المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٤

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌ زكاة الفطر

- ‌الطرف الثاني: في صفات المؤدي

- ‌الطرف الثالث: في صفات المخرج

- ‌كتاب الصيام

- ‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات

- ‌القول في شرائط الصوم:

- ‌القول في السنن

- ‌القسم الثاني في مبيحات الإفطار وموجباته

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

- ‌الباب الثاني: في أعمال الحج

- ‌الفصل الأول: في الإحرام

- ‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام

- ‌الفصل الثالث: في سنن دخول مكة

- ‌الفصل الرابع: في الطواف

- ‌الفصل الخامس: في السعي

- ‌الفصل السادس: في الوقوف

- ‌الفصل السابع: في أسباب التحلل

- ‌الفصل الثامن: في المبيت

- ‌الفصل التاسع: في الرمي

- ‌الفصل العاشر: في طواف الوداع

- ‌الفصل الحادي عشر: في حكم الصبى

- ‌الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة

- ‌النوع الأول: اللبس

- ‌النوع الثاني: الطيب

- ‌النوع الثالث دهن شعر الرأس واللحية

- ‌النوع الرابع: الحلق والقلم:

- ‌النوع الخامس: الجماع

- ‌النوع السادس: مقدمات الجماع

- ‌الباب [الرابع] (*) في الدماء

- ‌الفصل الأول في أبدالها

- ‌الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها

الفصل: ‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام

‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام

قوله: ويستحب الغسل للإحرام، ويستوي في استحبابه الرجل والصبي والمرأة وإن كانت حائضًا أو نفساء، وقد روي أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر نفست بذي الحليفة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل للإحرام (1) انتهى.

عميس: بعين مهملة مضمومة وميم مفتوحة ثم ياء بنقطتين من تحت بعدها سين مهملة أيضًا؛ والعمس: أنك تظهر أنك لا تعرف الأمر وأنت عارف به. قاله الجوهري.

والحديث المذكور رواه مسلم.

ومقتضى إطلاق الرافعي استحباب الغسل للمجنون والصبي غير المميز، وهو صحيح.

قوله: فإن لم يجد الماء أو لم يقدر على استعماله يتيمم؛ لأن التيمم ينوب عن الغسل الواجب فعن المندوب أولى. نص عليه في "الأم".

وقد ذكرنا في غسل الجمعة أن الإمام ذكر احتمالًا في أنه لا يتيمم إذا لم يجد الماء وجعله صاحب الكتاب وجهًا واختاره، وذلك الاحتمال عائد هاهنا بلا شك. انتهى كلامه.

وليس جريانه بلازم فقد يفرق بينهما بأن استعمال التراب هاهنا لا ينافي حال المسافر لأن الغالب في حقه الشعث ولو وجد الماء واغتسل لا ينزع الشعث إليه فلم يكن حالة منافيًا له، بخلاف مصلى الجمعة. وفرق ابن الرفعة بأن الغسل هنا مخالف لغيره بدليل صحته من الحائض والنفساء.

(1) تقدم.

ص: 282

وقوله. فإذا وجد ما لا يكفيه للغسل توضأ. قاله في "التهذيب". انتهى.

استدرك النووي في "الروضة" عليه فقال: هذا الذي قاله في "التهذيب" قاله أيضًا المحاملي، فإن أراد أنه يتوضأ ثم يتيمم فحسن، وإن أراد الاقتصار على الوضوء فليس بجيد؛ لأن المطلوب هو الغسل فالتيمم يقوم مقامه دون الوضوء. انتهى كلامه.

وهذه المسألة قد نص عليها الشافعي وصرح بما قالاه من الاستحباب وذكر ما حاصله الاقتصار على الوضوء على خلاف ما ذكره النووي بحثًا.

والعجب أن الذي نقل هذه المسألة عنه وهو المحاملي قد نقل هذا النص فقال في "المجموع": قال الشافعي: فإن لم يجد ما يكفيه للغسل توضأ، فإن لم يجد ماء بحال تيمم فيقوم ذلك مقام الغسل والوضوء. انتهى.

وقد ذكر الماوردي المسألة كما نقلها المحاملي عن النص.

قوله: ويسن الغسل للحاج في مواطن: أحدها: عند الإحرام كما سبق.

والثاني: لدخول مكة؛ روى ذلك عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1). انتهى.

ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمران:

أحدهما: أن المعتمر يسن له أيضًا الغسل عند هاتين الحالتين بلا نزاع، وإنما عبر بالحاج لأجل ما ذكر بعده من الرمي وغيره.

نعم: لو خرج من مكة فأحرم بالعمرة واغتسل لإحرامه ثم أراد دخول مكة، قال الماوردي: إن كان أحرم من مكان بعيد كالجعرانة والحديبية استحب الغسل للدخول، وإن أحرم من التنعيم فلا.

قال ابن الرفعة: ويظهر أن يقال بمثل ذلك في الحج إذا أحرم به من

(1) أخرجه البخاري (1498) ومسلم (1259) من حديث ابن عمر.

ص: 283

التنعيم ونحوه لكونه لم يخطر له إلا ذلك.

الثاني: أن كلام الرافعي وغيره يوهم عدم استحباب الغسل لمن دخل مكة محرم وليس كذلك فقد قال الشافعي في باب الغسل لدخول مكة: وإذا اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح لدخول مكة وهو حلال يصيب الطيب فلا أراه -إن شاء الله تعالى- ترك الاغتسال ليدخلها حرامًا لا يصيب الطيب، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يغتسل لدخول مكة. هذا لفظ الشافعي ومن "الأم" نقلت، وهي مسألة نفيسه قل من تعرض لها.

وحديث الغسل لدخول مكة رواه البخاري في صحيحه من رواية ابن عمر.

قوله: وزاد في القديم غسلين آخرين: أحدهما: لطواف الإفاضة.

والثاني: لطواف الوداع، لأن الناس يجتمعون لهما، ولم يستحبهما في الجديد لأن وقتهما موسع فلا تغلب الزحمة فيه عليها في سائر المواطن، وحكى عن القديم الاستحباب للحلق أيضًا. انتهى.

ذكر النووي في "شرح المهذب" في الكلام على الغسل المسنون أيضًا مثل ما قاله هنا حكمًا وتعليلًا، وذكر نحوه في "الروضة" أيضًا، وحاصله أن الجديد عدم الاستحباب لهذه الأمور الثلاث وهو مقتضى كلام "المنهاج" فإنه لما عد الأغسال المسنونة لم يعد هذه الأمور معها، ثم جزم في "المناسك الكبرى" باستحباب الغسل للأمور الثلاثة، وحكى في "التحقيق" عن القديم استحبابه لطواف الإفاضة ولطواف الوداع وأهمل الحلق، وحكى ابن الرفعة في "الكفاية" القول القديم في طواف القدوم أيضًا.

قوله: قال الإمام: ولم يستحب الشافعي الغسل لرمي جمرة العقبة يوم

ص: 284

النحر لأمرين.

أحدهما: اتساع وقته؛ فإن وقته من ائتناف ليلة النحر إلى الزوال.

والثاني: أن في غسل العيد يوم النحر والوقوف بعرفة غنية عن الغسل لرمي جمرة العقبة لقرب وقتها منه. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن ما ذكره أولًا في بيان وقت الرمي من كونه ينتهى إلى الزوال قد ذكره أيضًا في "الشرح الصغير" ولم ينقله عن الإمام بل جزم به، وهو سهو؛ فإن المنقول أنه يمتد إلى الغروب، وقد جزم به الرافعي في موضعه وهو الكلام على أسباب التحلل، وسأذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى. وأما نقله ذلك عن الإمام فلم أر له ذكرًا في "النهاية" بالكلية، بل رأيت فيها الجزم بأنه يبقى إلى الغروب وحكى مع ذلك وجهين في امتداده إلى الفجر، وفي بعض نسخ الرافعي قال الأئمة عوضًا عن الإمام.

الأمر الثاني: أن كلامه يشعر بمشروعية صلاة العيد في يوم نهى لكن قد نص الشافعي على خلافه؛ كذا نقله عنه الماوردي قبيل قوله: مسألة: ثم يركب فيروح إلى الموقف عند الصخرات فقال ما نصه: قال الشافعي: وليس بعرفة ولا منى ولا مزدلفة جمعة ولا صلاة عيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجيئه يوم عرفة يوم الجمعة فلم يصل الجمعة. هذا كلامه، وذكر في "الروضة" من زياداته في آخر الأضحية نحوه فقال: إن الحاج بمنى لا يخاطب بصلاة العيد.

وذكر الرافعي أيضًا في باب صلاة العيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها بمنى إلا أن يقال: لا يلزم من مشروعية الغسل في هذا اليوم مشروعية الصلاة إذ الغسل فيه مستحب لكل أحد سواء فيه الحاضر وغيره، وسواء كان من أهل

ص: 285

الصلاة أم لا، لكون اليوم يوم زينة؛ وعلى هذا فيخاطب به من لم يغتسل للوقوف بمزدلفة، فإن اغتسل لها كفى عنها.

الأمر الثالث: أن ما ذكره الرافعي من أن غسل الوقوف بعرفة يستغنى به عن العيد سهو ومراده الوقوف بمزدلفة فإنه مستحب كما مر ووقته أقرب منه.

قوله: ويستحب أن يتطيب لإحرامه، ولا فرق بين أن يبقى له أثر وجرم بعد الإحرام أو لا يبقى قالت عائشة: "كأنني أنظر وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم (1). انتهى.

الوبيص: بواو مفتوحة ثم باء موحدة مكسورة بعدها ياء بنقطتين من تحت ثم صاد مهملة: هو البريق واللمعان، يقال: وبص البرق أي: لمع.

والحديث المذكور في الصحيحين.

قوله: واستحباب التطيب للإحرام إنما هو في البدن، وفي تطييب إزار الإحرام وردائه وجهان: أحدهما: لا يجوز لأن الثوب ينزع ويلبس، وإذا نزعه ثم أعاده كان كما لو استأنف لبس ثوب مطيب.

وأصحهما: أنه يجوز.

وفي النهاية وجه ثالث أنه إن بقي عينه بعد الإحرام فلا يجوز وإلا فيجوز. انتهى.

تابعه النووي عليه في "الروضة"، وفيه أمران:

أحدهما: أن حكاية الخلاف في تطييب الإزار والرداء على هذه الكيفية ذكر مثلها في "الشرح الصغير" أيضًا، وحاصله الجزم بعدم الاستحباب وأن

(1) أخرجه مسلم (1190) واللفظ له، والبخاري (268) بلفظ:"الطيب" بدل "المسك".

ص: 286

هذه الأوجه إنما هي في الجواز وبه صرح النووي في "شرح المهذب" فقال ما نصه: اتفق أصحابنا على أنه لا يستحب [تطييب](1) ثوبي المحرم عند إرادة الإحرام، وفي جواز تطييبه طريقان: أصحهما وبه قطع المصنف والعراقيون جوازه.

والطريق الثاني: طريقة الخراسانيين فيه ثلاثة أوجه: ثالثها: يجوز بما لا يبقى له جرم ولا يجوز بغيره، وحكى المتولي في تطييب الثياب قولين:

أحدهما: يستحب.

والثاني: يحرم.

وهذا الذي ذكره من الاستحباب غريب جدًا. هذا كلامه.

إذا علمت ذلك فاعلم أنه قد خالف في "المحرر" فجزم بأن الخلاف في الاستحباب على عكس ما في "الشرحين" فقال: ويستحب تطييب بدنه للإحرام، وكذا ثوبه في أصح الوجهين. هذا لفظه وتابعه عليه النووي في "المنهاج" مع أنه قد بالغ في إنكاره في "شرح المهذب" على المتولي واقتضى كلامه انفراده به. وليس كذلك فقد سبقه إليه شيخه القاضي الحسين في "تعليقه".

وإذا قلنا بالجواز فإنه يكون مكروهًا؛ ذكره القاضي أبو الطيب في "التعليق" أيضًا وكذلك الحضرمي في "شرح المهذب".

الأمر الثاني: أنا قد استفدنا من كلامه في "شرح المهذب" أن في المسألة طريقة أخرى قاطعة بالجواز وأنها الطريقة الصحيحة، وهذه الطريقة لم يحكها في "الروضة" فضلًا عن تصحيحها بل جزم بالطريقة التي ضعفها وهي طريقة الأوجه، وهو غريب.

(1) سقط من أ.

ص: 287

قوله: ويستحب للمرأة أن تخضب بالحناء يديها إلى الكوعين قبل الإحرام. انتهى.

احترز بالمرأة عن الرجل؛ فإنه لا يجوز له الخضاب به إلا لضرورة كما قاله في باب العقيقة من الضرورة. وعن الخنثى فإنه يلحق بالرجل كما قاله في الروضة هنا للاحتياط.

وفي الكلام على الخضاب فروع سبق الكلام عليها في شروط الصلاة، وفي الكلام في جبر العظم.

قوله في أصل الروضة: فرع: فإذا أراد الإحرام نزع المخيط ولبس إزارًا ورداء. انتهى.

وهذا الكلام ليس فيه تصريح بأن النزع هل يجب أم لا؟ ، بل هو إلى الاستحباب أقرب؛ فإنه قد عطف عليه ما هو مستحب، وهكذا عبارة "المحرر" و"الشرح الصغير" أيضًا؛ فإنه قال: وينبغي لمن أراد الإحرام أن يتجرد عن مخيط ثيابه ويلبس إزارًا ورداء ونعلين.

وقد صرح -أعني النووي- بذلك في مناسك الحج فقال: فصل في آداب الإحرام، وفيه مسائل.

ثم قال: الرقعة تجرد عن الملبوس الذي يحرم على المحرم لبسه. انتهى. فجعل وقته الآذان.

إذا علمت ذلك فقد جزم الرافعي في "الشرح الكبير" بوجوبه فقال متعقبًا لكلام "الوجيز" ما نصه: وقوله في "الكتاب": السنة أن يتجرد عن المخيط ينبغي أن يعلم فيه أن المعدود من السنن التجرد بالصفة المذكورة، فأما مجرد التجرد فلا يمكن عده من السنن؛ لأن ترك لبس المخيط في الإحرام لازم ومن ضرورة لزومه لزوم التجرد قبل الإحرام.

ص: 288

وكلام الرافعي هذا قد أسقطه النووي جميعه من "الروضة"، وإسقاطه إياه غريب، وجزم بوجوبه أيضًا في "شرح المهذب" فقال ما نصه: وفي أي شيء أحرم جاز إلا الخف ونحوه والمخيط. انتهى.

وعبر في "المنهاج" بقوله: ويسن أن تخضب المرأة للإحرام يديها ويتجرد الرجل لإحرامه عن مخيط الثياب ويلبس إزارًا ورداء. هذه عبارته، وهي توهم استحباب التجرد، لكن نقل عن النسخة التي هي بخطه أنها مضبوطة برفع الدال في قوله: ويتجرد حتى يكون مقطوعًا عما قبله، واعلم أن إيجاب نزع الثياب قبل الإحرام مشكل؛ لأن الموجب له هو الإحرام وقبل ذلك لم يحصل سبب الوجوب.

ولهذا لو قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق، لا يمتنع عليه وطؤها على الصحيح، ويجب النزع بمجرد الإيلاج. ثم إن الرافعي قد ذكر في الصيد أنه لا خلاف أنه لا يجب عليه إزالته عن ملكه قبل الإحرام، ووافقه النووي عليه مع أن المدرس في المسألتين واحد، واستشكله أيضًا الطبري شارح "التنبيه" فقال لا أرى أحدًا من الأصحاب يقول ذلك.

قوله: ويستحب أن يصلي قبل الإحرام ركعتين، فإن أحرم في وقت فريضة فصلاها أغنته عن ركعتي الإحرام. انتهى.

وقد ألحق القاضي الحسين السنة الراتبة في ذلك بالفرض، وتوقف النووي في "شرح المهذب" في إغناء الفرض عن هاتين الركعتين لأنهما سنة مقصودة، وكلامه في "الأم" يشهد له ويدل على الاكتفاء؛ فإنه قال: أحببت له أن يصلي نافلة، فإن أهل في إثر مكتوبة أو في غير إثر صلاة فلا بأس.

ص: 289

قوله: وتستحب التلبية في مسجد مكة وهو المسجد الحرام ومسجد الخيف بمنى ومسجد إبراهيم عليه السلام بعرفة؛ فإنها مواضع النسك.

وكذا في سائر المساجد على الجديد لإطلاق الأخبار، والقديم: لا يلبي فيها حذرًا من التشويش على المتعبدين، بخلاف المساجد الثلاثة فإن التلبية فيها معهودة.

كذا أورده الأكثرون، وهو مقتضى ما في الوضوء أيضًا. وقالوا: إن استحببنا استحببنا رفع الصوت وإلا فلا، وجعل الإمام محل الخلاف في استحباب رفع الصوت، قال: فإن لم يؤثر الرفع في سائر المساجد ففي الرفع من المساجد الثلاثة وجهان. انتهى.

ذكر مثله في "الروضة"، وفيه أمور:

أحدها: أن كلامه نزل على أنه اعتقد أن المراد بإبراهيم في قولهم مسجد إبراهيم هو الخليل عليه الصلاة والسلام، وسيأتي بعد هذا في الكلام على الوقوف مثله لاسيما في "الروضة" فإنه قد ذكر لفظ الصلاة عليه والسلام كما هو مذكور في النسخة التي بخط النووي، وهذا الذي قد توهماه خطأ سبقهما إليه ابن سراقة في كتاب "الأعداد" ومن أصل صحيح مسموع بخط بعض أصحابه نقلت، وإنما هو إبراهيم [. . . .](1).

الأمر الثاني: أن الشافعي قد نص على أن مسجد إبراهيم ليس من عرفة وقال الأكثرون: عجزه من عرفة وصدره ليس منها ويميز بينهما أحجار.

قالوا: وإنما قال الشافعي ذلك لأنه زيد فيه بعده.

هكذا ذكره في "الروضة" عند الكلام على الوقوف؛ فقول الرافعي

(1) سقط من أ.

ص: 290

والنووي هذا بعرفة خطأ على كل تقدير.

الأمر الثالث: أن بعض الأصحاب قد ألحق بهذه الثلاثة مسجد الميقات، وحكى الحضرمي شارح "المهذب" عن بعضهم أنه جعل مسجد المشعر الحرام بمزدلفة مكان مسجد منى. والحق إلحاق هذين بالثلاثة المذكورة، وإن كان مراد الرافعي بكونها مواضع النسك أن عرفة موضع للوقوف ومنى موضع المبيت، وهما من النسك، والمسجد الحرام لا يخفى أمره، وهذا المعنى هو ظاهر كلامه.

بل إذا كان هذا هو المراد فيكون كل مسجد في مكة ومنى وعرفات حكمه حكم الثلاث المذكورة.

ويحتمل أن يريد بالنسك ما يقع في المساجد الثلاث بخصوصها كالطواف في المسجد الحرام والخطبة والصلاة في مسجد إبراهيم، إلا أن مسجد الخيف لا يلحق هذين في ذلك.

الأمر الرابع: أن كلامه يقتضي استغراب مقالة الإمام مع أنها مقالة قديمة رأيتها مجزومًا بها في كتاب "التقريب" لابن القفال الشاشي، وذكر مثله أيضًا الماوردي في "الحاوي"، والغزالي في "البسيط" وزاده أيضاحًا.

قوله: وهل تستحب التلبية في طواف القدوم والسعي بعده؟ قولان: الجديد: لا يستحب؛ لأن فيها أدعية وأذكار خاصة فصار كطواف الإفاضة والوداع.

والقديم: يلبي ولا يجهر بخلاف طواف الإفاضة فإنه هناك شرع في أسباب التحلل فانقطعت التلبية، وهذا التوجيه يعرفك أن قول "الوجيز": وفي حال الطواف قولان، محمول على طواف القدوم وإن كان اللفظ مطلقًا وفي غيره من أنواع الطواف لا يلبي بلا خلاف. انتهى كلامه. فيه

ص: 291

أمران:

أحدهما: أن ذكره طواف الوداع هنا سهو فإن الكلام في تلبية المحرم وطواف القدوم والافاضة صادران منه فيصح قياس أحدهما على الآخر، وأما طواف الوداع فصادر من غير محرم لوقوعه بعد التحللين فليس هو مما يجب فيه شيء.

نعم: إن أراد طواف الوداع الذي يقع قبل التحلل كما إذا أحرم بالحج ثم أراد الخروج قبل الوقوف إلى الحل لحاجة فطاف للوداع وخرج فلا يسلم أنه لا يأتي فيه القولان لأن علة الامتناع في طواف الإفاضة إنما هي مشروعيته في أسباب التحلل كما تقدم، وهذا المعنى منتف في هذا الطواف فتعين جريان القولين فيه.

فالجديد: لا يلبي؛ لأن له أذكار تخصه، والقديم: نعم؛ لكونه محرمًا فلم يشرع في أسباب التحلل.

وكذلك أيضًا يجري القولان في الطواف الذي يتنفل به المحرم لما قلناه أيضًا، وقد نبه عليه الطبري شارح "التنبيه" على طواف النفل فقال: الظاهر جريان القولين فيه.

الأمر الثاني: أن ما ادعاه من أن كلام "الوجيز" محمول على طواف القدوم خاصة وأنه لا يلبي في ما عداه من الأنواع بلا خلاف غير مسلم لما عرف من أن طواف النفل يجري فيه القولان.

وكذلك طواف الوداع الواقع قبل التحلل، فالحاصل أن كلام الغزالي عام في سائر الأنواع وعمومه مستقيم إلا في طواف الإفاضة، وقد أخرجه بعد في الكلام على أسباب التحلل، وقد عبر النووي في "الروضة" بعبارة دفعت الاعتراض الثاني.

ص: 292

قوله: ويستحب رفع الصوت بالتلبية لقوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية". وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الحج العج والثج"(1).

والعج: رفع الصوت. انتهى كلامه.

وقد استثنى الشيخ أبو محمد التلبية المقترنة بالإحرام فإنه لا يجهر بها ونقله عنه النووي في شرح المهذب وأقره وجزم في المنهاج بأن عبر بقوله: ويرفع في دوام الإحرام.

والحديث الأول رواه الترمذي وقال: إنه حسن صحيح، والثاني رواه أيضًا الترمذي وقال: سألت عنه البخاري، فقال: عندي أنه مرسل.

والثج: بالثاء المثلثة والجيم هو إراقة الدم، ومنه قوله تعالى:{مَاءً ثَجَّاجًا} (2).

قوله: وإنما يستحب الرفع في حق الرجل، والنساء يقتصرن على إسماع أنفسهن ولا يجهرن كما لا يجهرن بالقراءة في الصلاة. انتهى.

وإلحاق التلبية بالصلاة يقتضي أن المرأة تجهر بها إذا كانت وحدها أو بحضرة الزوج والمحارم والنساء؛ لأن الصحيح في الصلاة هو الجهر في هذه الأحوال على ما أوضحه في "الروضة" هناك، وحذف النووي هنا القياس المذكور ففاتته هذه المسألة.

قوله: قال القاضي الروياني: ولو رفعت صوتها بالتلبية لم يحرم لأن

(1) أخرجه الترمذي (827) وابن ماجه (2924) والدارمي (1797) وأبو يعلى (117) والبزار (72) والبيهقي في "الشعب"(7326) وفي "الكبرى"(8798) وبيبي في "جزء بيبي"(75) وأبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر" أهـ من حديث أبي بكر رضي الله عنه، صححه ابن خزيمة والحاكم والذهبي والألباني، وحسنه المنذري.

(2)

سورة النبأ: 14.

ص: 293

صوتها ليس بعورة خلافًا لبعض الأصحاب. انتهى كلامه.

زاد في "الروضة" فنقل عن الدارمي أيضًا أنه لا يحرم، بل يكره، فحاصله رجحان الجواز، وقد ذكر في "شرح المهذب" ما هو أصرح منه فقال: ولو رفعت المرأة صوتها بالتلبية ففيه وجهان، صحح الروياني: أنه لا يحرم وصرح به الدارمي والقاضي أبو الطيب البندنيجي. والخنثى هنا كالمرأة. انتهى كلامه.

وقال النووي في "شرح مسلم" في باب التلبية ما نصه: والمرأة ليس لها الرفع؛ لأنه يخاف الفتنة بصوتها. انتهى. ومقتضاه التحريم.

وفي "الشرح الصغير" ما يوهم ذلك فإنه قال: والنساء لا يرفعن أصواتهن بل يقتصرن على إسماع أنفسهن. انتهى.

والفتوى على جواز الرفع كما تقدم إيضاحه في باب الأذان.

قوله: وتلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك، لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (1).

وإن هذه تكسر على الابتداء، وتفتح على معنى: لأن الحمد. انتهى.

واختيار الشافعي هو الفتح. كذا نقله الزمخشري في "تفسيره" في آخر سورة يس فقال: كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي. وذكر في "الروضة" أن الكسر أصح وأشهر.

وحديث التلبية رواه الشيخان من رواية ابن عمر بهذا اللفظ.

قوله: فإن رأى شيئًا يعجبه قال:

لبيك إن العيش عيش الآخرة، ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) انتهى.

(1) أخرجه مالك (730) والبخارى (5571) ومسلم (1184).

(2)

أخرجه الشافعي (569) عن مجاهد مرسلًا.

ص: 294

ودعوى ثبوته ممنوعة، بل هو مرسل فإن الشافعي رواه بسند صحيح عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ذكره البيهقي، ورواه أيضًا سعيد بن منصور في "سننه" عن عكرمة قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم حوله وهو بعرفة فقال: لبيك اللهم لبيك، إن الخير خير الآخرة. هذا لفظه.

ورواه أبو ذر الهروي في "مناسكه" بلفظ آخر، ولفظه كما نقله عنه الطبري شارح "التنبيه": أنه عليه الصلاة والسلام لما أحرم ورأى كثرة الناس تواضع في رحله وقال: لا عيش إلا عيش الآخرة.

واعلم أن الشافعي في "الأم" نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في أسَرّ أحواله، فأما الأشد ففي حالة حفر الخندق، وأما الأيسر فحين وقف بعرفات ورأى جميع المسلمين.

وقوله: العيش عيش الآخرة. يعني أن الحياة المطلوبة الهنية الدائمة هي حياة الدار الآخرة.

قوله. ولا يتكلم في أثناء التلبية بأمر أو نهي أو غيرهما، لكن لو سَلَّم عليه رد. نص عليه. انتهى.

زاد النووي على هذا فقال: ويكره التسليم عليه في حال التلبية، والله أعلم.

وليس في كلامهما ولا فيما نقلاه عن الشافعي ما يؤخذ منه أن الرد على سبيل الإيجاب أو الاستحباب، بل ربما يفهم منه الوجوب وليس كذلك بل الرد مستحب.

كذا نص عليه الشافعي في "الأمالي" بعد ثلاثة أوراق من كتاب الحج فقال ما نصه: وقال -يعني الشافعي: ولا بأس أن يرد الملبي السلام بين ظهراني التلبية وأن يأمر بالحاجة، ولو ترك الأمر بالحاجة في بعض التلبية

ص: 295

كان أحب إليّ، فأما السلام فأحب إليّ أن يرد ولا يتركه لأنه فرض والتلبية نافلة. هذا لفظه بحروفه، ومنه نقلته.

ومراده بكلامه الأخير أن الرد من حيث الجملة فرض بخلاف التلبية.

ورأيت في كتاب "التقريب" نصًا آخر ينبغي معرفته فقال عقب ذكره لما نقلناه عن "الأمالي" ما نصه: وفي مسائل حرملة سئل مالك عن الرجل يسلم عليه وهو يلبي أيرد السلام؟ قال: يرد بعد أن يفرغ من تلبيته. قال الشافعي: هكذا أحب. انتهى كلام "التقريب".

ويمكن الجمع بين النصين؛ فإن الرد في أثناء التلبية أحب من القول بالكلية وتأخيره إلى الفراغ أحب من فعله في الأثناء.

قوله: واعلم أنه يستحب الإتيان بالسنن الخمس على الترتيب المذكور في الكتاب أي: فيبدأ بالغسل ثم التطيب ثم التجرد بالصفة السابقة ثم الصلاة ثم التلبية.

نعم لم أر ما يقتضي ترتيبًا بين التطيب والتجرد. انتهى كلامه.

وهذه المسألة وهي استحباب الترتيب المذكور لم يتعرض لها في "الروضة".

قوله: ويستحب أيضًا أن يتأهب للإحرام بحلق الشعر وتقليم الظفر وقص الشارب. انتهى. فيه أمران:

أحدهما: أنه لم يتعرض لوقت هذه الأشياء. والقياس أن يكون التنظيف بها مقدمًا على الغسل كما في غسل الميت.

الثاني: أن ما نقله صاحب عن نص الشافعي فقال: قال في "الإملاء" واجب لمن أراد الإحرام قبل العشر أن يأخذ من شعر جسده ولحيته وشاربه وأظفاره وما سقط على وجهه من رأسه أن يؤخر شعره للحلق. انتهى.

ص: 296

فاستفدنا أن مريد الإحرام في العشر لا يأخذ هذه الشعور إذا أراد الأضحية كما لا يأخذها غيره أيضًا، وأن ما احتاج إلى إزالته من شعر رأسه لا يزيله بل يتركه حتى يحلقه مع رأسه.

ص: 297