الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا:
مصادر اختلاف الحديث
يخلط بعض الناس بين علمين: علم اختلاف الحديث، وعلم مشكل الحديث، وفي الحقيقة أن هذين العلمين مختلفان، ولكل مصنفاته الخاصة؛ ولذا لا بد من بيان المقصود بكل منهما قبل الحديث عن مصادر اختلاف الحديث.
المقصود بعلم اختلاف الحديث هو: العلم الذي يبحث فيه عن التوفيق بين الأحاديث المتناقضة ظاهرا، إما يتخصيص العام، أو بتقييد المطلق أو بالحمل على تعدد الحادثة.
المقصود بعلم مشكل الحديث: علم مشكل الحديث أعم من علم اختلاف الحديث، وأعم من الناسخ والمنسوخ؛ لأن الإشكال -وهو: الالتباس والخفاء- قد يكون ناشئا من ورود حديث يتناقض مع حديث آخر من حيث الظاهر، أو من حيث الحقيقة، وقد ينشأ الإشكال من مخالفة الحديث للقرآن أو اللغة أو العقل أو الحس، والمؤلف يرفع هذا الإشكال، إما:
- بالتوفيق بين الحديثين المتعارضين.
- أو بيان نسخ في أحدهما.
- أو بشرح المعنى بما يتفق مع القرآن أو اللغة أو العقل.
- أو بتضعيف الحديث الموجب للإشكال ورده.
- أو بغير ذلك من الأساليب.
بمعنى آخر: فالفرق باختصار بين اختلاف الحديث ومشكل الحديث، هو أن اختلاف الحديث يقصد به التعارض فيما بين الأحاديث فقط، أما مشكل الحديث: فيزيد عن اختلاف الحديث في أن التعارض قد يكون بين الحديث والقرآن أو اللغة أو العقل أو الحس.
لكن وعلى أية حال فإن الغرض من التصنيف في مختلف الحديث أو مشكل الحديث إنما هو التوفيق وإزالة التعارض المتوهم بين بعض الأحاديث المتعارضة في الظاهر أو التي تحتوي شبهة أو مشكلة فيما يبدو للعوام.
ولا يخفى على أهل العلم أن الأحاديث التي صحت نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافقة متآلفة، ولا يتصور التعارض بينها مطلقا، لكن التعارض إنما يكون في فهم الناس للنصوص، وليس في النصوص نفسها، ومن هنا ظهرت كثير من المؤلفات في اختلاف الحديث ومشكل الحديث، وفيما يلي نبذة مختصرة عن بعض هذه المصنفات:
أولا: اختلاف الحديث للشافعي
المصنف: الشافعي ت 204هـ، سبقت ترجمته.
الكتاب: أول مصنف في هذا النوع، لكنه لم يستوعب، وموضوع أحاديثه الفقه العملي، طبع في هامش الجزء السابع من كتاب الأم طبعة بولاق، 1325هـ، وطبع مستقلا وألحق بكتاب الأم، تصحيح: محمد زهدي النجار، وعدد صفحاته ثلاث وتسعون صفحة من القطع الكبير، وهذا الكتاب على ما فيه من علم جمٍّ وحذق في الاستدلال لا يوازي في حجمه عشر كتاب الطحاوي: شرح مشكل الآثار، لكن مع ذلك فإن الطحاوي تأثر بكتاب الشافعي كثيرا ويظهر التأثر جليا لدى المقارنة بين كتاب الشافعي: اختلاف الحديث، وكتاب الطحاوي: شرح مشكل الآثار من حيث: الموضوع، العرض، طريقة معالجة القضايا المطروحة.
ثانيا: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة
المصنف: ابن قتيبة ت 266هـ، أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري، ينسب لدينور التي كان قاضيا بها، له تصانيف عديدة منها:
- غريب القرآن الكريم.
- عيون الأخبار.
- مشكل القرآن.
- مشكل الحديث، وغير ذلك.
الكتاب، مجلد واحد: وضعه مؤلفه للرد على أعداء أهل الحديث، فجمع الأخبار التي ادعوا عليها التناقض والاختلاف، وجمع بينهما وأجاب عما أوردوه من الشبه على بعض الأخبار المتشابهة أو المشكلة بادئ الرأي، وكتابه مطبوع في حوالي ثلاثمائة وأربع وخمسين صفحة من القطع المتوسط، ومعظم الأحاديث التي عرض لها هي مما يخص العقيدة وفروعها؛ لأنه يرد على أهل الكلام، فهو مرتبط بما يوردونه من اعتراضات أغلبها بعيد عن الأحكام العملية، وجل اعتماده في التوفيق أو الرد على أهل الكلام، والكشف عن معاني الأحاديث، وإزالة الإشكال عنها، على براعته في علم العربية التي بلغ فيها الغاية، لكنه في تصحيح الحديث وتضعيفه قد قصر باعه، ولم يحسن فيه؛ لأن علم الحديث ليس من صناعته، وإنما هو مقلد فيه، قال ابن كثير: ولابن قتيبية في مشكل الحديث مجلد مفيد، وفيه ما هو غث، وذلك بحسب ما عنده من العلم.
ثالثا: شرح مشكل الآثار للطحاوي
المصنف: الطحاوي ت 321هـ: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة، عاصر أصحاب الكتب الستة ومن كان في طبقتهم، أثنى عليه عدد من
العلماء، ومنهم ابن الأثير حيث يقول: كان إماما فقيها من الحنيفية وكان ثقة ثبتا أحصى له ما يزيد عن ثلاثين كتابا منها.
- شرح مشكل الآثار.
- شرح معاني الآثار.
- اختلاف الفقهاء.
وغير ذلك من الكتب.
الكتاب، شرح مشكل الآثار ستة عشرجزءا/ ستة عشر مجلدا: منهاج المؤلف في كتابه هو أنه يدرج حديثين تحت كل باب، ظاهرهما التعارض، ثم يورد أسانيدهما ويسرد طرقهما ورواياتهما ثم يبسط القول في مواضع الخلاف فيهما ثم يتناولهما بالشرح والبيان والتحليل حتى تأتلف معانيهما وينتفى عنهما الاختلاف ويزول التعارض، ومع أن كتاب الطحاوي أضخم من كتاب الشافعي -اختلاف الحديث- بدرجة كبيرة، إلا أنه تأثر به كثيرا كما مر.