المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌7 - باب صفة النار وأهلها - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٦

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌5 - باب صِفَةِ الجَنَّةِ وأَهْلِها

- ‌6 - باب رُؤْيَةِ الله تَعالى

- ‌7 - باب صِفَةِ النَّار وأهلِها

- ‌8 - باب خَلْقِ الجَنَّةِ والنَّارِ

- ‌9 - باب بدءِ الخَلقِ، وذكرِ الأَنبياءِ عليهم السلام

- ‌1 - باب فَضَائِلِ سَيدِ المُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ

- ‌2 - باب أَسْمَاءِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتُهُ

- ‌3 - باب في أَخْلاقِهِ وشَمَائِلِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب المَبْعَثِ وَبدْءِ الوَحْيِ

- ‌5 - باب عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ

- ‌فصل في المِعْرَاجِ

- ‌فصل في المُعْجِزَاتِ

- ‌6 - باب الكَرَامَاتِ

- ‌1 - باب في مَنَاقِبِ قُرَيْشِ وَذِكْرِ القَبَائِلِ

- ‌2 - باب مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم

- ‌3 - باب مَنَاقِبِ أَبي بَكْرِ الصَّديق رضي الله عنه

- ‌4 - باب مَنَاقِبِ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه

- ‌5 - باب مَنَاقِبِ أَبي بَكْر وَعُمَرَ رضي الله عنهما

- ‌6 - باب مَنَاقِبِ عُثمانَ بن عَفَّانَ رضي الله عنه

- ‌7 - باب مَنَاقِبِ هؤلاءِ الثَّلاثةِ رضي الله عنهم

- ‌8 - باب مَنَاقِبِ عَلِيِّ بن أَبي طَالِبِ رضي الله عنه

- ‌9 - باب مَنَاقِبِ العَشرَةِ رضي الله عنهم

- ‌10 - باب مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب مَنَاقِبِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب جَامِعِ المَنَاقِبِ

- ‌13 - باب ذِكْرِ اليَمَنِ وَالشَّامِ، وَذِكْرِ أُوَيْسٍ القَرَنِيِّ رضي الله عنه

- ‌14 - باب ثَوَابِ هذِهِ الأُمَّةِ

الفصل: ‌7 - باب صفة النار وأهلها

نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] ".

قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]، قال في "شرح السُّنَّة": قوله {نَاضِرَةٌ} ؛ أي: ناعمة بالنظر إلى ربها.

* * *

4390 -

عن أبي رَزينٍ العُقَيْليِّ قالَ: قلتُ يا رسُولَ الله! أَكُلُّنا يَرى ربَّهُ مُخْلِيًا بهِ يومَ القِيامَةِ؟ وما آيةُ ذلكَ في خَلْقِهِ؟ قالَ: "يا أبا رَزِينٍ أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرى القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ مُخْلِيًا بهِ؟ " قالَ: بلى، قالَ:"فإنَّما هو خَلْقٌ منْ خَلْقِ الله، والله أجَلُّ وأَعْظَمُ".

قوله: "يرى ربَّه مُخْلِيًا به يومَ القيامة"، (مُخْلِيًا)؛ أي: خاليًا؛ يعني: يرى ربَّه يومَ القيامة بحيث لا يزاحمُه في الرُّؤية أحدٌ.

* * *

‌7 - باب صِفَةِ النَّار وأهلِها

(باب صفة النار)

مِنَ الصِّحَاحَ:

4391 -

عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "نارُكُمْ جُزْءٌ منْ سَبْعينَ جُزءًا منْ نارِ جَهَنَّمَ". قيلَ: يا رسولَ الله! إنْ كانتْ لكَافِيةً، قالَ:"فإنَّها فُضلَتْ عَلَيْهِنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزءًا، كلُّهنَّ مثلُ حَرِّها".

قوله: "إن كانت" النارُ "لكافيةً"، (إنْ): هي الخفيفة من الثقيلة، واللام هي الفارقة لا النافية، وتقدير الكلام: إن هذه النارَ التي تراها في الدنيا كانت

ص: 27

كافيةً في الإحراق والتعذيب.

قال: "فُضلَتْ" نارُ جهنم؛ أي: زِيدَتْ على نيران الدنيا.

* * *

4392 -

وقالَ: "اِشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبها فقالت: رَبِّ أَكلَ بعضي بَعْضًا، فأَذِنَ لها بنفَسَيْنِ: نفَسٍ في الشِّتاءِ، ونفَسٍ في الصَّيفِ، أَشَدُّ ما تَجِدُونَ منَ الحَرِّ، وأَشَدُّ ما تَجِدونَ مِنَ الزَّمْهَريرِ".

قوله: "فأَذِنَ لها بنفَسَين: نَفسٍ في الشتاء، ونَفَسٍ في الصيف"، الحديث.

الضمير في (لها) عائد إلى (النار)، يجوز النصب في "أشد" والرفع من حيث الإعراب؛ فالرفع على تقدير: هو أشدُّ؛ أي: تنفُّسها هو أشدُّ الحر وأشدُّ البرد، والنصب على تقدير الظرفية، لأنه خبر عن الحَدَث؛ أي: التنفُّسُ كائنٌ في أشدِّ زمان الحَرِّ والبرد.

فالحرارةُ في الصيف والبرودةُ في الشتاء إنما يكونانِ من ذَيْنك النَّفَسَين، لكنهما لا يجيئان في وقتيهما مرةً واحدةً؛ لأنهما لو كانا يجيئانِ في وقتيهما بمرةٍ واحدةٍ لأَهلَكَتَا الخلائقَ، وإنما تجيء كلُّ واحدةٍ منهما في وقته بدفعاتٍ كما هو محسوسٌ، رحمةً من الله سبحانه وتعالى على عباده، ومزيدًا لإنعامه عليهم؛ ليكونوا سالمين من ذلك.

* * *

4394 -

وقالَ: "إنَّ أهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذابًا مَنْ لهُ نَعْلانِ وشِرَاكَانِ مِنْ نارٍ يَغْلي منهُما دِماغُهُ كما يَغْلي المِرْجَلُ، ما يَرى أَنَّ أَحَدًا أَشَدُّ منهُ عَذابًا، وإنّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذابًا".

قوله "كما يغلي المِرْجَل"، قال في "الفائق": المِرجل: كلُّ قِدْرٍ يُطبَخ فيه

ص: 28

من حجارة أو حديدة أو خزف.

وقيل: إنما سُمي به؛ لأنه إذا نُصِبَ فكأنه أُقيم على رجلٍ.

* * *

4395 -

وقالَ: "أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذابًا أبو طَالِبٍ، وهو مُنْتَعِلٌ بنعْلَيْنِ يَغْلي مِنْهُما دِماغُه".

قوله: "وهو مُنتعِل بنعْلَين"(المُنتعِل): المُحْتَذِي، وهو لابسُ الحِذَاء، وهو النعل، و (النعل): مؤنثة سماعية، تصغيرها: نُعَيلة، فُعَيلة.

* * *

4396 -

وقالَ: "يُؤْتَى بأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنيا منْ أَهْلِ النَّارِ يومَ القِيامةِ فيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابن آدَم! هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا والله يا رَبِّ، ويُؤتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنيا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فيُصبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ فيقالُ لهُ: يا ابن آدمَ! هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا والله يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ".

قوله: "يُؤتَى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يومَ القيامة، فيُصبَغ في النار صبغةً"، الحديث.

الباء في بـ (أنعم): للتعدية، و (أنعم): أفعل التفضيل من: النعمة، وهي الطِّيب.

و"قَطُّ": معناها الزمان، يقال: ما رأيتُه قطُّ، قال الكِسائي: كانت (قَطُطُ)، فلما سُكِّن الحرفُ الثاثي للإدغام جُعل الآخرُ متحركًا إلى إعرابه، ذكره في "الصحاح".

ص: 29

وقيل: المراد بالصَّبغ هنا: الغَمس، لأن الصبغَ لا يكون غالبًا إلا بالغَمس، فيكون مجازًا من نوع إطلاق اسم الملزوم على اللازم.

"البؤس": الشدة والمشقة؛ يعني: يُجاء يومَ القيامة من له أنعمُ عيشًا، أو أطيبُ حالًا في الدنيا من أهل النار، فإذا أُدخل النارَ فيُسأل عما مضى عليه في الدنيا من طيب عيشه، فيقال له: هل رأيتَ خيرًا وسرورًا فيها قطُّ؟ وهل وجدتَ فيها نعمةً؟ فشدةُ العذاب تُنسيه ما مضى عليه من نعيم الدنيا، فيقول: ما وجدتُ شيئًا قطُّ من نعيمها وزبرجدها، وكذا يُجاء يوم القيامة من له أشدُّ حالًا وأسوءُ عيشًا في الدنيا من أهل الجنة، فإذا أُدخل الجنةَ بفضله فيُسأل عما كان عليه من تعب الدنيا وشدتها، فنعيمُ الجنة يُنسيه ما مضى فيها من سوء الحال وضيق البال.

* * *

4397 -

عن أنسٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"يقولُ الله تعالى لأِهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذابًا يَوْمَ القِيامةِ: لوْ أنَّ لكَ مَا في الأَرْضِ منْ شَيءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بهِ؟ فيقولُ: نَعَم، فيقولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هذا وأنتَ في صُلْبِ آدَمَ، أنْ لا تُشرِكَ بي شَيْئًا فأبَيْتَ إلا أنْ تُشرِكَ بي".

وقوله "يقول الله لأهونِ أهل النار عذابًا يومَ القيامة: لو أن لك ما في الأرض" الحديث.

(أهون): أفعل التفضيل، من: هانَ الشيءُ عليه يَهُون هَونًا: إذا خفَّ وسَهُلَ.

(لو أن لك ما في الأرض) تقديره: لو ثبتَ أن لك؛ لأن (لو) يقتضي الفعل الماضي، وإذا وقعت (أن) المفتوحة بعد (لو) كان حذف الفعل واجبًا، لأن ما في (أن) من معنى التحقيق والثبات ينزل بمنزلة ذلك الفعل المحذوف.

ص: 30

الهمزة في "أكنت": للاستفهام بمعنى التوبيخ، و"الافتداء": إعطاء الفِداء، و"نعم": جواب للاستفهام والخبر تصديقًا لِمَا قبلَه نفيًا كان أو إثباتًا؛ يعني: يقول الله سبحانه لمَن له تخفيفٌ في العذاب يومَ القيامة: لو حصل لك ما في الأرض جميعًا هل كنت تفتدي بها لخلاص نفسك عن النار؟ فيقول: نعم يا ربِ.

"فيقول" الله تعالى: "أردتُ منك أهونَ من هذا"؛ أي: أمرتُك بأسهلَ من هذا وأخفَّ عليك، وهو الإيمان والتصديق بي وبجميع كتبي ورسلي وما هو في الآخرة من الغيب، وأنتَ في صلب آدم، فأَبيتَ إلا أن تُشركَ بي؛ أي: فامتنعتَ عن الإيمان والإسلام وأشركتَ بي، والإرادة ها هنا بمعنى: الأمر، والفرق بين الأمر والإرادة: أن ما يجري في العالَم لا محالَة كائنٌ بإرادته ومشيئته، وأما الأمرُ فقد يكون مخالفًا لإرادته ومشيئته.

* * *

4398 -

وعن سَمُرةَ بن جُنْدَبٍ: أنَّ نَبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "منهُمْ مَنْ تأخُذُهُ النَّارُ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إلى رُكبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ تأخُذُهُ النَّارُ إلى حُجْزَتِهِ، ومنهُم مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إلى تَرْقُوَتِهِ".

قوله: "مَن تأخذه النارُ إلى حُجْزَتِه": (الحُجْزَة): مَعقِد الإزار.

* * *

4400 -

وقالَ: "ضرْسُ الكافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وغِلَظُ جِلْدِهِ مَسيرَةُ ثَلاثٍ".

مِنَ الحِسَان:

4402 -

وقالَ صلى الله عليه وسلم: "ضرْسُ الكافِرِ يَوْمَ القِيامةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وفخِذُهُ مِثْلُ البَيْضاءِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَسيرةُ ثلاثٍ مِثْلُ الرَّبَذَةِ".

ص: 31

قوله: "ضرْسُ الكافر مِثْلُ أُحُد"، (الضرْس): السِّنُّ.

و (أُحُد): جبل بالمدينة.

و (مسيرة ثلاثٍ)، يعني: ثلاث ليالٍ، وكبَّر جثةَ الكافر وغلَّظ جِلدَه، ليثقلَ عليه العذاب ويشتدَّ.

وقيل: (البيضاء): اسم جبل، لأنه وُجد في غير هذا الحديث مقرونًا في الذِّكر بوَرْقان وأُحد، وهما من جبال المدينة.

ويقوِّيه حديثُ أبي ذَرٍّ: أنه خرج في لَقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تَرعَى: البيضاءَ، فأجدب ما هنالك، فقرَّبوها إلى الغابة.

وقيل: إن الترمذي ذكر في كتابه بعد رواية الحديث: أن البيضاءَ جبلٌ.

وقال في "المغيث": في ديار العرب مواضع تُسمى: البيضاء.

قوله: "مِثْلُ الرَّبَذة".

قيل: يريد ما بين المدينة والرَّبَذة، وهي قريب من ذات عِرْق، وهي ثلاث مراحل.

وقيل: قرية من قرى مكة.

* * *

4404 -

عن ابن عُمَرَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ الكافِرَ لَيُسْحَبُ لِسانُهُ الفَرْسَخَ والفَرْسَخَيْنِ يتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ"، غريب.

قوله "يتوطَّؤُه الناسُ"؛ أي: يمشي الناسُ على لسانه الممتد الفَرسخَين أو الفَرسخ.

* * *

ص: 32

4405 -

عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"الصَّعُودُ جَبَلٌ منْ نارٍ يَتَصَعَّدُ فيهِ سَبْعينَ خَرِيفًا، ويَهوي بهِ كذلكَ فيه أَبَدًا".

قوله: "يتصعَّد فيه سبعين خريفًا"؛ أي: يُكلَّف الكافرُ ارتقاءَه مدةَ سبعين سَنةً، وكذلك يُكلَّف سقوطَه من ذلك الجبل في النار مدةَ سبعين سَنةً، وتكليفُه صعودَ ذلك الجبلِ وهبوطَه لا ينقطع، كما أشار إليه بقوله:"ويهوي به كذلك فيه أبدًا"، فـ (كذلك) خبر مبتدأ مقدَّر، تقديره: كذلك عادتُه في الصعود والهبوط المذكورَين أبدًا، فحينئذٍ ذَكرَ السبعين وأراد به الدوامَ.

* * *

4406 -

وقالَ في قَوْلِه: {كَالْمُهْلِ} أي كعَكَرِ الزَّيْتِ، فإذا قُرِّبَ إلى وَجْهِهِ سَقَطَ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فيهِ".

قوله: "أي كعَكَرِ الزيت"؛ أي: دُرْدِيُّه.

أورد في "شرح السُّنَّة": (المُهل): الرصاص المُذَاب والصفر والفضة، وكلُّ ما أُذيب من هذه الأشياء فهو مُهْلٌ.

وقيل: المُهْل: الصديد الذي يسيل من جلود أهل النار.

وقيل: المُهْل: دُرْدِيُّ الزيت، وهو معنى (عَكَر الزيت).

قوله: "سقطت فَروةُ وجهه فيه"، الضمير في (فيه) يعود إلى (العَكَر)، و (الفَروة): الجِلدة، (فَروة وجهه) يريد: جلدته، ويُروى:"قَرْقَرَة وجهه"؛ أي: جلدة وجهه.

و (القَرْقَرَة): من لباس النساء، شُبهَتْ بشرةُ الوجه بها، ذكر في "شرح السُّنَّة".

* * *

ص: 33

4407 -

وقالَ: "إنَّ الحَمِيمَ لَيُصَبُّ على رُؤُوسهِمْ فيَنْفُذُ الحَمِيمُ حتَّى يَخلُصَ إلى جَوْفِهِ، فيَسْلُتُ ما في جَوْفِهِ حتَّى يَمْرُقَ منْ قَدَمَيْهِ، وهو الصَّهْرُ، ثمَّ يُعادُ كما كانَ".

قوله "إن الحميمَ لَيُصَبُّ على رؤوسهم": الحميم والحميمة: الماء الحارُّ.

و (الصَّبُّ): إراقة الماء، يقال: صَبَبتُ الماءَ فانصبَّ؛ أي: سكبتُه فانسَكَبَ.

و (ينفذ)؛ أي: يمضي، يقال: نَفَذَ السهمُ من الرَّمِيَّة نفاذًا ونفوذًا: إذا مضى.

وخَلَصَ إليه الشيءُ: وصلَ.

قوله: "فيَسلُتُ ما في جوفه حتى يَمرُقَ من قدَميه"، (يَسلُت)؛ أي: يمسح، من سَلَتَ القصعةَ: إذا مسحَها من الطعام، وسَلَتَتِ المرأةُ خضابَها عن يدها: إذا مسحتْه، وألقتْه عنها، وسَلَتَ بالسيف أنفَه؛ أي: جَدَعَه.

و (المُروق): الخروج، من: مَرَقَ السهمُ من الرَّمِيَّةِ مروقًا؛ أي: خرجَ من الجانب الآخر، ومنه سُميت الخوارجُ مارقةً؛ لمُروقهم عن مذهب أهل السُّنَّة.

و (الصَّهْرُ): الإذابة، يقال: صَهرتُ الشيءَ فانصَهَرَ؛ أي: أَذبتُه فذَابَ، فهو صهير.

* * *

4408 -

عن أبي أُمامَةَ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ} قالَ:"يُقرَّبُ إلى فيهِ فَيَكْرهُهُ، فإذا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رأْسِهِ، فإذا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعاءَهُ حتَّى تَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، يقولُ الله تعالَى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} ويقولُ: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} ".

قوله: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ} ، وصديد الجرح: ماؤه الرقيق

ص: 34

الخليط بالدم قبل أن تغلظ المِدَّة، ذكره في "الصحاح".

(يتجرَّعه)؛ أي: يتحسَّاه ويشربه، لا بمرةٍ واحدةٍ، بل جرعةً جرعةً؛ لمرارته وحرارته.

* * *

4409 -

وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لِسُرْادِقِ النّارِ أَرْبَعةُ جُدُرٍ، كِثَفُ كُلِّ جِدارٍ مَسيرةُ أَرْبعينَ سَنَةً".

وقوله: "لِسُرَادِقِ النارِ أربعةُ جُدُرٍ"، قال في "شرح السُّنَّة": السُّرادق: كل ما أحاط بشيءٍ، نحو المضرب والخِبَاء، يقال للحائط المشتمل على الشيء: السُّرادق، قال الله تعالى:{أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29].

و (الجُدُر) جمع: جدار، و"كِثَفُ كلِّ جدارٍ"؛ أي: غِلَظُه.

* * *

4410 -

وبه قالَ: "لوْ أنَّ دَلْوًا منْ غَسَّاقٍ يُهْراقُ في الدُّنيا لأَنْتَن أَهْلُ الدُّنيا".

قوله: "لو أن دَلْوًا من غَسَّاقٍ يُهراقُ في الدنيا لأَنْتَنَ أهلُ الدنيا"، وهراقَ الماء يُهَريق - بفتح الهاء - هِرَاقةً إذا صبَّه، وأصله: أَراقَ يُرِيقُ إراقةً، وفيه لغة أخرى: أَهْرَقَ الماءَ - بسكون الهاء - يُهْرِقُه إهراقًا، على أَفْعَلَ يُفْعِلُ.

قال سيبويه: قد أبدلوا من الهمزة الهاء، ثم ألزمت، فصارت كأنها من نفس الحرف، ثم أُدخلت الألف بعدُ [على] الهاء وتُركت الهاء عوضًا من حذفهم [حركةَ] العين؛ لأن أصل أَهْرَقَ: أَرْيَقَ.

و (الغَسَّاق): البارد المُنْتِن، يُخفَّف ويُشدَّد، ذكره في "الصحاح".

ص: 35

قال ابن الأنباري: الغَسَّاق: باردٌ مُحرِق لا يُقدَر على شربه مِن بردِه، كما لا يُقدَر على شرب الحميم لحرارته.

قال السُّدَّي: هو ما يسيل من أعينهم من الدموع، يُسْقَونه مع الحميم، يقال: غَسَقَتْ عينُه: إذا سالت، تَغْسِق.

وقال غيره: هو ما يَغْسَقُ من جلود أهل النار من الصديد.

قال الإمام شهاب الدين التُّورِبشتي في "شرحه": وجدت في كتابِ جمعٍ من حُفَّاظ الحديث: "أهلَ الدنيا" مُقيدًا لامَه بالنصب، وليس ذلك بصوابٍ فإن (أنتن) لازم، يقال: نَتَنَ الشيءُ وأَنْتَنَ: إذا تغيَّر، وإنما الصواب:(أهلُ) بالرفع، ولو كان الفعل متعديًا كان المعنى أتمَّ وأوجهَ، فيحتمل أن الأصل فيه:(انتنَّ) بالتشديد، فلم يعرف بعضُ الرواة الفرقَ بين الكلمتين، فرواه:(أنتن)، هذا كلُّه منقولٌ من "شرحه".

يعني: لو صُبَّ دَلْوٌ من صديد أهل النار في أهل الدنيا لم يكن لأهلها قرارٌ ولا سكونٌ من نَتَنِه، فكيف حالُ من هذا طعامُه؟! أعاذنا الله منه بفضله.

* * *

4411 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هذهِ الآيَة: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لوْ أنَّ قَطْرةً منَ الزَّقُّومِ قَطَرتْ في دارِ الدُّنيا لأَفْسَدَتْ على أَهْلِ الأَرْضِ مَعَايشَهُمْ، فكَيْفَ بِمَنْ يكونُ طعامُهُ؟ "، صحيح.

قوله: "لو أن قطرةً من الزَّقُّوم قَطَرت في دار الدنيا"، الحديث.

(الزَّقُّوم): شجرة خبيثة، ثمره كريهة الطعم، يُكرَه أهلُ النار على تناوله، فهم يتزقَّمونه على أشد كراهية منهم، ومنه قوله: تَزَقَّمَ الطعامَ: إذا تناوَلَه على

ص: 36

كرهٍ ومشقةٍ، ذكره في "معالم التنزيل".

قوله: "فكيف بمن يكون طعامه؟! " الفاء في (فكيف): جواب شرط مقدَّر، فكأنه قال: إذا عرفتَ ذلك فكيف يفعل مَن يكون طعامُه ذلك؟! أي: الزَّقُّوم؛ يعني: كيف حالُ مَن طعامُه الزَّقُّوم في النار؟!

* * *

4412 -

عن أبي سَعيدٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:" {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104] قالَ: تَشْويهِ النّارُ فَتَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ العُليا حتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ وتَسْترخِيَ شَفتهُ السُّفلَى حتَّى تَضْرِبَ سُرَّتهُ".

قوله: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} وما قبله {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104]، يعني: تحرق النارُ وجوهَ الذين خسروا أنفسَهم، أعني الكَفَرة، وهم في النار عابسون.

قوله: "فتَقَلَّصُ شَفَتُه العليا"، (تَقَلَّصُ) أصله: تتقلَّص، فحُذفت إحدى التاءين تخفيفًا، كما قال الله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ} [هود: 105] الآية، وأصله: لا تتكلم، ومعناه: تنقبض، و (العليا) تأنيث: الأعلى.

و"وَسطَ رأسِه" بسكون السين: ظرف، وبفتحها: نعت.

و"تسترخي"؛ أي: تَستَرسل وتَتدلَّى، و (السُّفلى) تأنيث: الأسفل.

* * *

4413 -

عن أنسٍ رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ:"يا أيُّها النَّاسُ ابْكُوا، فإنْ لمْ تَسْتَطيعوا فتباكَوْا، فإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكونَ في النَّارِ حتَّى تسيلَ دُمُوعُهُمْ في وُجُوهِهِمْ كأَنَّها جَداوِلُ، حتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ فتسيلُ الدِّماءُ فتقَرَّحُ العُيونُ، فلوْ أنَّ سُفُنًا أُرْخِيَتْ فيها لجَرَتْ".

ص: 37

قوله: "فإن لم تستطيعوا فتَباكَوا"، (التباكي): إظهار البكاء عن نفسه من غير أن يَبكيَ؛ أي: تكلَّف عن نفسه البكاء.

و (تباكوا) أصله: تباكَيُوا، على زنة تَفَاعَلَ، وقُلبت الياءُ ألفًا لتحرُّكِها وانفتاحِ ما قبلها، وحُذفت لالتقاء الساكنين.

ويجوز أن يقال: أُسكنت الياء لثقل الضمة، فحُذفت لالتقاء الساكنين؛ يعني: إن لم تقدروا على البكاء فأَظهِرُوا البكاءَ عن أنفسكم، فإنه مقدمةُ البكاء.

وفي الحديث: دليلٌ على أن تواجُدَ الصوفية لظهور الوَجْد جائزٌ.

قوله: "كأنها جداول": الضمير عائد إلى (الدموع).

(الجداول) جمع: جَدْوَل، وهو النهر الصغير.

قوله: "فلو أن سُفُنًا أُزجِيَتْ فيها لَجَرَتْ"، (السُّفُن) جمع: سفينة.

(الإزجاء): السَّوق، يقال: أَزجيتُ الإبلَ؛ أي: سُقتُها، الضمير في (فيها): يعود إلى (الدموع)، والفاء في (فلو أن): جواب شرط مقدَّر، يعني: إذا عرفتَ هذا فاعرِفْ أن دموعَ الكَفَرة في النار لو أُجريت فيها السفنُ لَجَرَتْ؛ لكثرتها، وهذا لا يستحيل؛ لأن الكافرَ إذا كان سِنٌّ من أسنانه مثلَ أُحد، وغِلَظُ جلده مسيرةَ ثلاثة أيام، ومَقعدُه من النار قَدْرَ ما بين مكة والمدينة، وهو مئة فرسخ كما ذُكر قبل هذا، فإذا كان كذلك فهو غير مُستبعَدٍ؛ لأنه من الممكنات، والله سبحانه قادرٌ عليها.

* * *

4414 -

عن أبي الدَّرْداءِ قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُلقَى على أَهْلِ النَّارِ الجُوعُ فَيَعْدِلُ ما هُمْ فيهِ منَ العَذابِ، فَيَسْتَغيثونَ، فيُغاثونَ بطَعامٍ {مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} ، فيسَتَغيثونَ بالطَّعامِ، فيُغاثونَ بطَعامٍ ذي {غُصَّةٍ} فَيذكُرونَ

ص: 38

{غُصَّةٍ} فَيذكُرونَ أنَّهمْ كانوا يُجيزونَ الغُصَصَ في الدُّنيا بالشَّرابِ، فيسَتَغيثونَ بالشَّرابِ، فيُرفَعُ إليهِمُ {الْحَمِيمِ} بكلاليبِ الحَديدِ، فإذا دنَتْ منْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ، فإذا دَخَلتْ بُطونَهُمْ قَطَّعَتْ ما في بُطُونِهِمْ، فيقَولونَ: ادْعُوا خَزَنَة جَهَنَّمَ، فيقولون:{أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: 50] قالَ: فيقولون: ادْعُوا مالِكًا، فيقولون:{يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] قال: فيُجِيبُهم {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77]

قال الأَعْمَشُ: نُبئْتُ أنَّ بَيْنَ دُعائهِمْ وإجابَةِ مالِكٍ إيّاهُمْ ألفَ عامٍ.

قالَ: "فيقولون: ادْعُوا ربَّكُمْ فلا أَحَدَ خَيْرٌ منْ ربكُمْ، فيقولون: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 106، 107] قال: فيُجيبُهُمْ {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] قال: فعندَ ذلكَ يَئِسوا مِنْ كُلِّ خير، وعِنْدَ ذلكَ يأخُذونَ في الزَّفيرِ والحَسْرةِ والوَيْلِ".

ويُروَى هذا مَوْقُوفًا على أبي الدَّرْداءِ.

قوله: "يُلقَى على أهل النار الجوع، فيَعدِل ما هم فيه من العذاب"، الحديث.

(فيَعدِل) من: العِدْل، والعِدل بالكسر: المِثْل، تقول: عندي عِدْلُ غلامِك وعِدْلُ شاتك: إذا كان غلامًا أو شاةً يعدل غلامًا أو شاةً، وإذا أردت قيمتَه من غير جنسه نصبتَ العينَ، ذكره في "الصحاح".

يعني: يصير أهلُ النار يومَ القيامة جائعين، بحيث يكون ألمُ جوعِهم عِدْلَ ألمِ ما يكون عليهم من العذاب.

(الضَّرع) و (الضَّرِيع): يَبيسُ الشِّبْرِق، وهو نبتٌ، ذكره في "الصحاح".

و (الضَّريع) في الآخرة: شَوكٌ من نارٍ أمرُّ من الصَّبرِ، وأنتنُ من الجِيفة،

ص: 39

وأشدُّ حرًّا من النار.

قال المفسرون: فلما نزلت: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6] قال المشركون: إن إبلَنا لتَسمَنُ على الضريع، فكذبوا؛ فإن الإبلَ إنما ترعاه ما دام رطبًا، فإذا يبس فلا تأكلُه، فأنزل الله تعالى:{لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي} [الغاشية: 7]، ذكره الإمام أبو الفتوح العجلي في "تفسيره".

"الغُصَّة" واحدة: الغُصَص، وهي الشَّجَى، وهو ما يَنشَب في الحلق من العظم وغيره.

"الحميم": الماء الحارُّ.

و"الخَزَنة" جمع: خازن، كـ (ضَرَبَة) جمع: ضارب، وهم الملائكة الموكَّلون على النار.

قوله: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ؛ أي: لِيُمِتْنا ربُّك لنَستريحَ، قَضَى عليه: إذا ماتَ.

قال في "الغريبين"؛ أي: لِيقضِ علينا الموتَ؛ لنَستريحَ، وهو مثل قوله:{لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر: 36]؛ أي: لا يُقضى عليهم الموتُ فيموتوا، {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15]؛ أي: قتلَه.

قوله: "فيقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} "، قيل:(الشَّقاوة) بفتح الشين و (الشِّقوة) بكسرها: ما كُتِبَ على الشخص في اللوح المحفوظ.

وقيل: الشِّقوة: الهوى، وقيل: عبارة عن السيئات التي أَوجبت له الشقاوةَ.

{فَإِنْ عُدْنَا} ؛ أي: إلى الكفر والكذب والتكذيب.

{فَإِنَّا ظَالِمُونَ} ؛ أي: لأنفسنا.

"الخَسْء": البُعد؛ أي: ابعُدُوا فيها أذلَّاء، كما يقال للكلب إذا طُرِدَ: اِخْسَأْ.

ص: 40

{وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]؛ أي: في رفع العذاب، فإني لا أرفعُه عنكم، فانقطع رجاؤهم، "وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل".

و (الزفير): اغتراقُ النَّفَس للشدة، وأولُ صوت الحمار.

و (الويل): وادٍ في جهنم، يقال: أخذ فلان في الشيء الفلاني: إذا شرع فيه.

يعني: بعدما يُجابون بقوله: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] يصيرون آيسينَ من رحمته تعالى، ثم لا يتكلمون بعدها إلا بالشَّهيق والزَّفير.

يعني: لا يقدرون على أن يتكلموا بعد ذلك، بل يَشْرَعون في الزَّفير والشَّهيق والويل والثُّبور، ويصير لهم عواءً كعواء الكلب، بحيث لا يَفْهَمون ولا يُفْهَمون.

* * *

4417 -

عن عبدِ الله بن عَمْرِو بن العاصِ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لوْ أنَّ رَضْرَاضَةً مِثْلَ هذِهِ، وأَشارَ إلى مِثْلِ الجُمْجُمَةِ، أُرسِلتْ منَ السَّماءِ إلى الأَرْضِ في مَسيرةِ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ لَبَلَغتِ الأَرْضَ قبلَ اللَّيلِ، ولوْ أنَّها أُرْسِلَتْ مِنْ رأْسِ السِّلِسلَةِ لسارتْ أَرْبعينَ خَريفًا اللَّيلَ والنَّهارَ قبل أنْ تبلُغَ أَصْلَها أَوْ قَعْرَها".

قوله: "لو أن رَضْرَاضَةً مثلَ هذا"، الحديث.

(الرَّضْرَاض): ما دقَّ من الحصا، و (الرَّضْرَاضة): واحدةٌ منه.

(الخمخمة) بالخاءَين المعجمتَين: حَبَّة صغيرة صفراء، يقال لها بالفارسية: شفترك.

وقيل: هي (الجمجمة) بالجيمَين، وهي عَظم الرأس المشتمل على الدماغ، والقَدَح من خشب.

ص: 41

وقيل: الأول أصح، وقد أورد الترمذي في "كتابه":"لو أن رضاضةً مثلَ هذه" بدل (رضراضة).

والرضاضة: قطعة من الرَّضَاض.

قال الإمام التُّورِبشتي: وفي سائر نسخ "المصابيح": (رضراضة) مكان (رضاضة)، وهو غلطٌ لم يوجد في غير كتاب "المصابيح".

وهذا الحديث من جملة أحاديث "كتاب الترمذي"، ومن كتابه نقلَ المؤلفُ، ولعل الغلطَ وقعَ من غيره.

* * *

4415 -

عن النُّعمانِ بن بَشيرٍ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "أَنْذَرْتُكُم النَّارَ، أَنْذَرْتُكُم النَّارَ، فما زالَ يقولُها حتَّى لوْ كانَ في مَقامِي هذا سَمِعَهُ أَهْلُ السُّوقِ، وحتَّى سَقَطَتْ خَمِيصَةٌ كانتْ عَلَيهِ عِنْدَ رِجْلَيهِ".

قوله: "لو كان في مكاني هذا سمعَه أهلُ السُّوق"، (المكان): المنزل؛ يعني: لو كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في منزلي هذا لَسمعَ صوتَه أهلُ السوق؛ لأنه بالَغَ في الإنذار ورفعَ صوتَه فيه.

* * *

4416 -

عن أبي بُرْدَةَ عن أَبيهِ رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ في جَهَنَّمَ وادِيًا يُقالُ لهُ: هَبْهَبُ، يَسكُنُه كُلُّ جَبَّارٍ".

قوله: "ويَسكنُه كلُّ جبَّار"؛ يعني: يسكن فيه، هذا من جملة ما يُقدَّر فيه معنى (في) اتساعًا؛ إجراء للظرف مَجْرَى المفعول به.

* * *

ص: 42