الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع: الحلق والقلم:
قوله: ولو قطع يده أو بعض أصابعه وعليها شعر وظفر فلا فدية لأنهما تابعان غير مقصودين، وشبهوه بما إذا أرضعت امرأته الكبيرة الصغيرة بطل النكاح ولزمها مهر الصغيرة، ولو قتلهما فلا مهر عليها لا ندارج البضع في الفتل. انتهى.
وما ذكره من وجوب المهر تبعه عليه أيضًا في "الروضة"، وهو قول مخرج، والصحيح المنصوص أن الواجب على المرضعة إنما هو نصف المسمى كما سأذكره إن شاء الله تعالى في الباب الثالث في الرضاع القاطع للنكاح فراجعه.
قوله: ولا يتوقف وجول كمال الدم على حلق جميع الأظفار بالإجماع بل يكمل الدم في ثلاث شعرات أو ثلاثة أظفار. انتهى.
وما ادعاه من الإجماع قد تابعه عليه أيضا في "الروضة"، وليس كذلك؛ لأن مالكًا ذهب في أحد قوليه إلى أنه لا يفتدي إلا بحلق جميع الرأس، فإن حلق بعضه لم يكن عليه شئ. حكاه القاضي أبو بكر بن العربي في "شرح الترمذي".
قوله: فإن حلق شعره أو شعرتين فأقوال: أظهرها وهو الذي ذكره في أكثر كتله أن في الشعرة مدًا من طعام، وفي شعرتين مدين؛ لأن تبعيض الدم عسير والشرع قد عدل الحيوان بالإطعام في جزاء الصيد وغيره، والشعرة الواحدة هي النهاية في "القلة" والمد أقل ما وجب في الكفارات فقوبلت به.
والثاني: في شعرة درهم وفي شعرتين درهمان؛ لأن التبعيض لما عسر وكانت الشاة تقوم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة دراهم اعتبرنا تلك القيمة.
والثالث: رواية الحميدي عن الشافعي: في شعره ثلث دم وفي شعرتين ثلثان. وهو قسط الواجب في الثلاث. انتهى.
وما ذكره الرافعي في هذه المسألة هو المعروف في المذهب والمذكور في كتب النووي أيضًا.
وإطلاقهم هذه الأقوال وتصحيح الأول منها مشكل لأنه إذا حلق ثلاث شعرات فيكون مخيرًا بين إخراج الدم أو ثلاثة آصع أو صيام ثلاثة أيام؛ وحينئذ فإذا حلق شعرة أو شعرتين فيكون أيضًا مخيرًا بين يخصها من الخصال الثلاث، فكيف يأتي ما ذكروه؟
والجواب: أن هذه الأقوال ليست على إطلاقها بل إن اختار الإطعام أخرج عن كل شعرة صاعًا بلا نزاع، وإن اختار الصيام صام عن كل واحدة يومًا بلا نزاع، وإن اختار الدم فهو محل الأقوال وتعليلها مذكور في كلامهم.
وهذا الذي ذكرته من تصوير المسألة جزم به صاحب "البيان". كذا رأيته في كتابه المسمى "بالسؤال عما في المهذب من الإشكال". والذي قاله متعين لا محيد عنه، وقد تبعه عليه ابن أبي الضيف في "نكت التنبيه" والطبري شارح "التنبيه" وقال أنه مما لا يمكن دفعه.
قوله: ولو أغمي عليه مخلق ففيه قولان منصوصان.
والمجنون والصبي الذي لا يميز كالمغمي عليه. انتهى ملخصًا.
والصحيح في المسائل كلها عدم الوجوب. كذا صححه النووي في "شرح المهذب" ولم يصحح في "الروضة" شيئا، إلا أن الرافعي لما ذكر هذا الخلاف في قتل الصيد أيضًا صحح هناك من زياداته عدم الوجوب فيه، وهو نظير ما نحن فيه؛ لاشتراك الجميع في الإتلاف.
وهذا الكلام قد سبق الوعد بذكره في الكلام على إحرام الصبي.
قوله: وقول الغزالي: إن في الحلق والإتلاف ناسيًا وجهين يدخل فيه قتل الصيد ويقتضي كونه على الخلاف.
وهكذا قاله الأكثرون، وأشار مشيرون إلى القطع فيه بالوجوب. انتهى.
وما ذكره هاهنا من رجحان طريقة الخلاف قد ذكر ما يناقضه في الكلام على الصيد مناقضة عجيبة، وتابعه في "الروضة" على ذلك، وسأذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: ولو حلق الحلال شعر المحرم مكرهًا أو نائمًا أو مغمي عليه ففيه قولان: أصحهما: أن الفدية على الحالق. وبناها الأصحاب على أن الشعر في يد المحرم كالوديعة أو كالعارية وفيه جوابان فإن قلنا كالوديعة وهو الأظهر عندهم؛ فالفدية على الحالق وإلا فعلى المحلوق.
ثم قال ما نصه: فإن قلنا على الحالق فامتنع فهل للمحلوق مطالبته بإخراجها؟ فيه وجهان.
وجواب الأكثرين أن له ذلك بناء على أن المحرم كالمودع، والمودع خصم فيما يأخذ منه ويتلف في يده. انتهى كلامه. فيه أمران:
أحدهما: أن مخاصمة المودع قد ذكرها الرافعي في ثلاثة مواضع أخرى وجزم في جميعها بأنه لا يخاصم، على عكس ما ذكره هاهنا: أحدها: في كتاب الرهن في أثناء الباب الثالث.
والثاني: في كتاب الإجارة في أوائل الباب الثالث وهو موضع المسألة؛ فإنه قد ذكر هناك من يخاصم من غير المالك كالمستأجر والمرتهن والمودع، وسأذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى.
والثالث: في كتاب السرقة في آخر الشرط الخامس.
وتبعه النووي في هذه المواضع على عدم المخاصمة وهو المشهور أيضًا في المذهب.
وإذا علمت ذلك علمت أن المشهور هنا أنه لا يجوز للمحلوق مطالبة الحالف بإخراجها على خلاف ما ذكره هنا فإنه قد صرح بأن المطالبة مبنية على أنه كالمودع، ثم زاد عليه فقال: إن المودع يخصم، وقد قرر هو أنه ليس الأمر فيه كذلك ولم يتعرض للمسألة في "الشرح الصغير" في هذا الباب، بل ذكرها في الإجارة كما ذكرها في "الكبير"، وصحح النووي في "الروضة" أن للمحلوق أن يطالب ولم يتعرض للبناء والتعليل الذي ذكره الرافعي.
وكذلك فعل في "شرح المهذب" وقد اتضح أنه ليس الأمر فيه كما قاله فاعلمه.
الأمر الثاني: أن إطلاقه يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون الشعر قد دخل وقت حلقه أم لا، لكن قال الطبري شارح "التنبيه": الظاهر فيما دخل وقته أنه لا فدية فيه قطعا.
قال: نعم لا يبعد جعله متعديًا حتى يأثم.
قوله في المسألة: وإن قلنا الفدية على المحلوق ففدى بالهدي أو الإطعام رجع على الحالق بأقل الأمرين من الإطعام وقيمة الشاة، وإن فدى بالصوم فلا رجوع في أظهر الوجهين، وقيل يرجع بثلاثة أمداد من طعام لأنها بدل صومه. انتهى كلامه.
ومقتضاه أنه يجوز للمحلوق أن يفدي بالصيام إذا قلنا: أن الفدية عليه، وتابعه النووي في "الروضة" على ذلك.
ليس ذلك على إطلاقه بل محله إذا غاب الحالق أو أعسر، فأما مع حصوره ويساره فلا يجوز للمحلوق الفداء بالصوم. كذا نقله في "شرح المهذب" عن الأصحاب فقال ما نصه: قال أصحابنا فإن أراد المحلوق إخراجها والحالة هذه كان عليه أن يفدي بالهدي أو الإطعام دون الصيام. هكذا قاله الشيخ أبي حامد والأصحاب لأنه متحمل لهذه الفدية عن غيره والصوم لا يصح فيه التحمل، وإن غاب الحالق أو أعسر لزم المحلوق أن يفدي ليخلص نفسه من الفرض.
قال الأصحاب: وله هنا أن يفدي بالهدي والإطعام والصيام.
وأطلق البغوي وغيره أن له أن يفدي بالإطعام والهدي والصيام.
ولم يفرقوا بين وجود الحالق وعدمه.
وقطع الماوردي بأنه لا يجوز الصيام مطلقًا لأنه لا يتحمل. انتهى كلامه.
ولا شك أن ما قاله النووي في "شرح المهذب" يستقيم إذا قلنا: إن الوجوب لا يختص بالمحلوق بل يجب على الحالق أيضًا لأن الحالق إذا خوطب بالفدية قبل الإخراج وثبت للمحلوق الرجوع عليه عند إخراجه لزم بالضرورة أن يكون الإخراج بطريق التحمل عنه والصوم لا يتحمل.
فأما إذا قلنا: إن الوجوب يختص بالمحلوق، فيصح صومه مطلقًا لانتفاء التعليل المذكور. والصواب: أنه لا يختص به لأن التفريع على قول العارية وضمان العارية كما يجب على المستعير يجب أيضًا على المسلف.
قوله: ثم إذا رجع أي: المحلوق فإنما يرجع بعقد الإخراج في أصح الوجهين.
والثاني: له أن يأخذ منه ثم يخرج. انتهى كلامه.
تابعه النووي في "الروضة" على تصحيح امتناع الرجوع قبل الإخراج، وخالفه في "شرح المهذب" فقال ما نصه: وإذا قلنا بهذا فقال المصنف وجمهور الأصحاب: إن كان الحالق حاضرًا وهو موسر فللمحلوق أن يأخذها من الحالق ويخرجها؛ لأنه لا معنى لإلزام المحلوق بإخراجها ثم الرجوع على الحالق مع إمكان الأخذ من الحالق، وهذا قد قطع به العراقيون جميعهم وجماعة من غيرهم.
وقال المتولي والبغوي والرافعي: فيه وجهان:
أصحهما: لا يرجع. انتهى كلامه.
وهو تباين فاحش فإنه يقتضي أن المشهور والمعروف طريقة القطع بالرجوع وأن طريقة الوجهين ضعيف فضلا عن تصحيحها ثم تصحيح عدم الرجوع، وقد اتضح لك أن الفتوى على خلاف المذكور في "الشرح" و"الروضة"، فاعلمه.
ومدرك الخلاف في هذه المسألة قد تقدم مبسوطًا في المسألة السابقة، وهو أنه هل يجب على الحالق كما يجب على المحلوق أم لا؟ .
وما صححه النووي في "الشرح" المذكور ونقله عن الجمهور من جواز مطالبة الحالق ابتداء موافق للقول بالوجوب عليه، وهو ماش على طريقته في المسألة السابقة.
قوله: وهل للحالق أن يفدي على هذا القول أي: قول الوجوب على المحلوق؟ أما بالصوم فلا لأنه متحمل والصوم لا يتحمل، وأما بغيره فنعم ولكن بإذن المحلوق لأن في الفدية معنى القربة فلابد من نية من لاقاه الوجوب.
انتهى كلامه.
تابعه أيضًا في "الروضة" عليه، وهو لا يستقيم إلا على الطريقة التي أشرنا إليها من كونه لا يجب على الحالق مع المحلوق. وأما على الطريقة الأخرى التي يقتضيها كلامه في "شرح المهذب" وهي القائلة بأنه تجب عليه فإنه لا يستقيم منعه من التكفير لا بالصوم ولا بالمال.
فإذا علمت ذلك فاعلم أنه قد ذكر هذا الفرع في "شرح المهذب" كما ذكره الرافعي وكأنه قلده فيه غير مستحضر ما هو مفرع عليه فخلط طريقة بطريقة، وقياس ما قاله في الشرح المذكور في المسألتين السابقتين مخالفًا للرافعي أن يقول بخلافه أيضًا هنا.