الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الفعل أولا -غير أن معنى التشبيه مع "وجد" أقوى منه مع "حسب" لدلالة الأول التيقن، دون الثاني- وإذا فالمثالان المذكوران من التشبيه المؤكد وهو ما حذفت منه الأداة على ما سيأتي:
تقسيم التشبيه باعتباره الأداة
…
تقسيم التشبيه باعتبار الأداة:
ينقسم التشبيه بهذا الاعتبار إلى قسمين- مرسل، ومؤكد:
فالمرسل: ذكرت فيه أداة التشبيه لفظا أو تقديرا- فمثال الأول قوله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ، كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} وقولك: ناقضو العهود كالأفاعي، وقولك: الساعي بلا طائل كالناقش على الماء- وقول المعري:
تحطمنا الأيام حتى كأننا
…
زجاج ولكن لا يعادله سبك
ومثال ما قدرت فيه الأداة قولك: سجعه سجع الحمام، ووشيه وشى الطاووس إذا قدرت في نفسك: أنه على معنى "الكاف" وأن المشبه مثل المشبه به. لاعينه- وسمى مرسلا لإرساله عن التأكيد، أي خلوه منه.
والمؤكد: ما تركت فيه الأداة لفظا وتقديرا، أي ترك التصريح بها، وتنوسيت في نظم الكلام أيضا إشعارا -من حيث الظاهر- بأن المشبه هو المشبه به عينه مبالغة، كما تقول: وجهه النهار، وطبعه النسيم، وألفاظه الدر، وعزمه السيف قال المتنبي:
أين أزمعت أيهذا الهمام
…
نحن نبت الربا وأنت الغمام
فتترك ذكر الأداء، ولا تقدرها في نفسك، ادعاء منك: أن المشبه هو المشبه به نفسه، لا شيء سواه -ومنه قوله تعالى:"وهي تمر مر السحاب"، يريد -والله أعلم- أن الجبال يوم القيامة، بعد النفخة الأولى تسير في الهواء كالسحاب، تسوقه الرياح، فهو تشبيه مؤكد، تركت فيه الأداة، وتنوسي تقديرها. ليكون المعنى: أن مرور الجبال يوم القيامة هو
مرور السحاب بعينه، وهذا المعنى هو ما ينبغي أن يفهم تصويرا للحالة التي ستكون -وإليك قول الحماسي، يصف قوما بالكرم والشجاعة:
هم البحور عطاء حين تسألم
…
وفي اللقاء إذا تلقى بهم يهم1
ولو فرض تقدير الأداة فيما ذكرنا من أمثلة التشبيه المؤكد لكان من قبيل التشبيه المرسل، وإذا فكل مثال تركت فيه الأداة يحتمل أن يكون من قبيل التشبيه المؤكد إذا لم تقدر فيه الأداة- وأن يكون من التشبيه المرسل إن قدرت الأداة، مالم تقم قرينة على المراد.
ومن التشبيه المؤكد: ما أضيف فيه المشبه به إلى المشبه2 بعد حذف الأداة، وتقديم المشبه به على المشبه ك ما تقول:"فلان يسترشد بسراج رأيك"، وليس فلان رداء العافية"3- ومنه قول الشاعر: يصف اعتدال الريح وقت الأصيل:
والريح تعبث بالغصون وقد جرى
…
ذهب الأصيل على لجين الماء4
شبه الشاعر الماء بالفضة في بياضها وصفائها، ثم أضاف المشبه به غلى المشبه بعد حذف الأداء، وتناسبها- كما ذكرنا- ومنه كذلك قول الشريف الرضي، يستمطر الرحمة على قبور الموتى:
1 "البهم" بضم الباء واحده بهمة، وهو الشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى لخطورته وقوة بأسه.
2 والإضافة حينئذ بيانية تقتضي الاتحاد في المفهوم.
3 شبه الرأي بالسراج في الاهتداء به كما شبه العافية باللباس في الاشتمال، ثم قدم المشبه به وأضيف إلى المشبه.
4 "تعبث بالغضون" تحركها وتميلها، و"قد جرى" بمعنى ظهر، و"الأصيل" هو الوقت ما بين العصر والغروب، ويعد من أطيب الأوقات، "وذهبه" صفرته بسبب شعاع الشمس وإطلاق الذهب عليه استعارة، و"اللجين الفضة.
أرسى النسيم بواديكم ولا برحت
…
حوامل المزن في أجدائكم تضع1
شبه الشاعر المزن الممتلئة بالماء: بالحوامل من الحيوان، ثم أضاف المشبه به إلى المشبه كسابقه، وفي التعبير بقوله:"تضع" مع قوله: حوامل "المزن" براعة بارعة في مراعاة التناسب- ومنه قول الشاعر السابق:
أقحوان معانق لشقيق
…
كثغور تعض ورد الخدود
شبه الشاعر الورد بالخدود في حمرته، ثم أضاف المشبه به للمشبه- وسمي التشبيه المتروك فيه الأداء، مؤكدا" لأنه أكد وقرر بدعوى اتحاد الطرفين بحيث، لا يتميز أحدهما عن الآخر في شيء.
اختبار:
1-
عرف أداة التشبيه، ومثل من عندك بأداتين من أدواته، يكون وجه الشبه في أحد المثالين حسيا، وفي الآخر عقليا.
2-
بين أي الطرفين يلي التشبيه، وما حكم "كأن" التشبيهية في هذا الحكم مثل لما تقول، وهل مما يلي فيه المشبه به كاف التشبيه قوله تعالى:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ} الآية؟ وأين المشبه في نحو قولك، خالد مائل الأسد "وخالد مماثل الأسد" بالإضافة.
3-
بين الخلاف فيما تستعمل فيه "كأن" مع التمثيل، وهل من قبيل أداة التشبيه، فعلا الوجدان والحسبان، في نحو قولهم، زرت عليا فوجدته بحرا، وسمعته فحسبته قسا؟ ما الفرق بين الفعلين.
1 "أرسى النسيم بواديكم"، بمعنى استقر بها، يصفه بلطف الجو واعتداله، و"المزن" أراد بها السحاب، "والأجداث" جمع بالتحريك القبر، و"تضع بمعنى تهمي وتهطل، وعبر بالوضع مراعاة التناسب وهو محسن بديعي.