الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبه في تشبيه الشمس بالمرآة في يد شلاء. هو الهيئة السابق ذكرها- وأحد الطرفين وهو "الشمس"- وإن أفرد لفظا- مقيد معنى بجملة قيود، هي الإشراق المتموج، والحركة السريعة المتصلة، والاستدارة- ولهذا صح أن يكون منزعا للهيئة المذكورة.
اختبار:
1-
فرق بين الوجه المركب "والمتعدد" ووضح ذلك بالأمثلة توضيحا تاما، واذكر لم كان المركب منزلا منزلة الواحد، ولم يكن واحدا حقيقة.
2-
قالوا: إذا كان وجه الشبه مركبا فالطرفان- إما مركبان: أو مقيدان أو مختلفان. ولا يصح أن يكون كلاهما، أو أحدهما مفردا صرفا- علل لهذه القاعدة موضحا بالمثال.
3-
أيت بتشبيهات أربعة فيها الوجه مركب -إما من طرفين مركبين كذلك، أو مفردين مقيدين، أو أحدهما أو أحدهما مركب، والآخر مقيد.
4-
علمت أن التشبيه في بيت بشار من قبيل المركب، فهل يصح تحويله إلى تشبيه متعدد، فيشبه النقع المثار بالليل، وتشبه السيوف اللامعة بالكواكب- علل لما تقول:
5-
علام استشهدوا بقول الشاعر:
كما أبرقت قوما عطاشا غمامة
…
فلما رأوها أقشعت وتجلت
التقسيم الثالث:
ينقسم التشبيه باعتبار حسية الوج، وعقليته إلى ثلاثة أقسام:
1-
ما يكون وجه الشبه فيه حسيا، أي مدركا بالحس الظاهر- مفردا كان، أو مركبا، أو متعددا.
فالمفرد الحسي "كالأشراق" في قولك: له وجه كالقمر" و"كالملاسة"
في قولك: "له خد كصفحة المرمر"، و"كالطيب" في قولك:"له عرف كريح العنبر"- إلىآخر ما تقدم من الأمثلة في الأمور الحسية.
والمركب الحسي: يكون طرفاه مركبين، أو مفردين مقيدين، أو مختلفين.
فالمركب الحسي ذو الطرفين المركبين: كما في بيت بشار: كأن مثار النقع الخ. فإن وجه الشبه فيه -على ما سبق- هو الهيئة الحاصلة من تساقط أجرام مشرقة، مستطيلة، مناسبة المقادير متناثرة في جوانب شيء مظلم؟ وهذه الهيئة حسية، تدرك أجزاؤها بحاسة البصر. والطرفان مركبان -كما ترى- إذ لم يقصد: تشبيه النقع بالليل، أو السيوف بالكواكب، بل المقصود: تشبيه الهيئة بالهيئة- كما سبق بيانه- وكما في بيت أبي طارق:
وكأن أجرام النجوم لوامعا
…
درر نثرن على بساط أزرق
فإن وجه الشبه فيه: الهيئة الحاصلة من أجرام متأنقة، مستديرة صغار المقادير في مرأى العين متناثرة على سطح جسم أزرق. صافي الزرقة- وهذه الهيئة أيضا حسية، تدرك أجزاؤها بحاسة البصر- والطرفان مركبان إذ المقصود: تشبيه هيئة النجوم اللوامع في أديم السماء: بهيئة الدرر المنثورة على بساط أزرق- وليس الغرض كما علمت: تشبيه الدرر بالنجوم، أو السماء بالبساط الأزرق.
والمركب الحسي ذو الطرفين المقيدين كما في قول الشاعر:
وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى
…
كعنقود ملاحية حين نورا1
1 "الثريا" اسم المجموعة النجوم متقاربة على وضع خاص، "الملاحية" بضم الميم وتخفيف اللام وقد تشدد كما هنا. عنب أبيض في حبه طول، ومعنى "نور" تفتح نوره، والمراد: أدرك نضجه. وإضافة عنقود إلى ملاحية بيانية، وقوله كما ترى يريد به، أن التشبيه حسب مرأى العين، لا بحسب الواقع فالكاف فيه بمعنى "علي".
فإن وجه الشبه فيه: هيئة اجتماع صور بيض، مستديرة، صغار المقادير -في مرأى العين، على وضع خاص1 وهذه الهيئة حسية- والطرفان هنا:"الثريا والعنقود" مفردان، روعى في كل منهما قيد خاص- ففي الأول روعي كونه في وقت الصبح، وروعي في الثاني كونه عنقود ملاحية، حين تفتح نوره، أي أدرك ونضج.
والمركب الحسي ذو الطرفين المختلفين -أفرادا وتركيبا- كما في قول الصنوبري:
وكأن محمر الشقيق إذ تصوب أو تصعد
…
أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد
فإن وجه الشبه فيه هيئة الأجرام الحمر، المنشورة على رءوس أجرام مستطيلة خضر، وهيه الهيئة حسية، تدرك أجزاؤها بحاسة البصر -والمشبه- كما ترى- مفرد لأنه اسم لمسمى واحد هو "الشقيق" لكن روعي فيه قيوده، من الاحمرار، والتوصب، والتصعد- والمشبه به مركب لأنه مجموع أمرين- الأعلام الياقوتية والرماح الزبرجدية. فالقصد فيه هيئة اجتماع هذين الأمرين- وكما في عكسه من قول أبي تمام:
يا صاحبي تقصيا نظريكما
…
تريا وجوه الأرض كيف تصور
تريا نهارا مشمسا قد شابه
…
زهر الربا فكأنما هو مقمر
فوجه الشبه هنا: هيئة اختلاط شيء أسود بشيء أبيض مشرق، وهذا الوجه مما يدرك بحاسة البصر -والمشبه مركب من النهار المشمس، وزهر الربا إذ القصد
1 أي لاهي منضمة شديدة الانضمام، ولاهي بعيدة شديدة البعد.
فيه إلى هيئة اجتماعهما -والمشبه به مفرد، وهو "الليل" المقيد بالوصف المذكور، إذ التقدير، فكأنما هو ليل مقمر.
المتعدد الحسي: هو ما تقدم في تشبيه فاكهة بأخرى، في الطعم والرائحة، واللون، فوجه الشبه كل واحد من هذه الثلاثة، وجميعها حسي، يدرك الأول منها بحاسة الذوق، والثاني بحاسة الشم، والثالث بحاسة البصر.
لكن قد يقال: أن وجه الشبه هو المعنى الذي يشترك فيه الطرفان فينبغي إذا أن يكون كليا ليتأتى فيه معنى الاشتراك- والحسي هو المدرك بإحدى الحواس، فلابد من وجوده في جسم معين خارجا، حتى يتأنى إداركه بالحاسة، "كالحمرة" القائمة بالخد أو الورد، ومثل هذا لا يكون إلا جزئيا والجزئي لا يتأنى فيه الاشتراك إذ يمتنع أن يوجد بعينه في محلين، وإذا فلا يصح أن يكون وجه الشبه حسيا.
ويجاب: بأن لا نزاع في أن وجه الشبه لا يكون إلا كليا ضرورة اشتراك الطرفين فيه، فوجه الشبه في نوح قولك:"خده كالورد" مطلق الحمرة وهو معنى كلي لا يدركه إلا العقل، ولا مدخل للحواس فيه- غير أن الموصف بالحسية إنما هو جزئيات هذا الكلي، كحمرة خد معين، أو حمرة ورد معين. وحينئذ فاطلاق وصف الحسية على وجه الشبه فيه نوع تسامح، من اطلاق ما للجزئي على الكلي.
2-
ما يكون وجه الشبه فيه عقليا، أي مدركا بالعقل- واحدا كان، أو مركبا أو متعددا- وهو أعم من التشبيه بالوجه الحسي- على ما سيأتي.
فالوجه الواحد العقلي طرفاه: إما عقليان، أو حسيان، أو مختلفان.
فالواحد العقلي طرفاه: إما عقليان، أو حسيان، أو مختلفان.
فالواحد العقلي ذو الطرفين العقليين "كالعراء عن الفائدة" في تشبيه وجود الشيء العديم النفع بعدمه "وكعظم الفائدة" في تشبيه العلم بالحياة.
والواحد العقلي ذو الطرفين الحسيين، "كالهداية" في قول النبي صلى الله عليه وسلم "أصحابي كالنجوم: بأيهم اقتديتم اهتديتم" و"كالإقدام" في تشبيه الرجل كالأسد، فالطرفان في المثالين حسيان.
والواحد العقلي ذو الطرفين المختلفين حسا وعقلا "كالهداية" في تشبيه العلم بالنور، فالمشبه عقلي، والمشبه به حسي -وكاستطابة النفس" في تشبيه العطر بالخلق الكريم، فالمشبه حسي يدرك بحاسة الشم، والمشبه به عقلي- والوجه في جميع ما ذكر عقلي- كما ترى.
والمركب العقلي كما في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} شبه حال اليهود المتنزعة من حملهم التوراة، بمعنى تكليفهم العمل بها، وكون المحمول مستودع العلم النافع لهم، وعدم حملهم لها، بمعنىعدم العمل بموجبها، والانتفاع بما فيها، مع تحملهم ما طلب إليهم، مما يثقل عليهم، ويشق على نفوسهم -شبه هذه الحال: بحال الحمار المتنزعة من حمله أوعية العلوم، ويشق على نفوسهم -شبه هذه الحال: بحال الحمار المتنزعة من حمله أوعية العلوم، وعدم انتفاعه بما يحمل، مع معاناته مشاق الحمل- ووجه الشبه بين الحالين "صورة الحرمان من الانتفاع بأبلغ نافع، مع معاناة الكد في استصحابه"- وهذه الهيئة عقلية، انتزعت من عدة أمور عقلية كذلك- غير أن الحمل في جانب "الحمار" حسي لأن المراد به: الحمل علىالظهر -بخلافه- في جانب "اليهود" فغن المراد به التكليف والطلب وكون بعض الأمور المتنزع منها حسيا لا يؤثر في عقلية الوجه- ومنه قول الشاعر:
والمستجير بعمرو عند كربته
…
كالمستجير من الرمضاء بالنار1
شبه حال من أصابته شدة، فالتجأ إلى عمرو، طمعا في الاحتماء به، فإذا عمرو أشد خطرا مما وقع فيه -شبه هذه الحال بحال من لدغته الرمضاء، ففزع
1 "الرمضاء" الأرض ذات الحرارة الشديدة من الرمض بالتحريك وهو شدة وقع أشعة الشمس على الرمل.
إلى ما هو أشد لذعة، وأنكى ألما، وهو النار -ووجه الشبه: الصورة المتزعة من الفرار من الضار والالتجاء إلى ما هو أضر عنه، طمعا في الانتفاع به، وهما -كذلك -أمران- عقليان.
والمتعدد العقلي: كما في تشبيه طائر بالغراب في حدة النظر، وكمال الحذر، واخفاء السفاد1، فوجه الشبه كل واحد من هذه الثلاثة، وجميعها مما لا يدرك بغير العقل- وكما في تشبيه إنسان بآخر في شجاعته وحلمه، وإيمانه.
3-
ما يكون وجه الشبه فيه مختلفا، بعضه حسي، وبعضه عقلي- كما في وجه الشبه المتعدد، كأن تشبه رجلا بآخر في طوله وجسامته، وحلمه، وشهامته، فوجه الشبه كل واحد من هذه الأربعة -غير أن الأولين منها حسيان، والآخرين عقليان- ومثله ما تراه في تشبيه إنسان مشرق الوجه بالشمس في حسن الطلعة، ونباهة الشأن، فالأول منهما حين والآخر عقلي.
تنبيهان:
الأول: اعلم: أن الوجه المختلف -حسا وعقلا- كما يكون في المتعدد كما مثلنا- يكون في المركب المنزل منزلة الواحد، باعتبار الأجزاء التي تركب منها كما في تشبيه الحسناء الوضيعة الأصل: بخضراء الدمن2 في حسن المنظر، مع سوء المخبر، فإن وجه الشبه مجموع الأمرين المذكورين وأحدهما حسي، والآخر عقلي- غير أن علماء البيان يعتبرون المركب من حسي وعقلي من قبيل العقلي، بتغليب العقل على الحس لاتساع أفقه، إذ يدرك المحسوسات والمعقولات- بخلاف الحواس فلا تدرك غير ما يقع تحت الحس- فالمركب حينئذ إما حسي فقط، أو عقلي فقط كما هو
1 "السفاد" بكسر العين نزو الطائر الذكر على أنثاه.
2 هي شجرة تنبت في معاطن الإبل والدواب تكون ناضرة بهيجة ولكن لا ثمر فيها.
الشأن في الوجه المفرد -أما الوجه المتعدد ففيه الأنواع الثلاثة كما عرفت.
اتلثاني: مما تقدم من الأمثلة تعلم: أن الوجه متى كان حسيا- مفردا كان أو مركبا، أو متعددا، أو كان بعضه حسيا كما في المتعدد- وجب أن يكون الطرفان حسيين أيضا- وذلك لسببين:
أحدهما: أنه لابد من قيام وجه الشبه بالطرفين تحقيقا لمعنى التشارك بينهما والحسي لا يقوم بغير حسي: "فالبياضط مثلا مما يدرك بحاسة البصر فلو جعل مشتركا بين شيئين وجب أن يكونا من المبصريات، حتى يتأتى قيام البياض بهما- كذلك "الملاسة" مما يدرك بحاسة اللمس، فلو جعلت موضع اشتراك بين شيئين. وجب أن يكون من الملموسات، حتى يتأتى قيام الملاسة بهما -وهكذا يقال في سائر المحسات.
ثانيهما: أنه لابد من إدراك الوجه في الطرفين ليتحقق لنا التشارك فيه، والحواس لا تدرك غير المحسات- فحاسة البصر لا تدرك إلا ما كان مبصرا، وحاسة اللمس لا تدرك إلا ما كان ملموسا
…
فحاسة البصر لا تدرك إلا ما كان مبصرا، وحاسة اللمس لا تدرك إلا ما كان ملموسا
…
وهكذا، ومحال أن تدرك هذه الحواس شيئا من المعقولات، فلا تبصر العين معنى "الكرم"، ولا تلمس اليد معنى الشجاعة، ولا تشم الأنف معنى الحلم، وما إلى ذلك من الأمور العقلية.
كذلك الحال إذا كان بعض الوجه حسيا، وبعضه عقليا كما في الوجه المتعدد -فلابد من قيام كل واحد من ذلك المتعدد بالطرفين، وإدراكه فيهما -كما قلنا- ليتحقق معنى التشارك، ويمتنع بداهة قيام الحسي بالعقلي، أو إدراكه فيه- كما بينا.
أما الوجه العقلي، فيصح على ما تقدم- أن يكون طرفاه عقليين، أو حسيين أومختلفين- فالعقليان كأن تشبه وجود الجاهل بعدمه في الخلو من الفائدة- والحسيان كأن تشبه قوي البأس بالجبل في الثبات- والمختلفان كأن تشبه السيرة
الحميدة بأريج المسك في ارتياح النفس لهما -أو العكس كأن تشبه أريج المسك بالسيرة الحميدة في المعنى المذكور- فارطفان في هذه المثل ما بين عقليين أو حسيين أو مختلفين، ووجه الشبه في الجميع عقلي- كما رأيت.
وإنما صح هذا التعميم في الوجه العقلي لجواز قيام المعقول بالمحسوس، كقيام معنى الفصاحة، "بسحبان"، وكقيام معنى الشاعرية "بحسان" -ولجواز أن يدرك العقل أمرا معقولا في شيء محسوس لادراك معنى "الشجاعة" في عنترة، وكادراك معنى "البخل" في مادر ومعنى "العي" في باقل- ومن هنا قالوا: أن التشبيه بالوجه العقلي أعم من التشبيه بالوجه الحسي- وقد عرفت وجهه.
صورة من بديع الوجه المركب الحسي:
الوجه المركب الحسي صور بديعة -وذلك: أنه قد ينتزع الوجه المذكور من هيئة حركة الجسم، أو من هيئة سكونه- والأول ضربان:
1-
أن يراعي مع الحركة شيء من أوصاف الجسم كالشكل واللون بحيث ينتزع الوجه من الأمرين جميعا: حركة الجسم، وشيء من أوصافه كما في قول الشاعر:
"والشمس كالمرآة في كف الأشل".
فإن وجه الشبه -على ما سبق- هو الهيئة المنتزعة من الحركة المتصلة مع الاستدارة، والإشراق المتموج المضطرب، بسبب حركة الجسم المذكورة فأنت تراه قد اعتبر مع حركة الجسم شيئا من أوصافه كاستدراته، وأنه ذو شعاع براق متموج، حتى أحدث هذا المنظر العجيب في مرأى العين: من انبساط تارة، وانقبضا أخرى- وأنك لو أنعمت النظر في الشمس لتبينت جرمه مؤديا هذه الهيئة، كما
تؤديها المرآة في كف الأشل1- ومثله قول الوزير المهلبي:
والشمس من مشرقها قد بدت
…
مشرقة ليس لها حاجب
كأنها بوتقه أحميت
…
يجول فيها ذهب ذائب2
فإن البوتقة إذا أحميت، وذاب فيها الذهب تشكل بشكلها في الاستدارة، وأخذ يتحرك بجملته تلك الحركة العجيبة، فيخيل إليك: أنه ينبسط حتى يوشك أن يفيض من جوانبها لما في طبعه من النعومة، ثم تراه كأنه يعود إلى الانقباض لما بين أجزائه من التماسك والاتصال، ولو نظرت إلى الشمس عند مطلعها لرأيت جرمها على هيئة ما يشاهد في البوتقة المذاب فيها لاذهب- فقد اعتبر هنا كذلك مع حركة الجسم المذكورة وصفه من حيث استدارته، وإشراقه، وقد انتزع الوجه من مجموع الأمرين كالذي قبله.
2-
ألايراعي مع الحركة شيء من أوصاف الجسم، فيكون الوجه متتزعا من حركة الجسم وحدها، وولابد لهذاالضرب من وجود حركات كثيرة للجسم غلى جهات مختلفة3 ليتحقق معنى التركيب في الوجه كما في قول ابن المعتز يصف البرق:
1 غير أننا نعلم أن الحركة السريعة في الشمس أمر خيالي لأنا نقطع بأن حركة الشمس ليست على ما نتخيل، وأولا هذا التخيل لرؤيت كالثابتة -بخلاف الحال في المرآة في كفي الأشل فإن الحركة المتصلة فيها أمر حقيقي.
2 "البوتقة" وعاء خاص يذاب فيه الذهب أو الفضة.
3 خرج بذلك حركة الرحى والسهم فلا تركيب فيها لأنها في اتجاه واحد -على أن إذا روعي مع هذه الحركة وصف الجسم من حيث استدارته واستقامته، وانتزع الوجه من المجموع كان مركبا.
وكأن البرق مصحف قار
…
فانطباقا مرة وانفتاحا1
فالمشبه "البرق"، والمشبه به "المصحف"، ووجه الشبه: هيئة مجموع الحركات المختلفة باختلاف الجهات- غير أن هذه الهيئة تحقيقية في المصحف، تخييلية في البرق، إذ لا انفتاح ولا انطباق فيه حقيقة، وإنما هو ظهور يعقبه خفاء، والعكس- إلا أنه يحكي في هذه الحالة: المصحف يفتحه القارئ تارة، ويطبقه أخرى، فهو -كما ترى- لم يعتبر في هذه الهيئة المنتزعة شيئا من أوصاف الجسم. وإنما راعى فقط تلك الحركات المختلفة النواحي عند انفتاح المصحف وانطباقه، وعند ظهور البرق واختفائه- ومثله تمام قول الشاعر:
والسحب تلعب بالبروق كأنها
…
قار على عجل يقلب مصحفا
هذا -وكلما كان التفاوت في الجهات التي تتحرك أبعاض الجسم إليها أشد كان التركيب في هيئة المتحرك أكثر.
ومن لطيف ذلك قول الأعشى يصف السفين في البحر، تتقاذفها الأمواج، فتضطرب وتتحرك إلى جهات مختلفة:
تقص السفين بجانبيه كما
…
يثب الرباح خلاله كرع2
شبه الشاعر: هيئة حركات السفينة حين تتقاذفها الأمواج، فترتفع بها تارة، وتنخفض أخرى، وتضطرب في جهات مختلفة -بهيئة حركات الفصيل في وثباته، فإن له حينئذ حركات متفاوتة، تصير لها أعضاؤه في جهات مختلفة من تسفل وتصعد، على غير نظام وترتيب، وفي سرعة خاطفة، بحيث لا يتبينه الطرف مرتفعا حتى يراه
1 "قار" بحذف الهمزة "والفاء" في قوله "فانطباقا" لتعليل التشبيه المستفاد من "كأن" ولبيان وجه الشبه بين البرق والمصحف.
2 "تقص" أي تثب في وزنه ومعناه و"الرباح" بضم الراء وتخفيف الباء الموحدة وفيها تشديد كرمان ومعناه الناقة، و"الكرع" بالفتح ماء السماء.
متسفلا -ووجه الشبه مجموع تلك الحركات المختلفة، والشاعر -كما تراه- لم يراع في هذه الهيئة شيئا من أوصاف الجسم، وإنما نظر فقط إلى هيئة تلك الحركات في اختلافها وتفاوتها.
ومن اللطيف في هذا المعنى أيضا قول الشاعر يصف روضة:
حفت بسرو كالقيان تلحفت
…
خضر الحرير على قوام معتدل
فكأنهما والريح تخطر بينها
…
تبغي التعانق ثم يمنعها الخجل1
تخيل الشاعر هذا النبات، والريح تعبث به، فتميل بعضه إلى بعض، ثم لا يلبث أن يعود إلى طبيعته من الاعتدال -تخيله كأنه جماعة الأحبة تريد أن تتعانق ثم لا تلبث أن يدركها الحياء، فيحول دون هذا العناق، وهو تخيل غاية في البداعة
- والشاهد فيه: أن وجه الشبه في البيت الثاني منتزع من هيئة حركة التهيؤ للدنو بغية العناق. وحركة الرجوع سريعا إلى أصل الافتراق، وتكررها مرة بعد أخرى دون ماعاة شيء آخر من أوصاف الجسم:
ومن هذا الضرب قول امرئ القيس:
مر مفر مقبل مدبر معا
…
كجلمود صخر حطه السيل من عل2
يقول: إن هذا الفرس لفرط ما فيه من قوة الدفع، وسرعة الانعطاف
1 "السرو" شجر له رواء ليس له ثمر، "القيان" جمع قينة وهي الجارية -مغنية كانت أو غير مغنية، و"التحلف" اتخاذ الشيء لحافا، و"القوام" القامة.
2 "مكر مفر" صيغتا مبالغة من السكر والفرو "الجلمو هو الصخر فالإضافة بيانية "حطه السيل" قذف به، و"من عل" أي من فوق
في إقباله وإدباره -أشبه الأشياء بجلمود صخر دفعه السيل من مكان عال. والحجر بطبعه يطلب جهة السفل، فإذا ما قذفته قوة دافعة، كان له عند سقوطه حركات سريعة، مختلفة الجهات.
والثاني: وهو ن ينتزع الوجه المركب الحسي من هيئة سكون الجسم -ضربان كذلك.
1-
أن يراعي مع هيئة السكون شيء من أوصاف الجسم، فيكون الوجه منزعا من مجموع الأمري: سكون الجسم، وشيء من أوصافه كما في قول الشاعر يصف مصلوبا:
كأنه عاشق قد مد صفحته
…
يود الوداع إلى توديع مرتحل
أو قائم من نعاس فيه لوثته
…
مواصل لتمطيه من الكامل1
فوجه الشبه -في البيت الأول- متنزع من هيئة سكون عنق المطلوب وصفحته ويديه حالا امتدادها، مع اصفرار الوجه- فقد روعي مع هيئة السكون المذكورة: اصفرار اللون بالموت، وهو من أوصاف الجسم، وتلك هي حال العاشق الماد عنقه، وصفحته، ويديه مفتوحتين عند توديع معشوقه -ووجه الشبه- في البيت الثاني- منتزع من هيئة السكون السابقة، مع اصفرار الوجه أيضا واسترخاء الجسم- فقد اعتبر مع هيئة السكون المذكورة وصفان من أوصاف الجسم: اصفرار اللون، والاسترخاء، وتلك هي حال القائم من النعاس متمطيا، مواصلا تمطيه، لما به من لوثة الكسل.
1 "الصفحة" باطن الكف أو جانب الوجه، والمراد أحد الأمرين، و"اللوثة" بضم اللام: الاسترخاء والتمطي، وهو ما يحدث عادة عقب الانتباه من النوم: مد الجسم وإطالته.
2-
ألا يراعي مع هيئة السكون شيء من أوصاف الجسم، فيكون الوجه منتزعا من هيئة السكون وحده -ولا بد في الضرب أيضا من تعدد أفراد هيئة السكون ليتحقق معنى التركيب في الوجه كما في قول المتنبي يصف كلب صيد حال جلوسه
يقعي جلوس البدوى المصطلى
…
بأربع مجدولة لم تجدل1
فوجه الشبه منتزع من هيئة مواقع الأعضاء في إقعاء الكلب، وفي جلسة البدوى المصطلى إذ يكون لكل عضو في الإقعاء، وفي الجلوس للاصطلاء موقع خاص، وللمجموع هيئة خاصة مؤلفة من تلك المواقع، ولم يراع في انتزاع الوجه شيء وراء ذلك من أوصاف الجسم- كما ترى- ومنه قول ابن الرومي يصف مصلوبا:
كأن له في الجو حبلا يبوعه
…
إذا ما انقضى حبل أتيح له حبل2
فإن وجه الشبه أيضا منتزع من هيئة مواقع الأعضاء في المصلوب، وفيمن صعد إلى مكان، يقيس بباعه حبلا أثر حبل، دون أن يراعي شيء من أوصاف الجسم.
اختبار:
1-
مثل لتشبيهين يكون وجه الشبه في أحدهما مفردا حسيا وفي الآخر مفردا عقليا.
1 "يقعي" من الإقعاء وهو الجلوس على الإليتين، "والمصطلي" المستدفئ بالنار، وقوله:"بأربع" يريد يديه ورجليه ومجدولة" محكمة الخلق، "ولم تجدل" أي لم يجدلها إنسان، والغرض: مدح الكاتب بشدة الحرص.
2 "يبوعه" يقيسه بالباع، وقوله:"إذا ما انقضى حبل أتيح له حبل" نظير قول الشاعر السابق: "مواصل لنمطيه من الكسل" في الدلالة على استدامه المشبه بالمصلوب لأنه إذا كان يبوع حبلا بعد حبل من غير توقف لم يقبض باعه ولم يرسل يده، وفي ذلك بقاء للمشبه بالمصلوب.