الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجاز المركب:
قلنا -فيما سبق- أن المجاز على نوعين: مفرد ومركب، وقد فرغنا من الكلام في المفرد، وهاك بيان المجاز المركب.
تعريفه: هو ما ذهب إليه أعلام البيان، اللفظ المركب المستعمل فيما شبه بمعناه الأصل، تشبيه تمثيل مبالغة.
ومقتضى هذا التعريف: أن المجاز المركب عندهم لا يجري في غير الاستعارة، غير أن القياس لا يمنع أن يجري في غيرها، كالجمل الخبرية المقصود بها: معنى إنشائي كما في قول الشاعر:
مضت الليالي البيض في زمن الصبا
…
وأتى المشيب بكل يوم أسود
وإذن فمقتضى القياس: أن يعرف المجاز المركب: بأنه اللفظ المركب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي. مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي -وهو- باعتبار هذه العلاقة نوعان:
1-
مجاز مركب علاقته المشابهة، ويسمى:"تمثيلا"1، واستعارة تمثيلية.
2-
مجاز مركب علاقته غير المشابهة، ويسمى مجازا مركبا مرسلا.
1 إذا أطلق لفظ التمثيل انصرف إلى الاستعارة التمثيلية، فإذا أريد التشبيه ذو الوجه المركب قيل تشبيه التمثيل، أو تشبيه تمثيلي.
الاستعارة التمثيلية:
هي اللفظ المركب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي. كما تقدم في التشبيهات المركبة، أي: في الهيئات المنتزعة من أمور متعددة، إذا استعير فيها لفظ المشبه به للمشبه.
كما تقول وأنت تنظر إلى الشمس. أرى مرآة في يد شلاء، تريد هذا الجرم الخاص، فقد شبهت هيئة الشمس السابق ذكرها: بهيئة المرآة في كف أشل، بجامع الهيئة الحاصلة في كل، ثم استعير المركب الموضوع للمشبه به للمشبه، على سبيل الاستعارة التمثيلية، والقرينة الحالية.
وكما تخبر عن إنسان يحاول أمرا لا يحصل منه على غاية: "رأيت من يرقم على الماء"، فهذا المركب غير مستعمل في معناه الوضعي، إذ إن المحدث عنه لا يرقم على الماء ولكن حاله وهو يعالج أمرا لا نتيجة له: تشبه حال من يرقم على الماء فصح استعمال هذا المركب في الرجل المذكور لتشابه الحالين.
من ذلك ما كتبه الوليد بن يزيد، حين بويع بالخلافة إلى مروان بن محمد وقد بلغه توقفه عن البيعة له:"أما بعد: فإني أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى1" وحقيقة الكلام: إني أراك متحيرا في أمرك، مترددا فيه، وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبهت هيئة تردده في قبول البيعة بين الإقدام والإحجام بهيئة رجل قام ليذهب إلى جهة، فتارة يعقد النية على الذهاب فيقدم رجلا، وتارة يعدل، فيؤخرها ثانيا. والجامع: الهيئة الحاصلة بين إقدام تارة، وإحجام أخرى، ثم استعير المركب الموضوع للمشبه به للمشبه استعارة تمثيلية، والقرينة حالية، إذ إن المتردد المذكور لا يقدم رجلا ولا يؤخرها فحاله على غير ما يدل عليه التركيب وضعا.
وكما نقول فيمن يعمل الحيلة، فيرفق بصاحبه، ويلاطفه حتى يميله إلى ما يريد:"ما زال يفتل له في الذروة والغراب، حتى بلغ منه ما أراد"، فقد شبه حاله معه: بحال من يأتي للبعير الحرون، فيحكه، ويفتل له الشعر في ذروته وغاربه،
1 قوله: "تقدم رجلا" أي: تارة، ومفعول، ومفعول، "تؤخر" محذوف أي: تلك الرجل المقدمة وقوله: "أخرى صفة لتارة" المحذوفة أي: تارة أخرى، وأصل الكلام إني أراك تقدم رجلا تارة، وتؤخرها تارة أخرى، وتتمة الكلام. فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسلام.
حتى يسكن ويستأنس، فكل هذا وأشباهه يسمى. تمثيلا، أو استعارة تمثيلية.
وإنما سميت الاستعارة في المركب "تمثيلا"لجريان التشبيه فيه بين الهيئات المنتزعة من متعدد، كما في الأمثلة المذكورة، فمعنى التمثيل فيه واضح لكثرة ما اعتبر فيه مما أوجب غرابته، وإذا فشت الاستعارة التمثيلية، وشاع استعمالها باقية على هيئتها. أطلقوا عليها لفظ:
المثل:
وهو استعارة تمثيلية شاع استعمالها، ويراعى فيه المعنى الذي ورد فيه أولا، فيخاطب به المفرد، والمثنى، والجمع، مذكرا أو مؤنثا، من غير تغيير في العبارة الواردة؛ لأنه -كما قلنا- استعارة تمثيلية، والاستعارة يجب أن تكون لفظ المشبه به المستعمل في المشبه كما في مثال "المتردد" فقد ورد في شخص معين، ثم شاع استعماله حتى صار مثلا يضرب لكل متحير في أمره -مفردا كان أو غير مفرد- مذكرا أو مؤنثا. فيقال لكل واحد مما ذكر: أراك تقدم رجلا إلخ. فينطق به كما ورد.
ومثل المثل المذكور قولهم: "الصيف ضيعت اللبن" بكسر تاء الفاعل إذ قد ورد في امرأة فرطت في أمر، ثم طلبته بعد فوات فرصته، ثم شاع استعماله وذاع، حتى صار مثلا يضرب لكل من طلب أمرا، بعد التفريط فيه، وبعد فوات وقته. ومثله قولهم:"اليد لا تصفق وحدها" وهو مثل يضرب لمن يحاول أمرا وحده، فيعجز عنه، تشبيها له بمن يحاول أن يصفق بيد واحدة، وكقولهم:"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن" لمن يعرض له أمر لا يشتهيه، تشبيها له بربان السفينة، تزجيها الرياح إلى غير الوجهة التي يريدها، وهكذا يقال في جميع الأمثال السائرة نثرا ونظما.
المجاز المركب المرسل1:
هذا هو القسم الثاني من قسمي المجاز المركب.
1 أطلق عليه هذا الاسم قياسا على المجاز المفرد.