الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - باب مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
-
(بابُ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم)
4796 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غَداةً وعَليهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِن شَعْرٍ أسودَ، فجاءَ الحَسَنُ بن عليٍّ فأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جاءَ الحُسَينُ فدَخَلَ معَهَ، ثُمَّ جاءَتْ فاطِمَةُ فأَدْخَلَها، ثُمَّ جاءَ عليٌّ فأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قالَ:" {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ".
قولها: "خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غَداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ من شَعَرٍ أسود"، قال في "الصحاح": مِرْط مُرحَّل: إزارُ خَزٍّ فيه عَلَمٌ.
وقال غيره: المُرحَّل: ضَرْبٌ من بُرود اليَمَنِ، [سُمِّي مُرَحَّلًا]؛ لِمَا عليه من تصاوير الرِّحَال.
* * *
4797 -
وقالَ البَرَاءُ: لمَّا تُوُفِّي إبراهيمُ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لهُ مُرْضعًا في الجَنَّةِ".
قوله: "إنَّ له مُرْضعًا في الجنة"، قال الخطابي: هذا يروى على وجهين: مَرضعًا - بفتح الميم - أي: رَضاعًا، وبضم الميم؛ أي: تتم رضاعه، يقال: امرأة مُرْضع - بلا هاء -: [إذا كان لها لبن رضاع]، ومُرْضعة: إذا بنيت على: أرضَعَت.
قيل: قال ذلك لأنه [مات] قبل الفِطام.
* * *
4798 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كُنَّا أَزْواجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ، فأَقْبَلتْ فاطِمَةُ، ما تَخْفَى مِشْيَتُها مِن مِشيَةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رآهَا قال:"مرحبًا بابنتي"، ثُمَّ أَجْلَسَها، ثم سَارَّها، فبكَتْ بكاءً شديدًا، فلمَّا رأَى حُزْنَها سارَّها الثانية، فإذا هي تَضْحَكُ! فلمَّا قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَأَلتُها: عَمَّا سارَّكِ؟ قالَت: ما كُنْتُ لأُفشيَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم سِرَّه، فلَمَّا تُوُفِّي قلتُ: عَزَمتُ عليكِ بما لي عليكِ مِن الحقِّ لمَّا أخبرتِني، قالت: أمَّا الآنَ فَنَعَمْ، أمَّا حينَ سارَّني في الأمرِ الأولِ فإنَّهُ أخبرَني: أنَّ جِبْريلَ كانَ يُعارِضُه بالقُرآنِ كلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وأنَّه:"عارضَني بهِ العامَ مرَّتَينِ، ولا أُرَى الأَجَلَ إلا قد اقتَرَبَ، فاتَّقي الله واصبري، فإنِّي نِعمَ السَّلَفُ أنا لكِ"، فبَكَيْتُ، فلمَّا رَأَى جَزَعي سارَّني الثانيةَ قال:"يا فاطِمَةُ! ألا تَرْضَيْنَ أنْ تكوني سَيدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ - أو: نِساءِ المُؤْمنين -".
وفي روايةٍ: سارَّني فأَخْبَرني أنه يُقْبَضُ في وَجَعِه، فبكَيْتُ، ثُمَّ سارَّني فأَخْبَرَني أنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بيتِهِ أَتْبَعُه، فَضَحِكْتُ.
قولها: "سارَّني في الأمرِ الأوَّل"، (سارني)؛ أي: أفرحني.
قوله: "ألا ترضينَ أن تكوني سيدةَ نساءِ أهلِ الجنة، أو نساء المؤمنين" دليلٌ على أنها خيرُ نساء المؤمنين وأفضلُهنَّ في الدنيا والآخرة، وإنما كان كذلك؛ لأنها بعضُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي بعده:
* * *
4799 -
عن المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "فاطمةُ بَضْعَةٌ منِّي، فمَنْ أَغْضَبَها أَغْضَبني".
وفي روايةٍ: "يُريبني ما أَرَابَها، ويُؤذيني ما آذَاهَا".
"فاطمةُ بَضْعَةٌ مني"، و (البَضْعة): قطعة لحم، فإذا ثبت هذا، فمحبَّتُها
واجبة، ومحبة أولادِها على الإطلاق واجبة.
قوله: "يَرِيبني ما أَرَابها"، قال في "شرح السنة": قال الفَرَّاء: رَابَ وأَرَابَ بمعنًى واحد، ويقال: أرابني: إذا شَكَّكني وأَوهَمني، فإذا استيقَنْتُه قلت: رابني.
* * *
4800 -
عن زيدِ بن أَرْقَمَ رضي الله عنه قال: قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَطيبًا بماءٍ يُدعَى خُمًّا، بينَ مكَّةَ والمدينةِ، فحَمِدَ الله وأثنَى عليهِ، ووَعظَ وذَكَّرَ ثم قالَ:"أمَّا بَعْدُ، أيُّها النَّاسُ! إنَّما أنا بَشَرٌ يُوشِكُ أنْ يأتيَني رسولُ ربي فأُجيبَ، وأنا تارِكٌ فيكم الثَّقَلَيْنِ، أولهُما: كتابُ الله، فيهِ الهدى والنورُ، فخُذوا بكتابِ الله واستَمْسِكوا بهِ، وأَهْلُ بيتي، أُذَكِّرُكم الله في أَهْلِ بيتي، أُذَكَّرُكم الله في أهلِ بيتي، أُذكرُكم الله في أهلِ بيتي".
وفي روايةٍ: "كتابُ الله، هوَ حبلُ الله، مَن اتَّبَعَهُ كانَ على الهدَى، ومَن تَرَكَهُ كانَ على الضَّلالةِ".
قوله: "وأنا تاركٌ فيكُم ثقلين"، قال في "شرح السنة": قيل: سماهما ثقلين؛ لأن الأخذَ بهما والعملَ بهما ثقيل، وقيل في تفسير قوله تعالى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] أي: أوامر الله وفرائضه ونواهيه لا تؤدَّى إلا بتكليفٍ ما ثقيل.
وقيل: {قَوْلًا ثَقِيلًا} ؛ أي: له وَزْن، وسُمِّي الجنّ والإنس ثقلين؛ لأنهما فُضلا بالتمييز على سائر الحيوان، وكلُّ شيء له وزن وقَدْر يُتنافس فيه فهو ثقيل.
* * *
4801 -
عن البَرَاءِ قال: قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: "أنتَ مِنِّي وأنا مِنْكَ"، وقال لجَعْفَرٍ:"أَشْبَهْتَ خَلْقِي وخُلُقي"، وقالَ لزَيدٍ:"أنت أَخُونا ومَوْلانا".
قوله: "أنتَ أخُونا ومولانا"؛ يعني: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزيد: أنتَ أخونا في الدِّين ومولانا؛ أي: عَتِيقنا.
* * *
4802 -
وكانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما إذا سلَّمَ على ابن جَعْفَرٍ قالَ: السَّلامُ عليكَ يا ابن ذي الجناحَيْنِ!
قوله: "يا ابن ذي الجناحين"، فإنما سماه بذلك هنا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يراه في الجنة يطيرُ مع الملائكة حيث شاء، وقَوادِمُه كانت ملطوخة بالدم.
وقد قتل بأرض الشام، وهو أمير، كان بيده راية الإسلام، فقاتل في سبيل الله حتى قُطِعت يداه ورِجْلاه، وقد كُشِفَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأى أن له جناحين مَلْطوخين بالدم، يطيرُ بهما مع الملائكة في الجنة.
* * *
4804 -
وعن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه قال: خَرَجْتُ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في طائِفَةٍ مِن النَّهارِ حتى أَتَى خباءَ فاطِمَةَ فقالَ: "أَثَمَّ لُكَعُ؟ أَثَمَّ لُكَعُ؟ "، يعني حَسَنًا، فلم يَلْبَثْ أنْ جاءَ يَسْعَى، حتَّى اعتَنَقَ كلُّ واحِدٍ منهما صاحبَهُ، فقالَ: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ! إني أُحِبُّه، فأَحِبَّهُ وأَحِبَّ مَن يُحبُّه".
قوله: "أثَمَّ لُكَع"، و (اللكع): عبارة عن الولد الصغير الذي لا عَقْلَ له، وهو اسم يُطلق على العبد والصغير والمُهْر والجَحْش.
قال في "شرح السنة": سئل بلال بن جرير عن اللُّكَع، قال: هي في لغتنا:
الصغير، وإلى هذا ذهب الحسن إذا قال: يا لُكَعُ، يريد: يا صغير، أو يريد في العلم، فسمَّاه لُكَعًا لِصِبَاه وصِغَرِه.
* * *
4805 -
وعن أبي بَكْرةَ رضي الله عنه قال: رأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على المِنْبرِ، والحَسَنُ بن عليٍّ إلى جَنْبهِ، وهوَ يُقْبلُ على النَّاسِ مَرَّةً وعلَيْهِ أُخْرى ويقولُ:"إنَّ ابني هذا سَيدٌ، ولعَلَّ الله أنْ يُصْلِحَ بهِ بينَ فئتينِ عظيمتينِ مِن المُسْلِمين".
قوله: "ولعلَّ الله يُصْلِحُ به بين فئتينِ عَظِيمتين من المسلمين"، قال الشيخ الإمام في "شرح السنة": قد خرج مصداق هذا القول في الحسن بن علي رضي الله عنهما بترك الأمر حين صارت الخلافة إليه، خوفًا من الفتنة، وكراهة لإراقة دم أهل الإسلام، فأصلح الله به أهلَ العراق وأهلَ الشام، وسُمِّي ذلك العام سنة الجَمَاعة.
وفيه دليل على أن واحدًا من الفريقين لم يَخْرُجْ - بما كان منه في تلك الفتنة من قول أو فعل - عن مِلَّة الإسلام؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جعلهم كلَّهم مسلمين، مع كون إحدى الطائفتين مُصيبة والأخرى مُخْطِئة.
وهذا سبيل كلِّ متأول فيما يتعاطاه من رأي ومذهب، إذا كان له فيما يتأوَّلُه شبهة، وإن كان مخطئًا في ذلك، وعن هذا اتفقوا على قَبول شهادة أهل البَغْي، ونُفُوذ قضاء قاضيهم، واختار السلفُ تركَ الكلام في الفتنة الأولى، وقالوا: تلك دماءٌ طَهَّرَ الله عنها أيدينا، فلا نُلَوِّثُ بها ألسنتَنا.
وفي الحديث دليل على أنه لو وَقَفَ شيئًا على أولاده يدخلُ ولدُ الولد فيه؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سمَّى ابن ابنته ابنًا، هذا كله منقول عن "شرح السنة".
* * *
4806 -
وعن ابن عُمَرَ في الحَسَنِ والحُسَينِ رضي الله عنهما قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "هُما رَيْحَانِي مِن الدُّنيا".
قوله: "هما ريحاني من الدنيا"، (الريحان) ها هنا قد فُسِّر بالرزق، فقال الزمخشري: أي: هما من رزق الله الذي رَزَقَنِيه، يقال: سبحانَ الله وريحانَه؛ أي: أسبح الله وأسترزِقُه، قال: وهو مخفَّف من الريحان، فَعْلَان من الرَّوح؛ لأن انتعاشه بالرزق، قيل: ويجوز أن يراد بالريحان المشموم؛ لأن الأولاد قد يُشَمُّون ويُقَبَّلون، وكأنهم من الرَّياحين.
* * *
4813 -
وعن عبدِ الله بن عُمَرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وأمَّرَ عَلَيهم أُسامَةَ بن زيدٍ فَطَعَنَ النَّاسُ في إِمارتِه، فقامَ، فقالَ رسولُ الله:"إِنْ تَطْعَنُوا في إمارتِه فقد كنتُم تَطْعَنونَ في إمارةِ أبيهِ مِن قَبْلُ، وايمُ الله إنْ كانَ لَخَليقًا للإِمارةِ، وإنْ كانَ لمِن أَحَبِّ النَّاسِ إليَّ، وإنَّ هذا لمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إليَّ بَعْدَه".
قوله: "وايمُ الله إِنْ كان لخليقًا للإمارة"، (وايم الله)؛ أي: والله إنَّ الشأنَ والحديثَ كان أسامة بن زيد من موالي، جرير للإمارة لفضله وسبقه وقربه مني.
* * *
مِنَ الحِسَان:
4815 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: رأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّتِهِ يومَ عَرَفةَ، وهو على ناقتِهِ القَصْواءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يقولُ:"يا أيُّها النَّاسُ! إنِّي قد تَرَكْتُ فيكم ما إنْ أخذْتُم بهِ لن تَضلُّوا، كتابَ الله وعِتْرَتي أهلَ بَيْتي".
قوله: "وهو على ناقته القَصْواء"، سُمَّيت قَصواء لا لكونها مجدوعة
الأذن، بل القَصْواء لقبٌ لها، وكذلك العَضْباء والجَدْعَاء أيضًا لقب لها.
قوله: "عترتي أهل بيتي"، قيل: في معنى (العترة) أقوال أحسنها: أن عِتْرةَ الرَّجُلِ: أهلُ بيته ورَهْطُه الأقربون.
* * *
4817 -
وعن زيدِ بن أَرْقَمَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لعليٍّ وفاطِمَةَ والحَسَنِ والحُسَينِ: "أنا حَرْبٌ لِمَن حاربَهم، وَسِلْمٌ لِمَن سَالمَهم".
قوله: "أنا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبهم، وسِلْمٌ لمن سَالَمهم"؛ أي: أنا مُحارب لمن حاربَ أهل بيتي، وسِلم؛ أي: مُسالم لمن سالمهم؛ يعني: مَنْ أحبَّهم فقد أحبني، ومَنْ أبغضهم فقد أبغضني.
* * *
4819 -
وعن عبد المُطَّلِب بن ربيعةَ رضي الله عنه: أنَّ العَبَّاسَ رضي الله عنه دَخَلَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا وأنا عِنْدَه فقالَ: "ما أغضبَكَ؟ "، قال: يا رسولَ الله! ما لَنا ولقُرَيشٍ؟ إِذا تَلَاقَوْا بينَهم تَلَاقَوْا بوُجوهٍ مُسْتَبْشِرَةٍ، وإذا لقُونا لقُونا بغيرِ ذلكَ، فغَضبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى احمَرَّ وَجْهُهُ، ثُمَّ قال:"والذي نَفْسي بيدِه، لا يَدْخُلُ قَلْبَ رجلٍ الإيمانُ حتى يُحِبَّكم للهِ ولرسولِهِ"، ثُمَّ قال:"أيُّها النَّاسُ! مَن آذَى عَمِّي فقد آذَاني، فإنَّما عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبيهِ".
قوله: "تلاقَوا بوجوه مُبْشِرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك" قيل: مبشرة - بضم الميم وسكون الباء وفتح الشين - الروايةُ، والمعنى: يلاقي بعضُهم بعضًا بوجوه ذاتِ البشْر والبَسْط، وإذا رأونا رأونَا بغير ذلك؛ يعني: بغير البشْر والبَسْط، بل رأونا كارهين، بحيث يظهر في وجوههم الكراهية.
قوله: "إنما عَمُّ الرجل صِنْو أبيه" قال في "الصحاح": إذا خرج نخلتان وثلاث من أصل واحد فكلُّ واحدة منهنَّ صِنْوٌ، والاثنتان صِنْوانِ، والجمع صِنْوانٌ - برفع النون -؛ يعني: ما كان عم الرجل وأبوه إلا صنوين، وهما من أصل واحد.
* * *
4822 -
وعنه قال: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم للعَبَّاسِ: "إذا كانَ غَداةَ الإثنينِ فأْتِني أنتَ وولدُك حتى أَدْعُوَ لهمْ بدَعْوَةٍ ينفَعُكَ الله بها وَوَلَدَكَ"، فغدَا وغَدَوْنا معَه وألبَسَنا كِسَاءَهُ ثُمَّ قال:"اللهمَّ! اغفِرْ للعَبَّاسِ وولدِهِ مَغْفِرةً ظاهِرَةً وباطِنَةً لا تُغادِرُ ذنبًا، "اللهمَّ! احفَظْهُ في وَلَدِه"، غريب.
قوله: "وألبَسَنا كِسَاءه"، قيل: إشارة إلى أن العباس وابنه ونفسه صلى الله عليه وسلم كنفس واحدة، يشتملُها كِساءٌ واحد.
قيل: ويحتمل أنه سأل الله تعالى أن يَغْفِرَ لهم، ويبسُطَ عليهم رحمتَه، كبسط الكِساء عليهم، ويجمعهم في الأُخوة تحت لوائه.
* * *
4824 -
وعنه: أَنَّه قال: دَعَا لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤتِيَني الحِكْمَةَ مرَّتينِ.
قوله: "دعا لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتيَني الحكمةَ؛ مرَّتين"؛ أي: يعطيني الله سبحانه العلمَ والفهمَ، (الحكمة): العلم، والحكيم: العالِم.
* * *
4827 -
عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيدا شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ".
قوله: "الحسنُ والحسين سَيدا شبابِ أهلِ الجنّة"، (الشباب) جمع شاب؛ يعني: هما أفضل مَنْ مات شابًا في سبيل الله من أصحاب الجنة، بل هما أفضل أصحاب الجنة شبابهم وشيوخِهم سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين، كيف لا، وهما جُزْءا فاطمة، وهي جزءُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
قيل: ولم يُرِد بالشباب سِنَّ الشباب؛ لأنهما ماتا وقد اكْتَهلا، بل ما يفعل الشاب من المروءة، كما تقول فلان فتيٌّ، وإن كان شيخًا، تشير إلى مروءته، ولو قيل: إن أهل الجنة ليس فيهم كهول ولا مشايخ ولا صبيان، بل كمال العمر وهو الشباب، فحينئذ يُحشران شابين، فاشتد التفضيل حينئذٍ لتساوي الأسنان هناك؛ أي: سكان أهل الجنة أسنانهم متساوية، فتصح هذه الإضافة لتساوي الفاضل والمفضول في السن، والخلفاء الراشدون وإن حُشروا شبانًا وهم أفضل منهما.
فحاصل الحديث: أنه يجوز أن يريد به الشبابَ والكُهول كما ذكر، أو يريد أرباب الفضائل من أهل الجنة، أو يريد أفضلَ السُّكَّان هناك، ما خلا كذا وكذا، واستوى عُمُرُ السكانِ هناك.
* * *
4830 -
عن سَلْمى قالت: دخلتُ على أُمِّ سَلَمَةَ وهي تبكي، فقلتُ: ما يُبكيكِ؟ قالت: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، تعني في المنامِ، وعلى رَأْسِه ولحيتِهِ التُّرابُ، فقلتُ: ما لكَ يا رسولَ الله؟ قال: "شَهِدْتُ قتلَ الحُسَينِ آنِفًا"، غريب.
قوله: "شهدت قتل الحسين آنفًا"؛ أي: حضرتُ قتلَه الآن.
* * *
4832 -
عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبنا، إذ جاءَ الحَسَنُ والحُسَيْنُ وعليهما قميصانِ أَحْمَرانِ يمشيانِ ويعثُرانِ، فنزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن المِنْبَرِ، فَحَمَلَهما فَوَضَعَهما بينَ يديهِ ثم قال:"صَدَق الله {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةً}، نظرْتُ إلى هذيْنِ الصبيَّيْنِ يمشيانِ ويعثُرانِ فلَمْ أَصْبرْ حتى قَطَعْتُ حديثي ورَفَعْتُهما".
قوله: "ويعثُرانِ"؛ أي: يسقُطان على الأرض؛ يعني: الحسن والحسين رضي الله عنهما.
قوله: "فلم أصْبرْ حتى قطعْتُ حديثي ورفعتُهما"؛ يعني: إذا نظر إليهما وقد عَثَرا، أثَّرت فيه الرِّقَّة والرحمة من حيث البشرية، فما صَبَرَ حتى قطعَ حديثَه، بل نزل من المنبر، ورفعَهُما، وإنما فعل هذا صلى الله عليه وسلم ليكون مستندًا لضعفاء أمته، بحيث لو فعل مثلَ هذا واحدٌ من الأمة عُذِرَ ولم يُلَم.
* * *
4833 -
عن يَعْلى بن مُرَّةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حُسَيْنٌ منِّي وأنا مِن حُسَيْنٍ، أَحَبَّ الله مَن أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِن الأَسْباطِ".
قوله: "حسينٌ سِبْطٌ من الأسباط"، (السِّبط): ولد الولد، وقيل: السِّبط مأخوذة من السَّبَط: وهو شجرة لها أغصان كثيرة وأصلها واحد، فالوالد بمثابة الشجرة، والأولاد مثل الأغصان، وفي رواية:"الحسن والحسين سِبْطا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قيل: ويحتمل أن يقال: أنه أراد بالسبط: القبيلة؛ يعني: يتشعَّب منهما نسلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فسُمِّيا بذلك؛ لأنهما أصلان يتولَّد منهما السِّبط.
وقيل: أراد كما قيل: أسباط بني إسرائيل أولادُ يعقوب، فكذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الحسن والحسين وأولادهما إلى يوم القيامة.
* * *
4837 -
عن عُمَرَ رضي الله عنه: أنه فَرَضَ لأُسامةَ في ثلاثةِ آلافٍ وخَمْسِ مئةٍ، وفرضَ لعبدِ الله بن عمرَ رضي الله عنه في ثلاثةِ آلَافٍ، فقالَ عبدُ الله بن عمرَ رضي الله عنه لأَبيهِ: لِمَ فَضَّلْتَ أُسامَةَ عليَّ؟ فوالله ما سبَقَني إلى مَشْهَدٍ، قال: لأَنَّ زَيْدًا كانَ أَحَبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِن أبيكَ، فكانَ أسامةُ أَحَبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْكَ، فآَثَرْتُ حِبَّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على حِبي.
قوله: "فرض لأسامة في ثلاثة آلاف وخمس مئة"، (فرض)؛ أي: قدّر عمر رضي الله عنه ذلك المقدار من أموال بيت المال رزقًا له.
"فقال ابنه عبدُ الله: لِمَ فَضَّلْتَ أسامةَ عليَّ؟ فوالله ما سبَقني إلى مشهد"، أراد بالمشهدِ حضورَ قتالِ ومعركةِ الأعداء.
قوله: "فآثرتُ حِبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حِبي"؛ أي: اخترت، (الحِبُّ) - بالكسر - بمعنى: المحبوب، كالخِلِّ بمعنى: الخليل.
* * *
4838 -
عن جَبَلَةَ بن حَارِثَةَ رضي الله عنه قال: قَدِمْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسولَ الله! ابعَثْ معي أَخي زيدًا، قال:"هو ذَا، فإنْ انطَلَق مَعَكَ لَمْ أَمْنَعْهُ"، قال زيدٌ: يا رسولَ الله! والله لا أَخْتارُ عليكَ أَحَدًا قال: فرأيتُ رأْيَ أخي أَفْضَلَ مِن رأيي.
قوله: "هُو ذا فإنِ انطلقَ معك لَمْ أمنَعْه"(هو): عائد إلى (زيد)، و (ذا): إشارة إليه أيضًا؛ يعني: مطلوبُك هذا.
"قال: فرأيت رأي أخي أفضلَ من رأيي"؛ أي: قال جَبَلَةُ أخو زيد.
* * *
4839 -
عن أُسامَةَ بن زيْدٍ رضي الله عنه قال: لمَّا ثَقُلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هَبَطْتُ وهَبَطَ النَّاسُ المَدينةَ، فدخَلْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقد أُصْمِتَ فلم يَتَكَلَّمْ، فجَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَضَعُ يدَيْهِ عليَّ وَيَرْفَعُهما، فأَعْرِفُ أَنَّه يدعُو لي. غريب.
قوله: "هَبَطْتُ وهَبَطَ الناسُ المدينة"، (هبطت)؛ أي: نزلت، وإنما قال:(هبطت)؛ لأنه كان ساكنًا في العوالي، وهي قرى المدينة.
وقيل: المدينة من أي جهة أَتَوها يكون فيها الهُبوط؛ لأنها مُنْخفِضة بحيث يَصِلُ إليها السَّيل.
قوله: "وقد أُصْمِت" يقال: أُصْمِت المريض: إذا ثَقُل لسانُه واعْتُقِل، فهو مُصْمَت.
* * *
4840 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: لمَّا أرادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُنَحِّيَ مُخاطَ أُسامَةَ قالت عائِشَةُ رضي الله عنها: دَعْني حتَّى أَكُونَ أنا الذي أَفْعَلُ، قال:"يا عائشةُ! أحِبيهِ فإنِّي أَحِبُّه".
قوله: "أن يُنحِّي مُخَاطَ أسامة"، (نحى): إذا أزال المُخَاط - بضم الميم - ما يسيل من الأنف.
* * *
4841 -
وعن أُسامَةَ قال: كُنْتُ جَالِسًا إذ جاءَ عليٌّ والعَبَّاسُ يَستَأذنانِ، فقالا لأُسامَةَ: استأذنْ لنا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: يا رسولَ الله! عليٌّ والعَبَّاسُ يَستَأْذِنانِ، فقالَ:"أَتَدْري ما جاءَ بهما؟ " قلتُ: لا، فقال:"لكنِّي أَدْري، ائذنْ لهما"، فدَخَلَا فقالا: يا رسولَ الله! جِئناكَ نَسْأَلُك: أيُّ أَهْلِكَ
أَحَبُّ إليك؟ قال: "فاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّدٍ"، قالا: ما جِئْناكَ نَسْأَلُكَ عن أهلِك، قال:"أَحَبُّ أَهْلي إليَّ مَن قد أَنْعَمَ الله عليهِ وأَنْعَمْتُ عليهِ: أُسامَةُ بن زيدٍ"، قالا: ثُمَّ مَن؟ قال: "عليُّ بن أبي طالبٍ"، فقال العَبَّاسُ: يا رسولَ الله! جَعَلْتَ عَمَّكَ آخِرَهم! فقال: "إنَّ عَلِيًا قد سَبَقَكَ بِالهِجْرَةِ".
قوله: "جئناكَ نسألُك أيُّ أهلِكَ أحبُّ إليك؟ قال: فاطمةُ بنتُ محمَّد، قالا: ما جئناك نسألُك عَنْ أهلِكَ" الخاص؛ يعني بهم العِتْرة، فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهل أيضًا، فإن قيل: ما الحكمة في جوابه صلى الله عليه وسلم عن الأهل مع أنهما قالا: ما نسألك عن الأهل؟
قيل: الأهل يُذكر ويراد به الزوجة والأولاد، وقد يُذكر ويُراد به الأقارب، وقد يُذكر ويراد به المُتعلِّق، فإذا سألا في الأول عن الأهل وقال: أحب إليَّ فاطمة، فقالا: ما نسألك عن أهلك؛ يعني: عن أزواجك وأولادك، بل نسألك عن أقاربك وعن متعلِّقيك.
قال: "أحبُّ أهلي إليَّ مَنْ قد أنعمَ الله عليه، وأنعمتُ عليه، أسامة"، إن قيل: جميعُ الصحابة رضوان الله عليهم قد أنعمَ الله ورسولُه عليهم، فلأيِّ شيء خُصِّص بذلك؟ قيل: النعمةُ من الله ومن الرسولِ على زيدٍ أبي أسامة، والنعمةُ على الآباء نعمةٌ على الأبناء، فلهذا قد خصِّصت به بيان النعمة من الله ورسوله على زيد، قال الله عز وجل:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] الإنعام من الله عز وجل توفيقُ الإيمان له، واهتداؤه إلى الإسلام، الذي هو أكمل النعم وأتمُّها، والإنعام من الرسول صلى الله عليه وسلم إعتاقُه، وإخراجُه من ذُلِّ الرق.
* * *