المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ زكاة الفطر - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٤

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌ زكاة الفطر

- ‌الطرف الثاني: في صفات المؤدي

- ‌الطرف الثالث: في صفات المخرج

- ‌كتاب الصيام

- ‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات

- ‌القول في شرائط الصوم:

- ‌القول في السنن

- ‌القسم الثاني في مبيحات الإفطار وموجباته

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

- ‌الباب الثاني: في أعمال الحج

- ‌الفصل الأول: في الإحرام

- ‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام

- ‌الفصل الثالث: في سنن دخول مكة

- ‌الفصل الرابع: في الطواف

- ‌الفصل الخامس: في السعي

- ‌الفصل السادس: في الوقوف

- ‌الفصل السابع: في أسباب التحلل

- ‌الفصل الثامن: في المبيت

- ‌الفصل التاسع: في الرمي

- ‌الفصل العاشر: في طواف الوداع

- ‌الفصل الحادي عشر: في حكم الصبى

- ‌الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة

- ‌النوع الأول: اللبس

- ‌النوع الثاني: الطيب

- ‌النوع الثالث دهن شعر الرأس واللحية

- ‌النوع الرابع: الحلق والقلم:

- ‌النوع الخامس: الجماع

- ‌النوع السادس: مقدمات الجماع

- ‌الباب [الرابع] (*) في الدماء

- ‌الفصل الأول في أبدالها

- ‌الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها

الفصل: ‌ زكاة الفطر

بسم الله الرحمن الرحيم

رب يسر

قال رحمه الله: النوع السادس:‌

‌ زكاة الفطر

.

قوله: وفي وقت وجوبها ثلاثة أقوال:

أصحها -وهو الجديد-: أن وقته وقت غروب الشمس ليلة العيد.

واحتجوا له بأنها مضافة إلى الفطر، وقد روي أن ابن عمر قال:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين"(1).

وعن ابن عباس: "أنه عليه الصلاة والسلام فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين"(2).

والثاني -وهو القديم-: أن وقته طلوع الفجر يوم العيد؛ لأنها قربة متعلقة بالعيد؛ فلا يتقدم وقتها على العيد كالأضحية.

والثالث: أنها تجب بمجموع الوقتين.

قال الصيدلاني: خرجه صاحب "التلخيص" واستنكره الأصحاب. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أنا هل نعتبر على الجديد إدراك الجزء الأخير من رمضان مع

(1) أخرجه مالك (626) والبخاري (1433) ومسلم (948).

(2)

أخرجه أبو داود (1609) وابن ماجة (1827) والحاكم (1488) والدارقطني (2/ 138) والبيهقي في "فضائل الأوقات"(147)، وقال الشيخ الألباني: حسن.

ص: 5

أول جزء من ليلة العيد، أو إدراك الجزء الأخير من رمضان فقط، أو الجزء الأول من ليلة العيد فقط؟

عبارة الرافعي رحمه الله محتملة للثلاث ويظهر أثرها فيما إذا قال لعبده: أنت حر مع أول جزء من ليلة العيد، أو مع آخر جزء من رمضان، أو قاله لزوجته، وتفريعه لا يخفى.

إذا علمت ذلك فاعلم أن تعليل الرافعي يشير إلى اعتبار الاحتمال الثالث.

وقد صرح به الإمام في "النهاية" فقال: المنصوص عليه في الجديد أن الفطرة تجب مع أول جزء من الليلة الأولى من شوال. انتهى.

وذكر في "الوسيط" نحوه فقال: الجديد أنها تجب بأول جزء من ليلة العيد؛ وهو وقت [الغروب](1) آخر يوم من رمضان، فإنه منسوب إلى الفطر.

وذكر أيضًا في "البسيط" نحوه.

ولكن المعروف إنما هو الاحتمال الأول وهو إدراك الوقتين كذا جزم به أبو علي الطبري في "الإفصاح"، والماوردي والقاضي أبو الطيب وابن الرفعة في "الكفاية"[ونقلوه](2) عن نص الشافعي، وجزم به أيضًا صاحب "التنبيه" حيث قال: وتجب صدقة الفطر إذا أدرك آخر جزء من رمضان وغربت الشمس في أصح القولين.

قال النووي في "نكت التنبيه": هذان شرطان للوجوب؛ وهو أن يدرك جزءًا من شهر رمضان وجزءًا من أول شوال. انتهى.

وذكر في "التتمة" مثله فقال: المذهب الصحيح أنه يتعلق بغروب الشمس آخر يوم من رمضان؛ فمن أدرك جزءًا من الزمان قبل الغروب

(1) في أ: غروب.

(2)

سقط من أ.

ص: 6

وجزءًا بعد الغروب لزمته الفطرة. هذا لفظه.

وقال ابن عبدان في "شرائط الأحكام": شرط وجوب زكاة الفطر أن يكون قد أدرك جزءًا من آخر شهر رمضان على القول الجديد، وما ذكره الرافعي من التعليل المشير إلى مراده لم يذكره في "الروضة" ووقع في التعبير عن القديم من الاختلاف قريب مما وقع في الجديد.

الأمر الثاني: أن ما ذكره الرافعي في تعليل القديم من التعبير بالعيد أراد به يومه، إلا أن الأولى له أن يقلب هذا القياس فيقول: فوجب أن لا يتعلق بالفجر كالأضحية.

الأمر الثالث: أن ما ذكره من أن هذا القول قد خرجه صاحب "التلخيص" ذكره النووي أيضًا في "الروضة" ولم يعزه إلى أحد، ونقله في "شرح المهذب" عن نقل أصحابنا وليس كذلك؛ فإن ابن القاص في "التلخيص" لم يذكر أنه مخرج، بل حكاه حكاية الأقوال المنصوصة فقال بعد ذكره للقول الجديد ما نصه: وفيه قول آخر: أنها لا تجب على من مات من ليلته إلا أن يدرك غروب الشمس ليلة الفطر وطلوع الفجر من يوم الفطر. هذا لفظه ومن "التلخيص" نقلت ذكر ذلك في الباب المعقود لأوقات وجوب الزكوات، لا في باب زكاة الفطر.

ونقل أبو علي الطبري في "الإفصاح" عن أصحابنا أنهم اختلفوا في المراد من نصه في القديم؛ فمنهم من قال: [معناه أنه يعتبر غروب الشمس وطلوع الفجر، ومنهم من قال](1): العتبر الفجر فقط، وحديث ابن عمر رواه الشيخان بهذا اللفظ، وحديث ابن عباس رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وقال: إنه صحيح على شرط البخاري.

قوله في "الروضة": ولو زال الملك في العبد بعد الغروب وعاد قبل

(1) سقط من أ.

ص: 7

الفجر وجبت على الجديد والقديم.

وأما على المخرج فوجهان كالوجهين في أن الواهب هل يرجع فيما زال ملك [المتهب عنه](1) عنه ثم عاد إليه؟ . انتهى كلامه.

والصحيح في الرافعي و"الروضة" أنه لا يرجع في مسألة الهبة، وهو ترجيح لكون الزائل العائد في هذه المسألة كالذي لم يعد.

وقياس مسألتنا منه أن يكون الصحيح عدم وجوب الفطرة، لكنه في "شرح المهذب" لما حكى الوجهين صرح بأن الأصح هو الوجوب، والرافعي نقل الوجهين والتشبيه بالواهب عن الإمام.

قوله: والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "أدوا صدقة الفطر عن من تمونون"(2).

والجهات التي يصير بها الشخص في نفقة الغير ثلاث: النكاح، والملك، والقرابة، وكلها تقتضي لزوم الفطرة في الجملة. انتهى.

والحصر في الثلاث يرد عليه الاحتياج؛ فإنه يوجب الإنفاق على بيت المال وعلى من وجد من الموسرين إن تعذر، ولا فطرة في هذه الحالة.

والحديث المذكور رواه البيهقي وقال: إسناده ليس بالقوي.

قوله: وحيث أوجبنا نفقة زوجة الأب على الابن ففي وجوب فطرتها وجهان. . . . إلى آخر ما قال.

لم يصرح بتصحيح هنا ولا في "الشرح الصغير"، والأصح: عدم الوجوب كذا صححه هو في "المحرر"، وقال في "المنهاج" و"زيادات

(1) سقط من أ.

(2)

أخرجه الشافعي (413) والدارقطني (2/ 140) والبيهقي في "الكبرى"(7471).

قال الشيخ الألباني: حسن.

ص: 8

الروضة": إنه الأصح، وفي "شرح المهذب": إنه المختار.

واعلم أن الرافعي هنا قد قال: إن الصحيح وجوب إعفاف الأب على الابن؛ فعبر في الروضة عن الصحيح بالمذهب فاقتضى ذلك حكاية الرافعي لطريقتين وليس كذلك، بل الذي ذكره في موضعه عن النص: أنه يجب، وعن تخريج ابن سريج أنه لا يجب.

قوله: وإذا وجبت نفقة الابن على أبيه فملك -أعني الابن- قوت ليلة العيد ويومه؛ فإن كان كبيرًا لم تجب فطرته على الأب لسقوط نفقته، وإن كان صغيرًا فقال الصيدلاني: لا تسقط؛ لأن نفقة الكبير لا تثبت في الذمة بحال ونفقة الصغير قد تثبت بالاستقراض. . . . إلى آخره.

واعلم أن مقتضى هذا الكلام الجزم بأن نفقة القريب لا تستقر بفرض الحاكم -أعني بالفاء-، وهذه المسألة مسألة مهمة عظيمة، والمذكور هنا هو الصواب نقلًا ودليلًا على خلاف ما اقتضاه كلام الرافعي والنووي في النفقات، وسنقف عليه هناك مبسوطًا متقنًا إن شاء الله تعالى.

قوله: الفطرة الواجبة على الغير قيل: تلاقي المؤدي عنه ثم يتحمل عنه المؤدي للحديث السابق، وقيل: تجب على المؤدي ابتداء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا صدقة الفطر عنه"(1).

قال الروياني وغيره: ظاهر المذهب هو الأول، ثم قال بعد ذلك:[ثم](2) الأكثرون طردوا الخلاف في الزوج والسيد والقريب.

قال الإمام: وذكر طوائف من المحققين أن هذا الخلاف في فطرة الزوجة، فأما فطرة القريب والمملوك فتجب على المؤدي ابتداء بلا خلاف؛ لأن المملوك لا يقدر على شيء والقريب المعسر نحوه. انتهى.

(1) أخرجه البخاري (1394) ومسلم (982) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

سقط من أ.

ص: 9

فيه أمران:

أحدهما: أنه ينبغي استثناء الزوجة المعسرة وإلحاقها بالقريب والمملوك في مجيء الطريقين، بخلاف ما أطلقه هو وغيره للمعنى الذي ذكره.

الثاني: أن الزوجة إذا كانت أمة كان سيدها هو المتحمل عنه على القول بالتحمل لا الأمة؛ لأن نفقتها تجب على السيد بحكم الملك والنفقة التي تجب على الزوج هو المالك لها.

والحديث رواه مسلم، وروى البخاري أيضًا أصله.

قوله: وحيث قلنا بالتحمل فهل هو كالضمان أو كالحوالة؟ حكى أبو العباس الروياني في "المسائل الجرجانيات" فيه خلافًا. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على حكاية الخلاف من غير تصحيح، والمعروف في المذهب وهو مقتضى نص الشافعي كما سيأتي: أنه كالضمان؛ فقد جزم به البندنيجي والماوردي وصاحب "البحر"، فقالوا: إن قلنا بالتحمل كان المخرج كالضامن، وإن قلنا بالملاقاة ابتداء كان كالمحال عليه، وجزم به أيضًا السرخسي في "الأمالي" كما سيأتي نقله عن "شرح المهذب".

وذكر صاحب "التقريب" نحو ما سبق فقال في الكلام على إخراج المرأة الفطرة بغير إذن الزوج وكذلك القريب ما نصه: فإن كان بغير أمرهما احتمل وجهين:

أحدهما: أن ذلك جائز، وهذا على معنى من قال: إن الأب والزوج إنما يخرجان عن من يمونان بمعنى الضمان.

والثاني: لا يجوز أن يكون بإذنهما، وهذا على قول من قال: إنهما يخرجان بمضي الحوالة، هذا لفظه.

ص: 10

والصحيح المنصوص جواز الإخراج بغير الإذن، كذا قاله الرافعي بعد هذا فقال: إن قلنا الزوج متحمل أجزأ وإلا فلا، والأولى هو المنصوص عليه. هذه عبارته؛ وحينئذ فيكون الراجح عند صاحب "التقريب": أنه ضمان، إلا أن كلامه لا ينافي كلام البندنيجي ومن تبعه؛ لجواز أن يكون الضمان لكونه متحملًا.

نعم صرح صاحب "الإفصاح" بحكاية الخلاف على القول بالتحمل على وفق ما نقله الرافعي فقال: فقد خرج أصحابنا وجهًا: يحتمل الزوج ذلك عنها على وجهين:

أحدهما: أن ذلك تحمل حوالة.

والثاني: أن ذلك تحمل ضمان، هذا لفظه بحروفه.

والحاصل أنَّا إذا قلنا بالتحمل فطريقان:

المشهور: القطع بأنه كالضمان،

والثاني: على وجهين، وذكر في "شرح المهذب" عكس ذلك فقال: هذا الذي نقله الروياني والرافعي غريب، والصحيح الذي يقتضيه المذهب وكلام الشافعي والأصحاب: أنه كالحوالة؛ بمعنى أنه لازم للمؤدي لا يسقط عنه بعد وجوبه، ولا مطالبة على المؤدي عنه.

ووجه القول بالضمان -وبه جزم السرخسي-: أنه لو أداها المتحمل عنه بغير إذن المؤدي أجزأه على هذا القول، ولولا أنه كالمضمون عنه لما أجزأه. انتهى كلامه.

وقد ظهر لك بما ذكرناه أنه مردود، وأن استغرابه للخلاف غريب عجيب فإنه ثابت قديما، وأن الذي استغربه هو المشهور، وأنه لم يظفر بأحد يقول بما صححه -وهو الحوالة- إذ لو ظفر به لذكره بلا شك.

ص: 11

وقد استفدنا من كلام السرخسي أن فائدة الخلاف في جواز الإخراج بغير الإذن.

قوله: وأما خادم الزوجة فإن كانت مستأجرة لم تجب فطرتها، وإن كانت من إماء الزوج فعليه فطرتها، وإن كانت من إماء الزوجة والزوج ينفق عليها لزمته فطرتها، لأنه يمونها، نص عليه الشافعي في "المختصر"، وقال الإمام: الأصح عندي أنها لا تلزمه. انتهى.

وقد بقي من الأقسام ما إذا أخدمها حرة [صحبتها](1) لتخدمها وينفق عليها، وقد ذكرها في "شرح المهذب" وجزم بأن فطرتها لا تجب؛ وعلله بأنها في معنى المستأجرة، ولكن ذكر الرافعي في كتاب النفقات ما حاصله أن هذه الصورة ملحقة بالمملوكة، وتبعه عليه في "الروضة" فقال بعد أن ذكر أمته والمستأجرة ما نصه: إن أخدمها بكفاية من صحبتها من حرة أو أمة فهذا موضع نفقة الخادم.

هذا لفظه، وهو يدل لما قلناه؛ لأن الفطرة تتبع النفقة؛ ولأجل ذلك صرح ابن الرفعة في كتاب النفقات بنقله عن الرافعي، وصرح أيضًا به في هذا الباب -أعني: زكاة الفطر- المتولي في "التتمة" فقال: تجب فطرتها أيضًا هذا لفظه.

قوله: وتجب فطرة العبد المرهون والجاني والمستأجر؛ لوجود الملك ووجوب النفقة، وقال الإمام والمصنف في "الوسيط": يحتمل أن يجري فيه الخلاف المذكور في زكاة المال المرهون.

ثم قال: واعلم أن الخلاف في زكاة المال المرهون لم نلقه إلا في حكاية هذين الإمامين. انتهى كلامه.

(1) سقط من أ.

ص: 12

تابعه في "الروضة" أيضًا على إنكار ثبوت الخلاف، وزاد فقال: بل قطع الأصحاب بالوجوب هنا وهناك، وليس الأمر كما قالا من عدم ثبوته، بل هو ثابت صرح به القاضي الحسين في "تعليقه" والمتولي في "التتمة"، وحكاه عنهما ابن الرفعة في "الكفاية" فقال: فيه طريقان حكاهما القاضي الحسين في موضع من "تعليقه"، والمتولي عن الأصحاب.

أحدهما: تخريجه على القولين في المغصوب والضال، وهي التي ذكرها في موضع آخر قبل ذلك احتمالًا لنفسه. هذا كلام "الكفاية".

قوله: وأما المغصوب والضال ففي فطرته طريقان:

أحدهما: أنه على القولين في زكاة المغصوب. وطرد ابن عبدان على هذه الطريقة الخلاف فيما إذا حيل بينه وبين زوجته عند الاستهلال.

وأصحهما القطع بالوجوب اتباعًا للفطرة و [النفقة](1). انتهى.

وما ذكره في مسألة الحيلولة قد ذكر في "الروضة" نحوه أيضًا، وأوضحه في "شرح المهذب"، فنقل هذه المقالة ثم قال: إن الذي يقتضيه إطلاق الأصحاب وجوب فطرتها على الزوج كالمريضة، ولكن تتأيد مقالة ابن عبدان بأنها لو وطئت بشبهة فاعتدت عنها لا نفقة لها في مدة العدة؛ لأنه نادر، بخلاف المرض فإنه عام. انتهى ملخصًا.

وحاصله أنه تجب فيها الفطرة والنفقة، وما ذكره الرافعي فيها وتبعه عليه في "الروضة" و"شرح المهذب" قد ذكر الرافعي في كتاب النفقات ما يخالفه؛ فإنه جزم بوجوب نفقة المريضة، ثم قال: قال البغوي: ولو غصبت فلا نفقة وإن كانت معذورة بخروجها عن قبضته وفوات الاستمتاع بالكلية، بخلاف المريضة هذا كلامه، وتبعه عليه في "الروضة" وزاد عقبه: فجزم بما

(1) سقط من أ.

ص: 13

يوافقه فقال: قلت: ولو حبست ظلمًا أو بحق فلا نفقة.

هذه عبارته؛ فعدم إيجاب النفقة يقتضي عدم إيجاب الفطرة، وأما إيجاب الفطرة دون النفقة فلا يستقيم، ومع ذلك فمخالف لما اقتضاه كلامهما.

قوله: وأما الآبق ففي الطريقان في المغصوب، وللخلاف فيه مأخذ آخر حكاه الإمام؛ وهو أن إباق العبد هل يسقط نفقته كنشوز الزوجة أم لا؟ ، وفيه خلاف، فإن أسقطها أسقط الفطرة أيضًا. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذا الخلاف الذي ذكره في سقوط نفقة العبد بإباقه قد حذفه النووي من "الروضة".

الأمر الثاني: أن ما نقله عن الإمام من حكاية الخلاف قد حكاه -أعني الإمام- هنا، وذكر أنه يأتي في كتاب النفقات، ولم يذكره، وذكره في زكاة الأموال بحثًا فقال: وليس إباق العبد بمثابة نشوز المرأة؛ إذ نشوز المرأة يضاد التمكين، ونفقة المملوك في مقابلة الملك، ويجب أن يقال: لو وجد الآبق طعامًا لسيده في إباقه حل له أن يأكل منه.

وهذا فيه نظر ظاهر؛ فليتأمل الطالب، وبالجملة: إن اتجه سقوط نفقة الآبق، ففي فطرته تأمل، هذا كلامه.

قوله: وإن لم يعلم حياته وانقطع خبره مع تواصل الرقاق ففي فطرته طريقان.

ثم قال: وكيف ما قدر فالأظهر: وجوب الفطرة وعدم الإجزاء في الكفارة، والمذهب: أنه يجب إخراج الفطرة في الحال، وقيل: يجوز التأخير إلى عود العبد كما في زكاة المال. انتهى ملخصًا.

ص: 14

فيه أمران:

أحدهما: أن محل هذا الخلاف فيما إذا لم تنته الغيبة إلى مدة يجوز للحاكم أن يحكم فيها بموته وأن مثله يورث، فإن انتهى إلى ذلك فلا خلاف في عدم الوجوب، قاله الرافعي في الفرائض.

الثاني: أنه كيف يؤمر بإخراج زكاة الفطر في هذه الحالة مع أنه يجب إخراجها من قوت بلد العبد لا بلد السيد، ويجب صرفها إلى قرابتهم أيضًا.

وذلك كله متعذر، فهل نقول: إن هذه الصورة مستثناة من القاعدة أم لا؟

وإذا لم نقل بالاستثناء فماذا نصنع؟ فيه نظر.

وهذا الإشكال يأتى أيضًا في العبد الضال والآبق.

وأقرب شيء فيه أن يقال: العبرة بآخر بلد وصل خبره منها؛ إذ الأصل بقاؤه فيها.

وقد يقال: يتعين عليه إعطاؤها إلى القاضي؛ لأن نقل الزكاة عن بلد المال جائز بالنسبة إليه كما تقرر في بابه.

قوله بعد الكلام في المغصوب والضال والغائب ونحوهم: ثم إذا أوجبنا الفطرة في هذه الصور فهل يجب إخراجها في الحال أم هل يجوز التأخير إلى عود العبد كما في زكاة المال في نظائرها؟

المذهب الأول؛ لأن المهلة ثم شرعت لمعنى النماء وهو غير معتبر هاهنا، وروى ابن الصباغ عن الشيخ أبي حامد أن الشافعي نص في "الإملاء" على قولين في ذلك؛ قال: وهذا بعيد؛ لأن إمكان الأداء شرط في الضمان في زكاة

ص: 15

المال، والمال الغائب متعذر الأداء، وليس كذلك الفطرة. هكذا ذكره.

لكن قال صاحب "التهذيب": لو دخل الوقت ومات المؤدي عنه قبل إمكان الأداء ففي سقوط الفطرة وجهان؛ فألحقوها في أحد الوجهين بزكاة المال.

وحكى الإمام هذا الخلاف أيضًا، انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره من حكاية هذين القولين في جميع الصور ذكره أيضا في "الروضة"، وكذلك في "شرح المهذب" بعبارة هي أوضح من هذه فقال: إذا أوجبنا الفطرة في الآبق والضال والمغصوب ومنقطع الخبر وجب إخراجها في الحال على المذهب، وبه قطع البغوي وآخرون.

وقال صاحب "الشامل": حكى الشيخ أبو حامد فيه قولين عن "الإملاء". انتهى.

إذا علمت ذلك فاعلم أن صاحب "الشامل" إنما حكى القولين في العبد الغائب فقط ولم يحكهما في جميع الصور.

ووقع في بعض نسخ الرافعي التعبير بقوله في هذه الصورة أعني بالتاء الدالة على المرة، لكن في أكثرها ما ذكرناه، وهو الموجود في "الروضة".

الأمر الثاني: أن الوجهين في سقوط الفطرة بموت العبد قد حكاهما ابن الصباغ أيضًا عن ابن سريج.

والعجب من ذهول الرافعي عنهما حتى أنه شرع يرد على ما قاله بحكاية غيره لهذين الوجهين.

وقد وقع النووي بسبب هذا في الغلط، وصحح من الوجهين عدم

ص: 16

السقوط، وستعرف ذلك قبل الطرف الثاني.

قوله: ثم إذا كانت زوجة العبد موسرة مسلمة فهل عليها فطرة نفسها؟

منهم من قال: هو على القولين المذكورين فيما إذا كانت تحت زوج معسر، ومنهم من قال: عليها فطرتها بلا خلاف؛ لأن العبد ليس أهلًا للخطاب بالفطرة.

وإن كانت أمة فهل على سيدها فطرتها؟ فيه هذان الطريقان؛ والثاني أظهر في هاتين الصورتين. انتهى كلامه.

ومقتضاه في هذه المسألة -أي: زوجة العبد- تصحيح القطع بوجوبها على الحرة، وعلى سيد الأمة، وتضعيف طريقة القولين، وقد صرح بذلك في "أصل الروضة"، وتبعه عليه، ثم خالفه في "المنهاج" فجزم بإلحاق العبد بالحر المعسر وجعلهما على قولين على عكس ما صححه في "الروضة". ثم استدرك من زياداته فصحح عدم الوجوب على الحرة.

وما صرح به في "المنهاج" هو مقتضى ما في "المحرر" أيضًا.

وقد اختلف كلامه في "شرح المهذب" فذكر في موضع منه كما ذكر في "الروضة"، ثم قال بعد ذلك فيما إذا تزوج حر معسر أمة أو حرة موسرة: الأصح وجوب الفطرة على سيد الأمة دون الحرة كما نص عليه، ثم قال: ويجري الخلاف فيما لو تزوج عبد بحرة أو أمة، فإنه معسر والأصح وجوبها على سيد زوجته الأمة دون الحرة.

هذا لفظه. وهو اختلاف عجيب؛ فإنه جزم بإجراء الخلاف وصح أنه لا تجب على الحرة، وهما جميعًا عكس ما سبق.

ص: 17

قوله: ولو ملك السيد عبده شيئًا وقلنا: إنه يملكه لم يكن له أن يخرجه عن زوجته، ولو أذن له السيد ففيه وجهان للشيخ أبى محمد. انتهى.

لم يصحح في "الروضة" شيئًا منهما أيضًا، وصحح في "شرح المهذب" أنه لا يخرج، وعبر بالصحيح وعلله بأنه ليس أهلًا للوجوب.

قوله: ومنها إذا أوصى برقبة عبد لرجل وبمنفعته لآخر قال ابن عبدان: فطرته على الموصى له بالرقبة بلا خلاف، ونفقته عليه أو على الموصى له بالمنفعة أو في بيت المال؟ فيه ثلاثة أوجه، انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن ما نقله عن ابن عبدان من نفي الخلاف وأقره عليه ليس كذلك فقد نقل هو -أعني الرافعي- في كتاب الوصية أن أبا الفرج السرخسي وطائفة خرجوا الفطرة على الخلاف في النفقة، ولم ينقل ما نقله هنا عن ابن عبدان إلا عنه وعن البغوي خاصة.

ولما اختصر النووي كلام الرافعي هنا لم ينقل نفي الخلاف عن ابن عبدان بل أطلقه لتوهمه أن الأمر كذلك، ثم ظفر به فاستدركه وصحح أن الفطرة كالنفقة، وصححه أيضا في "شرح المهذب".

الأمر الثاني: أن الصحيح من الأوجه الثلاثة في النفقة وجوبها على مالك الرقبة. كذا صححه الرافعي في كتاب الوصايا، والنووي في "شرح المهذب" وزيادات الروضة.

الأمر الثالث: أن الوجه القائل بأن نفقته في بيت المال ليس على إطلاقه؛ بل محله إذا لم يكن له كسب أو كسب لا يفي.

ص: 18

كذا صرح به الرافعي في كتاب الوصية، ثم النووي في "الروضة" هناك وفي "شرح المهذب" هنا.

الأمر الرابع: أن ما حكاه الرافعي في الوصية وصححه النووي هنا من أنها تابعة للنفقة قد أطلقه الأصحاب.

قال في "شرح المهذب": ومرادهم إذا قلنا بالوجهين الأولين، أما إذا قلنا بالثالث أنها في بيت المال فلا تجب؛ لأن عبيد بيت المال لا تجب فطرتهم؛ فهذا أولى، والذي قاله في عبيد بيت المال هو المشهور كما سيأتى.

قوله: ومنها عبد بيت المال والعبد الموقوف على المسجد في فطرتهما وجهان حكاهما عن "البحر".

الأظهر -وبه أجاب في "التهذيب"-: أنها لا تجب. انتهى كلامه.

أما عبد بيت المال فلم أر له في "التهذيب" ذكرًا بالكلية.

وأما العبد الموقوف على المسجد فلم يصرح به أيضًا البغوي، بل ذكر أنه لا تجب فطرة العبد الذي اشتراه القيم للمسجد، وستأتي هذه الصورة.

والعبد المذكور لا يصير وقفًا بالشراء بل هو مملوك للمسجد، غير أن نفي الوجوب في هذه الصورة يستلزم نفيه عن الموقوف بطريق الأولى، والوجهان المحكيان عن "البحر" قد رأيتهما مذكورين فيه، لكنه صحح الوجوب في الصورتين على عكس ما قاله الرافعي وعبر بالمذهب.

قوله: والعبد الموقوف على رجل معين ذكر في "العدة" أن فطرته تنبني على أن الملك فيه لمن هو؟ إن قلنا الملك للموقوف عليه فعليه فطرته، وإن قلنا: لله تعالى فوجهان، ونفى صاحب "التهذيب" في باب الوقف وجوب

ص: 19

فطرته على الأقوال كلها؛ لأنه ليس فيه ملك محقق، والأول أشبه. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن الأصح من الوجهين المفرعين على الصحيح -وهو أن الملك لله تعالى- أنه لا فطرة، كذا صححه النووي في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة".

الأمر الثاني: أنهما لم يبينا من الذي يجب عليه الإخراج على القول بالوجوب تفريعًا على أنه لله تعالى هل هو بيت المال أو الواقف أو الموقوف عليه؟

الأمر الثالث: أن الرافعي رحمه الله لم يمعن النظر في هذه المسألة؛ ولهذا لم ينقل التخريج إلا عن "العدة"، والنفي مطلقًا إلا عن "التهذيب" في كتاب الوقف.

والمعروف في المذهب هو الثاني وهو عدم التخريج؛ فقد جزم به أيضًا في "التهذيب" في هذا الباب.

واقتصار الرافعي على ذلك الباب غريب مفهم بأنه لم يطلع عليه هنا وأن البغوي أيضًا لم يذكره إلا هناك، وصرح به أيضًا الخوارزمي في باب الوقف من "الكافي"، وصححه أيضًا صاحب "التتمة" ونقل أنه المذهب، ثم قال: ومن أصحابنا من بنى فطرته على أقوال الملك، وذكر مثله القاضي الحسين في "تعليقه" فقال: ولو وقف عبده على أقوام معينين فالمذهب أن صدقة الفطر لا تجب على أحد ويمكن بناؤه على أقوال الملك. هذا لفظه.

وقد اغتر في "الروضة" بالترجيح الضعيف الذي وجده الرافعي -وهو

ص: 20

الأشبه- فعبر عنه بالمذهب فزاد الأمر خللًا وغلطًا.

قوله في "أصل الروضة": فرع: إذا مات المؤدي عنه بعد دخول الوقت وقبل إمكان الأداء لم تسقط الفطرة على الأصح، وبه قطع في "الشامل". انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذين الوجهين حكاهما الرافعي رحمه الله من غير تصحيح بالكلية لا تصحيحًا مطلقا ولا منقولًا عن غيره، والتصحيح من كلام النووي، وقد صححه أيضًا في "شرح المهذب"، والأمر كما ذكره من التصحيح، فقد قال سليم الرازي في "مجرده": إن المذهب من الوجهين عدم السقوط، وذكر ابن الرفعة في "الكفاية" ما يدل [على](1) أنه المشهور.

الأمر الثاني: أن ما حكاه عن "الشامل" من القطع بالوجوب ذكره أيضًا في "شرح المهذب"، وهو غلط؛ فإن ابن الصباغ قد حكى الخلاف في ذلك فقال: فرع: إذا كان له عبد فأهل شوال ووجبت عليه زكاته فمات العبد قبل أن يتمكن من أداء زكاة الفطر عنه فهل تسقط زكاة الفطر؟ قال أبو العباس: فيه وجهان. هذا لفظه في "الشامل"، ولم يصرح الرافعي بهذا النقل عن "الشامل"، ولكن عبارته توهم ذلك فصرح به النووي، وهذه المسألة ذكرها الرافعي عند الكلام على فطرة العبد الغائب فنقلها النووي إلى هذا الموضع وعبر عنها بما أوقعه في الأمرين المذكورين.

وقد ذكرت لفظ الرافعي هناك فراجعه.

(1) سقط من أ.

ص: 21