الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن الجوزي: «وكان أحمد قد نهى ابنه عبد الله أن يسمع من علي بن الجعد، وذلك أنه بلغه عنه أنه يتناول بعض الصحابة، وأنه قال: من قال: إن القرآن مخلوق. لم أعنفه» (2).
وقال ابن حجر: «تكلم فيه أحمد من أجل التشيع، ومن أجل وقوفه في القرآن» (3).
12 - علي بن المديني:
هو: الشيخ الإمام الحجة، أمير المؤمنين في الحديث أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد السعدي مولاهم البصري، المعروف بابن المديني، مولى عروة بن عطية السعدي، ولد سنة إحدى وستين ومائة، وتوفي
(1) الكامل لابن عدي (5/ 213).
(2)
المنتظم (3/ 354).
(3)
هدي الساري ص (430)، وينظر: تهذيب الكمال (20/ 346 - 347)، وتهذيب التهذيب (7/ 289)، وبحر الدم ص (301 - 302) رقم (705).
سنة أربع وثلاثين ومائتين، روى له: البخاري، وأبو داود والترمذي، والنسائي (1).
قال المزي: «الإمام المبرز في هذا الشأن، صاحب التصانيف الواسعة، والمعرفة الباهرة» (2).
موقفه في المحنة:
الإمام ابن المديني قد تكلم فيه بعدد من الأسباب والوجوه، وبعضها لا يثبت عنه، ولا يصح نسبتها إليه، وسوف أورد الجميع على جهة الاختصار.
(1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (6/ 284)، والجرح والتعديل (6/ 193)، والثقات (8/ 469)، وتاريخ بغداد (11/ 458)، والمنتظم (6/ 6، 28، 62 - 63)، وتهذيب الكمال (21/ 5)، وتذكرة الحفاظ (2/ 428)، والسير (11/ 41)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، والعبر (1/ 418)، والميزان (3/ 138)، وتهذيب التهذيب (7/ 349)، والتقريب (4794).
(2)
تهذيب الكمال (21/ 5).
(3)
التقريب (4794).
كلامه في حديث رؤية الرب تعالى يوم القيامة.
قال الحسين بن فهم: «حدثني أبي قال: قال ابن أبي دؤاد للمعتصم: يا أمير المؤمنين، هذا يزعم - يعني: أحمد بن حنبل - أن الله يُرَى في الآخرة، والعين لا تقع إلا على محدود، والله لا يُحد، فقال: ما عندك؟ قال: يا أمير المؤمنين عندي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وما هو؟ قال: حدثني غندر، حدثنا شعبة، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أربع عشرة، فنظر إلى البدر فقال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر، لا تضامون في رؤيته» (1). فقال لابن أبي دؤاد: ما تقول؟ قال: انظر في إسناد هذا الحديث، ثم انصرف.
فوجّه إلى علي بن المديني - وعليٌّ ببغداد مملق - ما يقدر على درهم فأحضره، فما كلمه بشيء حتى وصله بعشرة آلاف درهم، وقال: هذه وصلك بها أمير المؤمنين، وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه، وكان له رزق سنتين، ثم قال له: يا أبا الحسن حديث جرير بن عبد الله في الرؤية ما هو؟ قال: صحيح. قال: فهل عندك عنه شيءٌ؟ قال: يعفيني القاضي من هذا. قال: هذه حاجة الدهر. ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه، ولم يزل حتى قال له: في هذا
(1) أخرجه: البخاري - فتح - (13/ 419) ح (529)، ومسلم (1/ 439) ح (633) عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
الإسناد من لا يعول عليه، ولا على ما يرويه، وهو قيس بن أبي حازم، إنما كان أعرابيًا بوّالاً على عقبيه، فقبل ابن أبي دؤاد عليه واعتنقه، فلما كان الغد وحضروا قال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، يحتج في الرؤية بحديث جرير، وإنما رواه عنه قيس، وهو أعرابي بوّال على عقبيه؟ قال: فقال أحمد بعد ذلك: فحين أطلع لي هذا، علمت أنه من عمل علي بن المديني، فكان هذا وأشباهه من أوكد الأمور في ضربه».
وقد تكلم في ثبوت ذلك عن ابن المديني رحمه الله:
فقال الخطيب: «أما ما حكي عن عليّ في هذا الخبر من أنه لا يعول على ما يرويه قيس، فهو باطل، قد نزه الله عليًا عن قول ذلك، لأن أهل الأثر - وفيهم عليّ - مجمعون على الاحتجاج برواية قيس وتصحيحها، إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة، وليس في التابعين من أدرك العشرة وروى عنهم غير قيس مع روايته عن خلق من الصحابة
…
، فإن كان هذا محفوظًا عن ابن فهم، فأحسب أن ابن أبي دؤاد تكلم في قيس بما ذكر في الحديث، وعزا ذلك إلى ابن المديني، والله أعلم
…
، ولم يحك أحد ممن ساق المحنة أن أحمد نوظر في حديث الرؤية» (1).
(1) تاريخ بغداد (11/ 469)، وينظر: مناقب الإمام أحمد ص (476 - 477)، وتهذيب الكمال (21/ 22 - 24)، وسير أعلام النبلاء (11/ 52 - 54)، وتاريخ الإسلام (4/ 317).
أنه روى لابن أبي دؤاد حديثًا أخطأ فيه الوليد بن مسلم فيه تأييد للبدعة.
قال الخطيب البغدادي: «أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا عيسى بن حامد القاضي، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الصيدلاني، حدثنا أبو بكر المروذي قال: قلتُ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: إن علي بن المديني يحدث عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أنس، عن عمر: «كلوه إلى خالقه» ؟ فقال أبو عبد الله: كذب، حدثنا الوليد بن مسلم مرتين ما هو هكذا، إنما هو:«كلوه إلى عالمه» . قلت لأبي عبد الله: إن عباسًا العنبري قال لما حدث به بالعسكر: قلت لعلي بن المديني: إنهم قد أنكروه عليك! فقال: حدثتكم به بالبصرة، وذكر أن الوليد أخطأ فيه، فغضب أبو عبد الله وقال: فنعم، قد علم - يعني: علي بن المديني - أن الوليد أخطأ فيه فلم أراد أن يحدثهم به؟! يعطيهم الخطأ! وكذبه أبو عبد الله» (1).
ثقة علاقته وجميل معاملته لأحمد البدعة ابن أبي دؤاد.
قال زكريا الساجي: «قدم ابن المديني البصرة، فصار إليه بندار، فجعل علي يقول: قال أبو عبد الله، قال أبو عبد الله،
(1) تاريخ بغداد (11/ 469)، وينظر: مناقب الإمام أحمد ص (476)، وتهذيب الكمال (21/ 25 - 27)، وسير أعلام النبلاء (11/ 54 - 55).
فقال بندار على رؤوس الملأ: من أبو عبد الله، أأحمد بن حنبل؟ قال: لا، أحمد بن أبي دؤاد. فقال بندار: عند الله احتسب خطاي، شبه علي هذا، وغضب وقام» (1).
وقال سليمان بن إسحاق الجلّاب وآخر: «قيل لإبراهيم الحربي: أكان ابن المديني يُتَّهم؟ قال: لا، إنما كان إذا حدث بحديث زاد في خبره كلمة؛ ليرضي بها ابن أبي دؤاد. فقيل له: أكان يتكلم في أحمد بن حنبل؟ قال: لا، إنما كان إذا رأى في كتاب حديثًا عن أحمد، قال: اضرب على ذا، ليرضي به ابن أبي دؤاد، وكان قد سمع من أحمد، وكان في كتابه: سمعت أحمد، وقال أحمد، وحدثنا أحمد، وكان ابن أبي دؤاد إذا رأى في كتابه حديثًا عن الأصمعي قال: اضرب على ذا،
(1) تاريخ بغداد (11/ 465)، وينظر: تهذيب الكمال (21/ 28 - 29)، وسير أعلام النبلاء (11/ 56 - 57).
(2)
تاريخ بغداد (11/ 470)، وينظر: سير أعلام النبلاء (11/ 56).
ليرضي نفسه بذلك» (1).
إجابته في المحنة:
قد ثبت أن ابن المديني أجاب في المحنة، ولكنه ندم وتاب من ذلك، وأبدى عذره في إجابته.
وقال ابن عمار الموصلي في تاريخه: «قال لي علي بن المديني: ما يمنعك أن تكفر الجهمية، وكنت أنا أولاً لا أكفرهم؟ فلما أجاب علي إلى المحنة، كتبت إليه أذكره ما قال لي وأذكره الله، فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي، ثم رأيته بعد فقال لي: ما في قلبي مما قلت وأجبت إلى شيء، ولكني خفت أن أقتل، وتعلم ضعفي أني لو ضربت سوطًا واحدًا لمت، أو نحو هذا.
(1) تاريخ بغداد (11/ 470 - 471)، وينظر: تهذيب الكمال (21/ 28 - 29)، وسير أعلام النبلاء (11/ 57)، وتهذيب التهذيب (7/ 310).
(2)
ذكر المحنة لحنبل ص (36 - 37).
قال ابن عمار: ودفع عني عليّ امتحان ابن أبي دؤاد إياي شفع في، ودفع عن غير واحد من أهل الموصل من أجلي، فما أجاب ديانةً إلا خوفًا» (1).
وقال ابن عدي: «سمعت مسدد بن أبي يوسف القلوسي، سمعت أبي يقول: قلت لابن المديني: مثلك يجيب إلى ما أجبت إليه؟! فقال: يا أبا يوسف، ما أهون عليك السيف» (2).
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: «سمعت عليًا على المنبر يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، ومن زعم أن الله لا يرى فهو كافر، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر» .
وفي رواية عنه أنه قال: «سمعت علي بن المديني يقول قبل أن يموت بشهرين: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق. فهو كافر» (3).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: «كان أبو زرعة ترك الرواية عن علي من أجل ما بدا منه في المحنة، وكان والدي
(1) سير أعلام النبلاء (11/ 57)، وينظر: تاريخ بغداد (11/ 471)، وتهذيب الكمال (21/ 30).
(2)
تهذيب الكمال (21/ 31)، وينظر: تاريخ بغداد (11/ 471)، والسير (11/ 58)، والميزان (3/ 141).
(3)
تاريخ بغداد (11/ 472)، وينظر: تهذيب الكمال (21/ 32)، وسير أعلام النبلاء (11/ 59).
يروي عنه لنزوعه عما كان منه. قال أبي: كان علي علمًا في الناس في معرفة الحديث والعلل» (1).
موقف الإمام منه:
لقد كان موقف الإمام واضحًا من ابن المديني - رحمهما الله تعالى - حيث كان يغتم عند ذكره، وترك الحديث عنه بعد المحنة، ونهى ابنه عن التحديث عنه، ولم ينفرد بهذا، فكما سبق أن أبا زرعة ترك الرواية عن ابن المديني.
وقد بين عبد الله بن أحمد أن الأحاديث التي في المسند عن ابن المديني إنما كانت قبل المحنة، فقال:«وحدثناه أبي عن عليّ قبل أن يمتحن بالقرآن» ، بل في بعضها بين الإمام أنه سمعه منه قبل المحنة (2).
وقال عبد الله: «لم يحدث أبي بعد المحنة عنه بشيءٍ» (3).
قال حنبل: «كان أبو عبد الله يعذر عباسًا العنبري، لما ضرب ونيل بالضرب والقيد، ويذكر علي بن المديني فيغتم له ولما صار إليه، ويقول: أخرج إليهم كتاب يحيى، فعرفوا من الحديث ما لم يكونوا يعرفون؛ يعني: من أخبار الحديث وما
(1) سير أعلام النبلاء (11/ 59)، وينظر: الميزان (3/ 138).
(2)
ينظر: المسند (39/ 441، 464).
(3)
سير أعلام النبلاء (11/ 182).