المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌36 - باب جواز ترك النهي عن المنكر لمن لا يطيق - المطالب العالية محققا - جـ ١٨

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌15 - ذِكْرُ فُتُوحِ الْعِرَاقِ

- ‌16 - باب ما وقع في خلافة عمر رضي الله عنه مِنَ الْفُتُوحِ

- ‌17 - بَابُ فَتْحِ الإِسكندرية

- ‌18 - بَابُ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه

- ‌19 - باب براءة علي من قتل عثمان رضي الله عنه

- ‌20 - باب قتال أهل البغي

- ‌21 - بَابُ وَقْعَةِ الْجَمَلِ

- ‌22 - باب مقتل عمار رضي الله عنه بِصِفِّينَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ

- ‌23 - بَابٌ

- ‌24 - بَابُ الإِشارة إِلَى الْعَفْوِ عَمَّنْ قَاتَلَ مِنَ الصحابة رضي الله عنهم فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ

- ‌25 - باب

- ‌26 - بَابُ أَخْبَارِ الْخَوَارِجِ

- ‌27 - بَابُ فَضْلِ مَنْ قَتَلَ الْحَرُورِيَّةَ

- ‌28 - باب قتل علي رضي الله عنه

- ‌29 - باب مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما

- ‌30 - باب استخلاف معاوية رضي الله عنه وَلَدَهُ يَزِيدَ

- ‌31 - بَابُ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الحكم بن أبي العاص وبنيه وبني أُمية

- ‌32 - بَابُ الإِشارة إِلَى الْحَجَّاجِ وَالْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِمَا

- ‌33 - بَابُ ظُهُورِ الْفَسَادِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَفَضْلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ الْوَقْتَ

- ‌34 - بَابُ بَقَاءِ الإِسلام إِلَى أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ

- ‌35 - بَابُ الزَّجْرِ عَنْ قِتَالِ التُّرْكِ لِمَا يُخشى مِنْ تَسَلُّطِهِمْ عَلَى بِلَادِ الإِسلام

- ‌36 - بَابُ جَوَازِ تَرْكِ النَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ لِمَنْ لَا يُطِيقُ

- ‌37 - باب الإِشارة إلى غلبة الأعاجم على المماليك الإِسلامية وَذَهَابِ زِينَةِ الدُّنْيَا بِذُلِّ الْعَرَبِ

- ‌38 - بَابٌ فِي الْمَهْدِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْعَادِلِينَ

- ‌39 - باب الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ كَالدَّابَّةِ، وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

- ‌40 - بَابُ أَوَّلِ مَنْ يَهْلِكُ مِنَ الْأُمَمِ

- ‌41 - باب الأشراط وعلامات الساعة

- ‌42 - ذِكْرُ ابْنُ صَيَّادٍ وَالتَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ الدَّجَّالَ

- ‌43 - [باب يأجوج ومأجوج]

- ‌44 - بَابُ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ

- ‌45 - باب صفة البعث

- ‌46 - باب الشفاعة، وفيه أحاديث من البعث

- ‌47 - بَابُ أَوَّلِ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌48 - باب المظالم

- ‌49 - باب شفاعة المؤمنين

- ‌51 - باب العفو عن المظالم

- ‌52 - بَابُ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا

- ‌53 - باب صفة الجنة وأهلها

- ‌54 - باب

- ‌55 - بَابُ آخِرِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ

الفصل: ‌36 - باب جواز ترك النهي عن المنكر لمن لا يطيق

‌36 - بَابُ جَوَازِ تَرْكِ النَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ لِمَنْ لَا يُطِيقُ

4478 -

قَالَ الْحَارِثُ: حدَّثنا الْخَلِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، ثنا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! إِنَّ الْحَجَّاجَ قَدْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى قَرُبْنَا من العصر، فقم إليه، وأمره بتقوى الله تعالى، قَالَ الْحَسَنُ: إِذًا يَقْتُلْنِي، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أليس قال الله تعالى عز وجل: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} الآية (1)، قال الحسن: حدَّثني أبو بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ" قَالُوا: وكيف يذلها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "يتكلف من النبلاء مَا لَا يُطِيقُ".

رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا الْخَلِيلُ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ الْقُرْدُوسِيِّ عَنِ الحسن البصري أنه حدَّث بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، وَالثَّانِي: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكر هنا (2) المتن (3).

(1) سورة المائدة: الآية 79.

(2)

كذا في الأصل، ولعلها:"هذا".

(3)

انظر الحديث الآتي برقم (4479)، ذكره بطوله.

ص: 323

4478 -

درجته:

الحديث ضعيف جدًا بهذا الإِسناد؛ لأن فيه الخليل بن زكريا، وهو متروك =

ص: 323

= الحديث، وبقية رواته ثقات، لهذا قال الحافظ في آخره:"رواته ثقات إلَّا الخليل".

وذكره البوصيري في الإِتحاف (3/ ل 88)، كتاب المواعظ، باب مثل من يعمل الحسنات وقال:"رواه الحارث بن أبي أسامة عن الخليل بن زكريا وهو ضعيف".

ص: 324

تخريجه:

رواه الحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث (4/ 966: 755). ولم أهتد إلى من رواه غير المؤلف بهذا اللفظ والإِسناد، وهو إسناد ضعيف كما تقدم وله شاهد من حديث ابن عمر، وابن عباس، وحذيفة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم.

1 -

عن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه. قيل: يا رسول الله، وكيف يذل نفسه؟ قال: "أن يتعرض من البلاء لما لا يطيق".

رواه البزّار كما في الكشف (4/ 112)، والطبراني (12/ 408: 13507).

وإسناد الطبراني: حدَّثنا محمَّد بن أحمد بن أبي خيثمة، ثنا زكريا بن يحيى المداني، ثنا شبابة بن سوار، ثنا ورقاء بن عمر، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابن عمر رضي الله عنه، به.

وذكره الهيثمي في المجمع (7/ 274)، وقال: رواه البزّار والطبراني في الأوسط والكبير

وإسناد الطبراني في الكبير جيّد، ورجاله رجال الصحيح غير زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير، ذكره الخطيب، روى عن جماعة وروى عنه جماعة ولم يتكلم فيه أحد".

وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 172)، وقال: وهذا إسناد صحيح إن كان زكريا بن يحيى هو أبو أيوب اللؤلؤي، الفقيه الحافظ، وبقية رجاله رجال الشيخين غير ابن أبي خيثمة وهو ثقة، حافظ

اهـ.

2 -

حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه، قيل: وكيف يذل نَفْسَهُ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يطيق". =

ص: 324

= رواه الترمذي كتاب الفتن (3/ 356: 2355) وابن ماجة في سننه كتاب الفتن (2/ 1332: 4016)، وأحمد في المسند (5/ 405)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني مختصرًا (2/ 466: 1271)، كلهم من طريق عمرو بن عاصم نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عن الحسن، عن جندب، عن حذيفة، به.

قلت: فيه علي بن زيد بن جدعان فيه تشيع، وأعله أبو حاتم بالانقطاع بين الحسن وحذيفة، ووصف ذكر جندب بينهما بأنه غير محفوظ وقال أيضًا: هذا حديث منكر. (انظر: العلل 2/ 138 - 306).

3 -

حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ" قِيلَ: وَمَا إِذْلَالُهُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق".

رواه أبو يعلى في مسنده (2/ 536: 1411) عن قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ، حدَّثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حدَّثنا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا هَزَمَ يزيد بن المهلب أهل البصرة

فذكر قصة في مجيئه إلى منزل الحسن البصري وفيه: أن الحسن حدَّث بحديثين وذكر منهما هذا الحديث.

وذكره الهيثمي في المجمع (7/ 372 - 274)، وقال:"رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح".

قلت: في إسناده قطن بن نسير، أبو عباد البصري، وهو ضعيف، وبقية رواته ثقات. انظر: درجة الحديث مفصلة في حديث رقم (4479).

4 -

حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قالوا: يا رسول الله وما الإِذلال؟ قال: يتعرض للسلطان، وليس له منه النصف". أخرجه أبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن" (1/ 363: 148) من طريق محمَّد بن زياد عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، به. =

ص: 325

= قلت: إسناده ضعيف، لأن فيه محمَّد بن زياد اليشكري الأعور، كذبوه كما في التقريب (ص 479) وجملة القول أن حديث الباب ضعيف جدًا بإسناد الحارث، وعليه فإنه لا يتقوى بهذه الشواهد، ومعناه صحيح، روى عن جملة مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 326

4479 -

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حدَّثنا قَطَنُ (1) بْنُ نُسَيْرٍ، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: لَمَّا هَزَمَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ أَهْلَ الْبَصْرَةِ خَشِيتُ أَنْ أَجْلِسَ فِي حَلْقَةِ الْحَسَنِ، فَأُوجَدَ فِيهَا فَأُعْرَفَ، فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ فِي مَنْزِلِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، كَيْفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَوْلُهُ عز وجل: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} الْآيَةُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّ الْقَوْمَ عَرَضُوا السَّيْفَ فَحَالَ السَّيْفُ دُونَ الْكَلَامِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَهَلْ تَعْرِفُ لِمُتَكَلِّمٍ فَضْلًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ الْمُعَلَّى: ثُمَّ حدَّث بِحَدِيثَيْنِ، قَالَ: حدَّثنا أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِالْحَقِّ إِذَا رَآهُ فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَعِّدُ مِنْ رِزْقٍ".

قَالَ: ثُمَّ حدَّث الْحَسَنُ بِحَدِيثٍ آخَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، قِيلَ: وَمَا إِذْلَالُهُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ" قِيلَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! فَيَزِيدُ الضَّبِّي فِي كَلَامِهِ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى نَدِمَ، قَالَ الْمُعَلَّى: فَأَقُومُ مِنْ مَجْلِسِ الْحَسَنِ، فَأَتَيْتُ يَزِيدَ الضَّبِّي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مودود، بينما أنا والحسن نتذاكر إذا نَصَبْتَ أَمْرَكَ نَصْبًا، فَقَالَ: مَهْ يَا أَبَا الحسن! قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: فَمَا قَالَ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى نَدِمَ عَلَى مَقَالَتِهِ، قَالَ يَزِيدُ: مَا نَدِمْتُ عَلَى مَقَالَتِي، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ قُمْتُ مَقَامًا أَخْطِرُ فِيهِ بِنَفْسِي، قَالَ يَزِيدُ: أَتَيْتُ الْحَسَنَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، عَلَى كُلِّ شَيْءٍ نغلب، فنغلب على صلاتنا؟ فقال: يا عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّكَ تُعَرِّضُ بِنَفْسِكَ لَهُمْ، ثُمَّ إِنَّكَ لَا تَصْنَعُ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ فقال في مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَقُمْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ والحكم بن أيوب يخطب، فقلت: الصلاة

(1) في الأصل: "فطر بن بشير"، وهو خطأ، والصواب كما ذكرته، كما في المسند وكتب الرجال.

ص: 327

رحمك اللَّهُ، فَلَمَّا قُلْتُ ذَلِكَ احْتَوَشَنِي الرِّجَالُ، فَأَخَذُوا بلحيتي، ورأسي، وتلبيتي، وَجَعَلُوا يَجِئُّونَ بَطْنِي بِنِعَالِ سُيُوفِهِمْ، وَمَضَوْا بِي إلى نحو المقصورة، فدخلت، فقمت بين الْحَكَمِ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَقَالَ: أَمَجْنُونٌ أَنْتَ؟ أَوَ مَا كُنَّا فِي صَلَاةٍ؟ فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ هَلْ مِنْ كَلَامٍ أَفْضَلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوَ أَنَّ رَجُلًا نَشَرَ مُصْحَفًا يَقْرَؤُهُ غُدْوَةً إِلَى اللَّيْلِ أَكَانَ ذَلِكَ قَاضِيًا عَنْهُ صَلَاتَهُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسَبُكَ مَجْنُونًا، قَالَ: وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ جَالِسٌ تَحْتَ مِنْبَرِهِ سَاكِتٌ، فَقُلْتُ: يَا أَنَسُ! يَا أَبَا حَمْزَةَ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ تعالى فَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحِبْتَهُ، أَبِمَعْرُوفٍ قُلْتُ أَمْ بِمُنْكَرٍ؟ أَبِحَقٍّ قُلْتُ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ مَا أَجَابَنِي بِكَلِمَةٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ: يَا أَنَسُ، قَالَ: لَبَّيْكَ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ، قَالَ: أَكَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَدْ ذَهَبَ؟ قَالَ: بَلْ بقي بقية، فقال الْحَكَمُ: احْبِسُوهُ.

قَالَ يَزِيدُ: فَأُقْسِمُ لَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ، لَمَا لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِي كَانَ أَشَدُّ عَلَيَّ مِمَّا لَقِيتُ مِنَ الْحَكَمِ، قَالَ بعضهم: مرائي، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَجْنُونٌ، قَالَ: وَكَتَبَ الْحَكَمُ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي ضَبَّةَ قَامَ إليَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَنَا أَخْطُبُ، فَقَالَ: الصَّلَاةَ، وَقَدْ شَهِدَ عِنْدِي الْعُدُولُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، فَكَتَبَ إليه الحجاج، إن شَهِدَ الشُّهُودُ الْعُدُولُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ فَخَلِّ سَبِيلَهُ، وإلَاّ فاقطع يديه ورجليه، وسمر عَيْنَيْهِ، وَاصْلُبْهُ، قَالَ: فَشَهِدُوا عِنْدَ الْحَكَمِ أَنِّي مَجْنُونٌ، فَخَلَّى عَنِّي.

قَالَ الْمُعَلَّى: عَنْ يَزِيدَ الضبي، ثُمَّ مَاتَ أَخٌ لَنَا فَتَبِعْنَا جَنَازَتَهُ، فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا دُفِنَ تَنَحَّيْتُ فِي عِصَابَةٍ، فَذَكَرْنَا الله تعالى عز وجل، وَذَكَرْنَا مَعَادَنَا، فَإِنَّا لَكَذَلِكَ إِذْ رَأَيْنَا نَوَاصِيَ الْخَيْلِ وَالْحِرَابِ، فَلَمَّا رَآهُ

ص: 328

أَصْحَابِي تَفَرَّقُوا وَتَرَكُونِي وَحْدِي، فَجَاءَ الْحَكَمُ حَتَّى وَقَفَ عليَّ فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، مَاتَ صَاحِبٌ لَنَا، فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ وَدَفَنَّاهُ وَقَعَدْنَا نَذْكُرُ رَبَّنَا، وَنَذْكُرُ مَعَادَنَا، وَنَذْكُرُ مَا صَارَ إِلَيْهِ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أن تفر كما فروا؟ قلت: أصلحك الله، أَنَا أَبْرَأُ سَاحَةً مِنْ ذَلِكَ، أَوَ مِنَ الأمير أفر؟ فَسَكَتَ الْحَكَمُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ المهلب -كان عَلَى شُرْطَتِهِ- أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَذَا الْمُتَكَلِّمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: فَغَضِبَ الْحَكَمُ، وَقَالَ أَمَا إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، خُذْهُ فَأُخِذْتُ، فضربني أربعمائة سوط، فما دريت متى تَرَكَنِي مِنْ شِدَّةِ مَا ضَرَبَنِي قَالَ: وَبَعَثَ بِي إِلَى وَاسِطٍ، فَكُنْتُ فِي دِيمَاسِ الْحَجَّاجِ حَتَّى مَاتَ الْحَجَّاجُ (1).

*وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِي، وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه نَحْوَ حَدِيثِ الحسن، عن أبي بكرة رضي الله عنه (2)، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ أَصْلَحُ حَالًا مِنَ الْخَلِيلِ بْنِ زكريا، والله أعلم.

(1) رواه أبو يعلى في مسنده (2/ 356 - 539: 1411) بطوله.

(2)

سنن الترمذي (3/ 356: 2355)، كتاب الفتن.

ص: 329

4479 -

درجته:

حديث الباب بهذا الإِسناد ضعيف، فيه قطن بن نسير أبو عباد البصري، وهو ضعيف. =

ص: 329

= وذكره الهيثمي في المجمع (7/ 265 و 272) بطوله، وقال:"رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح".

وذكره البوصيري في الإِتحاف (3/ ل 125 - 126)، وقال:"رواه أبو يعلى بسند صحيح".

قلت: بل إن إسناده ضعيف كما تقدم، لأن قطن بن نسير لم يوثقه غير ابن حبّان، وتوثق ابن حبّان عند تفرده به غير معتبر لدى علماء الشأن كما تقدم مرارًا.

ص: 330

تخريجه:

أخرجه أبو يعلى في مسنده (2/ 536: 1411)، ولم أجد من خرجه غير أبي يعلى.

أما الجزء المرفوع من القصة فله طرق متعددة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، وهذا الجزء المرفوع يشتمل على حديثين:

الطريق الأول: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بحق إذا رآه

الحديث روى هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري من طريقين:

1 -

رواه جعفر بن سليمان عن المعلي بن زياد عن الحسن البصري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه. أخرجه أبو يعلى كما في المطالب العالية هنا وفي مسنده (2/ 536) عن قطن بن نسير عن جعفر، به. وإسناده ضعيف كما تقدم.

وتابع قطن بن نسير محمَّد بن الحسن بن أتش اليماني عن جعفر بن سليمان، به.

أخرجه الإِمام أحمد في المسند (3/ 50) عن محمَّد بن الحسن عن جعفر بن سليمان، به.

ولفظه: "ألَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بحق إذا رآه وشهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم".

قلت: محمَّد بن الحسن بن أتش -فتح الهمزة والتاء- اليماني "صدوق فيه =

ص: 330

= لين" ورمي بالقدر كما في التقريب (ص 473)، وعليه فالإِسناد ضعيف أيضًا.

وأخرجه الإِمام أحمد في المسند (3/ 87) عن خلف بن الوليد بن عباد، عن المعلي بن زياد، عن الحسن البصري عن أبي سعيد الخدري، به، بنحوه.

قلت: هذا الإِسناد رواته ثقات، وخلف بن الوليد وثقه ابن معين وأبو زرعة، وأبو حاتم كما في تعجيل المنفعة (ص 117) وعباد بن عباد بن خبيب الأزدي قال الحافظ في التقريب (ص 290):"ثقة ربما وهم".

2 -

رواه كل من المستمر بن الريان الإِيادي، وقتادة أبو سلمة، وسليمان التيمي، وعلي بن زيد بن جدعان، والجريري عن أبي نضرة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه.

أما حديث المستمر بن الريان الإِيادي، فقد أخرجه أحمد (3/ 46) وأبو يعلى في المسند (2/ 419) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث حدَّثنا المستمر بن الريان الإِيادي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، بنحوه.

قلت: هذا الإِسناد حسن، لأن عبد الصمد بن عبد الوارث، وهو صدوق كما في التقريب (ص 356) وبقية رواته ثقات.

وحديث قتادة: أخرجه أحمد (3/ 92) من طريق شعبة عن قتادة عن أبي نضرة، به، بنحوه.

وحديث أبي سلمة أخرجه أحمد (3/ 44) عن محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة، به، بنحوه.

وحديث سليمان التيمي: أخرجه أحمد (3/ 5) عن ابن أبي عدي، عن سليمان التيمي، عن أبي نضرة، به، بنحوه.

وحديث الجرري: أخرجه أحمد (3/ 87) عن خلف بن الوليد ثنا خالد عن الجرري، عن أبي نضرة، به.

وحديث علي بن جدعان: أخرجه أحمد (3/ 19)، وأبو يعلى في المسند =

ص: 331

= (2/ 352: 1101)، والترمذي مع تحفة الأحوذي (6/ 356: 2286)، كتاب الفتن، باب ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه مما هو كائن إلى يوم القيامة. وابن ماجة في الجهاد (ح 2873).

كلهم من طرق عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بن جدعان، عن أبي نضرة، أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم خطبة بعد صلاة العصر إلى مغيربان الشمس، حفظها من حفظها، ونسيها من نسيها فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بعد: فإن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها"

وفيه: "ألا لا يمنعن رجلًا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه" الحديث.

قلت: إسناده ضعيف، لأن فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.

فالخلاصة أن هذا الجزء من الحديث يرتقي بهذه المتابعات والطرق إلى الحسن لغيره.

الحديث الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم:

"أليس لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ" قِيلَ: وَمَا إِذْلَالُهُ نفسه؟

قال: "يتعرض من النبلاء لما لا يطيق".

تقدمت شواهد هذا الحديث في تخريج حديث رقم (4478) وهو بهذه الشواهد يرتقي إلى الحسن لغيره.

ص: 332

4480 -

وقال أبو يعلى (1): حدَّثنا أحمد بن المقدام، ثنا عُبَيْدُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا الْعَلَاءُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَقَالَ لِي أَصْحَابُهُ: إِلَيْكَ يَا وَاثِلَةُ، أَيْ تَنَحَّ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّمَا جَاءَ لِيَسْأَلَ، فَدَنَوْتُ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، أَفْتِنَا عَنْ أَمْرٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ مِنْ بَعْدِكَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:"لِتَفْتِكَ نَفْسُكَ" قُلْتُ: وَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:"دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ" قُلْتُ: وَكَيْفَ لِي بِعِلْمِ ذَلِكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "تَضَعُ يَدَكَ عَلَى فُؤَادِكَ فَإِنَّ الْقَلْبَ يَسْكُنُ إِلَى الْحَلَالِ، وَلَا يَسْكُنُ لِلْحَرَامِ، وَإِنَّ وَرَعَ الْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعُ الصَّغِيرَ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ فِي الْكَبِيرِ" قُلْتُ: فَمَنِ الْحَرِيصُ؟ قَالَ: الَّذِي يَطْلُبُ الْمَكْسَبَ فِي غَيْرِ حِلِّهَا، قُلْتُ، فَمَنِ الْوَرِعُ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:"الَّذِي يَقِفُ عِنْدَ الشُّبْهَةِ" قُلْتُ: فَمَنِ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: "مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ" قُلْتُ: فَمَنِ الْمُسْلِمُ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" قُلْتُ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ".

*الْعَلَاءُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ (2).

ولآخره شاهد من حديث أبي عبدة (3) رضي الله عنه أخرجه البزّار.

(1) رواه أبو يعلى في مسنده (13/ 476: 7492).

(2)

انظر: الجرح والتعديل (7/ 353).

(3)

كذا بالنسخ، والصواب:"عبيدة".

ص: 333

4480 -

درجته:

الحديث بهذا الإِسناد ضعيف جدًا، فيه عبيد بن القاسم وهو متروك، وشيخه العلاء بن ثعلبة مجهول، وبقية رواته ثقات. =

ص: 333

= وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 294)، وقال:"رواه أبو يعلى والطبراني، وفيه عبيد بن القاسم، وهو متروك".

ص: 334

تخريجه:

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 78: 193) من طريق جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي عن أحمد بن المقدام العجلي، به، بنحوه.

وله طريق آخر عند الطبراني في الكبير (22/ 81) قال: "حدَّثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، ثنا هشام بن عمار، ثنا بقية بن الوليد، حدَّثنا إسماعيل بن عبد الله الكندي، عن طاؤوس، عن واثلة، قال: قلت: يا نبي الله، نبئني، قال: "إن شئت أنبأتك بما تسأل عنه، وإن شئت فسل" قال: قلت: بل نبئني يا رسول الله، فإنه أطيب لنفسي، قال:"جئت تسأل عن اليقين والشك" قال: هو ذاك يا رسول الله، قال:"فإن اليقين ما استقر في الصدر واطمأن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فإن الخير طمأنينة والشك ريبة وإذا شككت فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك" قلت: يا نبي الله بأبي وأمي فما العصبية؟ قال: أن تعين قومك على الظلم، والورع الذي يقف على الشبهات، والحريص على الدنيا الذي يطلبها من غير حل، والإِثم ما حاك في الصدر".

قلت: فيه إسماعيل بن عبد الله الكندي، قال الذهبي في الميزان:"وعنه بقية بخبر عجيب منكر". وقال الحافظ في اللسان: "وهذا ذكره الأزدي فأورد من طريق بقية عنه عن أبان عن أنس رضي الله عنه رفعه "لا يقبل فعل إلَّا بعمل، ولا عمل إلَّا بنية

" الحديث قال النباتي بعد ذكره: أحاديث بقية ليست نقية. قلت: (أي الحافظ) وأبان في التضعيف أشد منهما بكثير ويحتمل عندي أن يكون هو البصري نسيب ابن سيرين، وقال الحافظ في التهذيب بعد ذكره الخبر المتقدم: "فالحمل فيه على أبان".

قلت: على احتمال الحافظ بأن إسماعيل بن عبد الله البصري قريب ابن سيرين =

ص: 334

= فإنه ليس بضعيف لأن الأزدي ضعفه بسبب هذا الخبر المنكر عن بقية عنه، والحمل فيه على أبان أولى ممن دونه، كما قال الحافظ ابن حجر أما إسماعيل بن عبد الله البصري، فهو صدوق كما قال الحافظ في التقريب (ص 108).

وبقية بن الوليد الحمصي: "صدوق كثير التدليس عن الضعفاء" وهو من المرتبة الرابعة من المدلسين إلَّا أن تدليسه لا يضر، لأنه صرح بالسماع هنا، وفيه هشام بن عمار بن نصير السلمي، وهو صدوق لكنه اختلط كما ذكره ابن الكيال في الكواكب (ص 424) ولا يعرف حال أحمد بن المعلى هل أخذه عنه قبل الاختلاط أو بعده؟

وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 294)، وقال:"رواه الطبراني وفيه إسماعيل بن عبد الله الكندي وهو ضعيف".

فالخلاصة أن الحديث بهذين الطريقين ضعيف، إلَّا أن للحديث شواهد سأذكرها بحسب فقرات الحديث المختلفة:

ولقوله في الحديث: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) شواهد من حديث أبي هريرة والحسن بن علي وأنس والنعمان بن بشير رضي الله عنهم.

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أرم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة".

أخرجه مسلم (2/ 751: 1069)، كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2 -

حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، قال: أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فألقيتها في فمي، فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها، فألقاها في التمر، فقال له رجل: ما عليك لو أكل هذه التمرة، قال: إنا لا نأكل الصدقة، قال: وكان يقول: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة، قال: وكان يعلمنا هذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت

" الحديث.

أخرجه أحمد (1/ 200) عن يحيى القطان ومحمد بن جعفر عن شعبة قال: =

ص: 335

= حدَّثني بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء السعدي قال: قلت للحسن بن علي ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

فذكره بلفظه.

وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (3/ 117: 4984) عن الحسن بن عمارة، ومن طريقه أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 76: 2711)، وأخرجه ابن حبّان كما في الإِحسان (2/ 498) من طريق شعبة، وأخرجه الطبراني أيضًا (3/ 75: 2708) وأبو نعيم في الحلية (8/ 264) من طريق الحسن بن عبيد الله.

ثلاثتهم عن بريد بن أبي مريم، به. بنحو القصة المذكورة.

وروي بلفظ: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ فإن الصدق طمأنينة والشر ريبة" بدون القصة.

أخرجه الطيالسي (1178)، والترمذي (2518) في صفة القيامة، وأبو يعلى في المسند (12/ 132: 6762)، والحاكم في المستدرك (2/ 13 و 4/ 99) كلهم من طرق عن شعبة، به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وروى بلفظ: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ".

أخرجه النسائي (8/ 327) في الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات، والدارمي في سننه (2/ 319) في البيوع، باب دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، والبغوي في شرح السنَّة (2032) من طريق شعبة، به.

قلت: هذا الحديث صحيح، رواته ثقات، وذكره الهيثمي في المجمع (3/ 90) القصة بكاملها، وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير، ورجال أحمد ثقات.

3 -

حديث أنس رضي الله عنه، مرفوعًا:"اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرًا، فإنه ليس دونها حجاب، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ". =

ص: 336

= أخرجه أحمد (3/ 153) عن يحيى بن إسحاق قال: أخبرني أبو عبد الله الأسدي، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ.

4 -

حديث النعمان بن بشير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشتبهات، لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألَاّ وإن لكل ملك حمى ألَا إن حمى أرضه محارمه ألَا وإن في الجسد مضغة صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلَا وهي القلب".

أخرجه البخاري كما في الفتح في الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه وعرضه (1/ 153: 52)، والإِمام مسلم في صحيحه (3/ 1219: 1599)، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، به، بنحوه.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "تَضَعُ يَدَكَ عَلَى فُؤَادِكَ فَإِنَّ الْقَلْبَ يَسْكُنُ إِلَى الْحَلَالِ وَلَا يسكن للحرام" شواهد من حديث وابصة بن معبد، والنواس بن سمعان:

1 -

حديث وابصة بن معبد الأسدي، قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئًا من البر والإِثم إلَّا سألته عنه، وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه

وذكر قصة سؤاله الرسول صلى الله عليه وسلم، بنحو قصة واثلة بن الأسقع.

وفيه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يا وابصة: استفت قلبك واستفت نفسك ثلاث مرات، البر ما أطمأنت إليه النفس، والإِثم، ما حال في النفس، وتردّد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك".

أخرجه أحمد في المسند (4/ 228) عن يزيد بن هارون وعفان فرّقها كلاهما عن حماد بن سلمة أنا الزبير أبو عبد السلام، عن أيوب بن عبد الله بن مكرز، عن وابصة بن معبد رضي الله عنه، به.

وأخرجه الدارمي في البيوع، باب دع ما يريبك (2/ 325) عن سليمان بن حرب، وأبو يعلى في مسنده (3/ 160: 1586) عن إبراهيم بن الحجاج السامي، =

ص: 337

= وأبو يعلى أيضًا (3/ 162: 1587) عن علي بن حمزة المعولي، والطبراني في الكبير (22/ 148) من طريق إبراهيم بن حيان السامي.

أربعتهم عن حماد بن سلمة، به، بنحوه.

وهذا الإِسناد ضعيف، فيه أيوب بن عبد الله بن مكرز وهو مستور، كما قال الحافظ في التقريب (ص 118).

وذكره الهيثمي في المجمع (1/ 175)، وقال:"رواه أحمد وأبو يعلى وفيه أيوب بن عبد الله بن مكرز وقال ابن عدي: لا يتابع على حديثه، ووثقه ابن حبّان".

وله طريق آخر عند أحمد (4/ 227) عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: سمعت وابصة بن معبد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم-أسأله، عن البر والإِثم، فقال: جئت تسأل، عن البر والإِثم، فقلت: والذي بعثك بالحق ما جئتك أسألك عن غيره فقال: "البر ما انشرح له صدرك، والإِثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس".

وأخرجه الطبراني في الكبير (22/ 147) من طريق معاوية بن صالح، به. إلَّا أنه قال: أبو عبد الله السلمي بدل أبو عبد الرحمن السلمي".

وهذا الطريق رواته ثقات ما عدا معاوية بن صالح بن حدير فهو "صدوق له أوهام" كما في التقريب (ص 538)، وعليه فإن الحديث بهذين الطريقين حسن لغيره، والله أعلم.

2 -

حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن البر والإِثم؟ فقال: "البر حسن الخلق، والإِثم ما حال في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".

أخرجه مسلم (4/ 1980: 2553)، وأحمد في المسند (4/ 182)، والترمذي:(ح 2389)، والدارمي (2/ 322) من طرق عن النواس بن سمعان، به.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم، والمسلم من سلم =

ص: 338

= المسلمون من لسانه ويده". له شواهد من حديث أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وجابر، وأنس بن مالك رضي الله عنهم.

1 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم".

أخرجه الترمذي كما في تحفة الأحوذي (7/ 317: 2762) في الإيمان، باب ما جاء في أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والنسائي (8/ 104، 105) في الإيمان، باب صفة المؤمن، عن قتيبة بن سعيد، وأخرجه ابن حبّان كما في الإحسان (1/ 406: 180) من طريق عيسى بن حماد، والحاكم في المستدرك (1/ 10) من طريق يحيى بن بكير.

ثلاثتهم عن الليث، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، به.

وقال الحاكم: قد اتفقا على إخراج طرف حديث (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ولم يخرجا هذه الزيادة وهي صحيحة على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

وهذا إسناد حسن، رواته ثقات، ما عدا محمَّد بن عجلان المدني، وهو صدوق. انظر:(التقريب ص 496: 6136).

2 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".

أخرجه البخاري مع الفتح (1/ 69: 10)، كتاب الإيمان: باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأبو داود في السنن (ح 2481)، كتاب الجهاد، باب في الهجرة هل انقطعت، والنسائي (8/ 105) في الإيمان، والدارمي (2/ 300) في الرقاق، باب في حفظ اليد، والبيهقي في السنن (10/ 187)، والبغوي في شرح السنَّة (1/ 26: 12).

كلهم من طرق عن عامر الشعبي، قال: سيعت عبد الله بن عمرو بن العاص، به. =

ص: 339

= وفي الباب عن جابر وأنس بن مالك رضي الله عنهم.

وقوله صلى الله عليه وسلم آخر الحديث: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) يشهد له حديث أبي سعيد الخدري وأبي أمامة وطارق بن شهاب رضي الله عنهم.

1 -

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر.

أخرجه أبو داود في السنن (4/ 514: 4344) في الملاحم باب الأمر والنهي، والترمذي مع تحفة الأحوذي (6/ 329 - 330: 2265) في الفتن، باب أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، وابن ماجة (2/ 1329: 4011) في الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثلاثتهم من طريق إسرائيل، عن محمَّد بن جحادة، عن عطية العوفي عن أبي سعيد، به، نحوه.

قلت: فيه عطية بن سعد العوفي، ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، وعليه فإنه ضعيف. انظر: الكاشف (2/ 235)، التهذيب (7/ 224)، التقريب (ص 393: 4616).

وقد روى من طريق أخرى، فقد أخرجه الحاكم (4/ 505 - 506) والحميدي في مسنده (752)، وأحمد في المسند (3/ 19 - 61) كلهم من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، به.

قلت: فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، ولكن الحديث بمجموع الطريقين حسن لغيره، وله شواهد من حديث أبي أمامة وطارق بن شهاب وجابر بن عبد الله ومرسل للزهري، ذكرها الشيخ الألباني في سلسلته الصحيحة (1/ 262: 491) وصحح الحديث بمجموعها.

وجملة القول أن حديث الباب ضعيف جدًا بإسناد أبي يعلى، لأجل عبيد بن القاسم، وعليه فإنه لا يتقوى بهذه الشواهد، ولكن معناه صحيح، ورد عن جملة مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

ص: 340