الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما فيها من إقطاع ووقف وملك، [وكمل ذلك في ذي الحجّة] ونقلت سنة اثنتي عشرة إلى سنة ثلاث عشرة وسبعمائة [وجهّزت الأوراق إلى السلطان فقرئت عليه] فكتب مثالات (1)[جديدة] لأمراء دمشق وأجنادها وكتب بذلك مناشير بعث بها [إلى أصحاب الإقطاعات الجديدة] مع الأمير قجليس.
وفي [ثامن عشري رجب] توجّه السلطان إلى الصعيد لأخذ العربان وقد قطعوا الطريق وكسروا الخراج. ففرّق الأمراء بطريق السويس والواحات [فضبط البرّين على العربان] وسار إلى الفرجوط (2).
ثمّ عاد في عاشر رمضان [سنة 713] ومعه كثير من العربان في القيود بعد ما قتل منهم جماعة.
وابتدأ بعمل القصر الأبلق على الإسطبل السلطانيّ، وخلع على الأمراء عند فراغه منه مبلغ ألف ألف وأربعمائة ألف درهم، في مهمّ عمله.
[وأكثر السلطان من العمائر وولّى آق سنقر أمير آقور شادّ العمائر فامتدّت أيدي الناس إلى العمائر، وكأنّما نودي في الناس ألّا يبقى أحد حتى يعمّر](3) فعظمت عمارة مصر والقاهرة وظواهرهما في أيّامه عمارة لم يعهد مثلها. وصار للسلطان ديوان برسم العمارة يبلغ مصروفه دائما في كلّ يوم ما بين ثمانية آلاف درهم إلى اثني عشر ألف درهم.
وكتب بمسامحة أهل بلاد الشام كلّها بما عليهم من البواقي لاستقبال سنة ثمان وتسعين وستّمائة وإلى آخر سنة ثنتي عشرة وسبعمائة، وبإبطال ما على السجون من الضمان، وإعفاء الفلّاحين من السخر، وبإبطال رسوم الشدّ والولاية، وبإبطال
مقرّر الأقصاب وضمان القوّاسين (4) فكثر الدعاء له، وزالت مظالم عديدة.
وبعث في سنة أربع عشرة وسبعمائة الأمير أيدمر الخطيري إلى الشرقيّة، والأمير آي دغدي شقير إلى البهنساويّة، والأمير حسين بن حيدر إلى أسيوط ومنفلوط، وآقول الحاجب إلى الغربيّة، وسيف الدين قلّي إلى الطحاويّة، والأمير جنكلي بن البابا إلى القليوبيّة، والتليليّ إلى البحيرة، وبكتوت الشمسيّ إلى الفيّوم، وبهادر المعزّي إلى إخميم، وأصلم إلى قوص، لإتقان جسورها.
وجرّد عسكرا في ذي القعدة [سنة 714] مع الأمير سيف الدين البوبكري السلاح دار، [وأشيع أنّ ذلك لغزوسيس]. وسار [
…
].
(تقف الترجمة هنا).
3266 - العماد الأصفهانيّ [519 - 597]
(5)
محمد بن محمد بن حامد بن محمد بن عبد الله بن عليّ بن محمود بن عبد الله بن أله- بفتح الهمزة وضمّ اللام، اسم فارسيّ معناه بالعربيّة: العقاب- أبو حامد، عماد الدين- ويقال: أبو عبد الله- ابن صفيّ الدين أبي الفرج، ابن نفيس الدين أبي الرجاء، المعروف بابن أخي العزيز، الأصفهانيّ، الشافعيّ، الكاتب.
مولده بأصبهان يوم الاثنين ثاني جمادى الآخرة- وقيل: في شعبان- سنة تسع عشرة وخمسمائة.
وأقام ببغداد يدرس الخلاف والمذهب بالمدرسة النظاميّة على أبي منصور سعيد بن محمد الرزاز،
(1) المثالة: النسخة والإمر والإذن المكتوب (دوزي).
(2)
قال ناشر السلوك 2/ 129 هامش 1 إنها بلدة فرشوطة بمديريّة قنا.
(3)
الزيادات والتصويبات من السلوك 2/ 127 - 137.
(4)
انظر هذه المكوس في هوامش السلوك 2/ 136، 137.
(5)
الوفيات 5/ 147 (705)، الوافي 1/ 132 (46)، أعلام النبلاء 21/ 345 (180).
وبعده على يوسف الدمشقي، وسمع بها من أبي الفتوح محمد بن الفضل بن محمد بن المعتمد الأسفرايينيّ، وأبي المكارم المبارك بن عليّ بن عبد العزيز، وأبي منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون (1)، وأبي بكر أحمد بن عليّ بن عبد الواحد الدلّال، وجماعة كثيرة.
وقرأ الأدب على أبي محمد ابن الخشّاب.
وسمع بأصفهان أبا سعد محمد بن الهيثم الأديب وغيره، وقرأ الخلاف، وعاد إلى بغداد.
وتصرّف في الأعمال الديوانيّة أيّام المقتفي والمستنجد. ومدح الخلفاء والوزراء. ورحل في آخر أيّام الخليفة المستنجد إلى دمشق، ومدح الملك العادل نور الدين محمود، وخدم كاتبا في ديوانه. ثمّ ولي الاستيفاء بجميع الأمور.
وقدم إلى القاهرة بعد موت نور الدين في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، [فاتّصل بصلاح الدين فاستكتبه](2) وصار من خواصّه. وسمعبالإسكندريّة على الحافظ السلفي، وأبي الطاهر إسماعيل بن عوف، وحدّث. ولم يزل في خدمة السلطان إلى أن مات، فلزم منزله، واشتغل بتدريس الفقه والخلاف ورواية الحديث والأدب بدمشق إلى أن مات.
قال ابن النجّار: كان من العلماء المتقنين فقها وخلافا وأصولا ونحوا ولغة، وله معرفة بالتواريخ وأيّام الناس. وله في البلاغة والإنشاء والنظم والنثر اليد الطولى والباع الممتدّ. وإليه تشدّ الرحال في ذلك وعليه تعقد الخناصر وكان من محاسن الزمان لم تر العيون مثله.
وتوفّي بدمشق ليلة الاثنين مستهلّ شهر رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ودفن بمقابر الصوفيّة.
وكان جامعا لفضائل من الفقه والآداب [101 ب] والشعر الجيّد. وله اليد البيضاء في النثر والنظم، وهو طويل النفس في رسائله وقصائده. وصنّف تصانيف مفيدة منها:«خريدة القصر في محاسن أهل العصر» : عشر مجلّدات. وديوان شعره في ثماني مجلّدات. وديوان رسائله في أربع مجلّدات. وكتاب «خطفة البارق وعطفة الشارق» ثلاث مجلّدات. وكتاب «نصرة الفترة وعصرة القطرة» مجلّدان. وذيل الخريدة، مجلّدان.
وكتاب «عتب الزمان في عقبى الحدثان» مجلّد.
وكتاب «الذيل والسيل» . وكتاب «الفتح القسّي في ذكر الفتح القدسيّ» . وكتاب «البرق الشاميّ» ، تاريخ في سبع مجلّدات. وكتاب أخبار ملوك السلجوقيّة. وكتاب العقبى والعتبى.
وله ديوان دو بيت، ومكاتبات القاضي الفاضل إليه في جزء، وكان يكتب بالعربيّة والفارسيّة.
وكان محلّ الثقة من الفاضل آمنا من توتّبه عليه، ولهذا كان يطمئنّ إليه إذا غاب مع السلطان. وكان رحمه الله شديد الحرص على تحصيل الدنيا، وكان الفاضل يلومه ويعتبه ويعذله ويؤنّبه على ذلك، فلا يرعوي. فبعث مرّة يشكو إليه ضرورة، فكتب إليه الفاضل: يا سيّد أخيه، لا تسمع الدهر هذه الشكوى فيستعذ بها فيستمرّ على العدوى.
وفي الحديث: «اتّقوا الله واجملوا في الطلب، ولا يدرى كيف يكون المنقلب» . فبالله إلّا ما سمعت بهذا الأدب؟
وله في هذا حكايات: منها أنّ رجلا من أهل حمص جاءه بطبق كيزان وتفصيلة كتّان، قيمة ذلك كلّه نحو خمسين درهما. وسأل حاجة، فأخذ
(1) جيرون بالجيم في الوفيات، وخيرون بالخاء المعجمة في الوافي وفي أعلام النبلاء 20/ 94 (55).
(2)
محمود بن زنكي مات سنة 569، والزيادة استئناسا بالوفيات والوافي.
قصّته وقرأها على السلطان، وكان قد بلغه الخبر، فلم يجبه، فأعاد العماد عرض القصّة وقراءتها مرّات في مجالس عدّة، والسلطان لا يأمر فيها ولا ينهى. ففطن العماد وعلم أنّ الخبر قد اتّصل بالسلطان فأعاد عرض القصّة. فلمّا لم يجبه عنها قال: يا مولانا، الطبق الذي أحضره صاحب هذه القصة باق إلى الآن لم أتصرّف فيه. فما كان ما ينقضي شغله أعدت عليه طبقه!
فضحك السلطان وعجب من دناءة نفسه وأمر بقضاء شغل الرجل. وكان شديد التهافت على أخذ الختوم الذهبيّة التي تجيء على كتب الفرنج، فوصل منهم كتاب بغير حضوره ففتحه السلطان بيده، وأخذ بعض الحاشية الختم، فلمّا جاء العماد قيل له: اكتب جواب هذا الكتاب!
فقال: يكتب جوابه من أخذ الختم!
فعزّ قوله على السلطان وقال: قم اخرج الوقت! ما هو محتاج إليك!
فأتى إلى الفاضل وعرّفه ما كان، فقال له: رح إلى الخانكاه واقعد بها مع الفقراء والبس زيّهم.
فإذا طلبك السلطان [102 أ] قل: «أنا دخلت في أسر لا أخرج منه» . ثمّ لا تخرج حتّى يأتيك السلطان بنفسه مترضّيا.
ثمّ لم يلبث الفاضل حتى أتته رسل السلطان في طلبه، فلمّا أتاه شكا إليه العماد، وقال له: اكتب جواب هذا الكتاب.
فقال: والله ما أعرف ما أكتب فيه لأنّ العماد كان بصدد هذه الكتب فلا يعرفها سواه.
ولم يزل يتلطّف بالسلطان حتى قال: اطلبه.
- فبعث في طلبه فلم يحضر واعتذر. فعظّم الفاضل الأمر، وكرّر الرسل في طلبه وهو لا يحضر. فقال الفاضل: أنا أروح خلفه وأتلطّف به، فو الله هذا باب ما يسدّه سواه.
ثمّ ذهب فأطال المكث، وعاد إلى السلطان وقال: لقد حرصت به فلم يجب، ورأيته مقبلا على ما دخل فيه إقبالا ما أظنّه بقي يخرج عنه. وما ضرّ السلطان لو زار الفقراء وترضّى عبده؟ - ولم يزل به حتى أتاه وترضّاه.
ومن شعره [الطويل]:
وما هذه الأيّام إلّا صحائف
…
نسطّر فيها ثمّ نمحى ونمحق
ولم أر في عمري كدائرة المنى
…
توسّعها الآمال والعمر ضيّق
وقوله [الخفيف]:
هي كتبي فليس تصلح من بع
…
دي لغير العطّار والإسكافي
هي إمّا مزاود للعقاقي
…
ر وإمّا بطائن للخفاف
وكان ذا قدرة على النظم والنثر. وشعره ألطف من نثره لأنّه أكثر من الجناس فيه، وبالغ حتى صار كلامه كأنّه ضرب من الرقى والعزائم.
ومن محاسن نثره: فلمّا أراد الله الساعة التي جلّاها لوقتها، والآية التي لا أخت لها، فتقول:
هي أكبر من أختها، أفضت الليلة إلى فجرها، ووصلت الدنيا الحامل إلى تمام شهرها، وجاءت بواحدها الذي تضاف إليه الأعداد، ومالكها الذي له الأرض بساط، والسماء خيمة، والحبك أطناب، والجبال أوتاد، والشمس دينار والقطر دراهم، والأفلام خدم، والنجوم أولاد.
ومن كلامه الذي أكثر فيه الجناس قوله: ورد الكتاب الكريم الأشرف الذي كرّم وشرّف، وأسعد وأسعف، وأجنى العزّ وأقطف، وأوضح الجدّ وعرّف، وقوّى العزم وصرّف، وألهج بالحمد
وأشغف، وجمع شمل الحبّ وألّف، فوقف الخادم عليه وأفاض في شكر فيض فضله المستفيض، وتبلّج وجه وجاهته، وتأرّج نبأ نباهته، ما عرّفه من عوارفه البيض، وأمنت بمكارمه المكاره، وزاد في قدر التائه [102 ب] قدره النابه، وافترّت مباسم مراسمه عن ثنايا مناجحه، ورفد طلائع صنائعه، فسرّ بمنن منائحه.
وممّا أكثر فيه من ردّ العجز على الصدر قوله:
وسرّ أولياءه، وأولى مسرّته، وأقدر يده وأيّد قدرته، وآزر دولته وأدال مؤازرته، وبسط مكنته، ومكّن بسطته، وأسعد جدّه، وأجدّ سعادته، وأراد نجحه وأنج إرادته، وأجلّ جيله وسرّ أسرته، وحاط حماه وحمى حوطته، ولا زال معروفه موال [يا]، ومواليه معروفا، ووصفه حسنا وإحسانه موصوفا، وإلفه بارّا، وبارّه مألوفا، وعطفه كريم [ا] وكرمه معطوفا.
وله رسائل التزم في واحدة الدال في كلّ كلمة، والضاد في أخرى، والميم في أخرى، والشين في أخرى، وأشياء من هذا النمط.
وديوانه أربع مجلّدات كبار، وما أحسن قوله في أترجّة [الطويل]:
وأترجّة صفراء لم أدر لونها
…
أمن فرق السّكّين أم فرقة السّكن؟
بحقّ عرتها صفرة بعد خضرة
…
فمن شجر بانت وصارت إلى شجن
وقوله [الكامل]:
متلوّن كمدامعي متعفّف
…
كضمائري، متعذّر كوسائلي
أنا في الضنى كالخصر منه [ي] شتكي
…
من جائر ما يشتكي من جائل
ويحكى أنّه قال يوما للقاضي الفاضل: سر فلا كبا بك الفرس! فأجابه الفاضل: دام علا العماد! - وكلا الكلامين يقرأ مقلوبا.
واجتمعا يوما في موكب السلطان وقد ثار الغبار حتى سدّ الفضاء، فأنشد ارتجالا [الكامل]:
أمّا الغبار فإنّه
…
ممّا أثارته السنابك
والجوّ منه مظلم
…
لكن أنار به السنابك
يا دهر لي عبد الرحي
…
م، فلست أخشى مسّ نابك
وكان قدم وهو ابن عشرين سنة إلى بغداد، ونزل النظاميّة، وبرع في الفقه، وأتقن الخلاف والنحو والأدب، وسمع الحديث. فلمّا مهر تعلّق بالوزيرعون الدين أبي المظفّر يحيى بن محمد بن هبيرة، فولّاه البصرة ثمّ نظر واسط. فلمّا مات الوزير ضعف أمره واعتقل في جملة من اعتقل.
فكتب إلى رئيس الرؤساء عضد الدين أبي الفرج محمد الأستادار [الكامل]:
قل للإمام (1): علام حبس وليّكم
…
أولو جميلكم جميل ولائه
أوليس إذ حبس الغمام وليّه
…
خلّى أبوك سبيله بدعائه
يشير إلى قصّة العبّاس بن عبد المطلب في الاستسقاء (2).
وكان إذا دخل عليه من يعوده في مرضه ينشد [المقتضب]:
أنا ضيف بربعكم
…
أين أين المضيّف؟
(1) أي: المستنجد العبّاسي.
(2)
لخّص الصفدي القصّة في الوافي 1/ 139.