الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومات ابن وارة في شهر رمضان سنة سبع وسبعين ومائتين، ووهم من قال: سنة خمس وستّين (1).
3320 - ناصر الدين البالسيّ التاجر [- 776]
(2)
محمد بن مسلّم بن [
…
]، ناصر الدين، البالسيّ، التاجر.
كان أبوه تاجرا سفّارا بعد ما كان أوّلا جمّالا.
ونشأ محمد هذا على صيانة، ورزق حظّا في التجارة حتّى نما ماله. وكان أبوه قد صاهر شمس الدين محمد بن تيسير كبير تجّار مصر، بعد سنة سبعمائة، فولد له محمّد هذا من ابنته. ولاحظته السعود حتّى في عبيده، فكان الواحد منهم يسافر إلى الهند، والآخر إلى الحبشة، والآخر إلى بلاد التكرور، وغير ذلك من البلاد، فيعود وقد ربحت تجارته الربح الكبير. وكان أخصّهم لديه خادمه الطواشي كافور المسلميّ، الروميّ الجنس، لما عرفه من فطنته وجودته وخبرته بالتجارة وأمانته.
فاعتمد عليه وأسند وصيّته بعد موته إليه، فعظم ثراه حتّى خرج عن حدّ الكثرة وضرب بغناه المثل، إلى أن توفّي يوم [
…
] سنة ستّ وسبعين وسبعمائة. فبلغ حصّة أحد أولاده مائتي ألف دينار، وكانوا عدّة.
وإليه تنسب المدرسة المسلّميّة بمدينة مصر من خطّ السيوريّين. ومات قبل فراغها فوصّى بتكملتها وعيّن لها مالا ووقف عليها عقارا، وجعل بها مدرّسين مالكيّا وشافعيّا.
وأنشأ أيضا مطهرة جليلة بجوار جامع عمرو بن العاصي من مدينة مصر كثر الانتفاع بها، وهي من أحسن أنواع البرّ. وكان يحبّ الفقراء. واشتهرت له صدقات جزيلة استغنى بها غير واحد مع اقتصاده في الإنفاق على نفسه، وله أيضا على شاطئ النيل بمصر دار جليلة.
ولم يثمر ماله مع أكبر ولده عليّ وأتلفه في زمن يسير على أقبح وجه، وبقي له ولد آخر معدود من جملة التجّار الكبار.
3321 - محمد بن مسلمة الأنصاريّ الصحابيّ [- 43]
(3)
[133 أ] محمد بن مسلة بن سلمة بن خالد بن عديّ بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس حليف بني عبد الأشهل، أبو عبد الرحمن- وقيل: أبو عبد الله- الأنصاريّ، الحارثيّ، أحد أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم.
شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجرّاح. ويقال: إنّه هو الذي قتل مرحبا [اليهوديّ] بخيبر (4). والصحيح أنّ الذي قتل مرحبا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أحد من قتل كعب بن الأشرف، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم حين نظر إليهم: أفلحت الوجوه.
واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة قرقرة الكدر (5). وقيل: استخلفه عام تبوك.
(1) قال الصفديّ في الوافي: سنة 270، والذهبي والبغداديّ أيضا.
(2)
درر العقود رقم 1139 الخطط 4/ 251 على ذكر المدرسة المسلّميّة.
(3)
أسد الغابة 5/ 112 (4761)، الوافي 5/ 29 (1996)، المحبّر 282.
(4)
ذاك ما يقوله الطبريّ أيضا 3/ 10.
(5)
غزوة الكدر سنة ثلاث: الطبريّ 2/ 482، ياقوت (الكدر).
واستوطن المدينة بعد موت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان على مقدّمة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في مسيره إلى الجابية. وكان هو الذي يقتصّ آثار من شكي من العمّال لعمر رضي الله عنه، فلمّا اختطّ سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه الكوفة في المحرّم سنة سبع عشرة وبنى له بها قصرا نقل لعمر رضي الله عنه أنّه أغلق قصره عليه، ثمّ قال:«سكن الصويت (1) عنّي» ، وأنّ الناس يسمّونه «قصر سعد» .
فبعث محمّدا وقال: سر إلى الكوفة واعمد إلى القصر حتّى تحرق بابه ثمّ ارجع عودك على بدئك.
فقدم الكوفة فاشترى حطبا وأتى باب القصر وأضرم الباب، وأتى سعدا الخبر فقال: هذا رسول أرسل لهذا.- وبعث لينظر من هو، فإذا هو محمد بن مسلمة، فأرسل إليه بأن: ادخل- فأبى.
فخرج إليه فأراده على الدخول والنزول فأبى، فعرض عليه نفقة فلم يأخذ، ودفع كتاب عمر إليه:
بلغني أنّك بنيت قصرا اتّخذته حصنا، ويسمّى قصر سعد، وجعلت بينك وبين الناس بابا. فليس بقصرك، انزل منه منزلا ممّا يلي بيوت الأموال وأغلقه، ولا تجعل على القصر بابا تمنع الناس من دخوله، وتنفيهم به عن حقوقهم، ليوافقوا مجلسك ومخرجك من دارك إذا خرجت.
فحلف له سعد ما قال الذي قالوا.
ورجع محمد من فوره حتى إذا دنا من المدينة فني زاده فتبلّغ بلحاء من لحيّ (2) الشجر، وقدم على عمر وقد تقرّح شدقه. فأخبر خبره كلّه، فقال: فهلّا قبلت من سعد؟
فقال: لو أردت ذلك كتبت لي بذلك أو أذنت لي فيه.
فقال عمر: إنّ أكمل الرجال رأيا من إذا لم يكن عنده [133 ب] عهد من صاحبه عمل بالحزم أو قال به ولم يشكل عليه.
وأخبره بيمين سعد وبقوله، فصدّق سعدا، وقال:
هو أصدق ممّن روى عليه وممّن أبلغني. فإنّ سعدا محسّد مأخوذ (3). ثمّ لمّا ألب شكاة سعد عليه عند عمر رضي الله عنهما، بعث محمّدا إليه، مقدم الكوفة ليطوف بسعد على الناس فطوّف بها المساجد.
فكان لا يقف على مسجد فيسألهم عنه إلّا قالوا:
لا نعلم إلّا خيرا، إلّا ما كان من نفر مالئوا (4) الجرّاح بن سنان الأسديّ فإنّهم كانوا يسكتون، وتكلّم فيه أسامة بن قتادة، فخرج بسعد وشكاته إلى عمر، فكان من خبر سعد ما ذكر في ترجمته (5).
وكان عمر رضي الله عنه إذا بعث عمّاله يشترط عليهم ألا يتّخذوا على المجالس التي يجلسون فيها للناس بابا ولا يركبوا البراذين ولا يلبسوا الرقاق ولا يأكلوا النقيّ ولا يغيبوا عن صلاة الجمعة. فمرّ يوما بطريق من طرق المدينة فقال له رجل: أبشر يا عمر بالنار!
قال: وما ذاك؟
قال: تستعمل العمّال وتعهد إليهم عهدك، ثمّ ترى أنّ ذلك قد أجزاك. كلّا! والله إنّك لمأخوذ إذا لم تتعهّدهم!
قال: وما ذاك؟
قال: عياض بن غنم (6) يلبس الليّن، ويفعل ويفعل.
(1) الصوت في المخطوط، والإصلاح من الطبري 4/ 47.
(2)
في المخطوط: لحاء مكرّرة، واللحاء القشرة.
(3)
الطبري 4/ 47، وهذه الجملة الأخيرة ليست فيه.
(4)
في المخطوط: قالوا، والتصحيح من الطبري 4/ 121.
(5)
ترجمة سعد مفقودة.
(6)
عياض بن غنم القرشي، له ترجمة في أسد الغابة 4/ 327 (4155).
قال: أساع أنت؟
قال: بل مؤدّ الذي عليه.
فبعث إلى محمد بن مسلمة أن الحق بعياض بن غنم فائت به كما تجده.
فانتهى إلى بابه بحمص، فإذا عليه بوّاب، فقال له: قل لعياض: على الباب رجل يريد أن يلقاك.
قال: ما تقول؟
قال: قل له ما أقول لك.
فذهب كالمتعجّب فأخبره، فعرف عياض أنّه أمر حدث، فخرج فإذا محمد، فرحّب به وقال له:
ادخل، فإذا عليه قميص رقيق ليّن، فقال: إنّ أمير المؤمنين أمرني أن لا يفارق سوادي سوادك حتّى أذهب بك كما أجدك.
ونظر في أمره وداره فوجد الأمر كما قيل عنه، فقدم به على عمر فأدّبه.
وبعثه عمر في جند عمرو بن العاص فشهد فتح مصر، وطلع الحصن مع الزبير، واختطّ بمصر دارا، وعاد إلى المدينة، ثمّ قدم مصر مرّة أخرى برسالة عمر رضي الله عنه إلى عمرو ليقاسمه المال، ومعه كتاب عمر إليه: أمّا بعد، فإنّكم معشر العمّال قعدتم على عيون الأموال فجبيتم الحرام، وأكلتم الحرام، وأورثتم الحرام. وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة الأنصاريّ ليقاسمك مالك، فأحضره مالك. والسلام.
فلمّا قدم مصر أهدى له عمرو هديّة فردّها عليه، فغضب ثمّ قال: يا محمّد، لم [134 أ] رددت إليّ هديّتي، وقد أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمي من غزوة ذات السلاسل فقبل؟
فقال له محمد: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل بالوحي ما شاء ويمتنع ممّا شاء. ولو كانت هديّة الأخ لأخيه قبلتها، ولكنّها هديّة أمام شرّ خلفها.
فقال عمرو: قبّح الله يوما صرت فيه عاملا لعمر بن الخطّاب! فلقد رأيت العاصي بن وائل يلبس الديباج المزرّر بالذهب، وأنّ الخطّاب بن نفيل ليحمل الحطب على حمار بمكّة.
فقال محمّد: أبوك وأبوه في النار. وعمر خير منك، ولولا اليوم الذي أصبحت تذمّ لألفيت معتقلا عنزا يسرّك غزرها ويسوءك بكؤها (1).
فقال عمرو: هي فلتة المغضب، وهي عندك بالأمانة.
ثمّ أحضره ماله فقاسمه إيّاه، ثمّ رجع.
فلمّا كانت قتلة عثمان رضي الله عنه وبويع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه اعتزل الناس، واتّخذ سيفا من خشب، وجعله في جفن وذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، ولم يشهد الجمل ولا صفّين، وأقام بالرّبذة. وكتب إليه معاوية: أمّا بعد، فإنّي لم أكتب إليك وأنا أرجو مبايعتك، ولكنّي أردت أن أذكّرك النعمة التي خرجت منها، والشكّ الذي دخلت فيه. إنّك فارس الأنصار وعدّة المهاجرين، ادّعيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا لم تستطع إلّا أن تمضي عليه. فهذا نهاك عن قتل أهل الصلاة. فهلّا نهيت أهل الصلاة عن قتل بعضهم بعضا؟ وقد كان عليك أن تكره لهم ما كره لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لم تر عثمان وأهل الدار من أهل الصلاة؟ فأمّا قومك فقد عصوا الله وخذلوا عثمان، والله سائلهم وسائلك عن الذي كان، يوم القيامة.
وكتب إليه شعرا [الطويل]:
أيا فارس الأنصار في كلّ كربة
…
ويا أيّها الباني لها كلّ مكرمة
(1) بكؤها: قلّة لبنها.