الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - باب أَسْمَاءِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَصِفَاتُهُ
(باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته)
مِنَ الصِّحَاحِ:
4493 -
عَنْ جُبَيْرِ بن مُطْعِم رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: "لِي خَمْسةُ أَسمَاءٍ: أَنا مُحمَّدٌ، وأَنَا أَحْمَدُ، وأَنا المَاحِي الذِي يَمحُو الله بي الكُفرَ، وأَنَا الحَاشِرُ الذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلى قَدمَيَّ، وأَنا العَاقِبُ"، والعَاقِبُ: الَّذي لَيسَ بعدَهُ نبيٌّ".
"يُحْشَرُ الناسُ على قدمي"، وقيل: على أَثَري.
قال في "شرح السنة"؛ أي: أنه يُحْشَرُ أولُ الناس، كقوله:"أنا أول من تنشق عنه الأرض".
* * *
4494 -
وعَن أَبي مُوسى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسمَّي لِنَفسِهِ أَسْماءً، فَقَال:"أَنا مُحَمَّدٌ، وأَحْمَدُ، والمُقَفِّي، والحَاشِرُ، ونبيُّ التَّوْبةِ، ونبيُّ الرَّحمَةِ".
قوله: "والحاشر، ونَبيُّ الرحمة"، قال في "الغريبين": قال شمر: المُقَفِّي والعاقبُ: واحدٌ، وهو المولَّي الذاهبُ، يقال: قَفَّى عليه؛ أي: ذهبَ به، فكأن المعنى أنه آخر الأنبياء، فإذا قَفَّى فلا نَبيَّ بعدَه.
وقال ابن الأعرابي: المُقَفَّي: المُتَّبعُ للنَّبيين، والمقفَّى - بفتح الفاء -: اسمُ مفعول من قُفَّىَ تقفيةً، إذا اتُّبعَ.
وإنما سُمِّيَ (نبيَّ التوبة) - و (التوبةُ): الرجوعُ - لأن الكَفَرَة كان رجوعُهم إلى الإسلام في زمانه، ويكونُ رجوعُهم إلى الإسلام بعدَه إلى يوم القيامة بدعوته، وكذا العصاةُ يرجِعُون إلى الطاعة ببركته.
قال في "شرح السنة": فإن قيلَ: فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أنا نبيُّ الرحمة، ونبيُّ المَلَاحِم" كيف وجهُ الجَمْعِ بينهما؟.
قال: "بُعِثْتُ بالرَّحْمَة"، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] فكيف يكونُ مبعوثًا بالرحمة، وقد بُعِثَ بالسيف؟
قيل: هو مبعوثٌ بالرحمة كما ذُكِرَ، وكما أَخْبَر الله تعالى، وذلك أن الله تعالى بَعثَ الأنبياء، وأَيَّدَهم بالمعجزات، فمن أنكرَ من تلك الأمم الحقَّ بعد الحُجَّةِ والمُعْجِزَة عُذِّبُوا بالهَلَاك والاسْتِئْصال، ولكن الله أمر نبيَّه بالجهاد معهم بالسيف؛ ليرتدِعُوا من الكفر، ولم يحتاجوا إلى السيف، فإن للسيف بقيةً، وليس مع العذاب المنزَل بقية.
قال في "شرح السنة": قلتُ: ومما يؤيدُ ذلك حديثُ عائشةَ رضي الله عنها: إن الله بعثَ إليه مَلَكَ الجبال، فقال: إن شئتَ أن أُطْبقَ عليهم الأَخْشَبين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يُخْرِجَ الله من أصلابهم من يعبُدُ الله وحدَه، لا يُشْرِكُ به شيئًا".
وهو مبعوثٌ أيضًا بالرَّحْمة من حيث إنَّ الله تعالى وضعَ في شريعته عن أمته ما كان في شرائع الأمم السالفةِ عليهم من الآصار والأَغْلال التي كانَتْ عليهم، هذا كلُّه لفظُ "شرح السنة".
(الملاحم): جمع مَلْحَمَة، وهي الوقعةُ العظيمةُ في الفتنة؛ يعني: الحروبَ العظيمة التي ظهرت.
(الارتداع): الامتناع.
(الأخشبان): جبلا مكة.
وفي الحديث: "لا تزولُ مكةَ حتى يزولَ أخشباها": ذكره في "الصحاح".
(الآصار): جمع إِصْر بكسر الهمز، وهو العَهدُ والثقل، و (الأغلال): جمع غُلًّ.
قال في "تفسير اللُّبَاب" في تفسير قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]؛ أي: خَفَّفْتُ عنهم ما شُدِّدَ عليهم في التوراة من العهود والأثقال، كالقاتل لا ينجيه إلا القصاص، ولا ديةَ ولا عفوَ، وقطعُ الأعضاء الخاطئة، وقَرْضُ الثوب إذا أصابته نجاسة، وشَبَّهَها بالأغلال للزومها لزومَ الغُلِّ في العُنُق.
* * *
4495 -
وعَنْ أَبي هُريْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا تَعجَبونَ كيفَ يَصرِفُ الله عنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ ولَعْنَهُمْ؟ يشتِمونَ مُذَمَّمًا، ويَلعَنوقَ مُذَمَّمًا، وأَنَا مُحَمَّدٌ".
قوله: "ألا تَعْجَبُون كيف يَصْرِفُ الله عني شَتْمَ قُرَيشٍ"، الحديث.
(كيف): سؤالٌ عن الحال، و"اللَّعْنُ": الطردُ والإبعاد من الخير، و (اللَّعْنَةُ): اسمٌ منه، و"الشَّتْمُ": السَّبُّ، والاسم الشتيمة، يريد بالشتمِ: أن زوجة أبي لهبٍ العوراءَ بنتَ حربٍ، كانت تسمِّيه بمُذَمَّم بدل مُحمَّد.
تقول: مُذمَّمًا قَلَيْنَا، ودينَه أَبَيْنا، وأمرَه عَصَيْنا، "قَلَيْنَا" معناه أبغضْنا، و (المُذَمَّم): اسم مفعول من التذميم، وهو بمعنى مذمومٌ كثيرًا، وهو نقيضُ مُحمَّد.
* * *
4496 -
وعَنْ جَابرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَمُّوا باسْمِي ولا تَكَنَّوْا بكُنْيَتِي، فإنَّي إنَّما جُعِلْتُ قاسِمًا أقسِمُ بينكُمْ".
قوله: "سَمُّوا باسمي ولا تَكْنُوا بكنيتي"، الحديث.
(الاكتناءُ): عبارةٌ عما يقول لرجل أبو فلان ولامرأة أم فلان، والكُنْية: اسمٌ لكلَّ واحدٍ منهما.
والعربُ أنَّ مَنْ كان عندَهم وقارٌ وعِزَّةُ يخاطبونه بالكُنْية، كما أن العَجَمَ يخاطِبُون الأشراف وذوي الأقدار باللقب، مثل جمال الدين وشمس الدين وغير ذلك من الألقاب، فإذا وجبَ على الأمة أن يوقَّروا نبيَّهم أكثرَ مما يوقَّرون غيرَه وجبَ عليهم التمييزُ بين خطابه وخطاب غيرِه، عاملين بمضمون الآية:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63].
فلهذا نهى عن الاكتناء بكنيته، فإذا كان كذلك فالنهيُ كان مختصًّا بزمنه، لكي يتميَّزَ خطابُه عن خطاب غيرِه، فإذا تقرَّر هذا يجوزُ في هذا الزمان الاكتناء بكنيته.
* * *
4497 -
عَنْ جَابرِ بن سَمُرَة رضي الله عنه قَالَ: كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قدْ شَمِطَ مُقدَّمُ رأْسِهِ ولِحْيتهِ، وكَانَ إذا ادَّهنَ لم يَتبيَّنْ، وإذا شَعِثَ رَأسُهُ تَبيَّنَ، وكانَ كثيرَ شَعْرِ اللِّحْيةِ، فقالَ رجلٌ: وجهُهُ مِثْلُ السَّيْف؟ قال: لا كانَ مِثْلَ الشَّمسِ والقَمرِ، وكانَ مُستَديرًا، ورَأيتُ الخَاتَمَ عندَ كَتِفهِ مِثْلَ بَيْضةِ الحَمامَةِ يُشبهُ جَسَدَهُ.
قوله: "قد شَمِطَ مقدَّمُ رأسهِ ولحيتهِ"، الحديث.
شَمِطَ يَشْمَط شَمَطًا: إذا ابيضَّ بعضُ شَعْر رأسِه.
و"المُقدَّم" - بضم الميم وفتح الدال -: نقيض المؤخَّر.
و"اللِّحية" - بكسر اللام -: الشعرُ الذي ينبُتُ في الذَّقْن.
يعني: ظهرَ الشيبُ في مقدَّمِ رأسِه ولحيتِه صلى الله عليه وسلم، فإذا طَلَاه بالدُّهْن لم يَظْهَر الشيب، وإذا تفرَّقَ ظهر.
"ادهن": إذا جعل في رأسه أو لحيته الدُّهْن، وأصلُه: ادْتَهن على زِنَةِ افتعل، فقُلِبت التاء دالاً، ثم أُدْغِمَت إحداهما في الأخرى، فصار ادَّهن.
و"تبين": أي: ظَهَرَ.
و"شَعِثَ" يُشْعَثُ شَعَثًا: إذا اغبرَّ شَعْرُ رأسِه وتَفَرَّقَ. و"المستدير": بمعنى المُدَوَّر، وهو فاعلٌ من (اسْتَدار) إذا دارَ حولَ شيءٍ.
قيل: "خاتم النبوة" كان عَلَمًا من أعلام النبوة، مذكورًا في الكتب المنزَّلة، وإنما اختصَّ بالخاتم الذي هو طابع النبوة متَّصِلاً ببدنه عند كتفه صلى الله عليه وسلم، لأنه كَمَلَتْ به النبوة، وانْخَتَمَتْ به الرسالة، فقد انسدَّ به مَخْزَنُ النبوة ومَعْدِنُ الرسالة.
فإذا تقرَّر هذا عَلِمْنا أنَّ الله عَرَّفَنا خَتْمَ نبوته صلى الله عليه وسلم بما هو متعارَفٌ بيننا تقريبًا لأفهامنا، وذلك أنَّ القاعدة المُطَّرِدَة: أن يختِمَ على المخزن اشتياقًا فيه، وإنما خَلَقَه جزءًا من بدنه ليكون معرِّفًا لصدقه، أكملَ تعريفًا وأتمَّ بيانًا، من حيث إنه مخصوصٌ بذلك من بين سائر الناس، والله أعلم.
ثم في خَلْقِه هذه العلامةَ في ظهره - وهي خاتم النبوة بين كتفيه - فوائد:
الأولى: خاتم النبوة، وقد تقدَّم.
الثانية: ليكونَ له المُعْجِزُ اللَاّزِم والعارض كما كان لموسى عليه السلام من اليد والعصا.
الثالثة: جُعِلت لموسى المعجزة في يده السابقة على البدن، وجعل
لرسولنا في خلفه؛ ليدلَّ على تقدُّم موسى وتأخُّر نبينا عليهما السلام في الزمان، والمتأخَّرُ يحصل كمال المتقدم ونفسه، ثم لموسى كانت اليد البيضاء تتعلَّقُ معجزتُها بإخراجِ اليَدِ إذا أراد إظهارَ المعجزة، ونبيُّنا كان خاتم النبوة لازمًا في ظهره، كَشَفَها أو لم يكشف، وأرادها أو لم يُرِدْ.
فإذا عرفت هذا: فاعرِفْ أنَّ دوامَ الخاتم دليلٌ على دوام نبوَّته ومِلَّته إلى قيام الساعة.
يريد بقوله: "مثل بيضة الحمام" تشبيهَه بها في الحَجْم والصورة، لا بياضها؛ لأنه كان يشبهُ بدنَه صلى الله عليه وسلم في اللون؛ يعني: كان ناتئًا فيها بين كتفيه على شكل بيضتها.
* * *
4498 -
عَنْ عَبدِ الله بن سَرْجِسَ رضي الله عنه قَالَ: رَأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأَكَلْتُ مَعهُ خُبْزًا ولَحْمًا - أو قَالَ: ثَرِيْدًا - ثمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ، فنظَرتُ إلى خَاتَم النُّبوَّةِ بينَ كتِفَيْهِ عندَ ناغِضِ كَتِفِهِ اليُسرَى، جُمْعًا، عليه خِيْلانٌ كَأمْثالِ الثَّآلِيلِ.
قوله: "ثم دُرْتُ خلفَه، فنظرتُ إلى خاتم النبوة بين كتفيه"، الحديث.
(دُرْتُ)، مِن: دارَ حول شيءٍ، يدور دَوْرًا ودَوَرَانًا، وأدارَه غيره.
قال في "الغريبين": قال شمر: الناغض من الإنسان: أصل العُنُق حيث يَنْغُضُ رأسُه، ونَغْضُ الكتف: هو العظم الرقيق على طرفها.
وقال غيره: الناغض: فَرْعُ الكتف، وفَرْعُ الشيء أعلاه.
"جمعًا": نصب على المصدر؛ أي: جمع جمعًا.
"عليه خيلان"، والخيلان: جمع الخال، وهو نقطةٌ سوداءُ تظهر في البشرة، تزيد الجمال.
و"الثآليل": جمع ثُؤْلُول، قيل: هو خراجٌ صُلْبٌ يخرجُ على البدن، والخُرَاجُ - بالضم -: ما يخرُجُ في البدن من القروح.
قول الراوي في أول الحديث: "وأكلتُ معه خبزًا ولحمًا": دليلٌ على جواز تناوُلِ الإدام بالخبز، بل يجوزُ أن يؤتدَمَ بالأطْعِمَة اللَّذيذة؛ لأنه وردَ: اللَّحْمُ سيدُ الطعام.
ودليلٌ أيضًا على التواضع للفقراء والضعفاء بالمؤاكلة وغيرها، ودليلٌ على صدق الراوي إذا قيَّده بأنه واكلَ الرسول فأكلَ معه كذا وكذا تعيينًا لزمن الحديث.
* * *
4499 -
وَقَالَ السَّائِبُ بن يِزيْدَ: نَظرتُ إلى خَاتَمِ النُّبوَّةِ بينَ كَتِفَيْهِ، مِثْلَ زِرَّ الحَجَلَةِ.
قوله: "مثل زِرِّ الحَجَلَة"، قيل: الزَّرُّ - بتقديم الزاي المنقوطة على الراء المهملة المشددة - مرويٌّ، وكذلك الحَجَلَةُ - بفتح الحاء والجيم - مرويةٌ.
قال في "شرح السنة": أراد به: الأزرار التي تُشَدُّ على ما يكونُ في حِجَال العرائس من الكِلَلِ والسُّتُور ونحوها.
وقال الخطابي: سمعتُ من يقول: زِرُّ الحَجَلة: بيضةُ حَجَلِ الطَّيْر، يقال للأنثى منها: الحَجَلَة، وللذَّكَر: اليعقوبُ، وهذا شيءٌ لا أحقِّقه.
معنى قوله: شيء لا أُحَقَّقه، أنه ما وجدَ الزِّرَّ بمعنى البيضةِ في كلام العرب، ولكنه موافقٌ من حيث المعنى للأحاديث التي وردتْ في خاتم النبوة.
* * *
4500 -
وعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بنتِ خَالِدِ بن سَعيْدٍ: أُتِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بثيابٍ فيها خَميصَةٌ سَودَاءُ صَغِيْرَةٌ، فقَالَ:"ائْتُونِي بأمِّ خَالدٍ فأُتِيَ بها تُحمَلُ، فأخَذَ الخَميصَةَ بيدِهِ فألبَسَها، قَالَ: أبْلي وأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وأَخْلِقي، ثُمَّ أَبْلِي وأخْلِقي"، وكانَ فيها عَلَمٌ أخْضَرُ أو أصْفَرُ، فَقالَ:"يا أُمَّ خَالدٍ! هذا سَناه"، وهيَ بالحبَشِيّةِ حَسَنَةٌ، قَالَتْ: فذهبْتُ أَلْعبُ بِخَاتَمِ النُّبوَّةِ، فزَبَرَني أبي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"دَعْها".
قوله: "أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خَمِيصَةٌ سوداءُ صغيرةٌ"، الحديث.
(الخَمِيصَةُ): كساءٌ أسودُ مربَّعٌ له عَلَمان.
و"تُحْمَل": حال من الضمير في "بها"؛ أي: أُتِيَ بأمَّ خالدٍ محمولةً؛ لأنها طِفْلٌ.
"أَبْلِي": أمرُ مخاطَبةٍ من الإبلاء، وهو جَعْلُ الثوبِ خَلَقًا، وكذلك و"أخلقي": أمرُ مخاطَبةٍ من الإخلاق، وهو أيضًا بمعنى الإبلاء، وهذا التكرارُ دعاءٌ لها من عنده صلى الله عليه وسلم في طولِ العمر، كأنه قال لها: عَمَّرَكِ الله تَعْمِيرًا في حالة إلباسه إياها.
"زَبرَ": فعلٌ ماض من الزَّبْر، وهو التخويفُ والتهديد.
"دعْها"؛ أي: اترُكْها، وهذا أمر قد أُمِيتَ ماضيه ومَصْدَرُه، وهذا الحديث يجوزُ أن يكونَ مسنَدًا للمشايخ - قدس الله أرواحهم - في إلباس الخرْقَة.
* * *
4501 -
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بالطَّويلِ ولا بالقَصِيْرِ، ولَيْسَ بالأَبيَضِ الأَمْهَقِ ولا بالآدَمَ، ولَيْسَ بالجَعْدِ القَطَطِ ولا بالسَّبْطِ، بَعَثَهُ الله على رَأسِ أَرْبَعينَ سَنةً، فأقَامَ بمكَّةَ عَشْرَ سِنينَ وبالمَدِينةِ عَشْرَ سِنينَ،
وتَوفَّاهُ الله على رأسِ ستِّينَ سَنةً، ولَيْسَ في رأسِهِ ولِحْيَتِهِ عِشرُونَ شَعرةً بيضَاءَ.
وقوله: "ليس بالطَّويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيضِ الأَمْهَقِ"، الحديث.
قال في "الغريبين": الأَمْهَقُ: الأبيضُ الكريهُ البياضِ كلَوْن الجَصِّ، يقول: كان بَينَ البياض؛ أي: يقول الراوي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بَينَ البياض، كما ورد:(كان أزهر اللون)؛ أي: بينَ اللون، والزُّهْرَة: البياضُ النَّير، وهو أحسنُ الألوان.
وقيل: الآدمُ هنا بمعنى الأَحْمَر.
"الجَعْدُ القَطَط"، قيل: معناه: شديدٌ الجُعُودة، مثل أشعارِ الحَبَش.
"السَّبطُ": الذي ليس له تكسُّرٌ، يقال: هو جَعْدٌ رَجِلٌ.
* * *
4502 -
وفي رِوَايَةٍ عن أَنَسٍ رضي الله عنه يَصِفُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كانَ رَبْعةً منَ القومِ، لَيسَ بالطَّويلِ ولا بالقَصِيرِ، أَزهَرَ اللَّونِ.
قال في "شرح السنة": معنى قوله: (رَبْعة): هو الرجلُ بين الرَّجُلَين، كما قال:(ليس بالطَّويل ولا بالقصير)؛ يعني: ليس قَدُّه صلى الله عليه وسلم بطويلٍ بائنٍ طولُه؛ أي: ظاهر، ولا بقصيرٍ، بل هو رَبعٌ، ولا لونُه بأبيضَ شديدِ البياض، لا يخالِطُه حُمْرَةٌ، ولا بأحمرَ شديدِ الحُمْرة، لا يخالطُ حمرتَه شيءٌ من البياض، بل كان لونُه بين البياضِ والحُمْرَة، وقدُّه بين الطول والقِصَر، وشعرُه بين الجَعْد والسَّبطِ، فالوسطُ بين الشيئين مختارٌ، فالمختارُ للمختار مختارٌ.
* * *
4503 -
وقَالَ: كانَ شَعرُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ.
وفي رواية: بَيْنَ أُذُنَيْهِ وعَاتِقِهِ.
قوله: "إلى أَنْصَافِ أذنيه"، (الأنصاف): جمع نصف؛ يعني: كان شعرُه صلى الله عليه وسلم مسترسِلاً، محاذيًا لأنصاف أذنيه.
وفي رواية أخرى: كان يصلُ إلى ما بين أذنيه وعاتقِه صلى الله عليه وسلم: فاختلافُ الروايتين محمولٌ إلى الزمانين؛ يعني: كان شَعْرُه صلى الله عليه وسلم في زمانٍ يصِلُ إلى أنصاف أذنيه، وكان في زمان يصِلُ إلى ما بين أذنيه وعاتقه.
* * *
4504 -
وقَالَ: كَانَ ضَخْمَ الرَّأْسِ والقَدَمَيْن، لمْ أرَ بعدَهْ ولا قبلَهُ مِثْلَه، وكانَ بَسِطَ الكفَّيْن.
وفي رواية: كانَ شَثْنَ القَدَمَيْن والكَفَّيْن.
قوله: "وكان ضَخْمَ الرَّأْسِ والقَدَمين"، الحديث.
(الضَّخْم): الغليظُ من كُلَّ شيء؛ يعني: كان رأسُه صلى الله عليه وسلم ليس بصغيرٍ ولا كبيرٍ بل وسطًا، وكذلكَ قدماه صلى الله عليه وسلم وسط بين الصَّغير والكبير.
قوله: "وكان بَسِطَ الكفَّين"؛ يعني: كانت صورة كَفَّيه صلى الله عليه وسلم ذاتَ بَسْطٍ حَسَنٍ، وليس المراد ببسط الكَفَّين في الحديث الجودَ والسَّخَاوة، بل جودُه مشهورٌ معلوم من أحاديثَ وأخبارٍ أُخَر.
قوله: "شَثْنَ الكفين والقدمين": قال في "الغريبين": قال أبو عبيد؛ يعني: أنهما إلى الغِلَظِ والقِصَرِ أَمْيلُ.
وقال خالد: الشُّثُونَةُ لا تَعِيبُ الرجال، بل هي أَشَدُّ لقَبْضهم وأَصْبَرُ لهم على المِرَاس، ولكنه يَعيبُ النساءَ.
وقال غيرُه: هو الذي في أنامله غِلَظٌ بلا قِصَر، دَلَّ على ذلك ما رُوِيَ في صفته صلى الله عليه وسلم:(أنه كان سائلَ الأطراف)؛ أي: مسترسلَها من غير قَبْضٍ ولا تَشَنُّجٍ، وقد شَثُنَ وشَثِنَ وشَنِثَ شَثَنًا وشَنَثًا، فهو شَثِنُ العَقِبين.
* * *
4505 -
وعَنِ البَراءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْن، لهُ شَعَرٌ بَلَغَ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، رَأَيْتُهُ في حُلَّةٍ حَمْراءَ، لمْ أرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنهُ.
قوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعًا"، الحديث.
المربوعُ والرَّبع والرَّبْعَةُ واحدٌ، يقال: رجل رَبْعةٌ، وامرأة رَبْعَةٌ؛ أي: مربوعُ الخَلْق، لا طويلٌ ولا قَصير.
"شحمة الأذن": معلَّق القُرْط.
* * *
4506 -
وفي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسنَ في حُلَّةٍ حَمْراءَ منْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، شَعْرُهُ يَضرِبُ مَنْكِبَيْهِ، بَعِيْدَ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، لَيسَ بالطَّويلِ ولا بالقَصِيرِ.
و"اللِّمَّةُ" - بالكسر -: الشعرُ الذي تجاوزَ شحمةَ الأُذُن، فإذا بلغتِ المَنْكِبَين فهي جُمَّة، ذكره في "الصحاح".
* * *
4507 -
عَنْ سِمَاكِ بن حَرْبٍ، عَنْ جَابرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ضَليعَ الفمِ، أَشْكَلَ العَينِ، مَنْهُوشَ العَقِبَيْنِ، قِيْلَ لسِماكٍ: ما ضَليعُ الفَم؟ قَالَ: عَظِيْمُ الفَم، قِيْلَ: مَا مَنْهوشُ العَقِبَيْنِ؟ قَالَ: قَليْلُ لَحْمِ
العَقِبَيْنِ، قِيْلَ: ما أشْكَلُ العَيْنِ؟ قال: طَوْيلُ شَقِّ العَيْنِ.
قوله: "ضليع الفَم، أَشْكَل العينِ، مَنْهُوش العَقِبين": تفسيرُه مذكورٌ في الحديث.
قال في "شرح السنة": قال أبو عُبيد: الشُّهْلَةُ: الحُمْرَةُ في سَوَادِ العين، والشُّكْلَةُ: الحُمْرَةُ في بياضِ العين، وهو محمودٌ.
قال: ويُرْوَى: (مَنْهُوس) بالسين غيرِ المعجمة، ومعناه أيضًا: قليلٌ لَحْمُها.
والنَّهْسُ: أَخْذُ ما على العَظْمِ من اللَّحْم بأطرافِ الأسنان، والنَّهْشُ: بالأَضْراس، ويقال: نُهِشَتْ عَضُداه: إذا دُقَّتَا.
* * *
4508 -
عَنْ أَبي الطُّفَيْل رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله، كَانَ أَبْيضَ مَليحًا مُقَصَّدًا.
"كان أبيضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا".
(المَلِيحُ): الحَسَنُ، مِن: مَلُح الشيءُ - بالضم - يَمْلُح مُلوحةً ومَلاحةً؛ أي: حَسُنَ.
(المُقَصَّد): اسم مفعول من قُصِّدَ، إذا كان وسطًا بين الطُّول والقِصَر، والجَسامة والنَّحافة.
قال في "شرح السنة" و"الغريبين"؛ أي: ليس بجسيمٍ ولا قصيرٍ، وقيل: هو القَصْدُ من الرجال نحو الرَّبْعَة.
* * *
4509 -
وسُئِلَ أَنسٌ عنْ خِضَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: إنّهُ لمْ يَبلُغْ ما يَخضبُ، لو شِئْتُ أنْ أعُدَّ شَمَطاتِهِ في لِحيَتِه.
وفي رِوَايَةٍ: لو شِئْتُ أَنْ أعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ في رَأسِهِ.
وفي رِوايَةٍ: إِنَّما كَانَ البَياضُ في عَنْفَقَتِهِ، وفي الصُّدْغَيْنِ، وفي الرَّأسِ نَبْذٌ.
قوله: "في الرأس نَبْذٌ"، قال في "الصحاح": في رأسه نَبْذٌ من شيب، وأصاب الأرض نَبْذٌ من مطر؛ أي: شيءٌ يسير؛ يعني: البياضُ في عَنْفَقَتِه، وفي صدْغَيه، وفي رأسِه صلى الله عليه وسلم كان قليلاً، بحيث يسهلُ عَدُّ تلك الشَّعراتِ البيضِ.
* * *
4510 -
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أزْهَرَ اللَّونِ، كأنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلؤُ، إذا مشَى تَكَفّأَ، وما مَسِسْتُ دِيباجَةً ولا حَريرَةً ألْيَنَ منْ كَفَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شَمِمْتُ مِسْكًا ولا عَنْبرًا أَطْيبَ مِنْ رائحةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "كأن عرقَه اللُّؤلُؤ، إذا مشى تَكفَّأ"، الحديث.
يعني: كان عَرَقُهُ صلى الله عليه وسلم صافيًا في غاية الصفاء.
و (إذا مشى تكفَّأ) تكفُّؤًا؛ أي: تمايَلَ إلى قُدَّام، كما تَتَكَفَّأ السفينةُ في جَرْيها، والأصلُ فيه الهمزة، ثم تُرِكَت، ذَكَرَه في "الغريبين".
يعني: كان مشيُه صلى الله عليه وسلم وسطًا، وكذا جميع أوصافهِ وسطٌ؛ لأنَّ طَرَفَي الأمورِ غيرُ محمود.
* * *
4511 -
عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ
يأْتِيها فَيَقِيلُ عِندَها، فتَبْسُطُ نِطْعًا فيَقِيلُ عَلَيْهِ، وكَانَ كَثيرَ العَرَقِ، فكانتْ تجمعُ عَرَقَهُ فتجْعَلُهُ في الطَّيبِ، فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"يا أُمَّ سُلَيْمٍ! ما هَذَا؟ "، قَالَتْ: عَرَقُكَ نجْعَلُهُ في طِيبنا، وهوَ مِنْ أطْيَبِ الطَّيبِ.
وفي رِوَايَةٍ: قَالَتْ: يا رَسُولَ الله! نرجُو برَكَتَهُ لصِبْيانِنا، قَالَ:"أَصبْتِ".
قوله: "فيَقِيلُ عندَها، فتَبْسُطُ نِطعًا"، الحديث.
قَالَ يقِيل قَيلُولةً: إذا نامَ نِصْفَ النهار.
الضمير في (عندها) إلى أم سليم.
بَسَطَ يَبْسُطُ بَسْطًا: إذا فَرَشَ فراشًا.
(النِّطْعُ): فِراشٌ من الجِلْد.
قال في "الصحاح": فيها أربعُ لغات: نَطْعٌ ونَطَعٌ ونِطْعٌ ونِطَعٌ، وهذا دليلٌ على جواز التقرُّب إلى الله سبحانه بآثارِ المشايخ والعلماء والصلحاء.
قوله: "نرجو بركتَه لصبياننا، قال: أصبتِ".
(البركةُ): كثرةُ الخير ونماؤه.
(الصَّبيان): جمع صَبيًّ، وهو الغلام، وسِنُّ الصبيِّ في الشَّرْع إلى البلوغ، وفي الطَّبِّ: بعد النهوض، وقبلَ الشِّدَّة، وهو ألَاّ تكون الأسنان قد استوفتْ السقوط والنبات.
و (الإصابة): وجدان الصواب.
* * *
4512 -
عَنْ جَابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الأُولى، ثُمَّ خَرَجَ إلى أهلِهِ وخرجْتُ مَعَهُ، فاستقْبَلَهُ وِلْدانٌ، فَجَعلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهمْ واحِدًا وَاحِدًا، وأمَّا أنا فَمسَح خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أو رِيحًا كَأنَّما أخرَجَهَا منْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ.
قوله: "صَلَّيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الأُولى" الحديث.
(صلاة الأُولَى): صلاة الظهر.
"خرج إلى أهله"؛ أي: خرجَ عن مسجده قاصِدًا إلى أهله.
"الاستقبال": التوجُّهُ إلى شيء.
"الوِلْدَان": جمع وليد، وهو الصبيُّ والعَبْد.
"فجعل يمسح"؛ أي: طَفِقَ يَمْسَح.
"الخدُّ": أحد جانبي الوجه.
"واحدًا واحدًا": نصب على الحال.
"فوجدتُ لِيَدِه بَرْدًا": البَرْدُ ها هنا: الراحةُ والطَّيب.
"جُؤْنَة العَطَّار": ظَرْفٌ فيه عِطْرٌ؛ يعني: إذا مسحَ صلى الله عليه وسلم خَدَّيَّ بيدهِ وجدتُ رَوْحًا وراحةً من يَدِه، أو رائحةً طَيبةً زَكِيَّةً؛ يعني: إذا أخرجَ يدَه من كُمَّه صلى الله عليه وسلم فكأنه أخرجَها من جُؤْنة العَطَّار.
وفيه دليلٌ على الترحُّم على الأهل والأولاد، والشَّفَقَةِ عليهم.
* * *
مِنَ الحِسَان:
4513 -
عَنْ عَلِيًّ بن أَبيْ طَاِلبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بالطَّويلِ ولا بالقَصِيرِ، ضَخْمَ الرَّأسِ واللِّحيةِ، شَثْنَ الكَفَّيْنِ والقَدمَيْن، مُشْرَبًا حُمْرَةً، ضَخْمَ الكَرادِيسِ، طَويلَ المَسْرُبَةِ، إِذَا مشَى تَكفّأَ تَكفُّأً كأنَّما يَنحطُّ منْ صَبَبٍ، لَمْ أرَ قبلَهُ ولا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صلى الله عليه وسلم. صح.
قوله: "مُشْرَبٌ حُمْرَةً، ضَخْمَ الكَرَادِيس"، الحديث.
قال الحافظ أبو موسى: مختلِطٌ بياضُه بالحُمْرة.
و (الإشرابُ): خَلْطُ لونٍ بلونٍ، وقد أُشْرِبَ حُمْرةً وصُفْرةً، والاسم: الشُّرْبة.
قال في "الغريبين": قال أبو بكر: معنى: ضَخْم الكَرَاديس: ضخمُ الأعضاء، والكَرَادِيس: رؤوسُ العظام، ويقال لكتائب الخيل: كراديس.
قال في "الصحاح": "المَسْرُبة" - بضم الراء -: الشعر المستدَقُّ الذي يأخذُ من الصَّدْر إلى السُّرَّة.
و"الصَّبَب": ما انحدرَ من الأرض، وجمعُه: أَصْباب.
قال في "شرح السنة": يريد: أنه كان يمشي مَشْيًا قويًا، يرفَعُ رِجْلَه من الأرض رفْعًا بائنًا، لا كمَنْ يمشِي اختيالاً، ويقارِبُ خطاه تَنَعُّمًا.
(البائن): الظاهر.
(الاختيال): التكبر.
(الخطا): جمع خطوة، وهي ما بين القدمين.
* * *
4514 -
وعَنْ عَلِيًّ رضي الله عنه، كَانَ إذا وصَفَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لمْ يكُن بالطَّويلِ المُمَّغِطِ ولا بالقَصِيرِ المُتردِّدِ، كَانَ رَبْعةً منَ القَومِ، ولمْ يكُنْ بالجَعْدِ القَطَطِ ولا بالسَّبطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلاً ولم يكُن بالمُطَهَّمِ ولا بالمُكَلْثَمِ، وكانَ في وجْهِهِ تَدْويرٌ، أَبيَضُ مُشْرَبٌ، أدْعَجُ العَينَيْنِ، أَهْدَبُ الأَشْفارِ، جَلِيْلُ المُشَاشِ والكَتَدِ، أَجْرَدُ ذو مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الكفَّيْنِ والقَدمَيْنِ، إذا مشَى يَتقلَّعُ كأنَّما يمشِي في صَبَبٍ، وإذا التَفَتَ التَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كتفَيْهِ خَاتَمُ النُّبوَّةِ، وهوَ خَاتَمُ النَّبيينَ، أَجْودُ النَّاسِ كَفًّا، وأَرْحبُهُمْ صَدْرًا، وأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وأليَنُهُمْ عَرِيْكَةً،
وأَكْرمُهُمْ عَشيرةً، مَنْ رآهُ بَديهةً هَابَهُ، ومَنْ خَالَطَهُ مَعرِفةً أَحبَّهُ، يَقُولُ ناعِتُهُ: لَمْ أرَ قبلَهُ ولا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صلى الله عليه وسلم.
قوله: "لم يكن بالطويل المُمَّغِط، ولا بالقصير المتردد"، الحديث.
(المُمَّغِط): البائنُ الطُّول.
قال أبو زيد: يقال: أَمْغَطَ النهارُ؛ أي: امتدَّ، وأمغطتُ الحبلَ فامتغطَ وامَّغَطَ.
وقال أبو تراب في كتاب "الاعتقاد": مُمَعَّطًا ومُمَغَّطًا بالعين والغين، ذكره في "الغريبين".
و"المتردِّد"؛ أي: الداخل بعضُه في بعضٍ قَصْرًا.
و"المطهَّم": البادِنُ الكثيرُ اللَّحْم.
و"المُكَلْثَم" من الوجوه: القصيرُ الحَنَك، الناتئُ الجبهة، المستديرُ الوجه، ولا يكون ذلك إلا مع كثرةِ اللَّحْم، والمعنى: أنه كان أَسِيلَ الخَدِّ، ولم يكنْ مُستديرَ الوَجْه.
و"الأَدْعَج": أسود العين.
و"الأَهْدَب": الطويل الأَشْفَار.
و"جَليل المُشَاش"؛ أي: عظيمُ رؤوس المناكبِ والعِظَام، و (المَشَاشُ): رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين.
و (الكَتَدُ): مَجْمَعُ الكَتِفَين وهو الكاهِلُ، ذكره في "شرح السنة".
(الحَنَك): ما تحت الذَّقْن من الإنسان، و (الدَّاني): القريب، و (الأَسِيل): الطويل.
قوله: "وإذا التفتَ التفتَ معًا"؛ يعني: إذا نظر كان ينظرُ بعينيه كما هو
جميعًا، ولم يكن ينظرُ بطرف عينيه كما هو عادة المتكبرين وذَوِي الغَضَب.
قوله: "وأصدق الناسِ لهجةً، وألينُهم عَرِيكةً، وأكرمُهم عشيرةً"، الحديث.
(اللهجَة): طَرَفُ اللِّسان.
و (العَرِيكة): الطبيعة والجانب.
قال ابن الأعرابي: هي شِدَّة النَّفْس.
وقال الخليل: يقال: فلان لينُ العريكة: إذا كان سَلِسًا، لم يكن فيه إباء؛ يعني: إذا سُئِلَ أجاب.
و (العشيرةُ): الصُّحْبة، والعشير: الصاحب.
(البَدِيهة): المفاجأة، يقال: بَدَهْتُه بأمر: إذا فاجَأْته، ذكره في "شرح السنة".
و (الناعت): اسم فاعل مِن (نَعَتَ) إذا وصف.
قال الحافظ أبو موسى: النَّعْتُ: وصفُ الشيءِ بما فيه من حُسْنٍ.
قال الخليل: ولا يقال في المذموم إلا أنْ يتكلَّف مُتَكلِّفٌ، فيقول: نَعْتُ سُوْءٍ، فأما الوصف فيقال فيهما؛ يعني: في المحمود والمذموم، فكل نعتٍ وصفٌ، وليس كل وصفٍ نَعْتًا.
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصدقَ الناسِ كلامًا، وأحسنَهم طبعًا وخُلُقًا، وأكرمَهم صحبةً، فمنْ رآه أولَ ما رآه كان يمتلئ قلبهُ مهابةً منه، بحيث ما كان يقدِرُ أن ينظر إليه أُبَّهة وجَمالاً وعَظَمةً ووقارًا، فإذا بسطَه كان له الانبساطُ ببَسْطِه صلى الله عليه وسلم، وكان أحبَّ الناسِ إليه، فالحاصلُ أنه صلى الله عليه وسلم كان مَجْمَعَ الكَمَالات ومنبعها في الصُّورة والمعنى.
* * *
4515 -
عَنْ جَابرٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَم يَسلُكْ طَرِيقًا فيَتبعُهُ أَحَدٌ إلَاّ عَرَفَ أنَّهُ قدْ سَلَكَهُ منْ طِيبِ عَرْفهِ.
قوله: "لم يَسْلُكْ طريقًا فيتبعُه أحدٌ"، الحديث.
(السُّلُوكُ): المشيُ والذَّهاب، تَبعَ يَتْبَعُ تَبَعًا وتَباعةً: إذا مشى خلفَه.
و (الطريقُ): السبيل.
(العَرْف) - بفتح العين -: الرائحةُ؛ يعني: ما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمشي في طريقٍ إلا وقد ظهرَ فيه رائحةُ طِيبهِ مِن مشيهِ صلى الله عليه وسلم، بحيث لو كان يمشي أحدٌ عَقِيبَ مَشْيه؛ لعرفَ أنه صلى الله عليه وسلم مشى في ذلك الطريق؛ لشهرته بذلك.
وهذا ممَّا اختصَّ به صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.
* * *
4516 -
قِيلَ للرُّبَيعِ بنتِ مُعَوِّذِ بن عَفْراءَ رضي الله عنها: صِفي لَنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: يا بنيَّ! لوْ رَأَيتَهُ رَأَيتَ الشَّمسَ طَالِعةً.
قوله: "صِفِي لنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم"، (صِفِي): أمرُ مؤنَّثٍ حاضرةٍ، وهي الرُّبَيع، مِن: وصَفَ يصِفُ.
* * *
4517 -
وعَنْ جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في لَيْلَةٍ إضْحِيانٍ، فجَعلتُ أنظُرُ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وإلى القَمرِ وعليهِ حُلَّةٌ حَمْراءُ فإذا هو أَحسنُ عندي مِنَ القَمرِ.
قوله: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ إضْحِيان، فجَعَلْتُ أَنْظُرُ"، الحديث.
(في ليلة إِضْحِيَان)؛ أي: مُضيئة مُقْمِرة، يقال: ليلةٌ إِضْحِيَان وإِضْحِيَانة، ويومٌ ضحْيَان، ذكره في "الغريبين".
(جَعَلْتُ)؛ أي: طَفِقْتُ.
قوله: "وعليه حُلَّةٌ حمراء"؛ أي: حُلَّة فيها خطوطٌ حُمْر، كالحِبَرَة وغيرها من الثياب.
قال الخَطَّابي في "المَعَالم": قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرِّجَال عن لُبْسِ المُعَصْفَر، وكَرِهَ لهم الحُمْرَة في اللَّباس، فكان ذلك منصرِفًا إلى ما صُبغَ من الثياب بعد النَّسْج، فأما ما صُبغَ غَزْلهُ، ثم نُسِجَ، فغيرُ داخلٍ في النهي.
و (الحُلَل): إنما هي بُرودُ اليمنِ حمرٌ وصفرٌ وخُضْر، وما بين ذلك من الألوان، وهي لا تُصْبَغُ بعد النسج، ولكن يَصْبَغُ الغزلُ، ثم يُتَّخَذُ منه الحُلَل، وهي العَصْب، وسمَّيَ عصبًا؛ لأن غزله يُعْصَب، ثم يُصْبَغ، ثم يُنسَج، هذا كلُّه لفظ الخَطَّابي.
فالخَطَّابي - رحمة الله عليه - أشار بهذا البيان إلى أنَّ تلك الحُلَّةَ التي لَبسَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مما صُبغَ غَزْلُه، ثم نُسِجَ.
* * *
4518 -
عَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ: ما رأيتُ شيئًا أحسنَ منْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كأنَّ الشَّمسَ تَجرِي في وجههِ، وما رأيتُ أحدًا أسرعَ في مَشْيهِ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كأنَّما الأرضُ تُطْوَى لهُ، إنَّا لَنُجْهِدُ أنفُسَنا، وإنَّه لَغيرُ مُكترِثٍ.
قوله: "إنا لنُجْهِدُ أَنْفُسَنا، وانه لغَيْرُ مُكْتَرِثٍ"، قال في "الصحاح": يقال: جَهَدَ دابَّتَه، وأَجْهَدَها: إذا حملَ عليها في السَّيْر فوق طاقتها.
و (إنه لغير مُكْتَرِثٍ): قيل؛ أي: غيرُ مُسْرعٍ، بحيث تلحَقُه مَشَقَّةٌ.
يقال: كَرَثَه الأمرُ: إذا بلغَه منه مشقةٌ؛ يعني: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى بالعادة ما قدَرْنا أن نلحَقَه مسرعين في المشي، ولو كنَّا مُجْتَهِدين في ذلك.
* * *
4519 -
عن جَابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه قَالَ: كانَ في ساقَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حُمُوشَةٌ، وكانَ لا يضحكُ إِلَاّ تَبسُّمًا، وكُنْتُ إذا نظَرتُ إليهِ قُلتُ: أكْحَلُ العَينَيْنِ، وليسَ بأكْحَلَ.
قوله: "كان في ساقَي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حُمُوشَةٌ، وكان لا يَضْحَكُ إلا تَبسُّمًا"، الحديث.
(الحموشة) بالحاء المهملة وبالشين المعجمة: الدقَّة، يقال: رجل أحمش الساقين: دقيقهما.
تبسَّم وبَسَم: إذا حرك شفته لابتداء الضحك، و (ضحك): إذا أظهر سنَّه مبالغة، ذكره في "تفسير اللباب"، والضحك إنما يظهر عند التعجب.
كَحَلَ عينَه وتكحَّل واكتحل: إذا جعل الكحل فيها.
يعني: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طَلْقَ الوجه بسَّامًا، لكنه لا يضحك، وكان عينه كحلًا خِلْقةً؛ يعني: أكحل العينين من حيث الخلقةُ لا بالاكتحال، وهذا معنى قول الراوي:"وليس بأكحل"، و (أكحل) غير منصرف؛ لكونه وصفًا ووزنَ فعل.
قال في "الصحاح": الأكحل: الذي يعلو جفونَ عينه سوادٌ.
* * *