المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إلى غير ذلك من روائع التشبيه وفضائله، حتى إنك لتجد - المنهاج الواضح للبلاغة - جـ ٥

[حامد عونى]

الفصل: إلى غير ذلك من روائع التشبيه وفضائله، حتى إنك لتجد

إلى غير ذلك من روائع التشبيه وفضائله، حتى إنك لتجد فيه من قوة تأثيره في النفس، ومبلغ أسره للقلب مالا تقوى على دفعه، وهو فوق ذلك يكسب اللفظ حلاوة وطلاوة، ويضفي على المعنى من الروعة وإليهاء، ما يبهر القلب، ويأسر اللب.

ص: 12

‌تعريف التشبيه:

هو -في اللغة: الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى -ومعناه- في الاصطلاح: الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى1 بإحدى أدوات التشبيه لفظا، أو تقديرا -فالأمر الأول هو "المشبه" والثاني هو "المشبه بـ" ويسميان الطرفين، والمعنى المشترك بينهما يسمى:"وجه الشبه" كما تقول: "القواد البواسل كأسود الشرى في الجرأة"، ففي هذه دلالة على مشاركة أمر هو "القواد البواسل"، لأمر هو "أسود الثرى" في معنى هو "الجرأة" بإحدى أدوات تشبيه وهي "الكاف".

ويجوز حذف الوجه مع بقاء الأداء فتقول: "القواد البواسل كأسود الشرى" ويجوز العكس، أي حذف الأداء، مع بقاء الوجه، فتقول:"القواد البواسل أسود الشرى في الجرأة" ويجوز حذفهما جميعا، فتقول: القواد البواسل أسود الشرى -ويكون المشبه به في الصورتين الأخيرتين أحد الأنواع الآتية:

أ- يكون خبرا للمشبه كما مثلنا من نحو "القواد البواسل أسود الشرى""بدعوى الاتحاد بين الطرفين مبالغة في التشبيه -وكما في قولهم: "فلان بطانة فلان" مبالغة في تشبيهة ببطانة الثوب في قوة الملازمة، وقد يحذف المشتبه في هذه الحالة لقرينة كما في قول عمران بن حطان2:

1 احترز به عن المشاركة في عين فلا يسمى تشبيها.

2 هو من شعراء الخوارج، ويؤثر عنه أنه لم يكذب في شعره قط قالت له امرأته يوما: ألم تزعم أنك لا تكذب في شعرك؟ قال بلى.. فقالت: أرأيت قولك:

وكذلك مجزأة بن ثو

ر كان أشجع من أسامه

أيكون رجل أشجع من أسد؟ قال لعم: إن مجزأة بن ثور فتح مدينة كذا والأسد لا يقدر على ذلك.

ص: 12

أسد علي وفي الحروب نعامة

فتخاء تنفر من صغير الصافر1

يريدك هو أسد، وكقوله تعالى:"صم بكم عمي فهم لا يعقلون" على تقدير: هم صم..إلخ.

ب- يكون خبرا لما دخل على المشبه من النواسخ. أو مفعولا ثانيا له.

فالأول نحو قولك: "كان محمد شجي في حلوق أعدائه، وقذى في حيوان حساده"، فكل من "شجي" وقذى" مشبه به، وقد وقع خبرا "لكان" -ومنه قول البحتري:

بنت بالفضل والعلو فأصبحت سماء وأصبح الناس أرضا

فكل من "سماء وأرضا" مشبه به، وكلاهما واقع خبرا لأصبح.

والثاني نحو قول الشاعر:

حسبت جماله بدرا منيرا

وأين البدر من ذاك الجمال؟

وكما تقول: حمل خالد على الأعداء، فخلته أسدا، فكل من "بدرا وأسدا" مشبه به، وقع وقع الأول مفعولا ثانيا "لحسب"، ووقع الثاني مفعولا ثانيا "لخال".

جـ- يكون حالا من المشبه، أو صفة له- فالأول كقولك:"كر عنترة على الأعداء أسدا" فلفظ أسدا" هو المشبه بهن وقد وقع حالا من عنترة -ومنه قول الشاعر:

بدت قمرا ومالت خوط بان

وفاحت عنبرا ورنت غزالا2

1 "فتخاء" مؤنث أفتخ من الفتخ بالفتح، وهو استرخاء المفاصل ولينها يريد نعامة مسترخية الجناحين.

2 "الخوط" بضم الخاء الغصن، و"البان" نوع من الشجر، و"رنت" من الرلو وهو إرادة النظر.

ص: 13

فالمشبه ضمير المرأة المستتر في الأفعال المذكورة، والمشبه به هو ما ذكر من تلك الأحوال -والثاني نحو "جلست إلى محمد فإذا هو رجل بحر"، تريد: في العلم "فبحر" مشبه به وهو وصف لرجل.

د- يكون مضافا للمشبه كما تقول: "لؤلؤ ثغره يبهر العين، وورد خده يتضوع أريجا" تريد: ثغيره الشبيه باللؤلؤ، وخده يبهر العين، وورد خده يتضوع أريجا" تريد: ثغيره الشبيه باللؤلؤ، وخده الشبيه بالوردن ويقول الشارع:

أقحران معانق لشقيق

كثغور تعض ورد الخدود1

يريد: الخدود الشبيهة بالورد في الحمرة، ومنه قول الشاعر:

والريح تعبث بالغصون وقد جرى

ذهب الأصيل على لجين لماء2

يريد: الماء الشبيه باللجين في البياض والصفاءن وقد أضيف المشبه به في هذا المثل كما ترى.

هـ- يكون مصدرا مبينا لنوع المشبه كما في قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} أي تمر مرًا كمر السحاب في سرعتها، فالمشبه هو المصدر المحذوف، وقد بين نوعه بالمشبه به الذي هو المصدر المذكور المضاف -ومثله قول أبي العلاء3.

هرب النوم عن جفوني فيها

هرب الأمن عن فؤاد الجبان

يريد: هربا كهرب الأمن -وكأن تقول: فلان يهدر هدير الحمام، ويزأر زئير الأسود، ومثل هذا أكثر من أن يحصى.

1 الأقحوان: بضم الهمزة والحاء نبت ذر رائحة طيبةن والشقيق نبت ذر زهر أحمر.

2 "الأصيل" هو الوقت ما بين العصر إلى الغروب، وهو وقت تعتدل فيه الريح واللجين الفضة.

3 هو أحمد بن عبد الله سليمان المعري الشاعر الفيلسوف، عربي النسب وبيته بيت علم وقضاء، قال الشعر وعمره إحدى عشرة سنة وقبل موته أوصى أن يكتب على قبره:

هذا جناه أبي علي

وما جنيت على أحد

ص: 14

و ويكون مبينا بالمشبه -كما في قول الشاعر:

فما زلت في ليلين شعر وظلمة

وشمسين من خمر ووجه حبيب

فالمشبه به في الشطر الأول هو "الليل" وقد بين بالمشبه، وهو "الشعر" والمشبه به في الشطر الثاني هو "الشمس" وقد بين المشبهين: الخمر ووجه الحبيب- ومثله تماما الشطر الأول من قول الشاعر:

ودخلت في ليلين فرعك والدجى

ولئمت كالصبح المنور فاك1

وعليه قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، فالمشبه به هوالخيط الأبيضن وقد بين بالمشبه، وهو "الفجر" يريد: حتى يبدو لكم الفجر كالخيط الأبيض- ولزم بطريق المقابلة: أن يشبه الليل بالخيط الأسود ليكون المعنى: حتى يتبين لكم بياض النهار من سواد الليل.

إلى هنا وضح لك من كل هذه الأمثلة والشواهد. أنه لا بد في التشبيه الاصطلاحي من ذكر الطرفين، ولن تقديرا2، على وجه ينبئ عن التشبيه: بألا يستقيم المعنى إلا بالحمل على التشبيه كما في الأمثلة المذكورة -وأنه لا بد فيه من أداة التشبيه ملفوظا بها، أو مقدرة في الكلام- على ما رأيت.

ولهذا لا يعتبر من التشبيه الاصطلاحي3: الاستعارة بأنواعها- عل ما سيأتي كما لا يعد منه: التشبيه على طريق التجريد، في بعض صوره، وهو ما كان المنتزع فيه غير المنتزع منه كما تقول:"لقيت بخالد أسدا، وغمرني منه بحر". فقد بولغ في تشبيه خالد بالأسد حتى جعل أصلا جرد منه أسد -كما بولغ في تشبيهه بالبحر، بحيث جعل

1 قائله أحمد شوقي، "والفرع" الشعر وسمى بذلك لأنه متفرع من الإنسان والدجى" جمع دجية وهي القطعة من الليل.

2 كما سبق في بيت ابن حطان. أسد علي إلخ، وفي آية: صم بكم إلخ.

3 أما التشبيه بالمعنى اللغوي فلا تخرج الاستعارة عنه.

ص: 15