الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 - باب ثَوَابِ هذِهِ الأُمَّةِ
(بابُ ثَوَابِ هذِهِ الأُمَّةِ)
مِنَ الصِّحَاحِ:
4926 -
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّما أَجَلُكم في أَجَلِ مَن خَلَا مِن الأُمَمِ ما بينَ صلاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، وإنَّما مَثَلُكم ومَثَلُ اليَهودِ والنَّصارَى كرَجُلٍ استَعْمَلَ عُمَّالًا، فقالَ: مَن يَعملُ لي إلى نِصْفِ النَّهارِ على قِيراطٍ قيراطٍ، فعَمِلَتِ اليهودُ إلى نِصْفِ النَّهارِ على قيراطٍ قيراطٍ، ثُمَّ قال: مَن يَعمَلُ لي مِن نِصفِ النَّهارِ إلى صلاةِ العَصْرِ على قيراطٍ قيراطٍ؟ فعَمِلَتِ النَّصارَى مِن نِصْفِ النَّهارِ إلى صلاةِ العَصْرِ على قيراطٍ قيراطٍ؟ ثُمَّ قال: مَن يَعْمَلُ لي مِن صَلاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشَّمْسِ على قيراطَينِ قيراطَينِ؟ أَلَا! فأنتُم الذينَ تعملون مِن صلاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، أَلَا لكُم الأَجْرُ مرتينِ، فغضبَتِ اليَهودُ والنَّصارَى، فقالوا: نَحْنُ أكثرُ عَمَلًا وأقلُّ عطاءً؟ قالَ الله تعالى: وهل ظَلَمْتُكم مِن حقِّكم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فإنَّه فَضْلي أُعطِيهِ مَن شئتُ".
قوله: "إنَّما أجَلُكم في أجل مَنْ خَلا مِنَ الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس
…
" الحديث.
(إنما) هذه، و (إنما) مثلكم، كلتاهما للحَصْر؛ يعني: ما أَجَلُكم في أجلِ مَنْ خلا من الأمم إلا ما بين صلاة العصر.
(الأجل): مدة الشيء، (خلا): إذا مضى، (الأمم): جمع أمة، وهي جماعة من الناس.
قال في "شرح السنة": ذكرَ الخطَّابي - رحمة الله عليه - على هذا الحديث كلامًا معناه: أن هذا الحديث يُروى على وجوه مختلفة في توقيت العمل من النهار، وتقدير الأُجرة في هذه الرواية: قطع الأجرة لكل فريق منهم قيراطًا قيراطًا، وتوقيت العمل عليهم زمانًا، واستيفاؤه منهم وإيفاؤهم الأجرة.
وفيه قطع الخصومة، وزوال العَتَب عنهم، وإبراؤهم من الذَّنْب، وهذا الحديث مختصَر، وإنما اكتفى الراوي منه بذكر مآل العاقبةِ فيما أصاب كلَّ واحدة من الفِرَق من الأجر.
وقد روى محمد بن إسماعيل هذا الحديثَ بإسناده عن سالم بن عبد الله عن عبد الله، وقال فيه:"أوتي أهل التوراة التوراةَ فعمِلوا، حتى إذا انتصفَ النهارُ عَجَزوا، فأُعْطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أُوتي أهلُ الإنجيلِ الإنجيلَ، فعمِلوا إلى صلاة العصر، ثم عَجَزوا، فأُعْطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أُوتيتُ القرآن، فعمِلْنا إلى غروب الشمس، فأُعطينا قيراطين قيراطين".
فهذه الروايةُ تدلُّ على أن مَبْلَغ الأجرة لليهود لعمل النهار كلِّه قيراطان، وأجرة النصارى للنصف الباقي قيراطان، فلما عَجَزوا عن العمل قبلَ تمامِه لم يُصيبوا إلا على قدْرِ عملهم، وهو قيراط، ثم إنَّهم لما رَأَوا المسلمين قد استوفَوا قدرَ أجرةِ الفريقين حَسَدُوهم، فقالوا: نحنُ اكثرُ عملًا، وأقلُّ أجرًا.
* * *
4927 -
عن أبي هُريرَةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مِن أَشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا ناسٌ يكونونَ بَعْدي يَوَدُّ أَحَدُهم لو رآني بأَهْلِهِ ومالِهِ".
قوله: "يَوَدُّ أحدُهم لو رآني بأهله وماله"، (ودَّ يَوَدُّ) على وزن علم يعلم، معناه: تمنَّى، والباء في (أهله) باء التعدية؛ يعني: يتمنَّى أحدُهم أن يكَون يَفْدِي
بأهله وماله لو أنفقَ رؤيتَهم إيَّاي ووصولَهم إلي.
ويجوز أن تكون (لو) بمعنى (أن)، والباء في (بأهله) باء حال؛ يعني: تمنَّى أحدُهم أن يراني في حال كونه يَفْدي بأهله وماله، ونظيرُه قولُه تعالى:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2]؛ أي: أن كانوا.
* * *
4929 -
وقالَ: "لا يَزَالُ مِن أُمَّتي أُمَّةٌ قائِمَةٌ بأمْرِ الله، لا يَضُرُّهم مَن خَذَلهم ولا مَن خَالفَهم، حتَّى يأتيَ أمرُ الله وهُم على ذلكَ".
قوله: "لا يزالُ مِنْ أمَّتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله، لا يضرُّهم مَنْ خَذَلَهم، ولا مَنْ خالَفَهم، حتى يأتيَ أمرُ الله وهُم على ذلك"، قال في "شرح السنة":(قائمة بأمر الله) أي: متمسِّكة بدينها، وقوله:{مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} [آل عمران: 113]؛ أي: متمسِّكة بدينها، وهم قومٌ آمنوا بموسى وعيسى ومحمد - صلوات الله عليهم -.
قال الشيخ: وحمل بعضُهم مُطْلقَ هذا الحديث على القيام بتعلُّم العلم وحفظ الحديث لإقامة الدين.
قال أحمد بن حنبل: إن لم تكن هذه الطائفةُ المقصودةُ أصحابَ الحديث فلا أدري من هم؟
قيل: هذه الطائفة هم المُرابطة بثغور الشام؛ لأنه في بعض طرق هذا الحديث: "وهم بالشام"، وفي بعضها:"حتَّى يُقَاتِلَ آخرُهم المسيحَ الدَّجَّال"، وفي بعضها: قيل: يا رسول الله! وأين هم؟ قال: "في بيت المقدس".
قيل: الأمة القائمة بأمر الدين: هم المُقيمون على الإسلام، الدائمون له، مِنْ قام الشيء: إذا دام، وقام الماء: وقف.
وقوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} [آل عمران: 113] أراد به: من انتقلَ من اليهودية والنصرانية إلى الإسلام، فآمن بجميع الكتب، وواظَب على العمل بمضمون القرآن، وقيل: أراد: أرباب الأحاديث؛ لأنهم قائمون بنقل الأحاديث وإحيائها.
* * *
مِنَ الحِسَان:
4931 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ أُمَّتي مَثَلُ المَطَرِ، لا يُدْرَى أَوَّلُه خَيْرٌ أَم آخِرُهُ".
قوله: "مَثَلُ أمَّتي كالمَطَر، لا يُدرى أوَّلُه خيرٌ أم آخِرَه"، وإنما شَبَّه أمتَه صلى الله عليه وسلم بالمطر؛ يعني: شَبَّه نفعَهم في الدين بنفع المطر في الزرع، لا من حيث أن التردُّد في فضل القَرْنِ الأول أنهم أفضلُ من القرن الثاني بلا خلاف، بل التابعي أفضل ممن بعده؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"خيرُ الناسِ قرني، ثم الذين يلُونهم، ثم الذين يلُونهم" بيان شبههم بالمَطَر لأن المطر يُنْبتُ الزرعَ في الأول، ويُنْمِيه في الثاني، ولا يُدْرى أنَّ نفعه في الأول أكثرُ أم في الثاني، فكذلك إن القرن الأول مَهَّدوا قواعدَ الشريعة وأساسَها، والقرن الثاني حَفِظُوها، وشَهَّروها، وعَمِلوا بمضمونها إلى قيام الساعة، فلا يُدرى - أيضًا - أن نفعَ القرنِ الأول في تمهيدهم أصلَ الشريعة أكثر، أم نفع القرن الثاني في حفظها والعمل بها؟ بل النفعُ موجودٌ في كليهما، من حيث إن أصلَ النفعِ في القرنين مشترَكٌ، وهو دوام توفيقِهما للعمل بمقتضى الشرع، بخلاف الأمة السالفة؛ فإن آخرَهم بدَّلوا ما كان أوَّلُهم عليه، وحَرَّفوه، قال الله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ
مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]، فإذا كان كذلك ففضْلُ أمتِه عَنْ آخرِهم ثابتٌ على سائر الأمم كلِّهم، لمفهوم هذا الحديث ومنطوقِ غيرِه من الآيات والأخبار، قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]؛ أي: خيارًا، وقال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].
فإذا تقرَّر هذا، فاعرِفْ أن فضيلةَ القرن الأول من أمته على القرن الثاني منهم لا بكثرةِ العمل، بل لأنهم صَحِبوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وصادفُوا زمانَ الوحي، ولأنهم ثبتَتْ فضيلَتُهم على القرن الثاني بدلائل كثيرةٍ من الآيات والأخبار، والله أعلم بالصواب (1).
° ° °
(1) جاء في نهاية النسخة الخطية المرموز لها بـ "م" ما نصه: "هذا آخِرُ تتمَّةِ شرحِ مولانا وسيدنا الإمام مُظْهر الدين، قدَّس الله روحَه، وبرَّد ضريحَه بحقِّ من لا نبي بعده. [كذا] تممتُ هذا الكتابَ بعون الله تعالى وطلبِ غُفرانه في شهر الله الأصَمِّ رَجبٍ المُرَجَّب من سنة اثنتين وستين وسبع مئة الهلالية.
كتبه محمد بن أحمد بن محمد الأبهري حامدًا ومصلِّيًا.
من كتب العبد المحتاج إلى رحمة الغني المغني علان بن محمد بن عبد الملك بن علي المحدث الصديقي، عفى الله عنهم بلطفه وكرمه آمين".
وجاء على الهامش منها: "بلغت المقابلة على جهة الوسع والطاقة وعلى نسخة أصله في غاية السقم".
وجاء في نهاية النسخة الخطية المرموز لها بـ "ش" ما نصه: "هذا آخر تتمة شرح مولانا وسيدنا الإمام مظهر الدين - قدَّس الله روحه وبرَّد مضجعه، وقد وفِّقت لإتمامها بعون الله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين".
وجاء في نهاية النسخة الخطية المرموز لها بـ "ق" ما نصه: "تم بعون الله وحسن توفيقه على يدي أفقرِ الورى محمد بن عيسى في أواخر شهر ربيع الآخر في سلك سنة ست وستين وألف من الهجرة النبوية، عليه من الله أفضل الصلاة وكمل التحية، وأسأل الله العفو والعافية، وصلَّى الله على سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا، واحشرنا معهم بلطفك يا رب العالمين".