المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٤

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌ زكاة الفطر

- ‌الطرف الثاني: في صفات المؤدي

- ‌الطرف الثالث: في صفات المخرج

- ‌كتاب الصيام

- ‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات

- ‌القول في شرائط الصوم:

- ‌القول في السنن

- ‌القسم الثاني في مبيحات الإفطار وموجباته

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

- ‌الباب الثاني: في أعمال الحج

- ‌الفصل الأول: في الإحرام

- ‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام

- ‌الفصل الثالث: في سنن دخول مكة

- ‌الفصل الرابع: في الطواف

- ‌الفصل الخامس: في السعي

- ‌الفصل السادس: في الوقوف

- ‌الفصل السابع: في أسباب التحلل

- ‌الفصل الثامن: في المبيت

- ‌الفصل التاسع: في الرمي

- ‌الفصل العاشر: في طواف الوداع

- ‌الفصل الحادي عشر: في حكم الصبى

- ‌الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة

- ‌النوع الأول: اللبس

- ‌النوع الثاني: الطيب

- ‌النوع الثالث دهن شعر الرأس واللحية

- ‌النوع الرابع: الحلق والقلم:

- ‌النوع الخامس: الجماع

- ‌النوع السادس: مقدمات الجماع

- ‌الباب [الرابع] (*) في الدماء

- ‌الفصل الأول في أبدالها

- ‌الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها

الفصل: ‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات

‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات

قوله في "أصل الروضة": ويدل عليه أنهم جعلوا الحلق كالجوف في بطلان الصوم بوصول الواصل إليه. انتهى.

وما ذكره من كون الحلق من الباطن قد خالفه بعد ذلك في الكلام على قلع النخامة فقال: منعتها لكلام الرافعي.

قلت: المختار أن الحاء المهملة أيضًا من الظاهر، وعجب كونه ضبطها بالمهملة التى هى من وسط الحلق ولم يضبطه بالهاء أو الهمزة؛ فإنهما من أقصى الحلق. انتهى.

فانظر كيف جعل الحاء المهملة من وسط الحلق وحكم مع ذلك بأنها من الظاهر حتى لا يفطر بالوصول إليه، وهو عكس ما جزم به أولًا، والرافعي نقله عن البغوي وابن القاص.

قوله: ثم في الفصل صور: إحداها: الحقنة مبطلة للصوم لحصول الواصل إلى الجوف المعتبر، وعن القاضي الحسين: أنها لا تبطله، وهو غريب. انتهى كلامه.

وهذا النقل عن القاضي الحسين لم يثبت؛ فقد صرح القاضي في تعليقه بعكس ذلك فقال: أما إذا احتقن سواء احتقن في قبله أو دبره أفطر.

وقال أبو حنيفة: من ناحية القبل لا يفطر ومن ناحية الدبر يفطر.

هذا لفظه في إحدى "تعليقتيه".

وما ذكره الرافعي أخذه من "المعتمد" للشاشي على عادته في كثرة النقل عنه؛ فإنه قال -أعني الشاشي: ذكر القاضي الحسين أن الحقنة لا تفطر، وهذا الذي ذكره القاضي سهو؛ فإنه اعتقد أن الحقنة التقطير في الإحليل، وليست كذلك وإنما الحقنة عبارة عما يدخل في الدبر من الدواء وذلك ينفذ إلى الجوف، وما يحصل في الإحليل يقال له تقطير. هذا لفظه، وهو أيضًا إنما يقتضي الخلاف في القبل خاصة، والخلاف فيه مشهور، ذكره الرافعي وغيره.

ص: 67

وذكر القاضي الحسين في "تعليقه" أيضًا أنه لو أدخل أصبعه في دبره أفطر، وهو يؤيد ما ذكرناه عنه في الحقنة.

نعم اختار في "تعليقته" الأخرى التفصيل كما قاله أبو حنيفة فقال: لو قطر شيئًا في إحليله أو أدخل فيه قطنه: قال أصحابنا: يبطل صومه كما لو احتقن.

وعندي أنه لا يفسد؛ لأنه لم يصل إلى جوف التغذي؛ إذ لا منفذ له إلى الجوف.

وهذا مذهب أبي حنيفة أيضًا. هذا كلامه.

ولا شك أن الوهم وقع للشاشي من هذا الموضع.

وذكر الرافعي هنا الغلصة وهى بغين معجمة مفتوحة ولام ساكنة وصاد مهملة.

قال الجوهري: هذا الموضع الثاني في الحلق.

قوله: السادسة: لا يفسد الصوم بالفصد والحجامة، لكن يكرهان. انتهى.

تابعه النووي في "الروضة" على الجزم بالكراهة وبه جزم في "التنبيه"، وأقره عليه النووي في تصحيحه، ثم جزم -أعني: النووي- في "شرح المهذب" بأنهما خلاف الأولى ولم يذكر الكراهة أصلًا.

وقد نص الشافعي في "البويطي" على ما يعضد هذا فإنه قال: وللصائم أن يحتجم وتركه أحب إلى. هذا لفظه بحروفه، وكذلك في "الإملاء" في باب نهى المعتكف فقال: ولا بأس أن يحتجم الصائم.

هذا لفظه أيضًا، ومن "البويطي" و"الإملاء" نقلته.

وعن "الأم" كما في "البويطي"، وذكر الروياني في "البحر" مثله فقال: ظاهر المذهب أن الحجامة لا تكره، وقال بعض أصحابنا بكراهتها، وجزم الجرجاني في "التحرير" بأنهما لا تكرهان، وصرح به أيضًا في كتابه "الشافي" لكنه اقتصر على ذكر الحجامة.

وذكر مثله الماوردي أيضًا؛ فثبت أن الفتوى على خلاف المذكور في الرافعي و"الروضة".

ص: 68

قوله: ولو وجأ نفسه فوصل السكين إلى جوفه أفطر.

وحكى الحناطي وجهين في من دخل طرف الخيط في دبره أو في جوفه وبعضه خارج هل يفطر؟ فيجوز أن يعلم لأجله قول الغزالي وإن كان بعض السكين خارجًا بالواو. انتهى.

وهذا الوجه قد أسقطه من "الروضة" حتى ادعى لأجل ذلك في "شرح المهذب" أنه لا خلاف فيه مع حكايته للخلاف في نظيره من الخيط، وليت شعري ما الفرق الذي تخيله بينهما، وقد صرح في "الشرح الصغير" بالوجه فيهما.

وأما وجأ -فبالجيم وبالهمز في آخره، ومعناه: ضرب؛ تقول: وجأت عنقه وجًا بالسكون أي: ضربته.

قوله في "الروضة": ولو ابتلع طرف خيط بالليل وطرفه الآخر خارج فأصبح كذلك، فإن تركه لم تصح صلاته وإن نزعه أو ابتلعه لم يصح صومه فينبغي أن يبادر غيره أو هو إلى نزعه وهو عاقل، فإن لم يتفق ذلك فالأصح أنه يحافظ على الصلاة فيبتلعه أو ينزعه.

والثاني: يتركه محافظة على الصوم. انتهى.

فهذه المسألة قد ذكرها في نواقض الوضوء من "شرح المهذب"، واقتضى كلامه رجحان المحافظة على الصوم؛ فإنه قال: فيه وجهان: أرجحهما عند القاضي وغيره: أن مراعاة صحة الصوم أولى؛ لأنها عبادة دخل فيها فلا يبطلها. هذا لفظه من غير معارض له بالكلية، وحكى معه وجهًا آخر أن الطاهر الواصل إلى محل النجاسة لا يضر حمله.

قوله: بل لو فتح فاه عمدًا حتى وصل الغبار إلى جوفه فقد قال في "التهذيب": في أصح الوجهين أنه يقع عفوًا، وشبهوا هذا الخلاف بالخلاف فيما إذا قتل البراغيث عمدًا وتلوث بدمائها هل يقع عفوًا؟ انتهى.

فأما ما ذكره صاحب "التهذيب" فقد صححه النووي في "فتاويه"، وعبر في "الروضة" و"شرح المهذب" كما عبر الرافعي.

ص: 69

وأما قتل البراغيث عمدًا فقد أسقطه من "الروضة" هنا ولم يذكره أيضًا في موضعه، وكأنه توهم تقديمه إياه فأسقطه، وقد صرح به في "التحقيق" في أبواب الصلاة فقال بعد تصحيحه: إن دم البراغيث لا يضر قليله ولا كثيره ما نصه: ولو قتل قملا ونحوه في ثوبه أو بدنه أو حمل ثوب براغيث أو صلى عليه إن كثر ضر وإلا فلا في الأصح. هذا لفظه، وذكر قريبًا منه في "شرح المهذب" فاعلمه.

قوله: نعم لو كان مغمي عليه فأوجر معالجة وإصلاحًا ففيه وجهان: أحدهما: أنه يفطر؛ لأنه لمصلحته فكأنه بإذنه.

وأصحهما: لا يفطر كإيجار غيره بغير اختياره، وهذا الخلاف كالخلاف في المغمى عليه المحرم إذا عولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية؟ انتهى.

وظاهر هذا الكلام أن الثانية كالأولى في إلحاقه بفعل الغير حتى لا تلزمه الفدية.

إذا علمت ذلك فقد ذكر المسألة قبيل باب محرمات الإحرام، وصحح أنه كفعله حتى تلزمه الفدية ثم شبه بهما الوجهين في الصوم وهو عكس ما ذكره هنا، وستعرف لفظه إن شاء الله تعالى هناك.

قوله: ولو أخرج لسانه وعليه الريق ثم رده وابتلع ما عليه ففيه وجهان: أظهرهما -وهو المذكور في "النهاية"- أنه لا يبطل صومه. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن الرافعي في "الشرح الصغير" قد صحح البطلان على عكس المذكور هنا، وعبر بالأصح.

الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" قد تابع الرافعي على الجزم بطريقة الوجهين، ثم إنه في "شرح المهذب" حكى فيه طريقين وصحح

ص: 70

طريقة القطع بعدم الإفطار فقال فيه طريقان حكاهما البغوي وغيره: المذهب وبه قطع المتولي أنه لا يفطر وجهًا واحدًا؛ لأنه لم ينفصل.

والثاني: في إفطاره وجهان.

هذا لفظه.

وقد جزم الغزالي في "البسيط" بأنه لا يفطر، وكذلك الإمام في "النهاية"، ونقله عن الأئمة، وما نقله في "شرح المهذب" عن البغوي من حكاية الطريقين ليس كذلك، بل فيه الجزم بحكاية وجهين فاعلمه، إلا أن يريد أن "المجموع" حكى المجموع.

قوله: قال الشافعي: وأكره العلك؛ لأنه يحلب الفم.

قال بعض الشارحين: كأنه حاذر اجتماع الريق على خلاف العادة، وقال آخرون: أراد بقوله يحلب الفم أنه يطيب النكهة ويزيل الخلوف فلذلك كرهه.

وهذا كله إذا كلان العلك صلبًا مستعملًا لا ينفصل منه شئ، فإن كان جديدًا متفتتًا فوصل منه شيء إلى الجوف أفطر. انتهى ملخصًا.

والعلك: بفتح العين مصدر علك يعلك بضم اللام أي: مضغ، كذا قاله النووي في "لغات التنبيه"، وفي "الكفاية": أن التقدير مضغ العلك.

قال: وهو كما قال البندينجي: أي الذي كلما مضغته صلب وقوي. هذا كلامه. ومقتضاه أنه اسم للشيء لا مصدر.

وقد جمع النووي في "شرح المهذب" بينهما فقال: العلك بكسر العين هو هذا المعروف، ويجوز بفتح العين ويكون المراد الفعل وهو مضغ العلك وإدارته. هذا كلامه.

ص: 71

وأما قول الشافعي: يحلب، فنقل النووي في "تهذيبه" و"شرح المهذب" عن "البحر" أنه يروى بالجيم وبالحاء المهملة؛ فمن قال بالجيم فمعناه: يجمع الريق فربما ابتلعه وذلك يبطل الصوم في أحد الوجهين ومكروه في الآخر.

وقيل: معناه يطيب الفم ويزيل الخلوف.

ومن قال بالحاء قال معناه: يمص الريق ويجهد الصائم.

وأما قوله: حاذر بالحاء المهملة: أي: خشى منه.

وهذا الكلام الذي ذكره الرافعي قد أسقطه في "الروضة" ثم ذكر بعد هذا استحباب ترك العلك، وسأذكر لفظه هناك.

قوله: الثانية: النخامة إذا حصلت في حد ظاهر الفم بانصبابها من الدماغ ثم نزلت إلى الباطن، فينظر إن لم يقدر على ردها لم يضر، وإن قدر ولكن ابتلعها قصدًا ضر، وإن تركها حتى نزلت بنفسها ففيه وجهان؛ أوفقهما لكلام الأئمة أنه يضر.

ثم قال: ونقل عن "الحاوي" وجهان مطلقًا في الإفطار بالنخامة، والوجه تنزيلهما على الحالة التي حكينا الخلاف فيها. انتهى كلامه.

وما حاوله الرافعي من رد هذا الخلاف إلى النزول بنفسها، والجزم بالبطلان عند الابتلاع ليس كذلك؛ فقد صرح الماوردي بهما في حال الابتلاع وزاد على ذلك وصحح أنه لا يضر فإنه قال: فأما النخامة إذا ابتلعها ففيه وجهان، ثم قال: والصحيح أنه أخرجها من صدره ثم يبلعها فقد أفطر كالقيء، وإن أخرجها من حلقه أو دماغه لم يفطر كالريق. هذا كلامه.

ص: 72

ثم إن شيخه الشيخ أبا حامد قد صرح بحكايتهما في هذه الحالة ونقله عن الغزالي في "الزوائد" وكذلك في "البيان" أيضًا، وعلل عدم البطلان بأن جنسهما معفو عنه.

وحذف النووي مقالة "الحاوي" ظنًا منه أن الأمر على ما فهمه الرافعي، وقد تبين بطلانه.

وهذه المسألة قد ذكر في "شرح المهذب" ما يشكل عليها فقال: فرع: لو طعنه غيره طعنة وصلت جوفه فغير أمره لكن أمكن دفعه فلم يدفعه ففي فطره وجهان حكاهما الدارمي، أقيسهما: أنه لا يفطر؛ لأنه لا فعل له.

قوله في "أصل الروضة": فرع: إذا تمضمض ذاكرًا للصوم فسبق الماء إلى جوفه. أو استنشق فسبق إلى دماغه فالمذهب أنه إن بالغ فيهما أفطر وإلا فلا.

وقيل: يفطر مطلقًا، وقيل عكسه. انتهى كلامه.

اعلم أن منقول المزني أنه يفطر، ومنقول الربيع عكسه، والمذهب على اصطلاح النووي من الطرق لا من الأقوال ولا من الوجوه، وكلامه يقتضي أن في المسألة ثلاث طرق كل منها يأتي للخلاف: أصحها حمل النصين على حالين.

والثانية: القطع بالفطر بالغ أم لا.

والثالثة: القطع بعدمه مطلقًا.

فهذا الاختصار مخالف لكلام الرافعي زيادة ونقصانًا فإنه ذكر ما ملخصه منقول المزني في "المختصر" أنه يفطر، ومنقول الربيع في اختلاف العراقيين عدم الفطر؛ فقال بعضهم: ولا يفطر قطعا وأول من نقله المزني.

ص: 73

وقال بعضهم: إن بالغ أفطر قطعًا وإلا فلا قطعًا، وحمل النصين عليهما.

والأصح أن المسألة على قولين، وفي محلهما طرق:

أصحها: أنه عند المبالغة، وإن لم يبالغ لم يفطر جزمًا.

والثانية: إذا لم يبالغ فإن بالغ أفطر قطعًا والثالثة: أنهما جاريان في الحالين. انتهى ملخصًا، وقد علمت منه أن القطع بالفطر -أي: عند المبالغة وعدمها- ليس في الرافعي وأن في الرافعي طرق أخرى ليست في "الروضة".

منها: أن المسألة على قولين إذا لم يبالغ، فإن بالغ أفطر قطعًا.

ومنها: أن محلهما إذا بالغ وإلا لم يفطر قطعا.

ومنها: أن القولين جاريان مطلقًا.

فإن كان مراد النووي بما صدر به كلامه أولا هي طريقة القولين فيرد عليه أن القولين ليسا في الحالين كما بيناه، هذا مع أن اللفظ أيضًا لا يقتضي هذا الحمل بل تتعذر إرادته، وبالجملة فقد صرح بعد هذا من زوائده بما اقتضاه كلامه فقال: المختار في الرابعة الجزم بالإفطار كالمبالغة هذه عبارته.

نعم الذي ذكره في "الروضة" هو حاصل الأقوال، المستفادة من هذه الطرق، فلو عبر بقوله، ففيه طرق حاصلها أقوال ثم يذكر ما ذكر فيها لاستقام.

وكأنه أراد أن يذكر هذا فنسيه في الاختصار ثم اغتر به فذكر بعد هذا من "زوائده" ما نقلناه عنه.

واعلم أن الرافعي في "المحرر" قد جزم بأن القولين فيما إذا لم يبالغ،

ص: 74

فإن بالغ أفطر قطعًا على عكس ما صححه الرافعي في "الشرح الكبير" و"الشرح الصغير".

قوله: وسبق الماء عند غسل الفم لنجاسة كسبقه في المضمضة والمبالغة هاهنا للحاجة ينبغي أن تكون كالسبق في المضمضة أي: لا مبالغة. انتهى.

وهذا الذي ذكره هنا بحثا قد جزم به في "الشرح الصغير".

قوله من "زوائده": ولو جعل الماء فيه لا لغرض فسبق فقيل: يفطر، وقيل بالقولين. انتهى.

ومراده بالقولين هما القولان في مسألة المضمضة، وقد تقدم أن كلامه لا يدل على قولين فيهما بالكلية، وقد تبين في "شرح المهذب" أن ناقل الطريقين هو المتولي، والمتولي لما حكاهما جعل الطريقة الثانية على الخلاف الذي في المضمضة ولم يخصه بقولين، وهذا هو الصواب.

قوله: لو بقي طعام في خلل أسنانه فجرى به الريق من غير قصد فمنقول المزني أنه لا يفطر، ومنقول الربيع أنه يفطر؛ وقيل: قولان، والأصح أن المسألة ليست على القولين، واختلف القائلون بهذا، فمنهم من قال ورواية المزني: ، فيما إذا لم يقدر على تمييزه ومجه، ورواية الربيع: فيما إذا قدر. وتوسط الإمام والغزالي فقالا: إن لم يتعهد تنقية الأسنان ولم يخلل فهو كصور المبالغة في المضمضة، وإن نقاها على الاعتياد فهو كغبار الطريق. انتهى ملخصًا.

والأصح من الطريقين المفرعين على الطريقة الثانية هى الطريقة الأولى -أعني: المفصلة بين القدرة على التمييز وعدمه- فقد صححها في "الشرح الصغير" وجزم بها النووي في "أصل الروضة" ولم يذكر المقالة الثانية فتوجه عليه اعتراضان: إسقاط طريقة، وزيادة تصحيح.

ص: 75

قوله: الخامسة: إذا خرج المني بالاستمناء أفطر، وإن خرج بمجرد الفكر والنظر بشهوة لم يكن مفطرا. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن خروجه بالنظر وإن لم يكن مفطرا لكنه يأثم بتكرر النظر كذا جزم به القاضي الحسين والشيخ أبو حامد في "تعليقه" الذي علقه عنه البندنيجي، والماوردي في "الحاوي"، والقاضي أبو الطيب في "تعليقه"، والروياني في "البحر" وفي "المختصر" المسمى "بكتاب المبتدئ" -بكسر الدال- ونقله في "شرح المهذب" عن الماوردي فقط ولم ينقل خلافه، وجزم البندنيجي في "الذخيرة" وأبو الخير سلامة بن جماعة المقدسي في "شرح المفتاح" بأن التكرار مكروه.

الثاني: أن ما ذكره في إنزال المني محله في الواضح، أما المشكل فلا يفطر بإنزاله من أحد الفرجين لاحتمال الزيادة، قاله في "البيان"، ونقله النووي في باب نواقض الوضوء من "شرح المهذب".

وهكذا حكم الجماع والحيض، وقد أوضحته في "كتاب الإيضاح".

قوله: وإن خرج بمباشرة فيما دون الفرج أو لمس أو قبلة أفطر، وحكى إمام الحرمين عن شيخه أنه حكى وجهين فيما إذا ضم امرأة إلى نفسه وبينهما حائل فأنزل قال: هو عندي كسبق ماء المضمضة.

فإن ضاجعها متجردًا فكمبالغة في المضمضة. انتهى ملخصًا.

وقد علمت منه أنه إذا تعاطي هذه الأمور بلا حائل فأنزل أفطر، وفيه الخلاف الذي ذكره الإمام، وإن كان مع الحائل، فإنه لا يفطر على الترجيح الذي ذكره الإمام ولم يذكر ما يوافقه ولا ما يخالفه.

ص: 76

والذي اقتضاه كلام الإمام من عدم الفطر عند الحائل قد ذكر الغزالي أيضًا نحوه، وجزم به أيضًا المتولي والروياني ونقله في "الكفاية" عن الجمهور، فتفطن لما ذكرته، والتعبير بالمباشرة يدل عليه؛ فإن مدلولها التقاء البشرة.

قوله: وتكره القبلة للشاب الذي تحرك القبلة شهوته ولا يأمن على نفسه، ولا تكره لغيره، وإن كان الأولى الاحتراز.

ومن كرهنا له القبلة فهل ذلك على سبيل التحريم أو التنزيه؟

حكى في "التتمة" فيه وجهين؛ والأول هو المذكور في "التهذيب". انتهى.

لم يرجح شيئًا منهما أيضًا في "الشرح الصغير" ولا تعرض لبيان هذه الكراهة في "المحرر".

والأصح أنها كراهة تحريم، كذا صححه النووي في "أصل الروضة" وفي غيرها من كتبه، ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زياداته بل أدخله في كلام الرافعي، فتفطن له؛ فإن هذا الوهم قد سرى إليه هو في "شرح المهذب" فقال: قال الرافعي وغيره: الأصح أنها كراهة تحريم.

وما صححه النووي من التحريم قد نص عليه الشافعي كما نقله القاضي أبو الطيب في "تعليقه" فإنه قال ناقلًا عن المزني: مسألة قال -يعني الشافعي: ومن حركت القبلة شهوته كرهناها له، وإن فعل لم ينتقض صومه، وتركها أفضل.

وهذا الكلام ليس على ظاهره، وقد ذكره الشافعي في "الأم".

ثم إن المزني نقل بعضه وأخل بالبعض؛ وذلك أن الشافعي قال في

ص: 77

"الأم": ومن حركت القبلة شهوته فالقبلة محرمة عليه، ومن لم تحرك القبلة شهوته كرهناها له وإن فعل لم ينتقض صومه.

فنقل المزني المسألة الأولي دون حكمها ونقل حكم الثانية هذا كلام القاضي.

وقد علم منه أيضًا كراهتها عند الأمن على خلاف ما جزم به الرافعي والنووي.

واعلم أن ذكر الشاب إنما هو؛ لأن الغالب أن خوف الإنزال إنما يحصل له، ولا فرق في الحكم بين الشاب والشيخ كما قاله في "شرح المهذب"؛ ولذلك حذف لفظ الشاب من "الشرح الصغير" و"الروضة".

وإسقاطه يؤخذ منه أيضًا التسوية بين الرجل والمرأة، وهو متجه.

وقوله: ولا يأمن على نفسه أي: من الجماع أو من الإنزال كما صرح بهما في "التتمة"، وإن كان في كلام بعضهم الاقتصار على أحدهما، ولكن المراد ما ذكرناه.

قوله: السادسة: لو أكره حتى أكل بنفسه، ففيه قولان:

أحدهما: لا يفطر؛ لأن حكم اختياره ساقط وأكله ليس منهيًا عنه؛ فأشبه الناسي.

والثاني: يفطر؛ لأنه أتى بضد الصوم ذاكرًا له غايته أتى به لدفع الضرر عن نفسه، ولا أثر له في دفع الفطر كما لو أكل لدفع الجوع، وهذا أصح عند صاحب الكتاب. انتهى كلامه.

وقد اختصر هذا الكلام في "الروضة" بقوله: فلو أكره على الأكل لم يفطر على الأظهر.

ص: 78

هذه عبارته، وحاصله أنه انعكس عليه تصحيح الغزالي، ثم إنه أطلق التصحيح على عادته في عدم الإعزاء فوقع الغلط.

وقد ذكر في "المحرر" أيضًا نحو ما ذكره في "الشرح" فقال: قولان رجح منهما البطلان، وقال في "الشرح الصغير": أصح القولين عند الغزالي أنه يفطر، ولا يبعد ترجيح الصحة. انتهى.

وهذا النقل عن الغزالي هو في "الوجيز" خاصة، وجزم في "الخلاصة" في الكلام على الجماع بأنه لا يفطر، وحكى في "البسيط" و"الوسيط" قولين من غير ترجيح.

وقد نقل -أعني النووي- في "شرح المهذب" عن الرافعي أنه صحح عدم الفطر فقال ما نصه: أصح القولين أنه لا يبطل وممن صححه الرافعي في "الشرح الكبير"، ولا يعتبر بتصحيح الرافعي في "المحرر" البطلان وقد نبهت عليه في "مختصر المحرر". انتهى.

وكلا النقلين عن الرافعي غير مسلم، أما نقله عن "الشرح" فغلط صريح، وأما عن "المحرر" فقريب من ذلك؛ لأن عبارة "المحرر": رجح بالبناء للمفعول كما تقدم؛ فكأنه قال رجحه بعضهم.

وسبب وقوع هذا الوهم للنووي أنه لما صنف "الروضة" وحصل له فيها هذا الوهم وصنف "المنهاج" فعبر فيه بالصحيح بدلًا عن قول الرافعي رجح صار يأخذ منهما ويعزوه للرافعي.

قوله في المسألة: ويجري القولان في ما لو أكرهت المرأة حتى مكنت، وكذلك في ما إذا أكره الرجل حتى وطأ إن قلنا بتصور الإكراه على الوطء نعم لا تجب الكفارة وإن حكمنا بالإفطار للشبهة، فإن قلنا: لا يتصور، بطل الصوم ولزمته. انتهى.

ص: 79

فيه كلام مذكور في الجنايات يتعين الوقوف عليه.

قوله: ولو نسى فأكل أكلًا قليلًا لم يفطر، وإن كثر ففيه وجهان كالوجهين في بطلان الصلاة بالكلام الكثير. انتهى.

وما ذكره من كون الوجهين هنا كالوجهين هناك قد سبق منه في الصلاة ما يخالفه؛ فإنه جعل الوجهين مرتبين فراجعه.

قوله في المسألة: قلت: الأصح هنا أنه لا يفطر، والله أعلم. انتهى كلامه.

وما جزم به في هذه المسألة من إثبات الخلاف وقد خالفهما معًا في "شرح المهذب" فإنه حكى فيه طريقين: أحدهما: هذه.

والثانية، القطع بعدم الفطر، ثم صححها فقال: المذهب المنصوص الذي قطع به الجمهور: أنه لا يفطر وجهًا واحدًا، وقيل: وجهان.

قوله: فإن أكل جاهلًا بكونه مفطرًا، فإن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ ببادية، وكان يجهل مثل ذلك لم يفطر، وإلا أفطر. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن التعبير بالجهل بالإفطار قد تبعه عليه أيضًا في "الروضة"، وهي عبارة مدخولة؛ فإنها تقتضي أن من جهل الإفطار به لم يفطر وإن علم التحريم، وليس كذلك؛ فإن نظيره من الكلام في الصلاة مبطل لها كما تقدم في موضعه، وبه صرح الإمام هناك فقال: لو تكلم الرجل عالمًا بأن الكلام محرم في الصلاة ولكن لم يعلم كونه مفسدًا؛ فتفسد صلاته به وفاقًا.

وهذا يطرد في الصوم وغيره. هذا لفظ "النهاية".

ص: 80

فثبت أنه دائر مع الجهل بالتحريم لا مع الجهل بالإفطار، وبذلك عبر في "شرح المهذب".

نعم إن علم أن جنس الأكل محرم ولم يعلم أن ما أتى به محرم من ابتلاع درهم أو حصاة أو تراب أو نحوها مفطر فهو نظير ما إذا علم المصلي أن جنس الكلام محرم ولم يعلم أن ما أتى به محرم، وقد قال النووي في "أصل الروضة": إنه معذور على الأصح، وقد صرح القاضي حسين في "تعليقه" في الكلام على خيط الخياطة بحكاية وجهين في أمثال هذه الأشياء فقال: كل مسألة تدق وتغمض معرفتها هل يعذر فيها العامي؟ على الوجهين.

الأمر الثاني: أن مقتضى كلام الرافعي أنه لا فرق في عدم الفطر في حق الجاهل بين قليل الأكل وكثيره، وهو متجه.

وكلامه في "الشرح الصغير" يقتضي جريان الخلاف المذكور في الناسى؛ فإنه قال بعد حكايته: والجاهل القريب العهد بالإسلام كالناسي.

هذا لفظه، ومقتضاه البطلان بالكثير على الصحيح عنده.

وقد صرح بذلك في نظير المسألة وهو الجاهل بتحريم الأكل في الصلاة، وسبق ذكر لفظه هناك فراجعه.

بل بطلان الصوم به أولى من بطلان الصلاة؛ لأنه عكسه، وحقيقة الصوم وهو الإمساك، وحقيقة الصلاة أفعال وأقوال والإمساك ليس منها.

قوله: ولو جامع ناسيًا لم يفطر، وقيل قولان كجماع المحرم ناسيًا. انتهى.

ص: 81

تبعه عليه في الروضة، وهو يقتضي أنه لا فرق بين أن يطول زمن الجماع أم لا.

وقياس ما سبق في الأكل عند الرافعي من التفصيل المذكور أن يأتي هنا أيضًا، بل أولى؛ لأنه دائر بين اثنين إن نسى أحدهما فيذكره الآخر، بخلاف الأكل.

وقد عبر في "المحرر" بعبارة صريحة في مجيء التفصيل، فإنه بعد إيضاحه في الأكل عبر بقوله: والجماع كالأكل على الأصح.

وذكر مثله في "المنهاج" إلا أنه عبر بالمذهب.

قوله في "أصل الروضة": ولو كل ظانًا غروب الشمس فبانت طالعة، أو ظن أن الفجر لم يطلع فبان طالعًا أفطر على الصحيح. انتهى.

وتعبيره في المسألة الثانية بقوله أفطر تعبير غير مستقيم فإنه لم يزل مفطرًا؛ إذ لم ينعقد صومه، وتعبير الرافعي صحيح، فإنه عبر بقوله: لم يجزئه.

قوله فيها أيضًا: فلو هجم في الطرفين فأكل بلا ظن فإن تيقن الخطأ فحكمه ما سبق في الفرع قبله. انتهى كلامه.

ذكر الرافعي نحوه أيضًا.

ويعني بالفرع الذي قبله ما إذا أكل ظانًا غروب الشمس فبانت طالعة، لكنه قد تقدم فيه خلاف في أنه هل يفطر أم لا؟

ولا يمكن القول به فيما إذا هجم في آخر النهار وبان أنها لم تغرب؛ لأن الرافعي قد جزم في الحال المذكور وهو الهجوم في آخر النهار بأن

ص: 82

القضاء يجب إذا لم يتبين الحال فكيف يجئ مع الجزم عند الجهل أن يتردد مع تبين الخطأ؟ .

قوله من "زوائده": والأكل هجوما بلا ظن حرام في آخر النهار وجائز في أوله، وقال الغزالي في "الوسيط": لا يجوز، ومثله في "التتمة"، وهو محمول على أنه ليس مباحًا مستوي الطرفين بل الأولى تركه.

ثم قال: ولا خلاف في الجواز لقول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} . . . . إلى آخره.

وهذا التأويل الذي ذكره النووي مع كونه مخالفًا لمدلولات الألفاظ ومؤديًا إلى عدم الوثوق بما يقع في عبارتهم ذهول عما ذكره في "التتمة": فإن هذه المسألة قد ذكرها في المسألة الثانية من الباب الثالث من كتاب الصوم وبعد ذكره لها ذكر في المسألة الثالثة ما ينفي هذا التأويل فإنه ذكر أن القضاء يجب على كل من أكل شاكًا في طلوع الفجر ثم تبين له طلوعه، وعلله بقوله: لأن التقصير منه حيث اشتغل بالأكل مع علمه بأن الأكل بالنهار حرام من غير أن يتحقق بقاء الليل.

هذا لفظه، فصرح بالتحريم.

ونقل ابن الرفعة عن البغوي أنه يكره، وحينئذ فيكون فيه ثلاثة أوجه.

قوله: ولو طلع عليه الفجر وفي فيه طعام فلفظه في الحال فسبق شيء إلى جوفه بغير اختياره فوجهان مخرجان من سبق الماء في المضمضة. انتهى ملخصًا.

والأصح منهما أنه لا يفطر، كذا صححه في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة".

ص: 83

قوله في "أصل الروضة": أما إذا طلع الفجر وعلمه بمجرد الطلوع فمكث بطل صومه قطعًا وتلزمه الكفارة على المذهب، وقيل: قولان. انتهى.

واعلم أن الرافعي أيضًا قد عبر بقوله: فسد صومه، وكلا العبارتين مشعرة بانعقاد الصوم وطروء الفساد عليه، وهو الذي جزم به أبو علي الطبري في "الإفصاح"، والقاضي الحسين في "تعليقه"، ونقله في "النهاية" عن شرذمة وادعى أنه خيال ومحال، والمعروف في المذهب أنه لم ينعقد، فقد قال في "النهاية": الذي ذهب إليه معظم الأئمة في المذهب أن الصوم لم ينعقد، وسبب وجوب الكفارة منع عقد الصوم بالجماع، والمنع في معنى القطع. . . . إلى آخر كلامه.

وقال الشيخ أبو حامد: إن من قال: انعقد ثم فسد لا يعرف في مذهب الشافعي.

وذكر مثله البندنيجي ونقله عنه في "شرح المهذب" واقتصر عليه، وصرح أيضًا بأن الكفارة لأجل عدم الانعقاد جماعة كثيرة منهم: الماوردي في "الحاوي"، والمتولي في "التتمة"، وسليم الرازي في "رؤوس المسائل"، وذكر القاضي أبو الطيب في "تعليقه" نحوه أيضًا.

وهذا الخلاف الذي ذكرناه في انعقاد الصوم، وقد صرح به أيضًا الرافعي في كتاب الحج قبيل الكلام على سنن الإحرام بنحو ورقة وصفحة، وسوف أذكره هناك إن شاء الله تعالى.

ص: 84