الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من باب العامّة إلى المطيرة، وأركب بابك الفيل حتّى دخل دار المعتصم. فأمر بسيّاف بابك أن يتقدّم إليه ويقطع يديه ورجليه، فقطعهما، ثمّ ذبحه وشقّ بطنه وحمل رأسه إلى خراسان، وصلب بدنه بسامرّاء. وحمل أخوه إلى بغداد فعمل به ذلك، وصلب في الجانب الشرقيّ.
فكان مبلغ ما أنفق الأفشين مدّة مقامة بإزاء بابك سوى الأرزاق والأنزال والمعاون في كلّ يوم يركب فيه عشرة آلاف درهم، وفي يوم لا يركبخمسة آلاف. وبلغت عدّة من قتل بابك في عشرين سنة مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة إنسان على التقليل، وعلى التكثير:
خمسمائة ألف. وعدّة من أسر معه لمّا أخذ ثلاثة آلاف وثلاثمائة وتسعة أناسيّ، واستنقذ ممّن كان في يده من المسلمات وأولادهنّ سبعة آلاف وستّمائة إنسان. وصار في يد بابك من بني بابك سبعة عشر رجلا وثلاث وعشرون امرأة.
فتوّج [183 ب] المعتصم الأفشين، وألبسه وشاحين، ووصله بعشرين ألف ألف درهم، وعشرة آلاف ألف درهم يصرفها في عسكره، وأدخل عليه الشعراء فمدحوه.
[فتح عمّوريّه]
وفيها خرج تيوفيل ملك الروم (1) إلى بلاد الإسلام، فأوقع بأهل زبطرة وغيرها في شعبان، وكان معه زيادة على مائة ألف، فقتل الرجال وسبى الذريّة والنساء، وأسر كثيرا، فمثّل بهم وسمل أعينهم وقطع أنوفهم وآذانهم. فخرج إليه أهل ثغور الشام والجزيرة فعظم ذلك على المعتصم. وبلغه أنّ امرأة هاشميّة صاحت، وهي في أيدي الروم: وا معتصماه! - فأجابها، وهو
جالس على سريره: لبّيك! لبّيك! (2) - ونهض من ساعته وصاح في قصره: النفير! النفير!
ثمّ ركب دابّته وسمّط خلفه شكالا وسكّة حديد وحقيبة فيها زاده، ولم يمكنه المسير إلّا بعد التعبئة وجمع العساكر. وأحضر عبد الرحمن بن إسحاق قاضي بغداد، وثلاثمائة وثمانية وعشرين رجلا من أهل العدالة فأشهدهم على ما أوقفه من الضّياع، فجعل ثلثا لولده، وثلثا لله تعالى، وثلثا لمواليه.
ثمّ سار، فعسكر غربيّ دجلة لليلتين خلتا من جمادى الأولى، . ووجّه عجيف بن عنبسة وعمرا الفرغانيّ (3) في عدّة من القوّاد إلى زبطرة. فوجدوا ملك الروم قد انصرف إلى بلاده، فوقفوا حتى تراجع الناس إلى قراهم واطمأنّوا، فسار المعتصم في جهاز لم يتجهّزه خليفة قبله، ومعه من السلاح والآلة والعدد وحياض الأدم والقرب والروايا وغير ذلك ما يجلّ وصفه. وجعل على مقدّمته أشناس، ويتلوه محمد بن إبراهيم بن مصعب، وعلى ميمنته أيتاخ، وعلى ميسرته جعفر بن دينار [بن عبد الله] الخيّاط، وعلى القلب عجيف بن عنبسة، فلمّا دخل بلاد الروم أقام على نهر السنّ (4)، وهو على سلوقية قريبا من البحر، بينه وبين طرسوس مسيرة يوم. وبعث الأفشين إلى سروج، وبعث أشناس من درب طرسوس وأردفه بوصيف. ثمّ رحل لستّ بقين من رجب، وأخبار الروم ترد عليه من عيونه، وكتبه تسير إلى قوّاده يأمرهم وينهاهم، ويحذّرهم ويوصيهم، فكان أشناس إذا رحل من منزلة نزلها المعتصم في أثره حتى صار بينه وبين أنقرة ثلاث مراحل، [و] ضاق العسكر ضيقا
(1) توفيل بن ميخائيل بن جورجيس، الطبري 9/ 55.
(2)
رواية الفخريّ 9/ 22: وبلغه ما قالته الهاشميّة فقال
…
(3)
زاد الطبريّ 9/ 64: ابن أربخا.
(4)
اللمس عند الطبريّ 9/ 57.
شديدا من قلّة الماء والعلف. فورد الخبر بمواقعة الأفشين للروم في خامس شعبان وظفره، وأنّه قتل من الروم أربعة آلاف، ثمّ قدم الأفشين على المعتصم من الغد، وهو بأنقرة فأقاموا ثلاثة أيّام، ثمّ جعل [184 أ] المعتصم العسكر ثلاث فرق:
فرقة فيها أشناس في الميسرة، وفرقة في الميمنة مع الأفشين، وركب [هو] في القلب ومعه فرقة.
وجعل بين كلّ فرقة وأخرى فرسخين، وأمر كلّ عسكر من هذه الثلاث فرق أن تكون له ميمنة وميسرة، وأن يحرقوا القرى ويخرّبوها، ويأخذوا من فيها، فيما بين أنقرة وعمّوريّة، ومسافة ما بينهما سبع مراحل. ففعلوا ذلك حتّى وافوا عمّوريّة لستّ خلون من شهر رمضان في جمع عظيم، قيل: تسعمائة ألف، وقيل: أزيد من ثلاثمائة ألف.
فقدمها أوّلا أشناس، ثمّ تلاه المعتصم، وبعده الأفشين، فأحاطوا بها، وجعل لكلّ قائد برج.
فدلّ بعض من كان بعمّوريّة من المسلمين المعتصم [على] موضع من السور قد وقع، فضرب خيمته تجاه ذلك الموضع، ورمى عليه بالمجانيق حتّى تصدّع السور. فكتب متولّي عمّوريّة إلى ملك الروم بذلك، ويعلمه بأشياء من أمورهم، وسيّره مع رجلين من ثقاته. فظفر بهما المعتصم وبالكتاب، فأمر لهما ببدرة- وهي عشرة آلاف درهم- وخلع عليهما، وقد أسلما، وأمر بهما فطافا حول عمّوريّة حتى رآهما الروم فسبّوهما.
وألحّ الرمي على السور حتّى انهدم ما بين برجين. وكان المعتصم قد طمّ الخندق بجلود الغنم المملوءة ترابا (1). وعمل دبّابات كبارا تسع الواحدة منها عشرة رجال فدحرجها الرجال على
تلك الجلود لتمرّ إلى السور، وعمل سلالم وقاتلهم على الثلمة، وجمع المجانيق عليها ورمى بها. وقاتل أشناس أوّلا، ثمّ عقبه الأفشين من الغد، فقاتل بمن معه، والمعتصم واقف على دابّته في قوّاده. فقال عمرو الفرغانيّ: الحرب اليوم أجود منها أمس!
فشقّ ذلك على أشناس، وكتم ما في نفسه حتّى انصرف عند ما انتصف النهار فيمن انصرف، وسبّ الفرغانيّ وأحمد بن الخليل، فغضبا منه، وتآمرا في أن يقيما العبّاس ابن المأمون.
وركب المعتصم من الغد، فكانت نوبة أيتاخ، فاشتدّت الحرب واتّسع هدم السور، وكثرت الجراحات في الروم، فوقع بين بطارقهم الخلاف، وخرج أحدهم بأصحابه إلى المعتصم فأكرمه وأركبه فرسا. وحمل على السور، فاقتحم المسلمون المدينة من الثلمة. وملكوا عمّوريّة عنوة في يوم الثلاثاء سابع عشرين رمضان.
فحرّقوا كنيستها على من فيها. وأخذ باطش متولّي عمّوريّة وسبق هو والأسارى والسبي بعد ما أخذ الروم السيف، فعزل المعتصم أكابرهم وقتل من سواهم، فبلغت عدّة القتلى ثلاثين ألفا، وعدّة السبي مثل ذلك، فيهم ستّون بطريقا، فضرب أعناق أربعة آلاف ونيف من الأسرى، ولم يزل يقتل فيهم في مسيره ويحرق ويخرّب. وبيعت الغنائم مدّة خمسة أيّام، وأحرق ما بقى، وهدّمت عمّوريّة وأحرقت. ورحل عنها بعد ما أقام عليها خمسة وخمسين يوما. وفرّق الأسرى على القوّاد، وحمل باب عمّوريّة إلى بغداد فعمله على أحد أبواب دار الخلافة، وسار نحو طرسوس في يوم السبت ثالث عشرين شهر رمضان.
فبلغه ما همّ به الفرغانيّ وغيره [184 ب] من مبايعة العبّاس ابن المأمون، وأنّهم تواعدوا على
(1) الطبريّ 9/ 65.