المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين: - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٤

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌ زكاة الفطر

- ‌الطرف الثاني: في صفات المؤدي

- ‌الطرف الثالث: في صفات المخرج

- ‌كتاب الصيام

- ‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات

- ‌القول في شرائط الصوم:

- ‌القول في السنن

- ‌القسم الثاني في مبيحات الإفطار وموجباته

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

- ‌الباب الثاني: في أعمال الحج

- ‌الفصل الأول: في الإحرام

- ‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام

- ‌الفصل الثالث: في سنن دخول مكة

- ‌الفصل الرابع: في الطواف

- ‌الفصل الخامس: في السعي

- ‌الفصل السادس: في الوقوف

- ‌الفصل السابع: في أسباب التحلل

- ‌الفصل الثامن: في المبيت

- ‌الفصل التاسع: في الرمي

- ‌الفصل العاشر: في طواف الوداع

- ‌الفصل الحادي عشر: في حكم الصبى

- ‌الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة

- ‌النوع الأول: اللبس

- ‌النوع الثاني: الطيب

- ‌النوع الثالث دهن شعر الرأس واللحية

- ‌النوع الرابع: الحلق والقلم:

- ‌النوع الخامس: الجماع

- ‌النوع السادس: مقدمات الجماع

- ‌الباب [الرابع] (*) في الدماء

- ‌الفصل الأول في أبدالها

- ‌الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها

الفصل: ‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

القسم الثاني في المقاصد: وفيه أبواب:

‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

قوله: وكل من الإفراد والتمتع والقران جائز بالاتفاق، وأما الأفضل منها فإن قول الشافعي لا يختلف في تأخير القران عن الإفراد والتمتع. . إلى آخره: فيه أمران:

أحدهما: أن ما ادعاه من أن نصوص الشافعي متفقة على تأخير القران غريب؛ فقد حكى جماعة منهم صاحب "البيان" قولًا أنه -أي القران- أفضل منها، وحكوه كما قاله في "شرح المهذب" عن نصه في "أحكام القرآن" بل في "الوسيط" وغيره قول أن القران أفضل من التمتع فقط، وقد ذكره الرافعي بعد هذا في آخر الفصل.

الأمر الثاني: أنه إذا قرن واعتمر بعده أيضًا فينبغي أن يكون أفضل من الإفراد لاشتماله على مقصوده مع زيادة عمرة أخرى.

وهو نظير ما قالوه في المتيمم أنه إذا رجى الماء فصلى أولًا بالتيمم على قصد إعادتها بالوضوء فإنه أفضل لا محالة، وهكذا إذا اعتمر المتمتع بعد الحج أيضًا خصوصًا إذا كان مكيًا، أو عاد لإحرام الحج إلى الميقات فإن فوات هذه الشروط لا يخرجه عن كونه متمتعًا وإنما يسقط الدم.

قوله: ولو أحرم بالعمرة ثم شرع في الطواف لم يجز إدخال الحج عليها، وذكروا في تعليله أربعة معان:

أحدها: أنه اشتغل بعمل من أعمال العمرة فيقع عنها ولا ينصرف بعده إلى القران.

والثاني: إتيانه بفرض من فروضها لأن الفرائض هي المقصودة.

ص: 260

والثالث: إتيانه بمعظم أفعالها.

والرابع: أنه أخذ في التحليل المقتضى لنقصان الإحرام فلا يليق به إدخال الإحرام المقتضى لقوة الإحرام وكماله، وهذا هو الذي أورده أبو بكر الفارسي في "العيون".

فإن أدخل العمرة على الحج فالجديد أنه لا يجوز، والقديم جوازه.

وعلى هذا فإلى متى يجوز الإدخال فيه أربعة أوجه مفرعة على المعاني الأربعة: أحدها وهو الأصح كما قاله البغوي: يجوز ما لم يشرع في طواف القدوم أو غيره من أعمال الحج.

والثاني: ما لم يأت بالسعي أو غيره من الفروض. قاله الخضري.

والثالث: ما لم يقف بعرفة.

والرابع: ما لم يشتغل بشيء من أسباب التحلل.

انتهى، والأصح هو الرابع كذا قاله في "شرح المهذب"، ونقله عن النص وهو مراد الرافعي بقوله أورده الفارسي في "العيون"؛ فإن الكتاب المذكور موضوع لنصوص الشافعي.

قوله: فإن أفسد العمرة ثم أدخل عليها الحج ففيه خلاف لعلنا نورده من بعد إن شاء الله تعالى. انتهى.

وهذا قد ذكره بعد ذلك كما أشار إليه هنا، وصحح أنه ينعقد إحرامه بالحج ولكن ينعقد فاسدًا. ذكر ذلك قبل الكلام على سنن الإحرام.

قوله: وبجب على القارن دم لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بقرة وكن قارنات (1).

ولأن الدم واجب على المتمتع بنص القرآن. وأفعال المتمتع أكثر من

(1) أخرجه البخاري (3917) ومسلم (1253) من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 261

أفعال القارن، وإذا وجب عليه الدم فلأن يجب على القارن كان أولى.

وصفه دم القران كصفة دم التمتع، وعن مالك أن على القارن بدنه، وحكى الحناطي عن القديم مثله، لنا أن المتمتع أكثر من فيها لاستمتاعه بمحظورات الإحرام بين النسكين، فإذا اكتفى منه بشاة فلأن يكتفي بها من القارن أولى. انتهى كلامه.

وهذان التعليلان لا يمكن القول بصحتهما من قائل واحد؛ لأن الأول يقتضي أن القران أولى بوجوب الدم من التمتع، والثاني عكسه.

والحديث المذكور ثابت في الصحيحين.

قوله: الثالث: التمتع وهو أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويدخل مكة ويأتي بأفعال العمرة ثم ينشئ الحج من مكة. انتهى.

وتقييده بميقات بلده ليس بشرط، وسأنقل بعد ذلك في آخر المسألة من كلامه ما يوضحه، وكذلك تقييده أيضًا الحج بكونه من مكة، بل لو أحرم به من ميقات بلده كان متمتعًا أيضًا غير أنه لا يلزمه الدم.

وعبارة "الروضة" في هذه المسألة كعبارة الرافعي.

قوله: وإنما يجب الدم على المتمتع بشروط: أحدها: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام.

ثم قال: وحاضروا المسجد الحرام من مسكنه دون مسافة القصر.

وهذه المسافة هل تعتبر من نفس مكة أو من الحرم؟ فيه وجهان حكاهما إبراهيم المروزي.

والثاني: هو الدائر في عبارات أصحابنا العراقيين. انتهى.

وهو يقتضي رجحان الثاني، وصرح بترجيحه أيضًا في "الشرح الصغير"

ص: 262

فقال إنه أشبه الوجهين. ثم إنه في "المحرر" خالف ما ذكره في "الشرحين" فقال: إنما يجب على المتمتع إذا لم يكن من حاضري "المسجد الحرام" وهو من بعد مسكنه عن مكة فوق مسافة القصر. هذا لفظه.

والفتوى على ما في "المحرر" فقد نقله صاحب "التقريب" عن نص الشافعي فقال: حاضر المسجد الحرام عند الشافعي من بينه وبين مكة مسافة لا تقصر فيها الصلاة.

نص عليه في "الإملاء"، وأيده الشافعي بأن اعتبار ذلك من الحرم يؤدي إلى إدخال البعيد عن مكة وإخراج القريب لاختلاف المواقيت. هذا كلام "التقريب" ومنه نقلت.

واعلم أن "المحرر" مخالف "للشرحين" من وجه آخر وهو جعله من كان على مسافة القصر من الحاضرين.

وقد غير النووي في "المنهاج" عبارة "المحرر" فقال: وحاضروه من دون مرحلتين من مثله، ثم استدرك عليه في اعتبار المسافة من مكة وقال: إن الأصح اعتبارها من الحرم؛ فاندفعت عنه المخالفة الأولى، لكنه يوهم أن الرافعي جعل من كان على مسافة القصر من الحاضرين، وذكر المسألة في "شرح المهذب" كما ذكرها في "المنهاج".

وهاهنا سؤالان:

أحدها: أن القادر على المشي يلزمه الحج إذا كان على مسافة لا يقصر فيها الصلاة، والمذكور في "الشرحين" و"الروضة" أن هذه المسافة تعتبر من مكة لا من الحرم، وهو عكس ما تقدم، ويمكن الفرق بأن الحج مضاف إلى البيت فاعتبر بخلاف المسجد الحرام في قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ

ص: 263

حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (1) فإنه جميع الحرم، وفي الفرق نظر.

الثاني: وقد أورده النووي في "نكت التنبيه" فقال: جعلوا مكة وما جاورها من الأمكنة التي أهلها معدودون من حاضري المسجد الحرام كالشئ الواحد حتى لا يجب على المتمتع الدم عند عدم عوده إلى الميقات، ولم يجعلوا ذلك كالشئ الواحد فيما إذا جاوزه المريد النسك غير محرم بل أوجبوا عليه الدم إذا لم يعد، ولو جعلوه شيئًا واحدًا لكان يحرم من أيها شاء كما يحرم من أي بقاع مكة شاء مع أن الدم في كل من المسألتين وجب لقول الإحرام من الميقات.

قوله: فلو كان له مسكنان أحدهما في حد القرب من الحرم والثاني في حد البعد منه، فإن كانت إقامته في أحدها أكثر فالحكم له، فإن استويا نظر إلى أهله وماله؛ فإن اختص بأحدهما أو كان في أحدهما أكثر فالحكم له، فإن استويا فالحكم للذي خرج منه. انتهى.

فيه أمور:

أحدها: أن مراده بالعزم على الرجوع هو الإقامة فإن صاحب "البيان" قد نقل هذا الحكم جميعه عن الشافعي، وعبر بما ذكرته لك وهو الإقامة.

الثاني: أنه ساكت عما لو استوت إقامته فيهما ولكن كان أهله في أحدهما، وأما الآخر قد ذكره الطبري شارح "التنبيه" فقال: الذي تبين لي أن النظر إلى مكان الأهل.

الثالث: أن المراد بالأهل هم، الزوجة والأولاد الذين تحت حجره، ومن عداهم كالآباء والأخوة فلا ترجيح لهم نبه عليه الطبري أيضًا وهو صحيح.

(1) سورة البقرة (196).

ص: 264

قوله: وذكر حجة الإسلام في هذا الشرط صورة هي من مواضع التوقف ولم أجدها لغيره بعد البحث وهي أنه يقال: والآفاقي إذا جاوز الميقات غير مريد نسكًا فلما دخل مكة اعتمر ثم حج لم يكن متمتعًا إذ صار من الحاضرين إذ ليس يشترط فيه قصد الإقامة، وهذه الصورة متعلقة أولا بالخلاف في أن من قصد مكة هل يلزم الإحرام بحج أو عمرة أم لا.

ثم ما ذكره من عدم اشتراط الإقامة ما ينازع فيه كلام عامة الأصحاب ونقلهم عن نصه في "الإملاء" والقديم فإنه ظاهر في اعتبار الإقامة بل في اعتبار الاستيطان.

وفي "النهاية" و"الوسيط" حكاية وجهين في صورة تداني هذه وهي أنه لو جاوز الغريب الميقات؛ وهو لا يريد نسكًا ولا دخول الحرم ثم بدا له قريبًا من مكة أن يعتمر فاعتمر منه وحج بعدها على صورة التمتع هل يلزمه الدم؟ أحد الوجهين: أنه لا يلزمه؛ لأنه لم يلتزم الإحرام وهو على مسافة بعيدة وحين خطر له ذلك كان على مسافة الحاضرين.

وأصحهما: يلزمه لأنه وجد صورة التمتع وهو غير معدود من الحاضرين. انتهى كلامه.

زاد النووي على هذا في "الروضة" فقال: المختار في صورة الغزالي أولًا أنه متمتع وليس بحاضر بل يلزمه الدم.

إذا علمت ذلك ففيه أمور:

أحدها: أن التصحيح المذكور في مسألة الوجهين اللذين حكاهما الرافعي عن الغزالي هو للرافعي لا الغزالي.

الأمر الثاني: أن ما ذكره الغزالي قد سبقه إليه الماوردي ومنه أخذ

ص: 265

الغزالي على كثير من عادته؛ فإن استمداد "الوسيط" من كتب أوضحناها في الخطبة منها "الحاوي".

الثالث: أن ترجيح النووي وجوب الدم نفي مسألة الغزالي مع تسليمة للرافعي ما صححه في المسألة الثانية من عدم الوجوب لا يجتمعان، وقد أوضحه صاحب "الذخائر" فقال: الوجهان جاريان في المسألتين؛ إذ لا فرق بين مكة وما دون مسافة القصر في تناول اسم الحاضر؛ ولهذا يستوي المستوطن بها وبما دون مسافة القصر منها في التمتع وفي كل حكم لحاضر المسجد فكذلك من كان فيها غير مستوطن وفي ما دون مسافة القصر منها.

وقد سوى بينهما أيضًا الطبري شارح "التنبيه" وقال: قياس المذهب عدم الوجوب واستدل بنحو ما سبق.

قال: لكن الوجه في من أحرم قريبًا من مكة أنه متمتع قولًا واحدًا لأن حكم السفر منسحب عليه بدليل جواز القصر، ولو ألحق بأهل ذلك الموضع لامتنع القصر.

وكذلك إذا دخل مكة ولم تحصل إقامة متتابعة من الترخيص.

الأمر الرابع: أن ما ذكره الرافعي من أن حضور المسجد الحرام الذي هو مسقط لدم التمتع والقران شرطه الاستيطان قد ذكر بعد ذلك بنحو ثلاثة أوراق ما يخالفه فقال ما نصه: ووراءه شرطان: أحدهما: أن يحرم بالعمرة من الميقات، فلو جاوزه مريدًا للنسك ثم أحرم بها فالمنقول عن نصه أنه ليس عليه دم التمتع لكن يلزمه دم الإساءة.

وقد أخذ بإطلاقه آخذون، وقال الأكثرون: هذا إذا كان الباقي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، فإن بقيت مسافة القصر فعليه الدمان معًا. انتهى كلامه. وهو في غاية التباين لأنه ليس بين هذه وبين المتقدمة التي صحح

ص: 266

فيها وجوب الدم فرق، إلا أن هذه الصورة قد جاوز الميقات فيها مريدًا للنسك ثم أحرم وقد حكم بأنه لا دم عليه فيها مع عصيانه لصيرورته من حاضر المسجد الحرام.

وزاد فنقله عن الأصحاب. والنص وتلك لا عصيان فيها، وقد صحح فيها وجوب الدم، ويخالف أيضًا ما صححه النووي من "زياداته" في مسألة الغزالي.

وقد وقع الموضعان هكذا أيضًا في "شرح المهذب"، وذكر في "الشرح الصغير" الموضع الأول ولم يذكر الثاني.

الأمر الخامس: أن ما ادعاه من أن ما نقلوه عن الشافعي ظاهر في اعتبار الإقامة بل في اعتبار الاستيطان عجيب فقد نص على الاستيطان نصًا صريحًا كما نقله عنه في "التقريب" فقال: قال الشافعي في "الإملاء": ومن كان متمتعًا ينوي في سفرة إيطان مكة فعليه دم المتعة لا يسقط عنه الدم حتى يكون متوطنًا قبل العمرة لا أن يكون متوطنًا بالنية حتى معها فعل. هذا لفظه بحروفه. ثم نقل عن حرملة نحوه أيضًا.

قوله: وهل يجب على المكي إذا قرن أثناء الإحرام من أدنى الحل كما لو أفرد العمرة أم يجوز أن يحرم من جوف مكة إدراجًا للعمرة تحت الحج؟ فيه وجهان: أصحهما الثاني.

ويجريان في الآفاقي إذا كان بمكة وأراد القران. انتهى كلامه.

وما ذكره من حكاية الوجهين قد تبعه عليه في "الروضة"، واقتضى كلامه قوة الخلاف فإنه عبر بالأصح، وتقوية هذا الخلاف مردودة لأن المعتبر في العمرة أن يجمع فيها بين الحل والحرم، وهذا المعنى موجود في القران لأن الوقوف بعرفة لابد منه وعرفة من الحل فيكون ذلك نظير ما إذا أحرم

ص: 267

بالعمرة من مكة ثم خرج إلى أدنى الحل قبل الطواف فإنه لا دم عليه ولا إساءة إلا على وجه شاط جدًا.

والأصح المعروف: القطع بخلاف، كما ذكره الرافعي قبل هذا فراجعه وراجع "الروضة" يظهر لك.

قوله: وفي اشتراط نية التمتع وجهان: أصحهما: أنه لا تشترط نية القران، فإن شرطناها ففي وقتها أوجه مأخوذة من الخلاف في نية الجمع بين الصلاتين.

أحدها: حالة الإحرام بالعمرة.

والثاني: ما لم يفرغ منها.

والثالث: ما لم يفرغ من الحج. انتهى ملخصًا.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره من عدم اشتراط نية القران قد ذكره أيضًا في "الشرح الصغير"، وتابعه النووي في "الروضة" عليه.

ولقائل أن يقول كيف يعقل عدم اشتراطها؟ لأنه إذا نوى أحدهما لا يصير قارنًا وإن نواهما صار قارنًا ولا معنى لنية القران إلا ذلك؛ ويؤيده أن القاضي حسين في "تعليقه" استدل على وجوب نية التمتع بوجوب القران.

والجواب أن المراد بنية التمتع هو قصد أن الحج في ذلك العام وذلك قصد يكون عند الإحرام بالعمرة أو بعدها على الخلاف المتقدم.

ونظير التمتع بل القران أن يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف وإذا فعل ذلك فإنه يصير قارنًا وإن لم ينو القران حين الإحرام بالعمرة، فتلخص أن هذه الصورة لا تجب فيها نية القران والتمتع أشبه بها

ص: 268

من الصورة الأخرى فليحمل كلام الرافعي ومن تبعه عليها.

الأمر الثاني: أن ما ذكره الرافعي من كون الخلاف مأخوذًا من الخلاف في جمع الصلاتين يقتضي أن الأصح هو الوجه الثاني، وهو: ما لم يفرغ، وبه صرح في "شرح المهذب" وذكر في "الروضة" هذه الأوجه بدون هذا التخريج فلزم خلوها من معرفة الراجح.

قوله: ووراء الشروط المذكورة في الكتاب شرطان: أحدهما: أن يحرم بالعمرة من الميقات فلو جاوزها مريدًا للنسك ثم أحرم بها فالمنقول عن نصه أنه ليس عليه دم ولكنه يلزمه دم الإساءة وقد أخذ بإطلاقه آخذون.

وقال الأكثرون: هذا إذا كان الباقي بينه وبين مكة مسافة القصر، فإن بقيت مسافة القصر فعليه الدمان معًا. انتهى كلامه.

تابعه عليه في "الروضة"، وفيه أمران:

أحدهما: أن المعنى فيما قاله الأكثرون من عدم وجوب دم التمتع أنه صار من حاضري المسجد الحرام.

إذا علمت ذلك فاعلم أن اعتبار هذه المسافة من مكة وجه مرجوح، بل الصحيح عنده وعند النووي اعتبارها من الحرم كما ذكره الرافعي قبل ذلك وتقدم ما فيه.

الثاني: أن هذا النص الذي نقله الرافعي إنما هو نصه تفي القديم. كذا ذكره صاحب "التقريب" و"التهذيب" فاعلمه.

قوله: والثاني حكى عن ابن خيران اشتراط وقوع النسكين في شهر واحد وأباه عامة الأصحاب. انتهى

وهذا الذي ذهب إليه ابن خيران ونوزع فيه، وقد أشار إليه الشافعي في رواية حرملة. كذا رأيته في "العمد" للفوراني.

ص: 269

قوله: واعلم أن الشروط المذكورة معتبرة في لزوم الدم لا محالة. وهل هي معتبرة في تسميته متمتعًا؟

فيه وجهان: الأشهر: لا.

انتهى ملخصًا.

وما صححه هنا قد جزم بخلافه قبيل الكلام في المواقيت وقد ذكرت لفظه هناك فراجعه.

قوله: وأما الواجد للهدي فالمستحب له أن يحرم يوم التروية بعد الزوال متوجهًا إلى منى؛ لما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توجهتم إلى منى فأهلوا بالحج"(1). انتهى كلامه. والذي جزم به هاهنا من كونه يتوجه إلى منى بعد الزوال قد ذكر ما يخالفه في باب دخول مكة في أوائل الفصل المعقود للوقوف فقال. المشهور استحباب الخروج بعد صلاة الصبح بحيث يصلون الظهر بمنى، ووقع هذا الاختلاف في "الروضة" أيضًا، والفتوى على ما قاله هناك لتصريحه بأنه المشهور ولهذا اقتصر عليه في "الشرح الصغير" وكذلك النووي في "شرح المهذب".

الحديث المذكور رواه مسلم في صحيحه، ولفظه:"فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وأهلوا بالحج".

فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.

ثم قال: فإذا تأخرت الثلاثة عن أيام التشريق صارت فائتة لا محالة وإن صدقه عليه أنه في الحج لتأخر طواف الركن لأن تأخره عن أيام التشريق مما ينذر فلا يقع مرادًا من قوله تعالى "ثلاثة أيام في الحج"(2)، بل هو محمول على الغالب، كذا حكاه الإمام وغيره، وفي "التهذيب" وجه

(1) أخرجه مسلم (1218).

(2)

سورة البقرة (196).

ص: 270

ضعيف ينازع في ذلك. انتهى كلامه.

وما أشعر به كلامه من عدم الخلاف لا على الوجه الذي في "التهذيب" في تأخر الطواف قد تابعه عليه في "الروضة"، وصرح بأنه لا خلاف فيه.

وما ادعاه من عدم الخلاف ليس كذلك فقد حكى صاحب "التقريب" وهو ابن القفال مع هذا الوجه وجهًا آخر أنه لا يفوت ما دام في مكة فقال: وفيه وجه آخر أنهم يصومون في الحج بعد أيام التشريق ويؤخرون طواف الإقامة.

وفيه وجه ثالث وهو: أنهم ما لم ينفروا ففي بقية من الحج كان طواف الوداع به يختم.

وهذا لفظه بحروفه، ومن "التقريب" نقلت.

وإذا جعلنا الحلق ركنًا فيأتي فيه ما سبق في طواف الإفاضة.

قوله: وهل يجب التفريق في القضاء بين الثلاثة والسبعة؟ فيه قولان في رواية الحناطي والشيخ أبي محمد، ووجهان في رواية غيرهما. انتهى.

وقد اختلف كلامه في الأصح من هاتين الروايتين فصحح في "الشرح الصغير" أن الخلاف وجهان فقال ما نصه: فيه وجهان، وقيل: قولان، وجزم في "المحرر" بأنه قولان وصححه النووي في أصل "الروضة".

قوله: ففي سقوطه قولان: أصحهما على ما قاله ابن الصباغ وصاحب "التهذيب": أنه يسقط كصوم رمضان.

والثاني: لا بل يهدي عنه لأن الصوم قد وجب بالشروع في الحج فلا يسقط من غير بدل، وهذا يتصور بما إذا لم يجد الهدي في موضعه وله ببلده مال وفي ما إذا كان يباع بثمن غال. انتهى فيه أمور:

ص: 271

أحدها: أن المراد بالغلو هنا هو البيع بزيادة على ثمن المثل. فتفطن له؛ فإن الغلو يطلق مرة لهذا ومرة وهو الأغلب على ارتفاع القيم لقلة الأشياء. وقد صرح الرافعي بذلك في أوائل الحج في الكلام على الزاد والماء فقال: وإن وجدها بثمن المثل لزم التحصيل سواء كانت الأسعار رخيصة أو غالية. هذا كلامه، وقد أحسن في "شرح المهذب" فلم يعبر بالغلو بل بالزيادة على ثمن المثل، وإن كان في "الروضة" قد وافق الرافعي على التعبير بالغلو وأطلق في الكتابين تصحيح السقوط، وقد صححه أيضًا الشاشي.

الأمر الثاني: أن الصورة الثانية محلها: ما إذا زال الغلو وتركه الرافعي لوضوحه.

الأمر الثالث: أن هذه المسألة تتصور أيضًا بما إذا كان له مال يحتاج إليه من ثياب وعبد ودار ونحو ذلك فإن الاحتياج يزول بالموت.

قوله: فإن فسرنا الرجوع في الآية بالرجوع إلى الوطن -وهو الصحيح على ما سبق- فلا يمكن صوم السبعة قبله.

وإن قلنا: الفراغ من الحج، فلا يمكن أيضًا قبله. ثم دوام السفر عذر على ما قاله الإمام بل قد سبق أنه يستحب التأخير إلى أن يصل إلى الوطن في أصح القولين للخروج من الخروج.

وقد نقل عن القاضي الحسين أنا إذا قلنا بالاستحباب فمات في الطريق فهل تجب الفدية؟ فيه وجهان يخرجا من الوجهين فيما إذا ظفر بالمساكين ولم يدفع الزكاة إليهم ليدفعها إلى الإمام فتلف المال هل يضمن أم لا؟ انتهى.

ومقتضى هذا التخريج وجوب الفدية على الصحيح على خلاف ما يحاوله الإمام لأن الصحيح في الزكاة هو الضمان وإيجاب الفدية مشكل؛ فإن السفر عذر في صوم رمضان والنذر فكذلك هنا، وقد حذف النووي من "الروضة" هذا التشبيه المقتضى للترجيح.

ص: 272