الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو محمد بن أبي زيد يقول: لو أنّ ابن نظيف [مقيم] بالقيروان، ما حلّ لي أن [أجلس هذا المجلس] لأنّه أولى به منّي لحفظه وفهمه وفقهه ودينه وورعه.
وكان يشبّه بابن القاسم.
من مناقبه أنّه كان يحضر مجلس أبي إسحاق السبائيّ، فتخلّف عنه [مرّة] فسأله عن سبب تخلّفه فقال: اغتيب في مجلسك رجل مسلم- يعني:
فأقررت على ذلك.
فقال: فإنّي تائب.
مات ابن نظيف سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
3444 - محمد بن النعمان قاضي القضاة [340 - 389]
(1)
[172 أ] محمد بن النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيّون، أبو عبد الله، ابن أبي حنيفة، المغربيّ الأصل، قاضي القضاة بمصر.
ولد يوم الأحد لثلاث خلون من صفر سنة أربعين وثلاثمائة، ببلاد المغرب، وقدم إلى مصر مع أبيه.
وقلّده أمير المؤمنين العزيز بالله نزار بن المعزّ الدين الله القضاء بمصر بعد أخيه عليّ بن النعمان لسبع بقين من شهر رجب سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. وخلع عليه وقلّده سيفا، فلم يقدر أن ينزل إلى الجامع العتيق لضعف كان به، وسار إلى منزله. ومضى ولداه وأهله وجماعة الشهود إلى الجامع فقرئ سجلّه بالقضاء على المعزّيّة القاهرة وأعمالها، ومصر، والإسكندريّة، والحرمين،
وأجناد الشام، وولاية الصلاة بالناس، وعيار الذهب والفضّة والموازين والمكاييل.
وأقام عليلا، فاستخلف ابن أخيه الحسين بن عليّ بن النعمان في الحكم بين الناس بالجامع.
ووردت عليه مكاتبات جميع خلفاء أخيه عليّ بن النعمان، ووقّع في الأنكحة وسائر الرقاع.
ثم ركب إلى الجامع بسبلة الحكم، ومعه جماعة الشهود، وحكم بين الناس، وواصل الركوب إلى صلاة الجمعة بالجامع العتيق.
وقلّد ابنه عبد العزيز بن محمد قضاء الإسكندريّة في ذي القعدة سنة أربع وسبعين، بأمر العزيز بالله، وخلع عليه العزيز.
وعقد لابنه عبد العزيز على ابنة القائد حسين بن جوهر في مجلس العزيز بالقصر على صداق مبلغه ثلاثة آلاف دينار، وخلع عليه العزيز في غرّة جمادى الأولى سنة خمس وسبعين [وثلاثمائة].
فلمّا مات عبد الله بن محمد بن رجاء قاضي دمشق، ولّاه العزيز قضاء دمشق، وجعل له أن يستخلف عليها ابنه عبد العزيز، فاستخلفه على دمشق، وجعل عوضه بالإسكندريّة ابن أخيه جعفر بن أحمد بن النعمان.
وكان محمد بن النعمان جيّد الأحكام حسن الأدب والمعرفة بالأخبار والأشعار وأيّام الناس.
وذكر العتقيّ (2) أن الإمام المعزّ لدين الله أبا تميم معدّ [ا] لمّا كان بالمغرب، تقدّم إلى القاضي النعمان بن محمّد أن يعمل له أسطرلاب [ا] من فضّة، فأجلس القاضي النعمان مع الصانع ابنه
(1) الوافي 5/ 131 (2141)، العبر 3/ 45، الكنديّ (ذيل)592.
(2)
هو المؤرّخ العتقيّ الذي ألّف «التاريخ الجامع» للعزيز الفاطميّ، انظر عيون الأخبار 567، هامش 65، والوفيات 1/ 303، هامش 1، وترجمته رقم 2570.
محمد بن النعمان. فلمّا فرغ الأسطرلاب وصار به النعمان إلى المعزّ، قال له: من أجلست مع الصانع؟
قال: محمد ابني.
فقال المعزّ: هو قاضي مصر.
وقال محمد بن النعمان: كان المعزّ إذا رآني، وأنا صبيّ، يقول لمولانا العزيز: يا بنيّ [172 ب]، هذا قاضيك! (1)
ثم إنّ محمد بن النعمان استخلف ابنه عبد العزيز في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين [وثلاثمائة]، وفيه أعرس بابنة القائد حسين بن جوهر، فأطعم محمد بن النعمان الناس ثلاثا.
وزفّت إليه ومعها عشرون قبّة، ولم ير بمصر عرس مثله.
ولمّا اتّصل خروج الناس في شهري رجب وشعبان ليالي الجمع بالقاهرة، خرج محمد بن النعمان في جمع من الشهود، وجلس في المقصورة بالجامع الأزهر، وأتته من الوزير يعقوب بن كلّس سلال الحلوى وغيرها. فأكل بجماعته، وانصرف ليلة النصف من شعبان [377].
وتأخّر بعض الشهود عن حضور مجلسه للحكم فعاتبهم وقال: «قد علمتم أنّ قاضي [يا] كان عندكم تأخّر عنه جماعة فعدّل ثلاثين عوضا منهم» . يريد بهذا تهديدهم.
وارتدّ رجل عن الإسلام في أيّامه فضرب عنقه بعد ما عرض عليه الإسلام وهو يمتنع.
ولاعن بين رجل وامرأته (2) في الجامع بحضرة
الشهود في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين.
وفي صفر سنة تسع وسبعين [وثلاثمائة] صرف عن قضاء دمشق بأبي محمد الحسن بن محمد العلويّ.
وادّعت امرأة عنده بدين لها على زوجها، واقتضى الحكم حبسه، فلمّا أمر به إلى الحبس رأى المرأة وقد فرحت بحبس زوجها- وكانت ذات جمال- فارتاب بها وأمر بحبسها أيضا.
فقال [ت]: أصلح الله القاضي، كيف تحبّسني؟
فقال: حبسناه لحقّك، ونحبسك حفظا له لحقّه عليك.
فسألت الإفراج عن الرجل فانصرف بها، فسأل الشهود القاضي عمّا فعله فقال:«لمّا رأيت فرحها بحبس زوجها علمت أنّها تريد أن تخلو بنفسها، ولا آمن أن تتغيّر على الزوج بحبسه عنها» ، فعدّت هذه من أحسن القضايا.
وعدّل جماعة قبل شهادتهم، منهم الحافظ عبد الغنيّ بن سعيد، وأبو الحسن عليّ بن عبد الرحمن بن يونس، وأبو العبّاس أحمد بن محمد ابن أبي العوّام الحنفيّ الذي ولي قضاء مصر. ومنع جماعة من الفقهاء من الإفتاء لكثرة ما بلغه من غلطهم.
وقوي تمكّنه في البلد، وانبسطت يده في الأحكام، وتجبّر وترك النزول إلى جامع عمرو، وصار ينظر بداره في الأحكام، ولا يخاطب إلّا ب «سيّدنا» .
- وقد جحد البنت التي أنجبتها زوجته. والملاعنة وقعت في جامع عمرو. وقد أسند هذا اللعان إلى الحسين بن عليّ بن النعمان نقلا عن المسبّحي في الولاة والقضاء 596، والأمر نادر، بل مستحدث فلذلك قال المسبّحي:
ولم يسبق لذلك (في العبيديّين). وانظر 3/ 354 هـ 3 من هذا الكتاب.
(1)
هذا امر مستبعد لأنّ المعزّ لم يجعل ابنه نزارا وليّا للعهد إلا بعد موت ابنه عبد الله بمصر.
(2)
في ذيل الولاة 594: الرجل من ولد عقيل بن أبي طالب-
فلمّا مات العزيز بالله وقام من بعده ابنه أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو عليّ المنصور، استخلفه على صلاة عيد الفطر، فصلّى بالناس في مصلّى العيد خارج القاهرة، وخطب [173 أ]، وهو متقلّد السيف الذي كان للعزيز، وكان العزيز يشرّفه بصعود المنبر معه إذا خطب في يومي العيدين.
وجعل إليه الحاكم بأمر الله القيام على العزيز والوقوف على غسله وتكفينه فعظمت رتبته وتمكّن من الحاكم وعلت منزلته، وأقطعه الحاكم دار راشد العزيزي بالقاهرة (1).
ثمّ كثرت علله بالنقرس والقولنج فكان أكثر أيّامه عليلا، وابنه عبد العزيز ينظر بين الناس، ويخلفه في الحكم والأسجال.
وكان برجوان مع جلالته وعظم منزلته يعوده في كلّ خميس (2) ولا يقطع التردّد إلى داره فلا يتأخّر أحد من رجال الدولة عن المصير إليه في كلّ يوم، وكان جميع أهل الدولة يركبون في كلّ يوم إلى دار برجوان في أيّام قيامه بأمر الدولة الحاكميّة، فإذا خرج صاروا معه إلى القصر ما خلا القائد حسين بن جوهر والقاضي محمد بن النعمان، فإنّهما كانا لا يركبان إلى داره وإنّما يجتمعان معه في القصر خاصّة.
وكان يكاتب ب «قاضي القضاة» ، وتجاوز حدّ القضاة إلى رتب الملوك. وكانت النعمة تليق به لعموم إحسانه لسائر أتباعه وأصحابه مع حسن الخلق وجلالة البزّة وبشاشة الوجه. وكان يلبس الدرّاعة والعمامة بغير طيلسان ويركب بتجمّل
كثير. وكان يكثر استعمال الطّيب في مجلسه، إذا جلس وإذا ركب. وكان إذا أعطى أجزل في العطاء وأوفر.
ولم تزل علّته تتزايد به حتى مات بالقاهرة ليلة الثلاثاء رابع صفر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة عن تسع وأربعين سنة تنقص يوما واحدا. وكانت مدّة ولايته القضاء أربع عشرة سنة وستّة أشهر وعشرة أيّام.
وترك عليه دينا ستّة وثلاثين ألف دينار كلّها من أموال اليتامى والمحجور عليهم، فأمر الحاكم بأمر الله برجوان فختم على جميع ما تركه وباعه، وطالب الأمناء والعدول بأموال اليتامى المثبتة عليهم في ديوان القضاء، فزعموا أنّ القاضي قبضها، وأقام بعضهم البيّنة على ذلك وعجز بعضهم عن البيّنة فأغرم ما ثبت عليه فاجتمع من مال البيع وما أخذ من الأمناء ثمانية عشر ألف دينار قدّرت بحقّ النصف.
وعند ما مات قيدت دوابّه إلى إسطبل الخلافة.
وركب الحاكم بأمر الله إلى داره وصلّى عليه، ودفن تحت قبّتها ثمّ نقل بعد ذلك من جبّانة القاهرة، ودفن عند أبيه وأخيه بتربة أولاد النعمان من القرافة الكبرى.
ومن شعره [البسيط]:
لو صحّ فيما مضى شيء أنست به
…
أفنيت باقي حياتي في تطلّبه
أو كان في عابر اللذّات لي أرب
…
لكنت أعتب دهري في تعتّبه
لكن تعقّبني دهر فأوضح لي
…
ما كان يستر عنّي من تعقّبه
[173 ب] فذقته علقما من بعد لذّته
…
كذلك الدهر يحلو للجهول به
(1) هذه التفاصيل غير مذكورة في ترجمته في ذيل الولاة والقضاة.
(2)
الكلمة مطموسة، والإصلاح من الذيل 594.