المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

93- العلاقة، وهل المعتبر فيها نوعها وشخصها، وجه لكل ما - المنهاج الواضح للبلاغة - جـ ٥

[حامد عونى]

الفصل: 93- العلاقة، وهل المعتبر فيها نوعها وشخصها، وجه لكل ما

93-

العلاقة، وهل المعتبر فيها نوعها وشخصها، وجه لكل ما تقول، مع التمثيل.

ص: 93

‌تقسيم المجاز المفرد:

قلنا فيما سبق- أن المجاز لا بد له من علاقة تصحح التجوز، وهي- كماسبق: المناسبة الخاصة بين المعنيين- الحقيقي، والمجازي.

وهو ينقسم -باعتبار هذه العلاقة- إلى مجاز مرسل، واستعارة.

فإن كان العلاقة بين المعنيين غير المشابهة- سمي اللفظ مجازا مرسلا، كلفظ "النبات" المستعمل في "الغيث" في نحو قولك:"أمطرت السماء نباتا" فإن العلاقة بين النبات والغيث السببية، إذ أن النبات مسبب عن الغيث.

وإن كانت العلاقة بين المعنيين "المشابهة" سمي اللفظ، "استعارة" كلفظ "القمر" المستعمل في الإنسان الجميل، في نحو قولك "بين بردية القمر" فإن العلاقة بين معنى القمر، والإنسان الجميل، الإنسان المذكور للقمر في الوضاءة والإشراق -وإليك بيان:

ص: 93

‌المجاز المرسل:

وهو ما كانت العلاقة فيه بين المعنيين غير المشابهة -والعلاقة فيه على أنواع شتى- وهاك أشهرها، وأكثرها استعمالا:

1-

السببية كما تقول: "رعت الماشية الغيث"، فليس المراد "بالغيث" معناه الحقيقي بقرينة: قولك: رعت" إذ أن الغيث لا يرعى. فالمراد به إذن: "النبات" فلفظ "الغيث" حيئذ مجاز مرسل، علاقته السببية، لأن الغيث سبب في النبات- ومثله قولك: "جلت يدك عندي" "وعمت أياديك الوردى"- فليس المراد: "باليد" في المثالين: معناها الحقيقي الذي هو "الجارحة" بقرينة قوله: "جلت" في المثال الأول، "وعمت" في الثاني، إذ لا معنى لعظم اليد، بمعنى الجارحة، كما أن لا معنى لعمومها -وإنما المراد بها: "النعمة" فاليد في المثالين مجاز مرسل، علاقته السببيه، لأن اليد سبب في وصول النعمة إلى مستحقيها- ومنه قول أبي الطيب المتنبي:

ص: 93

له أياد على سابغة

أعد منها ولا أعددها

يقول: إن الممدوح على نعما شاملة، يعد وجودي منها، ولا أستطيع حصرها ومثال ذلك أيضان قوله تعالى:"يد الله فوق أيديهم" فليس المراد "باليد":معناها الحقيقي، بقرينة استحالة أن لله يدا، ولأنه لا معنى لكون اليد بمعنى "الجارحة، فوقديد أخرى، بل المراد بها: القدرة على معنى: قدرة الله لا تدانيها قدرة-فلفظ اليد في الآية إذن مجاز مرسل، علاقته السببية، لأن أكثر ما يظهر سلطان القدرة في اليد، إذ بها البطش، والضرب، والقطع والدفع، وغير ذلك مما يعتبر أثرا من آثار القدرة.

2-

المسببية: كما في قولك: "أمطرت السماء نباتا"، فليس المراد "بالنبات" معناه الحقيقي، بقرينة قوله:"أمطرت"، إذ أن النبات لا يمطر، وإنما المراد به "الغيث"، فالنبات إذن مجاز مرسل، علاقته المسببية، إذ أن النبات مسبب عن الغيث- ومثله قوله تعالى:{يُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} أي ماء، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} يريد: مالاحراما فقد عبر في الآية الأولى عن الماء بالرزق، وعبر في الثانية عن المال الحرام، "بالنار مجازا مرسلا، علاقته المسببية، إذا أن الرزق في الأولى مسبب عن الماء، والنار في الثانية مسببة عن أكل المال الحرام، والقرينة في الأولى قوله: "ينزل من السماء لأن أرزاق الناس لا تنزل بذاتها من السماء، والقرينة في الثانية قوله:"يأكلون في بطونهم" لأن النار لا تؤكل في البطون.

3-

اللازمية1 كما تقول: "بزغ الضوء" فليس المراد: المعنى الحقيقي للضوء بقرينة لفظ "البزوغ" لأنه وصف لجرم الشمس لا للضوء، "فالضوء" إذن مجاز مرسل يراد به "الشمس" علاقته اللازمية، لأن الضوء لازم للشمس يلزم من وجود الشمس وجود الضوء- ومثله: قولك "نظرت إلى الحرارة فليس المراد بالحرارة: معناه الحقيقي، بقرينة "نظرت" لأن الحرارة لا ترى

1 ليس المراد باللزوم عدم الاحتكاك بل المراد به مطلق ارتباط.

ص: 94

بالباصرة، وإنما المراد: النار، ففي "الحرارة" مجاز مرسل علاقته اللازمية، لأن الحرارة توجد حتما عند وجود النار.

4-

الملزومية كما تقول: "دخلت الشمس من الكوة"1، فليس المراد من الشمس: المعنى الحقيقي الذي هو الجرم المعروف، بقرينة قوله:"دخلت"، إذ ليس الدخول من صفات الجرم المذكور، وإنما المعنى الحقيقي للشمس ملزوم للضوء، يوجد حتما عند وجودها- ومثله قولك:"ملأت الشمس الغرفة" تريد ملأ الضوء، بقرينة "ملأت".

5-

الكلية كما في قوله تعالى: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ} فليس المراد بالأصابع: معناها الحقيقي، بقرينة استحالة إدخال الأصبع كلها في الأذن عادة، وإذن فالمراد بها "الأنامل" التي هي أطراف الأصابع، "فالأصابع" حينئذ مجاز مرسل، علاقته الكلية، إذ أن الأصابع كل للأنامل- ومثله قولك:"أكلت نبات الأرض، وشربت ماء النيل". فقد أطلق اسم الكل، وهو "النبات أو الماء"، وأريد الجزء، بقرينة "أكلت" في الأول "وشربت" في الثاني لاستحالة أكل الكل، أو شربه.

6-

الجزئية كما في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فليس المراد بالرقبة: الجزء الخاص بها فقط، بدليل "التحرير"، لأنه إنما يكون للذات كلها، لا لجزء منها، إذ أن العنق لا يتجزأ- وإنما المراد بها: الذات كلها، فالرقبة إذن مجاز مرسل، علاقته الجزئية، لأن الرقبة جزء من العبد- ومثله قول الشاعر:

كما بعثنا الجيش حرا

را وأرسلنا العيونا

فليس المراد بالعيون: حقيقتها بقرينة "أرسلنا" لاستحالة إرسال العيون

1 "الكوة" بفتح الكاف وقد تضم، الفتحة في الحائط.

ص: 95

وحدها، وإذن فقد عبر بالعيون عن الجواسيس مجازا مرسلا، علاقته الجزئية، لأن العين جزء من الجاسوس-ومثله كذلك إطلاق القافية على القصيدة، في قول معن بن أوس المزني1 في ابن أخته:

أعلمه الرماية كل يوم

فلما اشتد2 ساعده رماني

وكم علمته نظم القواقي

فلما قال قافية هجاني

الشاهد في البيت الثاني حيث عبر بالقافية، وأراد: القصدية، بقرينة لفظ "قال" لأن معناه:"نظم"، والنظم إنما يكون للقصائد كما لا يخفى- فلفظ قافية" إذن مجاز مرسل، علاقته الجزئية، إذا أن القافية جزء من القصيدة.

غير أنه يشترط لعلاقة الجزئية- غالبا- أحد أمور ثلاثة:

الأول: أن يكون انتفاء الجزء مستلزما لانتفاء الكل كما في إطلاق الرقبة على الذات، في المثال الأول، إذ ليس من شك: أن إتلاف الرقبة إعدام الذات، فلا يصح حينئذ: إطلاق اليد، أو الرجل، أو الأنف على الذات، مجازا مرسلا علاقته الجزئية، لأنها أجزاء لا يستلزم انتفاؤها انتفاء الذات عادة، ولا نتوقف عليها حياتها.

الثاني: أن يكون للجزء مزيد اختصاص بالمعنى المقصود من الكل، كما في إطلاق العين على الرقيب "في المثال الثاني" فإن المعنى المقصود من الرقيب: هو الاطلاع والتجسس، ولا شك أن للعين مزيد اختصاص في تحقيق هذا الغرض، إذ بانعدامها لا يتحقق معنى الرقابة -فإطلاق "اليد" مثلا على الرقيب مجازا مرسلا لا يجوز، إذ ليس لها مزيد اختصاص بالمعنى المراد من الرقيب.

1 هو شاعر مخضرم يجيد القول في باب الحكم، وفي الشعر الخلقي.

2 يروى بالسين المهملة من التسديد في الرأي الإصابة فيه.

ص: 96

الثالث: أن يكون الجزء أشرف بقية الأجزاء كما في إطلاق القافية على القصيدة في "المثال الثالث" إذ لا ريب أن القافية هي الأساس الذي تبنى عليه القصيدة، فهي إذن أشرف التفاعيل، وأولاها بالاعتبار فلا يجوز إطلاق أي جزء آخر من أجزاء البيت على القصيدة مجازا مرسلا. إذ ليس له من الاعتبار ما للقافية، وقد علمت أن هذه الشروط في الحالة الغالبة.

7-

الحالية: كما في قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} فليس المراد بالنعيم: معناه الحقيقي الذي هو "معنى المتعة" بقرينة الظرفية، إذ لا معنى لا يحل الإنسان في معنى من المعاني، وإنما المراد به: مكان النعيم أي "الجنة "وإذن فإطلاق النعيم على مكانه مجاز مرسل علاقته الحالية، إذ النعيم حال في الجنة -ومثله قوله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ، أي خذوا لباسكم، فعبر عن اللباس بالزينة مجازا مرسلا" علاقته الحالية، لحلول الزينة في اللباس- والقرينة قوله: "خذوا، لأن الزينة لا تؤخذ- ومنه قوله الشاعر:

ألما على معنى وقولا لقبره

سقتك الغوادي مربعا بعد مربع1

يريد: ألما على فبر معن، أي أنزلا به- أطلق اللفظ وأراد المكان، إذ لا معنى لأن يحل إنسان بآخر، خصوصا إذا كان معدوما كما هنا.

8-

المحلية: كما في قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه} 2 فليس المراد من النادي: معناه الحقيقي الذي هو مكان الاجتماع لقرينة قوله: "فليدع" لاستحالة دعاء الأمكنة وإنما المراد: أهل النادي، وهم نصراؤه وعشيرته- ففي "ناديه" مجاز مرسل علاقته المحلية، إذ أن النادي محل لأهله يجتمعون فيه- ومثله قوله سبحانه:"واسأل أهل القرية" أي أهلها، ففيه كسابقه مجاز مرسل، علاقته المحلية، إذا أن القرية محل ساكنيها وقرينته استحالة سؤال الأماكن والأبنية- ومنه قولهم: أمليت القلم من الدواة، أي

1 "الغوادي" جمع غادية وهي السحابة تمر غدوة، والمربع المنزل والأحسن أن تكون اسما مأخوذا من أربعة والمعنى: سقتك الغوادي أربعة أيام متوالية أثر أربعة أخرى والغرض الدعاء بكثرة السقيا للقبر.

2 نادى القوم مجتمعهم كالمنتدى.

ص: 97

من المداد، أطلق اسم المحل وأريد الحال، بقرينة "أمليت"،- ومنه "الصرف المعهد" تريد: طلابه

وهكذا وكل هذه الأمثلة، وما يماثلها مبني على أحد احتمالين1.

9-

الآلية كما في قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} فليس المراد باللسان: معناه الحقيقي الذي هو الجارحة.. بقرينة استحالة بقاء هذه الجارحة فمن يأتي من الأمم بعد، وإنما المراد به: الذكر الصادق، والثناء العاطر، ففي اللسان مجاز مرسل، علاقته الآلية، لأن اللسان بمعنا الحقيقي آلة وواسطة الذكر الحسن- ومثل الآية قول الشاعر: "أتاني لسان منك لا أستسيغه، أي ذكر لا يسر، أطلق عليه اللسان لأنه آلته- ومنه قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} ، وقوله تعالى:{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك} - عبر باللسان في الآيتين عن اللغة لأنه آلتها.

10-

اعتبار ما كان كما في قوله تعالى: {وَآَتُوا الْيَتَامَى 2 أَمْوَالَهُمْ} فليس المراد باليتامى: المعنى الحقيقي، بدليل الأمر بدفع الأموال إليهم، بتمكينهم منها بالتصرف فيها: إذ أن ذلك لا يكون إلا بعد البلوغ، حتى يحسنوا التصرف فيما يدفع إليهم من مال مورثيهم، وإذن فالمراد باليتامى: البالغون منهم، وحينئذ فإطلاق اليتامى على البالغين الراشدين مجاز مرسل، علاقته اعتبار ما كان- ومنه قولهم: أكلنا قمحا وشربنا بناء ولبسنا قطنا" ونحو ذلك مما يكون التعبير فيه باعتبار ما كان.

11-

اعتبار ما يكون كما في قوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} - فليس المراد من الخمر: معناها الحقيقي- بدليل ذكر "العصر" لأن الخمر عصير، والعصير لا يعصر، وإنما يريد: عنبا يئول عصيره إلى خمر- وإذن ففي لفظ "خمر" مجاز مرسل، علاقته "اعتبار ما يكون"، أي ما يئول إليه العنب من الاختمار- ومثله قوله

1 والاحتمال الآخر أن يكون من قبيل المجاز بالحذف على تقدير مضاف، وحينئذ لا يكون في الكلام تجوز في المعنى.

2 جميع يتيم، وهو من الإنسان صغير فقد أباه، ومن الحيوان رضيع فقد أمه.

ص: 98

تعالى: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} أي وليدا، يئول أمره إلى هذه الحالة- بقرينة قوله:"ولا يلدوا" إذ لا يمكن أن يكون فاجرا في فجر ولادته.

12-

المجاوزة كما في إطلاق لفظ "الرواية" على القربة في قولهم: "خلت الرواية من الماء" يريدون: خلت القربة- ومعنى الرواية في الصل: الدابة يستقى عليها، فليس المراد من الراوية حينئذ: المعنى الحقيقي الذي هو الدابة، بدليل قوله:"خلت" لأن الذي يخلو من الماء إنما هو الوعاء لا الحيوان، وإذن فالمراد به: القربة مجازا مرسلا، علاقته المجاورة الدابة للقربة عند الحمل.

ومنه قول الشاعر:

فشككت بالرمح الأصم ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرم

يريد: شككت بالرمح جسمه أي طعنته -فليس المراد من "الثياب" معناها الحقيقي، بقرينة قوله:"شككت"، إذ المراد بالشك: الطعن، وهو إنما يكون في الأجسام، لا في الثياب، فهو إذن مجاز مرسل علاقته المجاورة التامة وأي مجاورة أتم من الثياب للجسم؟ - ومما علاقته المجاورة: إطلاق اللفظ على المعنى، أو العكس، في نحو قولك:"فهمت اللفظ" وتريد: معناه، أو "قرأت المعنى" وتريد: اللفظ، وذلك لشدة الربط بين الدال والمدلول- ومنه إطلاق الظن على العلم، أو العكس لتقاربهما في المعنى. فهما متجاوران.

13-

التقييد والإطلاق: هو أن يكون الشيء مقيدا فيطلق عن قيده كما في إطلاق "المشفر" على شفة الإنسان، في نحو قولك:"مشفر زيد يسيل دما" تريد: شفته- "فالمشفر" في الأصل للبعير خاصة، ثم أطلق عن هذا القيد، وأريد منه: مطلق شفة، فصح إطلاقه على شفة زيد، باعتبارها أحد أفراد هذا المطلق، فيكون مجازا مرسلا علاقته التقييد والإطلاق -ومثله إطلاق "المرسن" على أنف الإنسان- فالمرسن- في

ص: 99

الأصل: أنف الحيوان، إذ هو موضع الرسن منه/ ثم أطلق عن قيده، وأريد منه: مطلق أنف، فصح أطلاقه على أنف الإنسان، باعتباره أحد أفراد هذا المطلق، فهو -كذلك- مجاز مرسل علاقته التقييد والإطلاق.

هذا: ويصح في مثل هذين المثالين: أن تكون العلاقة المشابهة، وحيئنذ يكون اللفظ "استعارة" بأن شبه شفة فلان مثلا بمشفر البعير في الغلظ والتدلي، ثم يستعار لها لفظ "المشفر"- ومثل هذا يقال في "المرسن" فاللفظ الواحد قد يكون مجزا مرسلا واستعارة باعتبارين فغن اعتبرت العلاقة غير المشاهبة كان اللفظ مجازا مرسلا، وإن اعتبرت العلاقة المشاهبة كان اللفظ استعارة- والعبرة بقصد المتكلم وإرادته، فإن لم يعلم قصده: بأن لم تقم قرينة عليه احتمل اللفظ الأمرين.

إلى غير ذلك من علاقات المجاز المرسل، فهي لا تقف عند هذا العدد، وإنما أحصينا لك أشهرها، وأكثرها استعمالا.

وسمي مجازا مرسلا لأنه أرسل، أي أطلق عن التقيد بعلاقة واحدة، بل له علاقات عدة- كما رأيت- أو لأنه أرسل عن دعوى الاتحاد المعتبرة في الاستعارة إذ ليست العلاقة فيه بين المعنين المشابهة حتى يدعى اتحددهما- وإنما لم يسم "استعارة" مع أن اللفظ فيه منقول ومستعار من معناه الأصلي إلى المعنى المراد كما في الاستعارة- لأن هذه التسمية مجرد اصطلاح، قصد به: التفرقة بين نوعين من المجاز مختلفي العلاقة.

تشبيهان:

الأول: اعلم أن القصد من العلاقة في المجازر المرسل: أن يتحقق ارتباط بين الشيئين على أي وجه- فإطلاق الدال على لمدلول مثلا في قولك: "فمهت اللفظ" تريد: معناه هو مجاز مرسل، علاقه يصح أن تكون "المجاورة" على ما سبق- باعتبار أن الدال مجاور للمدلول- ويجوز أن تكون العلاقة المحلية، على اعتبار أن الدال محل للمدلول إذ الألفاظ -كما يقولون- قوالب للمعاني- وإطلاق الثياب على الجسم في قول الشاعر المتقدم:"فشككت" بالرمح الأصم ثيابه"

مجاز مرسل،

ص: 100

يصح أن تكون علاقته "المجاورة" على اعتبار أن الثياب لاصقة بلابسها، فهي مجاورة له مجاورة تامة- ويجوز أن تكون العلاقة "المحلية" باعتبار أن الثياب محل للابسها- وإذن فنوع العلاقة ليس وقفا على ما ذكرنا، وإنما يرشد إليها الذوق، ويدلك عليها فهم الكلام.

الثاني: مما تقدم يعلم أن المراعي في علاقات المجاز المرسل: جانب المعنى المنقول عنه اللفظ، فإن كان المنقول عنه سببا في المنقول إليه كانت العلاقة السببية، وإن كان مسببا كانت العلاقة المسببي.. وهكذا. فالعلاقة في نحو:"رعينا الغيث""السببية" لأن المعنى المنقول عنه لفظ "الغيث" سبب في المعنى المنقول إليه الذي هو "النبات" والعلاقة في نحو "أمطرت السماء نباتا" المسببية لأن المعنى المنقول عنه لفظ "النبات" مسبب عن المعنى المنقول إليه، وهو "الغيث".

وإنما روعي في العلاقة: جانب المعنى المنقول عنه اللفظ، لأنه الأصل، فهو أولى بالمراعاة، وهذا الرأي أرجح الآراء.

اختبار:

1-

بأي اعتبار ينقسم المجاز المفرد إلى مجاز مرسل واستعارة؟ وضح ذلك بالمثال.

2-

عرف المجازر المرسل ومثل له من إنشائك بثلاثة أمثلة مختلفة العلاقات، مع بيان علاقة كل، وقرينته -وما علاقة المجاز في قوله تعالى:{يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} ؟

3-

بين علة تسميته مرسلا، ولم لم يسم استعارة، مع أن اللفظ فيه مستعار- كما في الاستعارة- من معناه الأصلي إلى معنى آخر؟

تمرينات منوعة:

1-

بين المجاز المرسل ووضح علاقته وقرينته في الآبيات الآتية:

1-

وكنت إذا كلفت أتتك عديمة

ترجى نوالا من سحابك بلت

ص: 101

2-

بلادي وإن جارت على عزيزة

وقومي وإن ضنوا على كرام

3-

فهمت الكتاب أبر الكتب

فسمعا لأمر أمير العرب

4-

وما من يد إلا يد الله فوقها

ولا ظالم إلا سبيلي بظالم

5-

رأيتك محض الحلم في محض قدرة

ولو شئت كان الحلم منك الهمند1

2-

بين علاقات المجاز المرسل في الأمثلة الآتية:

بثت الحكومة الأمن في ربوع البلاد من الناس من يأكل القمح، ومنهم من يأكل اذرة والشعير. قرر المجلس الأعلى كذا. أقمنا في هناءة ورفاية. {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} ، أرانا الله وجوهكم في خير.

سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا

بأنني خير من تسعى له قدم

3-

حول ما يأتي إلى مجاز مرسل، مع بيان العلاقة والقرينة:

غرست بذور الورد في البستان، كذاك يعادي أهل العلم من هو جاهل. قام سكان البلاد وقعدوا لهذا النبأ. تجري الرياح بما لا تشتهي وبابين السفن. حكم قاض المحكمة بكذا. شربنا عصير العنب.

4-

رد المجاز المرسل إلى حقيقته فيما يأتي من أمثلة:

"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه"، ومن قتل قتيلا فله سلبه. ألقى القائد كلمة في الجنود. طحنت خبزا. أكلت دم القتيل.

1 "المحض" الخالص، و"الهند" السيف الهندي والمراد به الحرب، يقول: رأيتك خالص الحلم في قدرة لايشوبها عجز ولو شئت أن تجعل الحرب مكان الحلم لفعلت.

ص: 102