الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أين الطرف الأول
الطرف الثاني: في صفات المؤدي
قوله: وهى: الإسلام .. إلى آخرها.
فيه أمران:
أحدهما: أن المصنف رحمه الله حصر شروط المؤدي في الإسلام، والحرية، واليسار.
وهذا الكلام يقتضي أن الجنين إذا وضع مثلًا ليلة الفطر تجب عليه فطرة نفسه وعبيده الذين كانوا في ملكه وقت الغروب.
لكن ذكر الرافعي عند الكلام على فطرة المطلقة البائن أن الجنين لا تجب عليه فطرة نفسه، فإذا لم يكلفوه الإخراج عن نفسه فبطريق الأولى عن غيره.
وأيضًا فإن زكاة المال لا تجب عليه على الصحيح؛ فكذلك زكاة الفطر.
وتلخص من ذلك أنه لابد من زيادة قيد في المسألة.
الأمر الثاني: أن ما ذكره في الكافر محله في الأصلى، فأما المرتد فتأتي فيه الأقوال في زكاة ماله، كذا نقله في "شرح المهذب" عن الأصحاب.
قوله: ولو كان في نفقة الكافر مسلم، ففي وجوب فطرته عليه خلاف في أنها هل تجب ابتداء أو بطريق التحمل.
ثم قال: فإن قلنا بالوجوب فقد قال الإمام: لا صائر إلى أن المتحمل عنه ينوى والكافر لا تصح منه النية؛ وذلك يدل على استقلال الزكاة بمعنى المواساة. انتهى.
ذكر مثله في "الروضة"، وهو كلام مجمل، وقد ذكر في الظهار في الكلام على الكفارات كلامًا لابد منه فقال في الكلام على تكفير الكافر: ويشترط أن ينوي الكافر بالإعتاق والإطعام نية التمييز دون نية التقرب. هذا كلامه.
واعلم أن المتولي قد ذكر أن الإمام يأخذها من ماله كزكاة الممتنع وهذا الكلام يشعر بإلحاقه به في النية، والأصح [هناك](1) وجوبها.
قوله: ولو أسلمت ذمية تحت ذمي واستهل الهلال في تخلف الزوج ثم أسلم قبل انقضاء العدة؛ ففي وجوب نفقتها في مدة التخلف خلاف يأتى في موضعه.
ثم ذكر بعد ذلك ما حاصله أن الفطرة كالنفقة.
واعلم أن تقييده بما قبل العدة [حاصله أن الفطرة كالنفقة](2) ويوهم أن ما بعدها لا يجري فيه خلاف وليس كذلك بل فيه خلاف، والصحيح أيضًا أن حكمه حكم ما قبله؛ لأنها محبوسة بسببه فتفطن له.
قوله في "الروضة": وفي المكاتب ثلاثة أقوال أو أوجه:
أصحها: لا فطرة عليه ولا على سيده.
والثاني: تجب على سيده.
والثالث: تجب عليه في كسبه كنفقته. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن الإيجاب على السيد لم يحكه الرافعي وجهًا بل قولًا قديمًا عن رواية أبي ثور فقال: روى أبو ثور عن القديم: أنها تجب على السيد؛
(1) في حـ: هنا.
(2)
سقط من جـ.
لأنه عبد ما بقي عليه درهم.
وأنكر الشيخ أبو علي أن يكون هذا قولًا للشافعي وقال إنه مذهب أبي ثور نفسه، هذا لفظ الرافعي.
وإنما تردد الرافعي في المقالتين النافيتين فنقل عن صاحب "التهذيب" أنهما وجهان، وعن الإمام وغيره أنهما قولان، وأن الإمام قال: إن الأول منصوص عليه، والآخر مخرج.
وما ذكره الإمام من كون الأول منصوصًا عليه هو الصواب فقد نص عليه في "الأم" في موضعين، وقال في "شرح المهذب": إنه المنصوص عليه في كتب الشافعي.
الأمر الثاني: أن هذا الكلام الذي نقله الرافعي عن الشيخ أبي علي حاصله حكاية طريقة قاطعة بنفي هذا القول حتى لا يبقى إلا قولان أو قول ووجه؛ لأن تفردات أبي ثور لا تعد وجهًا فأسقط النووي هذه الطريقة.
الأمر الثالث: أن هذا الخلاف محله في المكاتب كتابة صحيحة، أما المكاتب كتابة فاسدة ففطرته على سيده.
كذا جزم به الرافعي في باب الكتابة.
وذكر قبله بقليل أن نفقته لا تجب على سيده؛ لأنه استقل بالكسب كذا نقله عن الإمام والغزالي ولم يخالفه، ذكر ذلك جميعه في الباب الثاني من أبواب الكتابة مفرقًا وقد علمت منه أن الفطرة في هذه الصور ليست تابعة للنفقة، فتفطن له.
قوله: الأمر الثالث: اليسار؛ فالمعسر لا زكاة عليه وكل من لم يفضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته ليلة العيد ويومه ما يخرجه في الفطرة فهو معسر، ومن فضل عنه ذلك فهو موسر. انتهى كلامه.
وهو يقتضي أن القدرة على الكسب لا تخرجه عن الإعسار، وقد صرح بذلك في الكلام على الاستطاعة في الحج فقال: كما أن القدرة على الكسب في يوم الفطرة لا تجعل كحصول النصاب، هذه عبارته.
قوله: وهل يشترط كون الصاع فاضلًا عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إليه للخدمة؟ فيه وجهان. انتهى ملخصًا.
تابعه في "الروضة" على حكاية الخلاف من غير تصحيح، والأصح هو الاشتراط، كذا صححه الرافعي في "المحرر" و"الشرح الصغير". وكلامه في "الكبير" في بيع جزء من العبد في فطرته يدل عليه، وصححه أيضًا النووي في "المنهاج" و"شرح المهذب" و"نكت التنبيه".
واعلم أن النووي في "الروضة" نقل الاشتراط عن الإمام، ثم قال: وإذا نظرت كتب الأصحاب لم تجد ما ذكره.
وهذا التعبير مع حكاية الخلاف عقبه تعبير متهافت.
وكلام الرافعي صحيح؛ فإنه عبر بقوله وجدت أكثرهم ساكتين فاعلم ذلك.
قوله: وربما استشهدت بكونهم لم يذكروا دست ثوب يلبسه، ولا شك في اعتباره. انتهى.
وهذا الكلام من الرافعي يوهم أنه لم يجد لأحد تصريحًا باعتبار الكسوة، وهو غريب فقد صرح به في "التتمة" فقال: المعتبر عندنا أن يملك صاعًا فاضلًا عن قوته وقوت من تلزمه نفقته في يوم العيد وكسوتهم.
وصرح به أيضًا في "النهاية" فقال: ولا شك أنه لا يحسب عليه دست ثوب يليق بمنصبه ومروءته. هذا لفظه، وكذا النووي في "نكت التنبيه"،
وعبر بقوله: قال أصحابنا، إلا أن تعبير الرافعي يحتمل عود الضمير فيه إلى الأكثر.
قوله: وهل يعتبر الدين؟ إلى آخره.
اعلم أن الرافعي قد ذكر في ذلك خلافًا بعضه هنا وبعضه في آخر الباب، ولم يصرح فيه بترجيح.
وكذا النووي في "الروضة"، وقد رجح في "الشرح الصغير" أنه لا يعتبر فقال: في كلام الشافعي والأصحاب ما يدل على أن الدين لا يمنع وجوب الفطرة، وهو الأشبه بالمذهب، وكلامه في "المحرر" يقتضيه أيضًا، فإنه لم يشترطه ورجح صاحب "الحاوي الصغير" اعتباره وهو الذي جزم به النووي في "نكت التنبيه" ونقله عن الأصحاب.
قوله: حتى لو انتهى في الكفارة إلى المرتبة الأخيرة وهى الإطعام ولم يجد إلا إطعام ثلاثين قال الإمام: يتعين عندى إطعامهم قطعًا. انتهى.
وهذه المسألة التى اقتضى كلامه عدم الخلاف فيها قد ذكرها في آخر الظهار، وحكى فيها خلافًا وتفريعًا مع أمور أخرى تتعلق بها؛ ولهذا أسقطها من "الروضة" هنا، فاعلم ذلك وراجعه.
قوله: وإذا فضل صاع وله عبد صرفه عن نفسه، وهل يلزمه أن يبيع في فطرة العبد المحتاج إليه جزءًا منه في فطرته -أي: في فطرة العبد-؟ فيه وجهان.
ثم قال: ويحسن أن يرتب فيقال: إن قلنا: إنه لا يباع في الفطرة فلا يباع الجزء المذكور، وإن قلنا: يباع فهاهنا وجهان. انتهى.
وهذا الذي ذكره قد صرح به في "التتمة"، ونقله عنه في "الكفاية".
قوله في المسألة: ويتلخص في بيع جزء من العبد لفطرته ثلاثة أوجه: أصحها: الفرق بين أن يحتاج إليه أو يستغنى عنه، وصور المسألة في "الوسيط" بما إذا كان العبد مستغن عنه، والخلاف ليس مختصًا به بلا شك. انتهى.
واعلم أن هذا الثالث لا يأتي مع التصوير المنقول عن "الوسيط"، بل حكى الثالث على كيفية غريبة فقال: هل له أن يبيع جزءه فيها؟
ثالثها: الأعدل إن استغرق الصاع قيمته لم يخرج عنه، وإن كان عشره مثلًا يشتري تسعة أعشار صاع فليخرجه عن الباقي بعد بيع العشر؛ لأن من لا يملك إلا تسعة أعشار عبد إنما يلزمه تسعة أعشار صاع، ثم وجه المنع باتحاد المخرج والمخرج عنه. انتهى.
وهذا قد ذكره الإمام احتمالًا.
قوله: ولو فضل صاع وله زوجة وأقارب فأراد أن يوزع الصاع لم يجز في أصح الوجهين.
ثم قال: وأورد المسعودي وجه التوزيع إيرادًا يشعر بأنه يتعين ذلك محافظة على الجواب. انتهى.
وهذه الطريقة التي للمسعودي أسقطها النووي فلم يذكرها في "الروضة"، ثم إنها هى الطريقة المعروفة فقد نقله الإمام عن الصيدلاني، وجزم بها القاضي الحسين، والفوراني، وصاحب ["البحر"](1) و"التتمة" و"البيان" و"الذخائر"، وابن يونس شارح "التنبيه"(2).
(1) سقط من أ، ب.
(2)
في حـ: تقديم وتأخير بين الأقوال.
قوله: فإن فضل صاع واحد واجتمع في نفقته جماعة واستووا فهل يتخير بينهم أو يقسط؟ فيه وجهان.
ويتأيد وجه التقسيط بالنفقة فإنها توزع في مثل هذه الحالة، ولم يتعرضوا للإقراع هاهنا وله مجال في نظائره. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن تأييد الرافعي لوجه التقسيط فيه إشعار برجحانه، ولم يذكره في "الروضة" أعني [التأييد](1) -بل صحح من زياداته، وفي "شرح المهذب" أنه يتخير، وكذلك صاحب "الحاوي الصغير".
الأمر الثاني: أن ما ذكره الرافعي من كونهم لم يتعرضوا للقرعة قد تابعه عليه في "الروضة".
وليس كذلك، فقد جزم به أبو الحسن منصور التميمي تلميذ الربيع صاحب الشافعي؛ كذا رأيته في كتابه المسمى "بالمسافر" مستدركًا به على ما نقله عن الشافعي فقال: وإذا كان عنده بعد نفقة يومه ما يزكي به عن [بعض من يمون زكى به عن من شاء منهم، قال منصور: بل يقرع بينهم فيزكي عمن](2) قرع أصحابه منهم؛ لأن كلًا ذو حق. هذه عبارته.
قوله: ولو كان في نفقته جماعة وفضل عن كفايتهم ما يؤدى في فطرة بعضهم قدم فطرة من تقدم نفقته على الوفاق والخلاف المذكور في كتاب النفقات.
ثم قال: وظاهر المذهب من الخلاف الذي ذكرناه وما أجريناه إلى النفقات أنه يقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأب ثم الأم ثم ولده الكبير.
(1) في أ: الثانية.
(2)
سقط من أ.
هذا لفظه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما قاله من كون المذكور في النفقات أن الأب يقدم في النفقة على الأم ليس كذلك؛ بل الذي صححه هناك هو العكس.
والذي قاله هنا من تقديم الأب قد وقع أيضًا في "الروضة" وفي "المحرر" و"مختصره" و"تصحيح التنبيه".
وتفطن النووي في "شرح المهذب" لهذه المناقضة فحاول [الجمع](1) بينهما فقال: إنما قدموا في النفقات الأم لعجزها، وأما الفطرة فإنها لتطهير المخرج عنه وتشريفه، والأب أحق بهذا؛ فإنه منسوب إليه ويشرف بشرفه، ومراد الأصحاب بقولهم كالنفقة أي: في الترتيب، وقد شاركته في المعظم. انتهى كلامه.
وهذا الطريق الذي سلكه في الجمع بين الكلامين فاسد لوجوه:
أحدها: أن المعنى الذي ذكره وهو مراعاة الشرف ذهول عجيب؛ فإنا لو راعيناه لم نقدم فطرة الابن الصغير على الأبوين؛ فدل على إلحاقها بالنفقة في تقديم الأحوج فالأحوج.
ثانيها: أن هذا الطريق إنما يستقيم التمسك به لو تكلموا هنا على المقدم منهما في الفطرة ولم يتكلموا في النفقة، وليس كذلك، بل قد صرحوا تصريحًا لا احتمال فيه ولا وقفة بأنا إنما قدمنا الأب في الفطرة؛ لأنه المقدم في النفقة، بل صرحوا بأنه المقدم فيها فراجع العبارة المتقدمة.
ثالثها: أن الرافعي لما تكلم هنا في "الشرح الصغير" على المقدم في الفطرة ذكر أن الأصح أنه يقدم فيها من تقدم نفقته، ولم يذكر مراتب من
(1) في حـ: أن يجمع.
يقدم بل أحاله على الترتيب المذكور في النفقات من غير استثناء، إلا أن الشيخ محيي الدين لم يطالع "الشرح الصغير"، ولهذا فاته منه مواضع كثيرة من مقاصده في "الروضة" وغيرها، ولو وقف عليه لم يذكر هذا التأويل، واختار صاحب "الحاوي الصغير" تقديم الأب في الموضعين.
رابعها: أن الشاشي قد صرح في "الترغيب" بتقديم فطرة الأم على فطرة الأب.
الأمر الثاني: أن كلامه يقتضي أيضًا أنه صحح في كتاب النفقات تقديم الأب على الابن الكبير، وليس كذلك، بل حكى فيها ثلاثة أوجه:
ثالثها: التساوي، ثم قال: والتساوي هو اختيار القفال.
ولم يذكر هو ولا النووي كلامًا آخر.
وهذا إن لم يشعر بترجيح الثالث فلا ترجيح فيه أصلًا.