الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
[المقدمة]
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه بما هو أهله، وأُثني عليه الخير كله، وأُصلي وأُسلم على خير خلقه وخاتم رسله، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فهذه ورقات يسيرة في تجلية أثر المحنة في منهج الإمام أحمد رحمه الله النقدي، إذ ليس يخفي على أهل العلم - خصوصًا أصحاب الحديث منهم - أن المحنة التي امتدت أكثر من خمسة عشر عامًا تركت أثرًا واضحًا في الإمام، لا سيما أنها كانت في آخر حياته؛ فلم يبق الإمام بعد انجلاء غمتها إلا سنوات يسيرة.
وقد دعاني إلى هذه الدراسة الأسباب التالية:
1 -
شهرة هذه المحنة وعمومها.
2 -
طول مدتها زمنًا، وانتشارها مكانًا؛ إذ عمت غالب البلاد.
3 -
أنها من المحن القلائل التي توالى عدد من الحكام والولاة على القول بها وحمل الناس عليها.
4 -
كثرة من ابتلي بها من كبار الأئمة، وأعلام السنة، وعلماء الملة.
5 -
ما كان لها من أثر واضح بين في حياة الإمام أحمد وحالته وصحته، فليس هناك شك أنها أشهر الأحداث في حياته وأعظمها أثرًا وتأثيرًا.
6 -
ما ترتب عليها - عند الإمام بوجه خاص - من أثر حديثي ونقدي من الكلام في بعض الرواة ونقدهم من أجل إجابتهم في المحنة.
7 -
كثرة التفاسير واختلاف التوجيهات لمواقف الأئمة - وموقف أحمد عَيْنًا - في هذه المحنة بين إفراط وتفريط، وغلو وجفاء، وتبرير وإدانة، وتبع ذلك شيءٌ من التنقيص أو التقديس.
8 -
تصور بعض طلاب العلم - فضلاً عن غيرهم - أن المحنة حدثٌ تاريخي مجرد كغيره مما وقع في غابر الأزمان، والأمر - يقينًا - ليس كذلك، فلهذه المحنة من الأثر العقدي والحديثي والتاريخي الشيء الواضح البين.
9 -
خطورة المسألة عقديًا، فهي - ربما تكون على الباحث - من المزالق الخطيرة، كيف لا؟! وهي فيصل بيّن، وحاجز ظاهر بين السنة والبدعة، بل بين الإسلام والكفر، وقد ظهر من آثارها حتى في الأسماء والأوصاف ما عرف فيما بعد بـ: أحمد السنة، وأحمد البدعة.
10 -
أنني لم أقف على بحث يتناول أثر هذه المحنة في المنهج العلمي والنقدي عند الإمام أحمد رحمه الله، وأقرب ما يوافق الهدف العام للبحث رسالة صغيرة للشيخ عبد الفتاح أبو غدة بعنوان (مسألة خلق القرآن وأثرها في صفوف الرواة والمحدثين وكتب الجرح والتعديل)، وستأتي الإشارة إليها وتعقب بعض أهل العلم لها.
وقد قصدت من هذا البحث تحقيق الأهداف التالية:
* بيان شدة هذه المحنة وعظيم فتنتها.
* توضيح مدى أثرها في الأمة وعلى الأئمة.
* تصوير قوة تأثيرها على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
* كشف العلاقة بينها وبين منهج النقد عنده رحمه الله، وهو الهدف الأصلي.
* أثر هذه المحنة على علم الجرح والتعديل من خلال منهج الإمام أحمد، والمعلوم أنه من كبار أئمة السنة، ومن أشهر المعتدلين في نقد الرواة.
* تجلية مواقف بعض الأئمة الذين ابتلوا بهذه البلية الكبيرة.
وسوف أتناول ذلك - مستعينًا بالله تعالى - من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: مختصر عن تأريخ المحنة وأحداثها.
المبحث الثاني: أثر المحنة في منهج الإمام، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أثرها في منهجه العلمي، وفيه:
* تركه التحديث بعد المحنة.
* ترك التحديث عمن أجاب بعد المحنة وإبقاء ما حدث به عنه قبلها.
* الضرب على حديث بعض الرواة وتركه مطلقًا.
* نهيه عن التحديث بأحاديث ربما فهم منها تأييد البدعة.
* منعه لابنه أن يحدث عن المبتدعة عمومًا، وعمن أجاب في المحنة خصوصًا.
المطلب الثاني: أثرها في منهجه النقدي، وفيه:
* تعديل الرجل والثناء عليه؛ لثباته في المحنة وتمسكه بالسنة.
* كلامه فيمن أجاب متأولاً.
* كلامه فيمن قال: القرآن مخلوق اعتقادًا.
* كلامه في الواقفة.
المبحث الثالث: أشهر الأئمة الذين امتحنوا وموقف الإمام منهم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أشهر الأئمة الذين امتحنوا ولم يجيبوا وموقف الإمام منهم.
المطلب الثاني: أشهر الأئمة الذين امتحنوا فأجابوا أو توقفوا، وموقف الإمام منهم.
وقد سرتُ في مسالك البحث وفق الخطوات التالية:
1 -
جعلت عنوان البحث (المحنة وأثرها في منهج الإمام أحمد النقدي)، وقد تضمن البحث الكلام على الأثر في المنهج العلمي، لكن ذلك كالمدخل للمنهج النقدي، فذلك تعميم تلاه تخصيص، وقصرت العنوان على المنهج النقدي؛ لأن البحث متعلق بالجرح والتعديل، ذاك الباب الكبير الواسع من أبواب السنة وعلومها.
2 -
صغت حدث المحنة تاريخيًا، دون النظر إلى ترتيب المصادر.
3 -
اختصرت ذكر المحنة دون الإخلال في شيء من فصولها أو أحداثها المهمة، ولم أتوسع في ذلك؛ إذ ليس البحث في تاريخها وأحداثها خصوصًا، فذاك بحث تاريخي صرفٌ، وإنما أردت أن يكون ذلك مدخلاً لأصل البحث.
4 -
ذكرت أهم مؤثرات المحنة على الإمام أحمد في منهجه العلمي ثم منهجه النقدي - وهو الأهم والمقصود الأصل بالبحث - دون غيرهما من مؤثر سياسي، أو اجتماعي أو نحو ذلك.
5 -
ترجمت للأئمة الذين امتحنوا، وقد اقتصرت على العناصر الأساسية للتعريف بكل إمام، واعتمدت في وصف الواحد منهم - غالبًا - على عبارة الذهبي في السير، وذكرت في
الحاشية أشهر مصادر ترجمته، ثم ذكرت موقفه في المحنة، ثم موقف الإمام منه، وإن اقتضى السياق جمعت بينهما في عنوان واحد.
6 -
ذكرت بعض الأئمة وإن لم يمتحنوا صريحًا؛ لأنهم فروا من المحنة أو اختبأوا عن عين السلطان؛ كالعجلي، وأصبغ بن الفرج؛ لأجل أنهم سجلوا موقفًا في المحنة ومن باب إتمام البحث في ذكر كل من كان له موقف في المحنة، وأيضًا بعض الأئمة لم أقف للإمام أحمد على رأي فيهم، ومع ذلك فقد ذكرتهم لكونهم من كبار الأئمة ومن أشهر من ابتلي فيها، فسكوت الإمام عن ذلك يشكل منهجًا، وربما نقف على كلام له رحمه الله فيما بعد.
7 -
ختمت بعد ذلك بخاتمة فيها أهم النتائج.
8 -
ذيلت البحث بالفهارس العلمية اللازمة.
والله أسأل التوفيق والسداد فيما قصدت، وأن يكون خالصًا لوجهه الكريم
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
كتبه
د. عبد الله بن فوزان بن صالح الفوزان
الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الإسلامية
بجامعة طيبة
E-mail: afsf1551@homtail.com