المالكي الحسني
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام الأكملان على سيد الأولين والآخرين، سيدنا وشفيعنا وقائدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن مما نحمد الله عليه، ونشكره ونثني عليه الخير كله، أن جعل ميراثنا خير ميراث ورّثه لنا آباؤنا وهو العلم، فنشأنا بحمد الله وعظيم فضله في أحضانه، وبين أربابه وطلابه، فنهلنا من معين صاف مورده، وربينا على حبّ وعشق لمصدره.
لقد ربّانا والدنا وقدوتنا سيدي الوالد العلامة المحدث السيد محمد بن علوي المالكي رحمه الله رحمة واسعة، وأعلى مقامه في عليين، وجمعنا وإياه مع سيد المرسلين، سيدنا محمد وآله وصحبه، وجميع أنبيائه وأوليائه في الفردوس الأعلى، آمين يا رب العالمين، أقول: ربّانا رحمه الله تعالى على العيش على منهج وسيرة سيد المرسلين، وشغل أوقاتنا وأفكارنا مع أرواحنا في سيرة هذا النبي العظيم، الرؤوف الرحيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، لتكون النبراس الذي لا يغيب عن أعيننا وأرواحنا، فتعيش سيرته العطرة في أحشائنا، وتسري محبته في عروقنا؛ لتغذي جميع جوارحنا، فتغدو موئل عزّنا، ومنار فخرنا.
لقد كان رحمه الله تعالى مشتغلا دوما بعرض سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل أوقاته، ومؤلفاته، ومحاضراته، ومحاوراته، ومناقشاته مع محبّيه ومخالفيه، ومما ختم الله له به آخر أعماله، اشتغاله بالتعليق على منظومة الإمام الزين العراقي المتوفّى سنة (806 هـ) المسمّاة ب:«الدّرر السنية في نظم السير الزكية» ، والتي اصطلح على تسميتها ب:«ألفية الإمام العراقي في السيرة» ، تمييزا لها عن ألفيته في علوم الحديث.
لقد كانت آخر ما كتبه بخطه الشريف تعليقا على بعض مواضع في هذه المنظومة، قبل وفاته رحمه الله تعالى بيوم واحد فقط، فوجدنا أنه من البرّ به، وتحقيقا لأمنيته في إبراز هذه المنظومة لطلبة العلم، ومحبي سيرة المصطفى ص أن تخرج هذه الطبعة بما يليق بها، وتتحقق بذلك بغية والدنا السيد الإمام رحمه الله تعالى، وسعيت في المشاركة في ثواب نشر العلم، وبرّ الوالد السيد الإمام رحمه الله تعالى أن أكتب ما تعلق في خاطري من معين دروس وكلام السيد الوالد، مع التماس العذر في عدم الاستيفاء في ذلك؛ لتكدر الخاطر وانشغاله، والله المعين على ذلك.
فأقول: إنّ مما سمعته منه رحمه الله تعالى في أحد دروسه التي تكلم فيها على عظم تعلم سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومعايشة أحوال تلك السيرة، أنها تهذب النفوس، وتبين الطريق الواضح المبين للمعاملات بين الناس، سواء الدينية أو الدنيوية، فمنها نتعلم كيف نعامل من خالفنا، وكيف نحكم تصرفاتنا، وكيف يعلم بعضنا بعضا، وكيف يرشده وينصحه، وكيف نتعلم أمور ديننا، وكيف نقيم الحدود ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونعرف حقوق بعضنا، والأمور التي تحكم سير المجتمع، وكيف نعالجه، إلى غير ذلك من مقومات المجتمع الإسلامي.
لقد صادف حديثه ذلك حدوث بعض ما يؤلم في بعض المجتمعات الإسلامية
من تعد وفتن؛ فكانت مناسبة لبيان مفرزات البعد عن معرفة وفهم سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك أيضا: تكراره رحمة الله عليه على جميع محبّيه ومن يسمع حديثه، أو يتابع دروسه: أن يشتغل بتدبر ومعرفة دقائق ومواقف سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، لتربية النفس وردعها عن ما قد لا يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عندما يقوم أحد بسؤاله عن فعل شيء أو تركه يربطه بقوله له: هل يرضى هذا حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم؟!
كان رحمه الله تعالى يحث على تنشئة الصغار على معرفة سيرة المصطفى ص ومحبته، وشغل الوقت بقراءة ما يتصل بذلك، وعمل في ذلك كتابه «تاريخ الحوادث والأحوال النبوية» ضمن سلسلة (العلم والمعرفة للشباب) فصاغه بأسلوبه الماتع الشيق في سيرة مختصرة رزقت القبول لدى الصغار والكبار، بجميع فئاتهم وتوجهاتهم.
إنّ تعلم السيرة النبوية وفهم مجريات أحداثها وأحوالها أعظم طريق لبناء مجتمع إسلامي يعرف هدفه ومسؤوليته، ويسلك المنهج الأسمى مستضيئا بها، لأنها معين لا ينضب، وشمس لا تغرب، ومعرفة تقصر الهمم عن إدراك منتهاها، سيرة تحمل جميع معطيات الأمن والأمان، والتهذيب والعرفان، وتغني عن جميع غيرها من السير القاصرة في معطياتها، القاحلة من مكارم الأخلاق.
فشكر الله سعي والدي الإمام السيد محمد بن علوي المالكي، وأثابه من فضله وسعة منّه جزاء ما عمل على غرسه والعمل على جني ثمره، حبّا وتعظيما لجناب الشفيع المشفّع صلى الله عليه وسلم، وأنالنا من فضل جوده وكرمه ما يجعلنا قرّة عين لحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ختاما.. أسأل العلي القدير أن يبارك في بيت آل المالكي وعقبهم جميعا، ويجعل سره فينا إلى يوم نلقاه، آمين.