المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع السادس: مقدمات الجماع - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٤

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌ زكاة الفطر

- ‌الطرف الثاني: في صفات المؤدي

- ‌الطرف الثالث: في صفات المخرج

- ‌كتاب الصيام

- ‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات

- ‌القول في شرائط الصوم:

- ‌القول في السنن

- ‌القسم الثاني في مبيحات الإفطار وموجباته

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

- ‌الباب الثاني: في أعمال الحج

- ‌الفصل الأول: في الإحرام

- ‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام

- ‌الفصل الثالث: في سنن دخول مكة

- ‌الفصل الرابع: في الطواف

- ‌الفصل الخامس: في السعي

- ‌الفصل السادس: في الوقوف

- ‌الفصل السابع: في أسباب التحلل

- ‌الفصل الثامن: في المبيت

- ‌الفصل التاسع: في الرمي

- ‌الفصل العاشر: في طواف الوداع

- ‌الفصل الحادي عشر: في حكم الصبى

- ‌الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة

- ‌النوع الأول: اللبس

- ‌النوع الثاني: الطيب

- ‌النوع الثالث دهن شعر الرأس واللحية

- ‌النوع الرابع: الحلق والقلم:

- ‌النوع الخامس: الجماع

- ‌النوع السادس: مقدمات الجماع

- ‌الباب [الرابع] (*) في الدماء

- ‌الفصل الأول في أبدالها

- ‌الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها

الفصل: ‌النوع السادس: مقدمات الجماع

‌النوع السادس: مقدمات الجماع

قوله: ويحرم على المحرم المباشرة بالشهوة وحيث ثبت التحريم وباشر شيئًا منها عمدًا وجبت عليه الفدية.

ثم قال: وإن كان ناسيًا لم يلزمه شئ بلا خلاف؛ لأنه استمتاع محض. انتهى كلامه. فيه أمور:

أحدها: أن ما قاله من نفي الخلاف غريب جدًا؛ فقد قال إمام الحرمين في "النهاية" قبل باب الصبي يبلغ والمملوك يعتق بنحو خمس ورقات ما نصه: وضبط الأصحاب المباشرة الموجبة للفدية بما يوجب نقض الطهارة.

ثم مسائل الملامسة في الطهارة تنقسم إلى خلاف ووفاق، والأمر في الحج ينطبق على قياسها خلافًا ووفاقًا.

وأما الصوم فالمباشرة المحضة لا تؤثر فيه، فهذه مراتب المباشرة وحكمها، وانتقاض الطهارة ووجوب الفدية تتجاريان بلا افتراق. انتهى لفظه.

وقال أيضًا في كتاب النكاح في باب الربا لا يحرم الحلال ما نصه: ولم أر أحدًا من الأصحاب يشترط قصد الشهوة في الملامسة عند إيجاب الفدية على المحرم. انتهى.

وذكر أيضًا الغزالي في "البسيط" أنه ينطبق على مسائل النقض وفاقًا وخلافًا، وذكر في "الوسيط" نحو ذلك، وكذا في "الوجيز" فقال: وكل ما ينقض الطهارة منها يوجب الفدية أنزل أم لم ينزل هذا لفظه -أعني "الوجيز".

ص: 444

والعجب من إهمال الرافعي له مع كونه في الكتاب الذي انتصب لشرحه.

الأمر الثاني: أن الغزالي في "الوجيز" يرى أن المباشرة محرمة مطلقًا سواء كانت بشهوة أم لا؛ فإنه لم يفصل بل أطلق القول بالتحريم.

وكذلك أيضًا الشيخ في "المهذب" فإنه لم يقيدها بالشهوة كما قيدها في "التنبيه"؛ فكان ينبغي للرافعي أيضًا التنبيه عليه.

واستفدنا من هذا كله أن الغزالي يرى أن التحريم يشترط فيه القصد فقط، وأن إيجاب الفدية لا يشترط فيه شئ، وحاول في "الروضة" من "زياداته" ذكر مقالة الغزالي فلم يذكرها على وجهها.

الأمر الثالث: أن جميع ما سبق تحريمه في هذا الفصل من الجماع ومقدماته لا يختص تحريمه بالمحرم والمحرمة كما يوهمه كلام الرافعي؛ بل يحرم أيضًا على المرأة الحلال أن تمكن منه في أصح الوجهين لأن فيه إعانة على المعصية.

كذا قاله الرافعي في باب الإيلاء، وقد سبق أيضًا من كلامه في الباب الثالث من أبواب الجمعة ما يدل له.

وتحريم المباشرة على الحلال أيضًا حالة إحرام المرأة كما ذكروه في باب الإحصار.

قوله: ولو باشر دون الفرج ثم جامع فهل تدخل الشاة في البدنة أم تجبان معًا؟ فيه وجهان. انتهى.

والأصح دخولها. كذا صحح النووي في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة".

ص: 445

قوله: الثانية: لا ينعقد نكاح المحرم ولا إنكاحه. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذا الفعل حرام كما هو معروف حتى ذكره جماعة في مختصراتهم "كالتنبيه" و"الوجيز" و"الإشارة" لسليم، وعبارة الرافعي لا تدل عليه.

الثاني: أنه إذا فعل ذلك فلا كفارة عليه وإن كان قد تعاطى محرمًا.

صرح به الغزالي في "الوجيز" وأهمله الرافعي فلم يشرحه بل سكت عنه وعن التنبيه الأول هنا وفي النكاح.

وقد ظهر من هذا الكلام أن هذه المسألة مستثناة من قولهم من تعاطى محرما بسبب الإحرام لزمته كفارة.

وكذلك يستثنى أيضًا الاصطياد إذا أرسل الصيد.

وقد استثناهما معًا سليم الرازي في "الإشارة".

قوله: وإن تعاطى المحرم محظورين أحدهما من قسم الاستهلاك والآخر من قسم الاستمتاع، واستند إلى سبب واحد كما إذا أصاب رأسه شجة واحتاج إلى حلق جوانبها وسترها بضماد فيه طيب لم تتداخل الفدية في أصح الوجهين. انتهى.

الضماد: بكسر الضاد المعجمة هي العصابة. قال الجوهري: ضمد الجرح يضمده ضمدًا أي: شدة بالضماد وهي العصابة. هذا كلامه.

قوله: الحالة الثانية: أن يكونا من قسم الاستهلاك فينظر إن اختلف نوعه كالحلق والقلم فلا تداخل.

ثم قال ما نصه: ولا فرق بين أن يوجد النوعان بفعلين أو في فعل واحد

ص: 446

كما لو لبس ثوبا مطيبًا تلزمه فديتان. وفي وجه أنه لا تجب إلا فدية واحدة. انتهى كلامه بحروفه.

واعلم أن ذكر الثوب المطيب ليس لقصد تمثيل المسألة؛ لأن كلامه في الاستهلاكات لا في الاستمتاعات بل ذكره للقياس عليه.

إذا علمت ذلك فاعلم أنه ليس في كلامه ما يدل على أن الوجه هل هو في لبس الثوب الطيب أم في أصل المسألة؟ والسياق يقتضي عوده إلى المسألة المقيسة؛ لأنها المقصودة بالكلام؛ لأن المعهود قياس المختلف فيه على المتفق عليه لا العكس، لكن صرح النووي في "أصل الروضة" بأن الوجه راجع إلى المقيس عليه؛ فاعلمه.

فقال: وفي هذه الصورة وجه ضعيف أنه تلزمه فدية واحدة.

هذه عبارته، وحينئذ فيتوجه على كلام الرافعي الإشكال المشار إليه وهو قياس المتفق عليه على المختلف فيه، وذكر في "الروضة" من "زياداته" أن هذا الوجه هو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور وذلك بعد أن ذكر هو من عنده في "أصل الروضة" أنه ضعيف كما تقدم.

قوله: ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أمكنة أو ثلاثة أزمنة متفرقة، فإن قلنا: كل شعرة تقابل ثلث دم، فلا فرق بين حلقها دفعة أو دفعات، وإن قلنا: الشعرة بمد أو درهم، والشعرتان بمدين أو درهمين، بني على الخلاف في أن تفرق الزمان هل يؤثر أم لا؟ فإن قلنا: إنه يؤثر وهو الأصح قطعنا حكم كل شعرة عن الأخرتين وأوجبنا ثلاثة أمداد في قول وثلاثة دراهم في قول. انتهى ملخصًا.

والذي قاله من كونه لا فرق بين حلقها دفعة أو في دفعات قد تابعه عليه في "الروضة"، وليس كذلك بل إذا قلنا: إن التفريق يؤثر فواجب كل

ص: 447

شعرة ثلث درهم؛ وحينئذ فيكفيه أن يخرج ثلاثة أثلاث ولا يكلف إخراج دم واحد، بخلاف ما إذا حلقها دفعة واحدة.

وهذا الاستدلال ذكره صاحب "التعجيز" في "شرحه" له نقلًا عن جده، وهو استدراك صحيح.

قوله: الحالة الثالث: أن يكون كلاهما من قسم الاستمتاع؛ فإن اتحد النوع بأن تطيب بأنواع من الطيب ولبس أنواعًا كالعمامة والقميص والسراويل والخف، أو نوعًا واحدًا مرة بعد أخرى نظر إن فعل ذلك في مكان على التوالي لم تتعدد الفدية، ولا يقدح في التوالي طول الزمان في مضاعفة القميص وتكوير العمامة.

وإن فعل ذلك في مكانين أو مكان وتخلل زمان نظر إن لم يتخلل التكفير فقولان: الجديد: يجب للثاني فدية أخرى. والقديم: تتداخل.

انتهى. فيه أمور:

أحدها: أن اللبس إذا تعدد ولكن في محل واحد كما لو لبس قميصًا فوق قميص أو عمامة فوق القبع فإنه لا يجب للثاني شئ بلا خلاف كما قاله الطبري شارح "التنبيه" لأن المحل قد استتر.

قال: ولا يظهر فرق بين أن يلبس فوق ما تجب به الفدية أو تحته؛ إذ المباشرة لا أثر لها بدليل ما لو التف لإحرامه ثم لبس فوقه قميصًا فإن الفدية تجب قطعًا.

الأمر الثاني: أنهم لم يفرقوا بين أن يبدأ بالسراويل أو القميص، وظاهره التسوية في طرد القولين، وذلك ظاهر فيما إذا بدأ بالسراويل، ولو عكس لم يتجه الخلاف؛ فإنه لما لبس القميص ستر محل السراويل بالمخيط ووجبت فيه الفدية فلا تتكرر بساتر آخر مع بقاء الأول كما سبق في

ص: 448

القميص فوق القميص.

كذا نبه عليه أيضًا الطبري المذكور، وهو متجه.

الأمر الثالث: أن ما ذكروه من اختلاف المجلس وإن لم يطل معه الزمان حكمه حكم ما لو طال مخالف لما ذكروه في غير هذه المسألة كما لو يذكر ترك ركن من الصلاة بعد السلام وغيرها.

واعلم أن التكوير الذي وقع في كلام الرافعي قد سبق الكلام عليه في شروط الصلاة.

قوله: وإن تخلل التكفير بينهما فلا خلاف في وجوب فدية أخرى، فإن كان قد نوى بما أخرجه الماضي والمستقبل جميعًا فيبني على أن تقديم الكفارة على الحدث المحظور هل يجوز أم لا؟ إن قلنا: لا، تعددت، وإن قلنا: نعم فوجهان: أحدهما: أن الفدية تلحقه بالكفارة في جواز التقديم فلا يلزمه للثاني شئ.

والثاني: المنع كما لا يجوز للصائم أن يكفر قبل الإفطار.

انتهى كلامه. فيه أمران:

أحدهما: أن السبب الموجب لهذه الكفارة قد يكون محرمًا وقد لا يكون كاللبس للحر والبرد والحلق والطيب للمرض ونحوه.

والتخريج الذي ذكره في جواب المسألة إنما هو جواب لأحد قسميها.

الأمر الثاني: أن القياس على منع الصائم من التقديم يقتضي الاتفاق على المسألة أو ضعف الخلاف فيها، وليس كذلك فإن في جواز تقديمها خلافًا قويًا قد مر في موضعه وهو باب تعجيل الزكاة؛ ولهذا عبر عنه في "الروضة" بالأصح.

ص: 449

ثم إن محل ذلك في كفارة الجماع دون ما وجب بسبب مباح.

النوع السابع: في [إتلاف](1) الصيد.

قوله [في الروضة](2): فيحرم عليه كل صيد مأكول أو في أصله مأكول ليس مائيًا، وحشيًا كان أو في أصله وحشي. انتهى.

وهذه العبارة هي قريبة من عبارة الرافعي أيضًا وهي عبارة غير صحيحة؛ وذلك لأن المتولد من حيوان البر ستة أقسام:

أحدها: المتولد بين وحشيين أحدهما مأكول كالسمع المتولد بين الذئب والضبع.

والثاني: المتولد بين مأكولين أحدهما وحشي كالمتولد بين [الظبي](3) والشاة.

والثالث: المتولد بين وحشي مأكول وأهلي غير مأكول كحمار الوحش وحمار الأهل.

وهذه الأقسام الثلاثة قد اشتركت في أن كلًا منها في أصله المأكول والمتوحش معًا في ذات واحدة، ولا إشكال في تحريمها.

وأما الثلاثة الأخرى فمتولدة بين شيئين كل منهما لا يقتضي الإحرام تحريمه:

أحدها: عكس المذكور قبله أي: الثالث؛ وهو أن يكون متولدًا بين وحشي غير مأكول وإنسي مأكول كالمتولد بين الذئب والشاة.

الثاني: المتولد بين حيوانين لا يؤكلان أحدهما وحشي كالمتولد بين الحمار والزرافة.

(1) سقط من أ.

(2)

سقط من أ.

(3)

في ج: الضباع.

ص: 450

الثالث: المتولد بين أهليين أحدهما غير مأكول كالبغل.

وهذه الأنواع الثلاثة لا نزاع في عدم تحريمها؛ لأن كل واحد منها لا يحرم التعرض لكل واحد من أصله.

وهذه العبارة التي نقلناها عن الرافعي و"الروضة" تقتضي تحريم الأول من هذه الثلاثة الأخيرة. وليس كذلك.

وقد عبر في "المنهاج" بعبارة صحيحة تدل على التحريم في الثلاثة الأولى وعلى الإباحة في الثلاثة الأخيرة فقال: الخامس: اصطياد كل مأكول برى.

قلت: وكذا المتولد منه ومن غيره.

قوله: نعم يجب في الصيد المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيًا ومذبوحًا لحق المالك. انتهى كلامه.

وهذا إنما يستقيم إذا قلنا: مذبوح المحرم يحل أكله، أما إذا جعلناه ميتة وهو الأصح فإنه تجب كل القيمة لإتلافه إياه.

وهذا الاعتراض قد استدركه النووي عليه أيضًا. قال: وقد أوضحه الرافعي بعد هذا في أثناء الباب.

قوله: ولو حلب لبن صيد ضمنه. قاله كثيرون من أصحابنا العراقيين وغيرهم.

وقال الروياني: لا يضمن. انتهى.

وما اقتضاه كلامه من ترجيح وجوب الضمان مطلقًا تابعه عليه في "الروضة"، وذكر مثله في "شرح المهذب"، واقتضى كلامه أنه لا فرق بين أن تنقضي قيمة الصيد بذلك أم لا؛ فإنه نقل عقب ذلك عن أبي حنيفة

ص: 451

هذا التفصيل فأشعر كلامه أنه لم ير ذلك لأحد من أصحابنا، لكن رأيت في طبقات الموسوي التفليسي في ترجمة إسحاق بن صغير أن الدارقطني ذكره فيمن روى عن الشافعي فقال: سألت الشافعي عمن حلب عنزًا من الظباء وهو محرم، قال: تقوم العنز باللبن وتقوم بلا لبن فينظر نقص ما بينهما فيتصدق به. هذا لفظه.

قوله: أما الذي لا يؤكل فلا يحرم التعرض له وهو على أضرب منها ما يستحب قتله للمحرم وغيره وهو المؤذيات؛ كالفواسق الخمس؛ روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "خمس يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور"(1). وفي معناها: الحية والذئب والأسد والنمر والدب والنسر والعقاب.

انتهى. فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره هنا من استحباب قتل الفواسق الخمس قد ذكر في أوائل باب الأطعمة ما يقتضي مخالفته، وأن ذلك على سبيل الوجوب فقال: قال صاحب "التلخيص" وساعده الأصحاب: ما أمر بقتله من الحيوان فهو حرام، والسبب فيه: أن الأمر بقتله إسقاط لحرمته ومنع من اقتنائه، ولو كان مأكولًا لجاز اقتناؤه للقسمين وإعداده للأكل فمن ذلك الفواسق الخمس .. إلى آخره.

الأمر الثاني: أن النووي قد تابعه في "الروضة" على عد العقاب مما يستحب قتله، وجزم في "شرح المهذب" بأنه من القسم الذي لا يستحب قتله ولا يكره، وهو الذي فيه نفع ومضرة.

وهذا الثاني هو الذي جزم به القاضي أبو الطيب في تعليقه.

(1) أخرجه البخاري (1732) ومسلم (1198) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 452

والحديث المذكور رواه البخاري ومسلم.

[قوله](1): ومنها التي لا تظهر فيها منفعة ولا مضرة كالخنافس والجعلانات والسرطان والرخمة والكلب الذي ليس بعقور فيكره قتلها. انتهى.

وما ذكره في الكلب من الكراهة قد وقع فيه اختلاف عجيب في كلامه وكلام النووي، وقد تقدمت المسألة مبسوطة في التيمم.

قوله: ولا يجوز قتل النحل والنمل والخطاف والضفدع لورود النهي عن قتلها. انتهى.

والمراد بالنمل الوارد هنا إنما هو النمل الكبير المعروف بالسليمانى؛ كذا قاله الخطابي. وكذلك البغوي في "شرح السنة" وفي أواخر الكتاب قال: وأما الصغير المسمى بالنمل فاسمه الذر وقتله جائز بغير الإحراق والذي قالاه ظاهر؛ لأن الصغير منه يؤذي.

وقد رأيته أيضًا مصرحًا به في "شرح المهذب" المسمى "بالاستقصاء" نقلًا عن "الإيضاح" للصيمري فقال: إن الذي يؤذي منه يجوز قتله، قال: بل يستحب لأنهم سألوا ابن عباس عن قتلها فقال: تلك ضالة لا شئ فيها.

وبالجملة فقد أطلق الشافعي كراهة قتل النمل كما نقله الطبري شارح "التنبيه"، وهو يدل على الجواز على كل حال في الصغير فإنه إما عام أو خاص.

قوله: وأما ما يتولد بين الوحش والإنس كالمتولد من اليعقوب

(1) بياض في أ.

ص: 453

والدجاجة فيجب الجزاء بذبحه. انتهى.

اعلم أن يعقوب هذا كيعقوب اسم النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو الطائر المعروف بالجحل، وقد عبر عنه في باب الأطعمة من "الروضة" بذلك.

نعم عبر الرافعي هناك باليعقوب كما عبر هنا.

قوله: إحداها: لو نصب المحرم شبكة فعقل بها صيد وهلك فعليه الضمان. انتهى.

تابعه في "الروضة" على إطلاق وجوب الضمان ومقتضاه أنه لا فرق بين أن يعقل الصيد في حال الإحرام أو بعد التحلل، وقد صرح البغوي في "فتاويه" بذلك وعلله بالتعدي.

قوله: فإن لم يكن صيد فأرسل الكلب أو حل رباطه فظهر صيد فوجهان: أظهرهما أنه لا يضمن إذ لم يوجد منه قصد الصيد.

وأرجحهما على ما رواه الإمام أنه يضمن لحصول التلف بسبب فعله. انتهى كلامه. فيه أمران:

أحدهما: أنه قد رجح في "الشرح الصغير" عكس ما صححه هنا فقال: أرجحهما: الوجوب ولم يذكر ترجيحًا غيره.

الثاني: أنه قد انعكس على النووي ذلك فصحح في "أصل الروضة" أنه يضمن، وعبر بلفظ الأصح واقتصر عليه، ثم إنه في "شرح المهذب" اعتمد على ما في "الروضة" ظنًا منه أنه مطابق لكلام الرافعي فصرح فيه بنقل التصحيح المذكور عن الرافعي فغلط غلطًا آخر، وقد سبق بيان كثير من ذلك في موضعه.

قوله: ولو حفرها في ملكه أو في موات فثلاثة أوجه: أصحها: يضمن

ص: 454

في الحرم دون الإحرام.

زاد النووي في "الروضة" على هذا فقال: قلت: وقيل: إن حفرها للصيد ضمن وإلا فلا.

واختاره صاحب "الحاوي" والله أعلم.

هذا كلامه. والذي عزاه إلى "الحاوي" ليس فيه كما نقله عنه، بل هو مخالف لكلامه من وجهين.

أحدهما: أنه لم يختر عدم الضمان إذا لم يرد الصيد، بل حكى وجهين من غير ترجيح.

الثاني: أن هذا التفصيل إنما ذكره في المحرم. وأما حفر الحلال في الحرم فلم يذكره فقال: فصل: إذا حفر المحرم بئرًا فوقع فيها صيد فمات فهذا على ضربين.

ثم قال: والضرب الثاني أن يكون غير متعد بحفرها؛ وذلك أن يحفرها في ملكه أو في صحراء واسعة فهذا على ضربين:

أحدهما: أن يحفرها لأجل الصيد فهذا ضامن لما وقع فيها من الصيد كما لو طرح شبكة أو نصب حالة.

والضرب الثاني: أن يحفرها للشرب لا للصيد ففي وجوب الجزاء وجهان:

أحدهما: عليه الجزاء لأن موت الصيد كان بسبب منه وإن لم يكن قاصدًا له كالخاطئ.

والوجه الثاني: لا ضمان عليه ولا جزاء كما لو صعد صيد إلى سطحه وتردى إلى داره لم يضمنه فكذلك إذا دخل إلى داره وتردى في بئره لم

ص: 455

يضمنه.

هذا لفظه بحروفه.

قوله: في الفصل مسألتان: إحداهما: لو دل الحلال محرمًا على صيد فقتله وجب الجزاء على المحرم ولا شئ على الحلال. نعم هو مسئ بالإعانة على المعصية.

ولو دل المحرم حلالًا على صيد فقتله نظر إن كان الصيد في يد المحرم وجب الجزاء .. إلى آخره.

فيه أمران:

أحدهما: أن المراد بالإساءة هنا هو التحريم على ما فسره النووي وعبر به في أصل "الروضة".

ولابد من مجئ الخلاف في نظائره كما إذا باع من لا تجب عليه الجمعة ممن تجب عليه، وقد سبق بيان ذلك في موضعه، وأن نص الشافعي والجمهور يقتضي اختصاص الإثم بمن تجب عليه.

ومثله ما إذا باع العصير ممن يتحقق اتخاذه خمرًا، وغير ذلك.

الأمر الثاني: أن المحرم إذا دل الحلال على الصيد يعصي بذلك. كذا صرح به الغزالي في "الوجيز" وأهمله الرافعي فلم يشرحه ولم يتعرض لحكم المسألة، وكذلك النووي أيضًا في "الروضة"، لكن الذي قاله الغزالي مشكل؛ فإن الحلال إذا كان يباح له الاصطياد فدلالة المحرم عليه دلالة على مباح وإن كان هو لا يتعاطاه وليس في القواعد ما يدل على اشتراط جواز تعاطي الشئ في جواز الدلالة عليه.

وما ذكره الغزالي من تحريم الدلالة ذكره أيضًا في "شرح المهذب" وزاد

ص: 456

تحريم الإعانة بالإعارة وتحريم التنفير، على أن تحريم التنفير يؤخذ من كلام الرافعي في أثناء الاستدلال.

قوله في أصل "الروضة": ولو أكل المحرم من صيد يحرم عليه أكله وكان الذابح غيره ففي وجوب الجزاء قولان.

ثم قال ما نصه: ولو أكل المحرم ما ذبحه بنفسه لم يلزمه لأكله بعد الذبح شئ آخر بلا خلاف. انتهى.

وما ادعاه من عدم الخلاف ليس كذلك فقد رأيت في "التحرير" للجرجاني حكاية قولين في هذه المسألة، وجزم بالوجوب في المسألة الأولى؛ وهي ما إذا كان الذابح غيره فقال في تعديد المحرم ما نصه: والرابع عشر: أكل صيد صيد له أو ذبح أو أعان عليه بدلالة أو إشارة أو إعارة سلاح ويضمن الأكل بالجزاء إلا أن يكون ضمنه بالذبح فلا يضمنه بالأكل على أصح القولين.

هذا لفظه بحروفه ومنه نقلت، والرافعي سالم من هذا الاعتراض؛ فإنه لم يدع نفي الخلاف.

قوله: ولو أمسك محرم صيدًا فقتله حلال وجب الجزاء على المحرم، وهل يرجع به على الحلال؟ قال الشيخ أبو حامد: لا؛ لأنه غير ممنوع.

وقال القاضي أبو الطيب: نعم، وهو ما أورده في "التهذيب". انتهى.

والصحيح ما قاله النووي في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة" هو الأول وهو عدم الرجوع.

قال الطبري -شارح "التنبيه": وما قاله الأول من عدم المنع منه ممنوع فإنه ما دام مضمونًا على المحرم فليس لأحد أن يقرر الضمان عليه بإتلافه في يده لأنه إضرار به.

ص: 457

قوله في المسألة: فإن قتله محرم آخر فوجهان: أظهرهما أن الجزاء كله على القاتل لأنه مباشر.

والثاني: عليهما نصفين.

وقال في "العدة": الصحيح أن الممسك يضمنه بالمسك والقاتل بالإتلاف والقرار على القاتل. انتهى.

وحاصله أن في المسألة ثلاثة أوجه: أصحها: أن المطالب هو القاتل وحده.

وقد ذكر ما يوافق ذلك أيضا في آخر الباب في الكلام على صيد الحرم، وستعرف لفظه في موضعه.

إذا علمت ذلك فقد أعاد المسألة بعد هذا بدون ورقتين فقال: وإن قتله محرم آخر فالجزاء عليهما أو على القاتل ومن في يده طريق؟

فيه وجهان.

هذا لفظه. ولم يذكر الوجه الذي صححه أولًا، وهو غريب، على أنه قد وقع له نظير ذلك في مواضع.

ثم ذكرها أيضًا في كتاب الجنايات في اجتماع السبب والمباشرة، ورجح أنه على القاتل ومن في يده طريق كما ذهب إليه صاحب "العدة" فقال: قال الإمام وغيره: هذا هو الظاهر.

هذه عبارته. ولم يذكر ترجيحًا غيره؛ ولهذا أطلق النووي أنه المذهب. وليس للمسألة ذكر في "الشرح الصغير" ولا في "المحرر".

وقد اختلف كلام النووي أيضًا فيها فقال في "شرح المهذب" في باب الإحرام في آخر الكلام على الصيد المأكول: فإذا أمسك المحرم صيدًا فقتله محرم آخر ففيه وجهان: أحدهما: الجزاء عليهما نصفين.

ص: 458

وأصحهما: يجب على القاتل والممسك طريق في الضمان. انتهى كلامه.

وقال في باب ما يجب بمحظورات الإحرام في أثناء فرع أوله إذا قتل المحرم صيدًا بعد صيد ما نصه: ولو أمسك المحرم صيدًا فقتله محرم آخر فثلاثة أوجه:

أصحها: يجب الجزاء كله على القاتل؛ لأنه وجد من الممسك سبب ومن القاتل مباشرة؛ فوجب تقديم المباشرة كما في قتل الآدمي وغيره.

والثاني: يجب الجزاء بينهما نصفين لأنهما من أهل ضمانته. وهذا ينتقض بضمان الآدمي.

وبهذا الوجه قطع المصنف في "التنبيه".

والثالث: قاله القاضي أبو الطيب وصححه أبو المكارم: يجب على كل واحد منهما، فإن أخرج الممسك رجع على القاتل وإن أخرج القاتل لم يرجع به على الممسك كما لو غصب شيئًا وأتلفه آخر.

قال في "الشامل": هذا الوجه أقيس عندي. انتهى لفظه بحروفه.

وهو اختلاف فاحش؛ فإن الذي صححه هنا لم يذكره أولًا البتة، وقد وقع له هذا الاختلاف الفاحش في "الروضة" أيضًا؛ فإنه تبع الرافعي على ما ذكره هنا وفي كتاب الجنايات، وصحح من زياداته في الموضع الذي حكى فيه الرافعي وجهين من غير تصحيح ما يوافق المذكور في الجنايات.

قوله من "زياداته": قال صاحب "البحر": لو رمى حلال صيدًا ثم أحرم ثم أصابه ضمنه على الأصح.

ولو رمى محرم ثم تحلل بأن قص شعره ثم أصابه فوجهان. انتهى.

ص: 459

والأصح من الوجهين الأخيرين هو وجوب الضمان. كذا جزم به الرافعي بعد هذا في الكلام على تحريم صيد الحرم، وجزم أيضًا بالتي قبلها، ونقلهما النووي كذلك أيضًا.

قوله: بل لو تولد تلف الصيد ما في يده لزمه الضمان كما لو كان راكبًا دابته فأتلفت صيدا بعضها أو رفسها.

وكذا لو بالت في الطريق فزلق به صيد وهلك كما لو زلق به آدمي أو بهيمة؛ أي: فإنه يضمن. انتهى.

وما ذكره في الآدمي والبهيمة من الضمان وجزم به قد جزم بما يخالفه في كتاب الجنايات في الكلام على ضمان البهائم. وستعرف لفظه في موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله: فإن كان في ملكه صيد فهل يلزمه رفع اليد عنه؟ فيه قولان: أحدهما: لا؛ كما لا يلزمه تسريح زوجته.

والثاني: نعم؛ لأن الصيد لا يراد للدوام فتحرم استدامته كالطيب واللباس.

وهذا أصح القولين على ما ذكره المحاملي والكرخي وغيرهما من العراقيين. انتهى.

وما ذكره في استدلاله على القول الثاني من تحريم استدامة الطيب عجيب؛ فقد سبق منه في أول باب سنن الإحرام الجزم بجواز ذلك، وهو المعروف.

ولم يتعرض في "الروضة" لذلك هنا فسلم من الاختلاف.

واقتصر الشيخ في "المهذب" على القياس على اللباس.

قوله: في "أصل الروضة": ولو مات الصيد قبل إمكان الإرسال وجب

ص: 460

الجزاء على الأصح. انتهى.

والذي قاله من وجوب الجزاء مشكل؛ فإنه قد ذكر هو والرافعي وغيرهما أنه لا يجب تقديم الإرسال على الإحرام بلا خلاف وحينئذ فينبغي الجزم بعدم الضمان؛ لأنه لم يوجد منه إتلاف ولا تقصير في الإرسال؛ يؤيده أنهم قالوا بعدم الضمان فيما إذا نذر التضحية بشاة معينة ثم ماتت يوم النحر وقبل إمكان الذبح، وبالجملة فالرافعي لم يصححه وإنما نقل عن الإمام أنه المذهب.

قوله فيها أيضًا: ولو اشترى المحرم صيدًا أو انتهبه أو أوصى له به فقيل: لم يصح ذلك في الأظهر. ويدل على المنع ما روي أن الصعب بن جثامة أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم (1).

ثم قال ما نصه: فإن لم نصحح هذه العقود فليس له القبض، فإن قبض فهلك في يده لزمه الجزاء ولزمه القيمة للبائع.

قلت: كذا ذكر الإمام الرافعي هنا أنه إذا هلك في يده ضمنه بالقيمة للآدمي مع الجزاء. هذا في الشراء صحيح، أما في الهبة فلا تضمن القيمة على الأصح؛ لأن العقد الفاسد كالصحيح في الضمان والهبة غير مضمونة. انتهى كلامه.

واعتراضه عليه عجيب؛ فإن الرافعي لم يذكر هنا أنه تلزمه القيمة للمالك حتى يدخل فيه الوارث، بل احترز عن الوارث بتعبيره بالبائع، وقد نقله هو عنه كذلك قبل استدراكه عليه بقليل كما تقدم لك من عبارته.

ثم إن النووي لما وقع له في "الروضة" ما وقع اعترض عليه في "شرح

(1) أخرجه البخاري (1729) ومسلم (1193).

ص: 461

المهذب" ظنًا منه أن ما في "الروضة" مطابق لكلام الرافعي فقال ما نصه: وأشار جماعة من الخراسانيين إلى القطع بالضمان. وقد اغتر الرافعي بهذا فوافق إشاراتهم فقطع هنا بالضمان مع تصحيحه العكس في كتاب الهبة؛ فكأنه لم يتذكره في هذا الموطن.

هذا كلامه. وهو غريب، وأغرب منه دعواه أن الرافعي قطع به.

ثم إن دعواه في "شرح المهذب" أن الرافعي قد صحح في كتاب الهبة عدم الضمان، فليس كذلك أيضًا؛ فإنه إنما حكى وجهين من غير ترجيح.

واعلم أنه قد عبر في "الشرح الصغير" بالمالك ولم يقيده بالبائع كما قيده في "الكبير"، وهو يقتضي الضمان للواهب.

والصعب المذكور في الحديث بصاد مفتوحة وعين ساكنة مهملتين.

وجثامة: بجيم مفتوحة ثم ثاء مثلثة مشددة.

وحديثه هذا رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عباس من طرق.

قوله في المسألة بعينها: وإن رده عليه سقطت القيمة ولا يسقط ضمان الجزاء إلا بالإرسال، وإذا أرسل كان كما إذا اشترى عبدًا مرتدًا فقتل في يده. وفي أنه من ضمان من يتلف خلاف سنذكره في موضعه. انتهى كلامه.

وما ذكره رحمه الله من أنه إذا أرسل كان كقتل العبد المرتد في يد المشتري سهو؛ فإن كلامه فيما إذا اشترى المحرم الصيد.

والمقتضي للإرسال في هذه المسألة إنما وجد في يد المشتري فكيف يتصور تخريجه على الخلاف في المرتد؛ فإن الردة هناك وجدت في يد البائع. وإنما صورة المسألة التي تتخرج على المرتد أن يكون المحرم بائعًا للصيد، وقد أوضحه الغزالي فقال: فإن صححنا الشراء فباعه المحرم حرم

ص: 462

البيع ولكن ينعقد ويجب على المشتري إرساله.

فإذا أرسله فهل يكون من ضمان البائع؟

فيه الخلاف فيمن باع مرتدًا فقتل في يد المشترى، وزاده الإمام إيضاحًا فقال: قال الأئمة: إذا باع الحرم صيدًا أمرناه بإطلاقه ووجب على المشتري إرساله.

قال: فإن استبعد العقبة ذلك فهو كتصحيحنا من المشتري شراؤه مع أمرنا إياه بإرساله.

ثم إذا أرسله المشتري بعد قبضه أيصل هذا بالتفريع فيمن اشترى مرتدًا فقتل في يده بالردة فمن ضمان من هو؟ وفيه خلاف.

قال: ولعل الوجه القطع هنا بأن إرساله من ضمان التابع وجهًا المرتد قد تقبل لردة حالته والظهرات تتجدد والسبب الذي علق به وجوب الإرسال دائم لا تجدد فيه هذا كلامه.

واعلم أن بيع المرتد الذي أحال الرافعي هنا عليه محله في أوائل خيار العيب.

والصحيح فيه أنه من ضمان البائع إن كان المشتري جاهلًا بالحال حتى يرجع على البائع بجميع الثمن.

فإن كان عالمًا أو علم ولم يرد لم يرجع بشئ، وقيل: يرجع بالثمن.

قوله: الثانية: إذا مات للمحرم قريب وفي ملكه صيد هل يرثه؟ إن جوزنا الشراء وغيره من الأسباب الاختيارية فنعم، وإلا فوجهان؛ والأظهر ثبوته لأنه لا اختيار فيه.

انتهى كلامه.

واعلم أن النووي لما نقل هذا الكلام في "شرح المهذب" ذكر عقبه عن

ص: 463

المتولي والقاضي أبي الطيب أن القول بالتوريث إنما يتصور على قولنا: إن الإحرام لا يزيل الملك عن الصيد.

فأما إذا قلنا بالقول الآخر وهو أنه يزيله فإنه لا يدخل في ملكه.

ثم نقل عن الإمام أنه نقل عن العراقيين عكسه فقالوا: إن محل الوجهين إذا قلنا الإحرام يقطع دوام الملك.

ثم قال النووي: إن الجمهور لم يتعرضوا لذلك.

قال: وما نقله الإمام عن العراقيين غريب.

ومقتضى ما قال النووي عدم الإنكار على أبي الطيب والمتولي، ويلزم منه أن يكون الراجح في المسألة من حيث الجملة عدم الإرث.

قوله: وعلى هذا يعني القول بالإرث فقد ذكر الإمام وصاحب "الكتاب" أنه يزول ملكه عقب ثبوته بناء على زوال الملك بالإحرام. وفي "التهذيب" وغيره خلافه.

وإن قلنا: لا يرثه، فقال في "التتمة": يكون الصيد لباقي الورثة. وقال الكرخي: يكون أحق به فيوقف حتى يتحلل.

انتهى ملخصًا.

فأما المسألة الأولى -وهي زوال الملك فلم يصحح فيها شيئًا أيضًا في "الشرح الصغير" ولا في "الروضة" ولم يذكرها في "المحرر" والصحيح أنه لا يزول؛ كذا صححه النووي في "شرح المهذب" فقال: وهذا الذي أضافه إلى "التهذيب" وغيره هو الصحيح المشهور الذي قطع به المحاملي وآخرون.

قال المحاملي في "المجموع": إذا قلنا أنه يملكه بالإرث كان ملكًا له يتصرف فيه كيف شاء إلا القتل والإتلاف ..

هذا كلام النووي.

ص: 464

لكن ذكرها في "الحاوي الصغير" وقال: إنه يزول.

وأما الثانية فصحح النووي من "زياداته" قول الكرخي وقال: إنه الصحيح بل الصواب المعروف في المذهب. وذكر مثله أيضًا في "شرح المهذب" وزاد فيه فقال: إنه على هذا القول يكون ملكًا للميت إلى التحلل؛ وحينئذ فمعنى قول الرافعي يوقف أي: يوقف تسليم الصيد إليه، ولا يريد أن الملك يكون موقوفًا.

قوله: المسألة الثانية: الناس كالعامد في وجوب الجزاء.

ثم قال: وخرج بعض الأصحاب في وجوب الضمان على الناس قولين. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره من تصحيح القطع قد ذكر قبل ذلك في الكلام على الحلق عكسه، وقد تقدم ذكر لفظه هناك، فراجعه، وهو اختلاف عجيب وقع أيضًا في "الشرح الصغير" و"الروضة".

والصواب المذكور هناك وهو التخريج فإنه قد نقله هناك عن الأكثرين.

الأمر الثاني: أن الصحيح على طريقة القولين هو الوجوب أيضًا. كذا صححه النووي في "الروضة" ولم ينبه على أنه من زياداته، بل أدخله في كلام الرافعي، فاعلمه.

قوله: ولو أحرم ثم جن فقتل صيدًا ففي وجوب الجزاء قولان.

وجه المنع أن الصيد على الإباحة، وإنما يخاطب بترك التعرض له من هو من أهل التكليف. انتهى.

والأصح عدم الوجوب. كذا صححه النووي في "شرح المهذب" وفي "زيادات الروضة"، وفيه إشكال؛ لأن الإتلاف لا فرق فيها بين المجنون

ص: 465

والعاقل؛ ولهذا لما صححه في "شرح المهذب" قال: إن الأقيس خلافه.

قوله: ولو ركب إنسان صيدًا وصال على المحرم ولم يمكن دفعه إلا بقتل الصيد فقتله، فالذي أورده الأكثرون أنه يجب عليه الضمان لأن الأذى هاهنا ليس من الصيد.

وحكى الإمام أن القفال ذكر فيه قولين:

أحدهما: أن الضمان على الراكب ولا يطالب به المحرم.

والثاني: يطالب المحرم به ويرجع بما غرم على الراكب. انتهى كلامه.

وهذا الخلاف المذكور في الطريقة الثانية قد جعله في "الروضة" وجهين فقال: وذكر القفال فيه وجهين. هذه عبارته.

والمذكور في "النهاية" وكتب الغزالي وغيره هو القولان كما ذكره الرافعي. وكلام "الكفاية" أيضًا هنا غير محرر.

قوله: ولو أكره المحرم أو الحلال في الحرم على قتل صيد فقتله فوجهان:

أحدهما: أن الجزاء على المكره.

والثاني: على المكره ثم يرجع على المكره. انتهى.

والأصح هو الثاني؛ وهو الوجوب على القاتل ثم يرجع به على الآمر. كذا صححه الرافعي في أوائل الجنايات في الكلام على الإكراه على القتل، وعبر بالأصح.

وحكى مع ما قاله هنا وجهين آخرين:

أحدهما: أنه عليهما، والثاني: على المتلف فقط.

وجعل هذه الأوجه في الصيد وفي سائر الإتلافات التي حصل الإكراه عليها.

ص: 466

وما صححه الرافعي هناك قد صححه أيضًا النووي هنا في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة".

قوله من "زياداته": قال صاحب "البحر": قال أصحابنا: إذا كسر بيض صيد فحكم البيض حكم الصيد إذا ذبحه فيحرم عليه قطعا، وفي غيره القولان وكذا إذا كسره في الحرم.

قال أصحابنا: وكذا لو قتل المحرم الجراد قال: وقيل: يحل البيض لغيره قطعًا بخلاف الصيد المذبوح على أحد القولين لأن إباحته تقف على الذكاة بخلاف البيض؛ ولهذا لو بلعه إنسان قبل كسره لم يحرم. وهذا اختيار الشيخ أبي حامد والقاضي الطبري.

قال الروياني: وهو الصحيح. انتهى. كلام النووي.

وليس فيه إطلاق تصحيح شئ من الطريقين، وقد صحح الحل في "شرح المهذب" فقال في الكلام على تحريم ما ذبحه: أما إذا كسر المحرم بيض صيد أو قلاه فيحرم عليه بلا خلاف، وفي تحريمه على غيره طريقان: أشهرهما وهي التي اختارها المصنف في الفصل الذي بعد هذا أنه على القولين كاللحم؛ الجديد: تحريمه، والقديم: إباحته.

والطريق الثانية: القطع بإباحته، وهذا الطريق هو الصواب. انتهى ملخصًا.

وذكر بعده بنحو سبعة أوراق أن طريقة القطع بالإباحة أصح، ولم يذكر معها أن الأشهر طريقة القولين كما ذكره أولا.

قال رحمه الله: النظر الثاني في الواجب.

قوله في "أصل الروضة": فحصل من هذا أنه في المثلى مخير بين الحيوان والطعام والصيام، وفي غيره مخير بين الطعام والصيام. هذه هو

ص: 467

المذهب والمقطوع به في كتب الشافعي والأصحاب.

وروى أبو ثور قولًا: إنها على الترتيب. انتهى كلامه.

وما ذكره من القطع به في كتب الشافعي ليس كذلك؛ فقد حكى في "التقريب" عن "المناسك الكبير" للشافعي فيه احتمالين، وهو من الكتب الجديدة فقال: قال في "المناسك الكبير" بعد ذكر الآية في جزاء الصيد: فاحتمل أن يكون بالخيار؛ بأن يفتدي بأي ذلك شاء وهو أظهر معانيه، ويحتمل أن يكون عليه الهدي إن وجده، فإن لم يجده فطعام، فإن لم يجده فصوم.

هذا لفظه بحروفه، ومن "التقريب" نقلت.

واحتمالات الشافعي عند الأصحاب معدودة من الأقوال على كل حال تثبت بطلان ما ادعاه من القطع؛ ولهذا لم يذكره الرافعي.

قوله: وإذا لم يكن الصيد مثليا فالعبرة في قيمته بمحل الإتلاف، وإن كان مثليا وأراد تقويم مثله من النعم ليرجع إلى الإطعام أو الصيام فالعبرة في القيمة بمكة يومئذ لأنها محل ذبحه، فإذا عدل عن الذبح وجبت قيمته بمحل ذبحه.

هذا نصه في المسألتين وهو المذهب وقيل: فيهما قولان. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: ولنقدم عليه مقدمة، وهي: أن المذهب المنصوص عليه كما قاله النووي في "شرح المهذب" وابن الرفعة في "الكفاية": أن المعتبر في المثلى والحالة هذه بمكة إنما هو بيوم الرجوع إلى الإطعام لإخراجه أو للصيام بعدله لا بيوم الإتلاف؛ وحينئذ فقول الرافعي يومئذ لا يعود إلى الإتلاف بل ليوم التقويم لإخراج الطعام أو ليصوم.

ص: 468

إذا تقرر هذا فقد عبر عنه في "الروضة" بقوله: وإذا لم يكن الصيد مثليا فالمعتبر قيمته محل الإتلاف وإلا فقيمته بمكة يومئذ.

هذه عبارته. فقوله: (وإلا) أي: وإن كان مثليًا كما علم من كلام الرافعي وإن كان يوهم أن المراد أنه إذا تعذر التقويم لمحل الإتلاف فكان الصواب هو التعبير بعبارة الرافعي.

وإذا علمت ذلك علمت أن مدلول لفظ "الروضة" أن المعتبر في المثل قيمته بمكة يوم الإتلاف، وهو خطأ مخالف لكلام الأصحاب في اعتبار يوم التقويم ولكلام الرافعي وللذي صححه هو ما تقدم إيضاحه. وقد غلط أيضًا في "شرح المهذب" فإنه فرض الكلام في مكان القيمة ولم يستوفيه ثم انتقل منه إلى الكلام في زمانها.

الأمر الثاني: أن الرافعي قد ترك التصريح بزمان القيمة فيما لا مثل له، والمذهب المنصوص أنه يوم الإتلاف على خلاف ما سبق في المثلى.

ولا شك أن في كل من الأمرين نصين وتخريجين؛ فالرافعي استوفاه في المكان ولا يظهر منه حكم الزمان، والنووي عكسه.

قوله: وحيث اعتبرنا قيمة مكان الإتلاف فقد ذكر الإمام احتمالين في أن المعتبر في الصرف إلى الطعام سعر الطعام في ذلك المكان أيضًا أو سعر الطعام بمكة، والظاهر منهما الثاني. انتهى.

وذكر في "الروضة" مثله أيضًا، وكلامهما يشعر بأنهما لم يقفا في المسألة على نقل، وقد صرح بها الفوراني في "العمد" وجزم بالاحتمال الذي رجحه الرافعي، وكذلك الروياني في "البحر" في أول باب جزاء الصيد.

قوله: وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش (1). انتهى.

(1) أخرجه أبو داود (3801) والترمذي (851) والنسائي (4323) وابن ماجه (3085) والدارمي =

ص: 469

واعلم أن الضبع في اللغة هو الأنثى من هذا الحيوان، وأما الذكر فإنه ضبعان بضاد مكسورة ثم باء ساكنه وفي آخره نون؛ فيكون واجب الضبع في الحقيقة إنما هو نعجة لا كبش، وأما الحديث فورد فيه التعبير بأحدهما عن الآخر مجازًا.

نعم: رأيت في كتاب "الموعب في اللغة" لأبي غالب المعروف بابن [اليماني](1) عن ابن الأنباري أن الضبع يطلق على الذكر والأنثى، وكذلك حكاه ابن هشام الخضراوي في كتاب "الإفصاح" هو كذا "الإيضاح" للفارس عن أبي العباس وغيره، والمعروف المجزوم به في "الصحاح" و"المحكم" ما ذكره أولًا من اختصاصه بالمؤنث.

والحديث المذكور قال البيهقي: قال الترمذي: سألت عنه البخاري فقال: إنه حديث صحيح.

قوله: وعن عثمان رضي الله عنه أنه حكم في أم حبين بحلان، ويقال فيه بالميم. انتهى.

حبين: بحاء مهملة مضمومة ثم باء موحدة مفتوحة بعدها ياء بنقطتين من تحت ثم نون: تصغير حبين وهو الذي استلقى ونفخ بطنه. قال الجويني: أرى هذا الحيوان من صغار الضب.

وحلان بالمهملة أيضًا وفي آخره نون ذكره الجوهري وغيره، وهو بتشديد

= (1941) وابن حبان (3964) والدارقطني (2/ 245) وأبو يعلي (2159) والبيهقي في "الكبرى"(9654) والطحاوي في "شرح المعانى"(3482) وابن الجارود في "المنتقى"(439) وابن الغطريف في "جزء ابن الغطريف"(78) من حديث جابر رضي الله عنه.

قال الترمذي: حسن صحيح.

وصححه البخاري فيما نقله الترمذي عنه في "العلل"، قال الحاكم: صحيح.

وقال الألباني: صحيح.

(1)

في ج: البيان.

ص: 470

اللام.

قوله في "أصل الروضة": أما العناق فالأنثي من المعز من حين تولد إلى أن ترعى، والجفرة: الأنثى من ولد المعز تفطم وتفصل عن أمها فتأخذ في الرعي؛ وذلك بعد أربعة أشهر، والذكر: جفر.

هذا معناهما في اللغة. انتهى كلامه.

وما ذكره هنا في تفسير العناق قد ذكر ما يخالفه في "لغات التنبيه" وفي "دقائق المنهاج" فقال ما نصه: العناق بفتح العين هي الأنثى من أولاد المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة.

انتهى كلامه فيهما، وهو مخالف من وجهين:

أحدهما: أنه شرط في إطلاق العناق أن تكون قد قويت، وقال أولًا: إنها تطلق من حين الولادة.

الثاني: أنه نقل ثانيًا عنهم إطلاق ذلك إلى سنة، ونقل أولًا إطلاقه إلى أربعة أشهر، وذكر في "تهذيب الأسماء واللغات" في فصل حصر كما ذكر في "الروضة" أعني في العناق، ثم تكلم أيضًا عليها في فصل عنق فقال نقلًا عن الأزهري أن العناق: الأنثى من أولاد المعز إذا أتت عليها سنة. هذا لفظه. واقتصر عليه، والذي نقله عنه سهو على العكس مما ذكره؛ فتذكر كلامه لاحتياجنا إليه في هذا وفي غيره؛ فقال في الزكاة في شرحه لألفاظ "المختصر" ما نصه: وأما أسنان الغنم فساعة تضعها أمها من الضأن والمعز ذكرًا كان أو أنثى: سخلة وجمعها سخال. ثم هي بهمة أي: بفتح الباء الموحدة للذكر والأنثى وجمعها بهم، فإذا بلغت أربعة أشهر فصلت عن

ص: 471

أمهاتها فما كان من أولاد المعز فهي جفار واحدها: جفر، والأنثى جفرة، فإذا رعى وقوى فهو عريض وعتود وجمعهما: عرضان وعتدان، وهو في ذلك كله جدي، والأنثى عناق ما لم يأت عليها الحول، وجمعها عنوق، والذكر تيس إذا أتى عليه الحول، والأنثى عير ثم تجذع في السنة الثانية فالذكر جذع والأنثى جذعة هذا كلام الأزهري.

قوله: وعن بعضهم أن في الأيل بقرة. انتهى.

الأيل بياء مشددة بنقطتين من تحت قبلها همزة بضم وبكسر والضم أرجح: هو ذكر الوعول. قاله في "تهذيب الأسماء واللغات".

قال: ورأيته في المجمل مضبوطًا بكسر الهمزة فقط.

قوله: الثاني: قد تجد أن في كتب بعض الأصحاب أن في الظبي كبشا وفي الغزال عنزًا، وهكذا أورده أبو القاسم الكرخي، وزعم أن الظبي ذكر الغزلان وأن الغزال الأنثى.

قال الإمام: والذي ذكره هؤلاء وهم، بل الصحيح أن في الظبي عنزًا شديد الشبه بها؛ فإنه أجرد متقلص الذنب، وأما الغزال فهو ولد الظبي فيجب فيه ما يجب في الصغار. انتهى كلامه.

وهذا الذي نقله عن الإمام من نسبة قائل ذلك إلى الوهم وسكت عليه قد جزم به في "الشرح الصغير" من غير تقييد لنقل عن الإمام، وصوبه النووي في "شرح المهذب" وفي "الروضة" فقال: قول الإمام هو الصواب.

ص: 472

قال: ونص أهل اللغة على أن الغزال ولد الظبية إلى حين يقوى ويطلع قرناه ثم تسمى الأنثى ظبية والذكر ظبيًا.

انتهى. والكلام على ذلك من وجوه:

أحدها: أن ما ذكرناه من لفظ الكبش بالكاف والشين المعجمة فقد وقع في الرافعي، وكذلك في "الروضة" وقد تقرر مما سبق أن الغزال اسم للصغير والضبي اسم للكبير، وأن الظبي هو الذكر وأن واجب هذا الجنس هو المعز فيلزم بالضرورة أن يكون الواجب كبيرًا من ذكور المعز فيكون واجبه تيسًا بالتاء والسين المهملة، وهذا هو الذي وقع في كتب بعض الأصحاب؛ فإن الإمام نقله عن العراقيين فقال: وفي طرق العراق كتب وكتب إلا أنه عبر بقوله الكبش فقال في الظبي كبش وفي الغزال عنز، ولما نقل ابن الرفعة ذلك عن العراقيين، وعبر بالتيس فقال نقلًا عنهم وعن الماوردي: وقالوا: يجب في الظبي تيس؛ وهو الذكر من المعز.

هذا لفظه.

والتيس قريب التحريف بالكبش فتحرف بلا شك؛ فحصل الإنكار ممن صادف تلك النسخة المحرفة، والعجب من الإمام ومن تبعه كالرافعي حيث ذهلا عن ذلك مع أن هذا القائل لما توهم أن الغزالي هي أنثى الظباء أوجب العنز وهي من إناث المعز، ولا يتصور أن يختلف الذكر والأنثى في الجنس الواجب بل متي وجب في الذكر ذكر من ذلك الجنس أيضًا فيكون إيجابه للعنز في الأنثى دليلًا على أن الذي أوجبه في الظبي إنما هو تيس لا كبش، وقد رأيت في "شرح كفاية" الصيمري للبيضاوي التعبير بالتيس -أعني بالتاء- لكنه أوجبه في الغزال وفي الظبي عنز وفي الغزال تيس.

ص: 473

الثاني: أن ما قاله الإمام وارتضاه الرافعي وصوبه النووي من أن الواجب في الظبي إنما هو العنز غلط فاحش؛ فإن الظبي من الذكور والعنز من الإناث كما تقدم من كلام الأزهري في المسألة السابقة، وصرح بهما جميعًا النووي في كتبه "كالتهذيب" و"اللغات" و"الدقائق"، بل الصواب أن في الظبي تيسًا كما قاله القائل المردود عليه بسبب التحريف.

الثالث: في تقرير الاعتراض الوارد على إيجاب العنز في الغزال، وهو اعتراض صحيح غير أنه لم يفصح عنه وتقريره أن الغزال يطلق على الذكر والأنثى من صغار هذا الجنس كما تقدم؛ فقد تقدم فيما نقلناه عن الأزهري أن العنز هي الأنثى التي لها سنة ودخلت في الثانية فلا يمكن إيجابها في الغزال لأمرين:

أحدهما: كبرها وصغر الغزال.

والثاني: أن الغزال قد يكون ذكرًا فلا يمكن إيجاب الأنثى فيه.

إذا علمت تقرير الاعتراض وصحته فاعلم أن الرافعي قد خالف ذلك فجزم في "المحرر" بموافقة هذا القائل في إيجابه العنز في الغزال وتبعه عليه النووي في "المنهاج" و"المناسك" فجزم به أيضًا، وأقر الشيخ على ذلك فلم ينبه عليه في تصحيحه هذا مع قوله: إنه وهم.

قوله: وأما ما لم ينقل فيه عن السلف شئ فيرجع فيه إلى قول عدلين وليكونا فقيهين كيسين. انتهى.

وهذه العبارة ذكرها أيضًا في "الشرح الصغير" وليس فيها تصريح بل ذلك على سبيل الإيجاب أو الاستحباب. فأما الكياسة فهي الفطنة كما قاله في "الروضة" وأبدلها بها؛ فوجوبها ظاهر.

ص: 474

وأما الفقيه فاختلفوا فيه؛ فنقل الماوردي في "الحاوي" عن الشافعي أنه واجب ولم يذكر خلافه فقال: قال الشافعي: ولا يجوز لأحد أن يحكم إلا أن يكون فقيهًا لأنه حكم فلم يجز إلا بقوله من يجوز حكمه.

ورأيت في "التقرير" عن "الإملاء" نحوه.

وكلامه في "الروضة" يشعر به؛ فإنه قال: يرجع فيه إلى قول عدلين فقيهين فطنين، لكن نقل في "شرح المهذب" عن الشافعي والأصحاب أنه على سبيل الاستحباب.

والصواب الأول، وقياسه أن لا يكتفي بالمرأة والعبد أيضًا.

وأما على المذكور في "شرح المهذب" ففيه نظر.

وقد سكت الرافعي والجمهور عن الرجوع إلى العدلين بالنسبة إلى القيمة، وقد صرح باشتراطه في "التنبيه"، وكذلك الروياني والماوردي أيضًا في الكلام على إتلاف البيض.

قوله: ولا يجوز أن يكون قاتل الصيد أحد الحكمين إن قتل عمدًا؛ لأنه فاسق. فإن قتل خطأ أو اضطرارًا إليه جاز في أصح الوجهين. انتهى.

وتعليله بالفسق يقتضي الجواز إذا تاب، وهو واضح.

قوله: أما الحمام ففيه شاة، وما مستند ذلك ففيه وجهان:

أحدهما: أن إيجابها لما بينهما من الشبه فإن كل واحد منهما يألف البيوت ويأنس بالناس.

وأصحهما: أن مستنده توقيف تابعهم فيه.

ثم قال: والمشهور أن اسم الحمام يقع على كل ما عب وهدر؛ فيدخل

ص: 475

فيه اليمام وهي التي تألف البيوت والقمري والفاختة والدبسي والقطة. انتهى. وهذا الذي رجحه الرافعي قد نص عليه الشافعي في "المختصر"، وكذلك في "الأم" فقال في كتاب "اختلاف مالك والشافعي" في باب ما جاء في الصيد ما نصه: فأما الطير فلا مثل له ومثله قيمته، إلا أن في حمام مكة. انتهى.

وذكر مثله أيضًا في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى في باب الحج. إذا علمت ذلك ففيه أمور:

أحدها: أن فائدة الخلاف ما إذا كان الحمام صغيرًا هل تجب فيه سخلة أو شاة.

وهذه الفائدة ذكرها الفوراني في "العمد" والماوردي في "الحاوي"، وذكر صاحب "التقريب" هذا التردد مع القول بأن المدرك هو الاتباع، ونقل في "التقريب" عن نصه في "الإملاء" ما يوافقه فقال: قالوا: في حمام مكة شاة فقلنا به اتباعًا وزعمنا أن كل حمام من حمام مكة وغيرها قتل بمكة أو خارجًا منها ففيه شاة إن كان الحمام كبيرًا، وإن كان صغيرًا ففيه شاة صغيرة.

هذا كلامه. وجب الشاة الصغيرة وهي السلخة مع القول بأن سببه الاتباع، ونقل الرافعي عن الشيخ أبي محمد أن الخلاف فيما لو قتل طائر أكبر من الحمام أو مثله يبني على هذا؛ فإن قلنا: المستند هو التوقيف أوجبنا الشاة، وإن قلنا: المشابهة أوجبنا القيمة. وإذا أوجبنا الشاة فقال في "التقريب": يجوز أن يجب فيما هو أكبر من الحمام شاة أكبر من الشاة الواجبة في الحمام.

ص: 476

الأمر الثاني: أن النووي رحمه الله قد أسقط هذه المسألة من "الروضة" وكأنه ظن أنه خلاف لفظي لا فائدة له.

الثالث: أن التعليل الذي ذكره -وهو إلفه البيوت واستئناسه بالناس- لا يستقيم في الحمام مطلقًا؛ لفقدانه في غالب أنواع الحمام كالفواخت وغيرها، وقد تقدم من كلامه أن المشهور إطلاق اسم الحمام على الجميع.

قوله: وأما عنزة، فإن كان أصغر من الحمام جثة كالزرزور والصعوة والبلبل والقنبرة والوطواط ففيه القيمة. انتهى كلامه.

وهذا الذي ذكره من وجوب القيمة في الوطواط قد تبعه عليه في "الروضة"، وهو غير مستقيم؛ وذلك لأن القاعدة التي ذكرها هو وغيره أن ما لا يحل أكله لا يحرم على المحرم التعرض له ولا يجب الجزاء بقتله إلا المتولد من المأكول وغيره تغليبًا للحرمة، والوطواط لا يحل أكله كما قاله في باب الأطعمة، وعبر بالخفاش، ولم يحك فيه خلافًا، إلا أنه حاول جريان وجه ضعيف فيه من مسألة أخرى، وإذا تقرر أنه لا يحل أكله لزم ألا يجب بقتله شئ.

وكذلك لم يتعرض لذكره في "الشرح الصغير" على أن الرافعي مسبوق بذلك وأول من ذكره -فيما علمت- صاحب "التقريب"، وأشعر كلامه بأن الشافعي قد ذكره.

ورأيت في "اللباب" للمحاملي أن اليربوع لا يحل أكله. قال: ويجب فيه الجزاء في أصح القولين.

والذي ذكره غريب.

ورأيت في "فروع" ابن القطان التي نقلها عنه ابن كج أن أبا عبد الرحمن

ص: 477

الشافعي -وهو ابن بنت الشافعي- ذهب إلى أن ما لا مثل له لا شئ فيه بالكلية.

وتاريخ فراغ النسخة التي نقلت منها سنة ثمانين وأربعمائة.

واعلم أن القبرة: بقاف مضمومة ثم باء موجودة مشددة مفتوحة: اسم للطائر المعروف، جمعه: قبر: بحذف الهاء.

قال طرفة وكان يصطاد هذا الطائر في صباه:

يا لك من قبرة بمعمر

خلا الجو فبيضى واصفرى

ونقري ما شئت أن تنقرى

قد ذهب الصياد عنك فأبشرى

لابد من أخذك يومًا فاحذرى

أنشده الجوهري. وقال: إن فيه لغة أخرى؛ وهي القنبرا بنون ثم باء مضمومة وبالمد في آخره، وجمعه: قنابر.

وقول طرفة: بمعمر: بميم مفتوحة وعين ساكنة، وهو المنزل الكثير الماء والمرعى.

قوله: ويجوز فداء الذكر بالأنثى في أصح القولين. وهل هو أولى؟

قال بعضهم: نعم لأن لحمها أرطب.

وقيل: لا، لأن كم الذكر أطيب. انتهى ملخصًا.

والأصح أنه ليس أولى، بل الأولى الذكر للخروج من الخلاف. كذا

ص: 478

صححه النووي في كتبه "كشرح المهذب" و"زيادات الروضة" و"تصحيح التنبيه".

قوله: وهل يجوز فداء الأنثى بالذكر؟ فيه وجهان، ويقال: قولان. انتهى ملخصًا.

ولم يصحح في "الشرح الصغير" أيضًا شيئًا منهما والأصح هو الجواز. كذا صححه النووي في كتبه "كشرح المهذب" و"الروضة"، واختار صاحب "الحاوي الصغير" المنع.

قوله: الفرع الثاني: إذا قتل صيدًا حاملًا من ظبية وغيرها قابلناه بمثله من النعم حاملًا.

ثم قال ما نصه: فيقوم المثل حاملًا ويتصدق بقيمته طعامًا. وفي وجه: يجوز أن يذبح حاملًا نفيسا بقيمة حامل. انتهى كلامه. تابعه في "الروضة" على الاقتصار على التصدق بالقيمة، وهو يشعر بتعين ذلك وأنه لا يجوز له الصيام عن كل مد يومًا، ولا يتأتى القول بذلك فاعلمه، بل يتخير بينهما قطعًا، وقد صرح به في "شرح المهذب"؛ لأن الله تعالى خير في جزاء الصيد بينهما وبين إخراج المثل، فلما تعذر ذبحه وإخراجه لنقصان لحمه فيبقى التخيير بين الخصلتين الباقيتين.

قوله في "أصل الروضة": فرع: قال الشافعي رضي الله عنه في "المختصر": فإن خرج ظبيا نقص عشر قيمته فعليه عشر قيمة شاة، وقال المزني تخريجًا: عليه عشر شاة.

قال جمهور الأصحاب: الحكم ما قاله المزني، وإنما ذكر الشافعي القيمة لأنه قد لا يجد شريكًا في ذبحه شاة فأرشده إلى ما هو أسهل فإن جزاء

ص: 479

الصيد على التخيير؛ فعلى هذا هو مخير إن شاء أخرج العشر، وإن شاء صرف قيمته في طعام وتصدق به، وإن شاء صام عن كل مد يومًا.

ومنهم من جرى على ظاهر النص وقال: الواجب عشر القيمة. وجعل في المسألة قولين: المنصوص وتخريج المزني فعل الواجب عشر القيمة. هذا إذا قلنا بالمنصوص فأوجه:

أحدها: تتعين الصدقة بالدراهم.

والثاني: لا تجزئه الدراهم بل يتصدق بالطعام أو يصوم.

والثالث: يتخير بين عشر المثل وبين إخراج الدراهم.

والرابع: إن وجد شريكًا في الدم أخرجه ولم تجزئه الدراهم وإلا أجزأته.

هذا في الصيد المثلى، فأما غيره فالواجب ما نقص من قيمته قطعًا. انتهى كلامه.

وهذه الأوجه التي ذكرها في التفريع على القول المنصوص فيها أمران:

أحدهما: أن الأصح منها هو الوجه الأول وهو تعين الدراهم. كذا رجحه الرافعي في "الشرح الكبير" فقال: أنه أشبه الوجوه، وصححه أيضًا النووي في "شرح المهذب" و"نكت التنبيه"، ووقع كذلك في بعض نسخ "الروضة" ففي بعضها أحدها وفي بعضها أصحها، وجمع بخطه بينهما فكتب الصاد والحاء فوق الحاء والدال وأضافهما إلى الثاني؛ وكأنه تردد في كلام الرافعي.

الأمر الثاني: أن تعيين إخراج الدراهم مشكل فإن جزاء الصيد على

ص: 480

التخيير، وقد استشكله النووي في "نكت التنبيه" وعلله بما ذكرته.

واعلم أن هذا الإشكال سببه أن النووي رحمه الله قد غلظ في هذه المسألة في اختصاره لكلام الرافعي، ثم إنه أخذ مما قرره في "الروضة" فذكره أيضًا في "شرح المهذب" و"نكت التنبيه" ثم تفطن لإشكاله في النكت المذكورة ظنًا منه أن الحكم كما ذكره فيه، وأن ما ذكره هو الذي ذكره غيره.

ووجه الغلط أن الرافعي جعل هذه الأوجه مفرعة على عدم اختيار الطعام والصيام فلنذكر لفظه لبيان ذلك وبيان اعتراض آخر وهو تداخل الأوجه التي حكاها فقال بعد تعليل المنصوص بما في التبعيض من المشقة ما نصه: وعلى هذا -أي: ظاهر النص- لو لم يرد الإطعام ولا الصيام ما الذي يخرج؟

حكى القاضي ابن كج عن بعضهم أنه وجد شريكًا أخرجه -يعني العشر- ولم يخرج الدراهم وإلا فله إخراجها.

وعن ابن أبي هريرة أن له إخراجها وإن وجد شريكًا.

وعن أبي إسحاق أنه مخير بين إخراج العشر وبين إخراج الدراهم. فهذه ثلاثة أوجه.

ونقل أبو القاسم الكرخي وغيره أنه لا يجزئه إخراج عشر المثل.

وقال في "التهذيب": لا يتصدق بالدراهم ولكن يصرفها إلى الطعام ويتصدق به أو يصوم عن كل مد يومًا، وهذا ما أشار إليه في الكتاب حيث قال: فعليه الطعام بعشر ثمن المثل.

والأشبه من هذا كله تفريعًا على المنصوص -إن أثبتنا الخلاف- تعين

ص: 481

الدراهم.

هذا لفظ الرافعي، وحاصل ما حكاه من الأوجه على ما اقتضاه إيراده سته وهي في الحقيقة أربعة؛ فإن ما حكاه ابن أبي هريرة من جواز إخراج الدراهم إن كان المراد أنه لا يخرج معها عشر المثل فهو الوجه الأخير القائل بتعين الدراهم وإن كان المراد إخراجه معها فهو الثالث.

وأما ما نقله عن الكرخي فالظاهر أنه الأخير أيضًا.

وبالجملة فقد أحسن النووي في اختصاره للأوجه وإن أخطأ من وجه آخر.

قوله من "زيادته": لو قتل نعامة فأراد أن يعدل عن البدنة إلى بقرة أو سبع شياه لم يجزئه على الأصح. ذكره في "البحر". انتهى كلامه. ولم يذكر عكس هذه الصورة في هذا الباب، وقد ذكره في أوائل باب الأضحية وأجاب فيه بمثل ما ذكره في هذه الصورة فقال: ويجوز أن ينحر الواحد البدنة أو البقرة عن سبع شياه لزمته شاتان مختلفة كالتمتع والقران والفوات ومباشرة محظورات الإحرام ونذر التصدق بشاة والتضحية بشاة، لكن في جزاء الصيد يراعى المماثلة ومشابهة الصور، فلا تجزئ البدنة عن سبع من الظباء، ولو وجب شاتان على رجلين في قتل صيدين لم يجز أن يذبحا عنهما بدنة. انتهى كلامه.

ولقائل أن يقول: جزمه بجواز إخراج البدنة عن السبع من الغنم في غير جزاء الصيد مشكل لأنهن أفضل منها وكيف ينزل الواجب إلى شئ هو دونه في الفضيلة؟

واعلم أن هذا الكلام الذي ذكره في باب الأضحية يوهم جواز إخراج

ص: 482

البدنة عن الشاة في جزاء الصيد، وليس كذلك فاعلمه؛ فإنه قد نص على منعه في أوائل باب الدماء، وسيأتي أيضًا ذكره هناك.

قوله: فأما إذا اندمل الجرح وصار الصيد ويلزم به وجهان: أصحهما أنه يلزمه جزاء كل مثل.

والثاني: أرش ما نقص .. إلى آخره. تابعه في "الروضة" على حكاية الخلاف وجهين مع أن المسألة فيها نصان للشافعي على وفق الوجهين. ذكرهما بلفظهما صاحب "الاستقصاء"؛ فيكون الخلاف قولين. وقد صرح بذلك الشيخ أبو إسحاق في "المهذب" وخالف في "التنبيه" فجعلهما وجهين؛ فإنه عبر بقوله: وقيل: هذا التعبير هو عادته في حكاية الأوجه كما قاله النووي في "شرح المهذب".

قوله: وإذا أوجبنا بالأزمان جزاء كاملًا فلو كان للصيد امتناعان كالنعامة لها امتناع نسبة العدو وامتناع بالجناح فأبطل أحد امتناعيه ففيما يلزمه وجهان:

أحدهما: أن يتعدد الجزاء لتعدد الأمتاع.

وأصحهما أنه لا يتعدد.

وعلى هذا فما الذي يجب؟ قال الإمام: الغالب على الظن أنه يتعين ما نقص. . . . إلى آخره.

وهذا البحث الذي ذكره الإمام قد جزم به في "الشرح الصغير".

قوله: ولو جرح صيدًا فغاب ثم وجده ميتًا ولم يدر أنه مات بجراحه أو بسبب حادث فهل الواجب جزاء كامل أم ضمان الجرح فقط؟

ص: 483

فيه قولان. انتهى.

والأصح هو الثاني. كذا صححه النووي في "زيادات الروضة" و"شرح المهذب".

قوله في "أصل الروضة": فرع: سبق أنه يحرم على المحرم أكل الصيد الذي ذبحه وكذا يحرم عليه أكل ما اصطاده له حلال أو بإعانته أو دلالته بلا خلاف.

فإن أكل منه فقولان: الجديد: لا جزاء والقديم: تلزمه القيمة بقدر ما أكل. انتهى كلامه. وما ادعاه من عدم الخلاف فيما إذا صاده له ليس كذلك؛ فقد رأيت في الفروع التي عقلها ابن كج عن شيخه ابن القطان حكاية قولين فقال: وإن كان نوى بصيده المحرم فهل يجوز له أكله أم لا؟ على قولين.

هذه عبارته.

قوله: ولو رمى إلى صيد بعضه في الحل وبعضه في الحرم وجب الضمان أيضًا تغليبًا للحرمة والاعتبار بالقوائم ولا نظر إلى الرأس. انتهى.

ذكر في "الروضة" مثله، وحكى معه عن المعاناة للجرجاني وجهًا.

ثانيًا: أنه لا ضمان.

وثالثًا: أن العبرة بالأكثر.

ورابعًا: أنه إن كان خارجًا من الحرم إلى الحل ضمنه وإن كان عكسه فلا، والظاهر أن هذا التصوير إنما هو في القائم.

ص: 484

وقد تعرض صاحب "الاستقصاء" للنائم وقال: إن العبرة بمستقره.

قوله: ولو نفر صيدًا حرميًا قاصدًا أو غير قاصد فدخل الحل فقتله حلال فعلى المنفر أيضًا الضمان. قاله في "التهذيب"، بخلاف ما لو قتله محرم يكون الجزاء عليه تقديمًا للمباشرة. انتهى لم يبين الوقت الذي ينتهي به الضمان الواجب على المنفر، وقد بينه الفوراني في "العمد" فقال ما نصه: إذا نفر صيدًا محرم فخرج من الحرم فهو في ضمانه إلى أن يرجع سالمًا إلى الموضع الذي نفره منه أو يسكن موضعًا آخر مثل ذلك الموضع ويألفه زمانًا فيزول الضمان حينئذ.

هذا لفظ الفوراني.

واعلم أن تنفير الصيد الحرمي هو نظير المسك من الحرم؛ لأن كلًا منهما موجب الضمان، وقد تقدم الكلام على ذلك والوعد بذكر هذه المسألة.

قوله: فرع: لو دخل الكافر الحرم وقتل صيدًا وجب عليه الضمان كضمان الأموال، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: يحتمل عندي أن لا يجب لأنه غير ملتزم حرمة الحرم. انتهى.

والذي حكاه احتمالًا عن الشيخ هو وجه مصرح به. كذا حكاه الجرجاني في "التحرير" ولم يرجح مقابله عليه، بل حكى وجهين من غير ترجيح.

قوله: فيحرم التعرض بالقطع والقلع لكل شجر رطب حرمي غير مؤذ فيخرج بقيد الرطب الشجر اليابس؛ فلا شئ في قطعه كما لو قد صير بصفين. انتهى. تابعه في "الروضة" على الحكم بعدم الإيجاب في القطع

ص: 485

خاصة، وسكت عن حكم القلع مع تقدم ذكره، بل كلامه يوهم الإيجاب فيه حتى يكون نظير اليابس من الحشيش كما ستعرفه.

لكن صرح النووي في "نكت التنبيه" بأنه لا يجب في قلعه ولا في قطعه شئ، فاعلمه.

قوله في "أصل الروضة": ويخرج بقيد غير المؤذي العوسج وكل شجرة ذات شوك فإنها كالحيوان المؤذن فلا يتعلق بقطعها ضمان على الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفي وجه اختاره صاحب "التتمة" أنها مضمونة؛ لإطلاق الخبر ويخالف الحيوان فإنه يقصد بالأذية. انتهى كلامه. فيه أمران:

أحدهما: أنه قد وافق الرافعي هنا على أنه لا شئ فيه، وخالف في "شرح مسلم" فقال: الصحيح أنه يحرم ويجب الضمان بقطعه، وقال في "تصحيح التنبيه" وتحريزه: إنه المختار.

الأمر الثاني: أن استدلاله بإطلاق الخبر يقتضي أنه لم يستحضر دليلًا خاصًا بالمسألة، وهو غريب؛ ففي الصحيحين:"ولا يعضد شوكها"، وقد ذكر هو هذه الرواية في "شرح المهذب" وغيره.

قوله: ولو نقل شجرة من شجر الحرم إلى الحل فعليه الرد، وإن نقلها فيسبب فعليه الجزاء، سواء نقل إلى الحل أو الحرم.

ثم قال ما نصه: وإن ثبتت في الموضع المنقول إليه فلا جزاء عليه، ولو قلعها قالع لزمه الجزاء إبقاء لحرمة الحرم. انتهى كلامه.

وليس فيه تصريح بالذي يعود إليه الضمير لزمه هل هو الأول أو الثاني؟ وقد أمعنت النظر في المسألة فلم أر في كلام الأكثرين تصريحًا بها.

ص: 486

وصرح الجرجاني في "الشافى" بأن الضمان على الأول فقال: ضمنها الناقل لوجود التعدي منه دون المتلف. هذا لفظه.

وذكر الخوارزمي في "الكافي" نحوه فقال: وإن ثبتت لا جزاء عليه وتكون في ضمانه، فلو قطع يعود عليه الجزاء. وصرح البندنيجي في "تعليقه" وسليم في "المجرد" والبغوي في "التهذيب" بوجوبه على الثاني، وزاد البندنيجي بمطالبة الأول أيضًا وشبهه بالمعصوب إذا أتلفه فتلف.

واقتصر ابن الرفعة على ما قاله البندنيجي وهو واضح متعين، وحمل مقالة سليم والبغوي عليه ممكن؛ فيتعين المصير إليه.

وينبغي فيما إذا ثبتت في الحل وتعذر ردها أن الناقل يطالب في الحال لأنه عرضها شرعًا للأيدي بوضعها في الحل فصار كالتعرض الحسي فيما إذا زال امتناع الصيد.

وقد جزم بما ذكرته الجرجاني في "التحرير".

قوله: وإذا قطع غصنًا من شجرة حرمية ولم يخلف فعليه ضمان النقصان، فإن أخلف في تلك السنة لكون الغصن لطيفًا كالسواك وغيره فلا ضمان.

وإذا وجب الضمان فلو نبت مكان المقطوع مثله ففي سقوط الضمان قولان كالقولين في سن البالغ. انتهى.

وما ذكره من عدم الضمان في الغصن اللطيف إذا خلف ذكر مثله في "الروضة" أيضًا ولم يؤخذ منه الحكم بجواز الإقدام على قطعه؛ ولهذا اتفقوا على التحريم في الكبير مع الاختلاف في السقوط عند الاختلاف بل كلامه السابق يقتضي تحريم قطعه -أي: قطع الصغير، وليس كذلك؛

ص: 487

فقد جزم بالجواز في "شرح المهذب" في الكلام على جواز أخذ الأوراق.

قوله؛ ويجوز أخذ أوراق الأشجار لكنها لا تهشي جذارًا من أن تصيب لحاها. انتهى.

والتعبير بالمشي واللحاء أخذه الرافعي من "التهذيب"؛ فأما الهش فهو الضبط قال تعالى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} . واللحاء: بكسر اللام وبالحاء المهملة والمد: هو القشر.

قاله الجوهري.

إذا علمت مدلول كلامه فليس فيه بيان حكم الضبط هل هو حرام أو مكروه، وقد أوضحه النووي في سرح الحرم وقطع الأغصان الصغار بيده بحيث لا يتأذى نفسي الشجرة.

والموضع الذي قال لا يجوز أراد إذا خبط الشجرة حتى تساقط الورق وتكسرت الأغصان؛ لأن ذلك يضر الشجرة.

وهكذا ذكر هذا التأويل للنص والجمع بينهما الشيخ أبو حامد في "تعليقه" وأبو على البندنيجي والمحاملي في كتابيه "المجموع" و"التحريد" وآخرون، ونقله صاحب "البيان" عن الأصحاب. انتهى كلامه.

والمتجه من جهة الحديث منعه مطلقًا؛ فقد روى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرامًا، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها أن لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح ولا يضبط فيها شجر إلا لعلف"(1).

(1) أخرجه مسلم (1374) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

ص: 488

قوله: وأما الشجرة التامة فتضمن ببقرة إن كانت كبيرة وبشاة إن كانت دونها. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن البقرة والشاة هل يتوقف إيجابهما على قلع الشجرة أولًا، بل يجبان بالقطع ليس في كلامه تصريح بذلك، وقد عبر الشيخ في "التنبيه" بالقلع -أعني: باللام.

وتعبير الرافعي "بالتامة"، مشعر به، إلا أن يقال التامة للاحتراز عن الغصن.

الأمر الثاني: لم يصرح هو ولا النووي ولا ابن الرفعة بسن البقرة، ورأيت في "شرح المهذب" المسمى "بالاستقصاء" بيان ذلك؛ فقال: لا يشترط إجزاؤها في الأضحية بأن تكون لها سنتان بل يكفي فيها التبيع وهو ابن سنة. وأما الشاة فصرح هنا بأنها لابد أن تكون في سن الأضحية، وهو يؤخذ من كلام الرافعي في موضع آخر، وكان سببه أن الشاة لم يوجبها الشرع إلا في هذا السن بخلاف بدليل التبيع في الثلاثين منها.

نعم إطلاق الرافعي في أول الباب الثاني في الدماء يقتضي اشتراط ذلك.

قوله في "أصل الروضة": أما غير الشجر وكلأ الحرم يحرم قطعه، فإن قلعه لزمه القيمة إن لم يخلف، فإن أخلف فلا قيمة قطعًا لأن الغالب هنا الإخلاف كسن الصبي. انتهى كلامه.

وما ادعاه من القطع بعدم إيجاب القيمة غريب لم يذكره الرافعي أيضًا فقد جزم القاضي أبو الطيب في "تعليقه" بأنه لا يسقط، والغريب أنه ادعى

ص: 489

أنه لا خلاف فيه أيضًا على عكس ما ادعاه في "الروضة". قال: والفرق بينه وبين الغصن على أحد القولين: إن الحشيش لا يتخلف في العادة؛ فلو أسقطنا الضمان على قاطعه، بخلاف الغصن فابتعد بعود. هذا لفظه، ونقله منه أيضًا النووي في "شرح المهذب"، وكذلك ابن الرفعة في "الكفاية".

قوله: ويجوز تسريح البهائم في حشيشه للرعي، وكذا قطعه لتعلقها به في أظهر الوجهين. انتهى.

وإذا جوزنا القطع للعلف فأراد قطعه للبيع ممن يعلف فإنه لا يجوز ذلك كما قاله في "شرح المهذب"؛ فلتتفطن له فإنه مهم وكلامهم هنا موهم.

قوله: ويستثنى عن المنع الإذخر لحاجة السقوف كما ورد في الخبر. انتهى.

ويستثنى أيضًا ما يتغذى به كالرجلة والنبات المسمى في الحجاز بالبقلة ونحو ذلك؛ فإنه يجوز أيضًا لأنهما في معنى الزرع.

قاله الطبري شارح "التنبيه".

قوله: ولو احتيج إلى شئ من نبات الحرم للدواء فهل يجوز قطعه؟ وجهان: أحدهما: لا لأنه ليس في الخبر إلا استثناء الإذخر.

وأصحهما: الجواز لأن هذه الحاجة أهم من الحاجة إلى الإذخر. انتهى كلامه.

فيه أمور:

أحدها: أن حكاية الوجهين في: جواز القطع مشكل؛ للمعنى الذي ذكره ولما أشكل ذلك علىَّ تتبعت الحاكين لهذا الخلاف فوجدت الإمام في

ص: 490

"النهاية" قد حكاه عن "شرح التلخيص" للشيخ أبي على السنجي فقلده في ذلك من جاء بعده كالغزالي والرافعي والنووي، فراجعت "شرح التلخيص" فلم أجد الخلاف مذكورًا فيه على الوجه الذي نقله الإمام؛ فإنه نقل عن صاحب "التلخيص" جواز قطع الإذخر وما كان للدواء وما أنبته الآدميون. ثم قال ما نصه: فأما الثلاثة التي استثناها فقال: الإذخر أن يقطع لأن في الخبر أن العباس قال: يا رسول الله إلا الإذخر. فقال صلى الله عليه وسلم: "إلا الإذخر فإنه لقيننا وبيوتنا"(1) فاستثنى ذلك لحاجتهم إليه في بيوتهم.

والثاني: قال: ما كان لدواء فله قطعه.

قلت: يحتمل إذا قطع أن تكون عليه القيمة؛ لأنه قطعه لحاجته فصار كما لو قتل الصيد للمجاعة.

واحتمل أن يكون الجواب على ما ذكر لأنه إنما أبيح له قطع الحشيش للقنو والبيوت وعلف الدواب للحاجة، وحاجته إلى الدواء أعظم من حاجته إلى علف الدابة، ولا تكون حاجته دون حاجة دابته؛ فلهذا قلنا: لا شئ عليه.

هذا لفظه بحروفه، ومن شرحه نقلته، وحاصله حكاية الخلاف في وجوب الجزاء وأن القطع جائز، وهو صحيح لا شك فيه، ولم يذكر الشيخ أبي على فيه غير ذلك، واحتمالات الأصحاب الوجوه وجوه، فلهذا جعلها الإمام وجهين.

الأمر الثاني: أن الخلاف المذكور في قطعه للدواء يجري فيما لو قطع للحاجة التي يقطع لها الإذخر كتسقيفه البيوت ونحوه.

(1) أخرجه البخاري (3017) ومسلم (1353) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 491

كذا قاله الغزالي في "البسيط" و"الوسيط"، ومقتضاه رجحان الجواز، وقد تبعه عليه صاحب "الحاوي الصغير" فجوز القطع للحاجة مطلقًا ولم يخصه بالدواء، وقلَّ من تعرض لهذه المسألة.

الأمر الثالث: أن تعبيره بقوله: ولو احتج ظاهره أن الأخذ كذلك يتوقف على وجود السبب، ويتجه أن يقال: يجوز قطعه وتحصيله عنده ليستعمله عند وجود سببه لاسيما إذا كان غريبًا.

ولو أخذه ليبيعه لمن يحتاجه فهو كأخذ الحشيش كذلك، وقد تقدم.

قوله: فرع: يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع. انتهى.

وما ذكره من الكراهة قد خالفه في "الروضة" هنا فقال من زياداته: الأصح أنه لا يجوز، وجزم به أيضًا في أواخر صفة الحج من "شرح المهذب" في الكلام على زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكذلك حرم المدينة أيضًا.

وقال في آخر باب ما يجب بمحظورات الإحرام من الشرح المذكور: وقال المحاملي والشيخ في "المهذب": لا يجوز ذلك، وقال الكثيرون أو الأكثرون: يكره انتهى.

وقد نص الشافعي رحمه الله في "الأم" على المسألة فقال في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى المذكور بعد باب قطع العبد في باب الحج ما نصه: قال الشافعي: ولا يخرج من حجارة الحرم ولا ترابه شئ إلى الحل؛ لأن له حرمة ثبتت باين بها ما سواها، ولا أرى -والله أعلم- أن جائزًا لأحد أن يزيله من الموضع الذي باين به البلدان.

هذا لفظ الشافعي بحروفه ومن "الأم" نقلته فثبت أن الفتوى على التحريم.

قوله: أبو الفضل بن عبدان: ولا يجوز قطع شئ من ستر الكعبة ونقله

ص: 492

وبيعه وشراؤه خلاف ما يفعله العامة فيشترونه من بني شيبة. انتهى.

وما نقله هنا عن ابن عبدان وارتضاه قد ذكر في آخر كتاب الوقف ما يخالفه فقال: وحصر المسجد إذا بليت، ونحاتة أخشابه إذا نخرت، وأستار الكعبة إذا لم يبق فيها جمال ولا منفعة في بيعها وجهان: أصحهما: نعم.

قالوا: ويصرف ثمنها في مصالح المسجد. انتهى.

وقد استدرك في "الروضة" عليه هنا فقال: قال الحليمي أيضًا: لا ينبغي أن يؤخذ منها شئ، وقال صاحب "التلخيص": لا يجوز بيعها، وقال ابن الصلاح -بعد أن ذكر قول ابن عبدان والحليمي: الأمر فيها إلى الإمام يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء، واحتج بما رواه الأزرقي صاحب كتاب "مكة" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينزع كسوة البيت كل سنة فيفرقها على الحاج، وهذا الذي اختاره الشيخ حسين متعين لئلا يتلف بالبلي، وبه قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم انتهى.

وذكر مثله في "شرح المهذب" في آخر كفارة الإحرام.

والذي قاله في الموضعين مخالف لما وافق عليه الرافعي في الوقف من وجهين:

أحدهما: فيما يفعل فيها.

والثاني: فيما يفعل في ثمنها.

واعلم أن الكسوة لها أحوال:

أحدها: أن توقف على الكعبة، وحكمها ما سبق الآن.

الثاني: أن يصدر من مالكها تمليكها للكعبة فلقيمها أن يفعل فيها ما يراه

ص: 493

من تعليقها عليها أو بيعها وصرف ثمنها إلى مصالحها.

والثالث: أن يوقف شئ على أن يؤخذ ريعه وتكسى به الكعبة كما قد وقع في عصرنا، فإن الإمام وقد وقف على ذلك بلادًا من إقليم مصر ثم فوض بعد ذلك النظر في بلد الأوقاف إلىّ فنظرت عليها مدة طويلة ثم تركتها اختيارًا للانقطاع وإيثارًا للنفع والانتفاع، وقد تلخص لي في هذه المسألة أنه إن شرط الواقف شيئًا من بيع أو إعطاء إلى أحد أو غير ذلك فلا كلام، وإن لم يشترط شيئًا نظر إن لم يقف الناظر تلك الكسوة فله بيعها بلا نزاع وصرف ثمنها في كسوة أخرى، وإن وقفها فسيأتي فيها ما سبق من الخلاف في البيع.

نعم: يبقى قسم آخر وهو الواقع اليوم في هذا الوقف وهو أن الواقف لم يشترط شيئًا من ذلك وشرط تجديدها كل سنة مع علمه؛ فإن بني شيبة كانوا يأخذونها كل سنة لما كانت تكسى من بيت المال فهل يجوز لهم أخذها الآن أو يباع ويصرف ثمنها إلى كسوة أخرى؟ فيه نظر، والمتجه الأول.

قوله: قال -يعني الغزالي- في "الوجيز": ويلتحق حرم المدينة بمكة في التحريم، وفي الضمان وجهان: أحدهما: لا إذ ورد فيه سلب نبات الصايل فهو جزاؤه.

انتهى لفظ الغزالي. ثم قال في أثناء شرحه له: وإذا قلنا بالتحريم ففي ضمان صيدها ونباتها قولان: الجديد: أنه لا يضمن، والقديم الضمان.

وعلى هذا فما جزاؤه؟ فيه وجهان:

أحدهما: أن جزاءه كجزاء حرم مكة.

وأظهرهما: أخذ السلب.

ص: 494

ثم قال بعد ذلك ما نصه: وقوله في الكتاب ففي الضمان وجهان اقتدى فيه بالإمام، والمشهور في المسألة قولان.

وقوله: إذ ورد فيه سلب نبات الصايل معناه: أن واجب هذه الجناية هو السلب الذي ورد في الخبر دون الجزاء؛ إذ لو وجب الجزاء لوقع الاكتفاء به كما في صيد مكة.

وعنى بالضمان الجزاء دون المشترك بينه وبين السلب، فاعرف ذلك. انتهى لفظه بحروفه، وفيه أمران:

أحدهما: أن هذا التقرير الذي ذكره آخر الكلام الغزالي حيث قال: وقوله إذ ورد فيه .. إلى آخره مع الاعتراض الذي أورده عليه قبل ذلك وهو جعل الخلاف وجهين لا يتصور الجمع بينهما؛ فإن التقرير الذي ذكره آخرا يقتضي أن الغزالي أراد بالخلاف أنه هل يجب ما أوجبناه في مكة أم يجب السلب؟ وإذا كان الأمر كذلك كان الخلاف وجهين بلا شك كما قدمه.

وأما القولان القديم والجديد فإن بحملهما في أصل الوجوب كما تقدم فحمل ما حكاه الغزالي من الخلاف على أصل الوجوب حتى ورد عليه مناف لما ذكره بعد ذلك، والغريب أن الموضعين لا فاصل بينهما، والصواب ما ذكره آخرًا؛ فإن التعليل الذي ذكره الغزالي صريح فيه ولا يحتمل حمله على حكاية الخلاف في أصل وجوب الضمان؛ فعاود نظرك فيه. وذكر في "الوسيط" نحوه أيضًا، غير أنه في الكتابين المذكورين لم يحك الخلاف في أصل الضمان ولا صرح به فكأنه تركه نسيانًا، وهذا هو الذي يوقع من لم يتأمل كلام الغزالي على حمله على أصل الضمان. نعم حكى في "البسيط" الخلاف فيما يلزمه وجمع بينهما في "النهاية".

ص: 495

الأمر الثاني: أن استدلال الرافعي بالحديث وتصويره المسألة بالثياب يقتضي إجراء الخلاف في الكلام.

ولم يتعرض في "الروضة" لذلك فلزم خلوها عن هذه المسألة.

وحديث السلب رواه مسلم في صحيحه من حديث سعد.

قوله: وج الطائف واد بصحراء الطائف قال الشافعي رضي الله عنه: أكره صيده، وعن الشيخ أبي على حكاية تردد في أنه تحريم أو مجرد كراهة. والصحيح عند عامة الأصحاب الأول .. إلى آخره.

اعلم أن حكم شجر وج كحكم صيده.

كذا صرح به النووي في "شرح المهذب" نقلًا عن الشافعي والأصحاب، وذكره الغزالي أيضًا في "الوجيز"، ولم يتعرض الرافعي رحمه الله لشرحه، وكأنه تركه نسيانًا، وبسبب ذلك أغفله النووي فلم يذكره في "الروضة".

ووج: بواو مفتوحة ثم جيم مشددة، قال في "تهذيب الأسماء واللغات" نقلًا عن الحازمي: وربما اشتبه هذا بوح بالحاء المهملة المشددة أيضًا اسم لناحية بعمان.

ص: 496

القسم الثالث من كتاب الحج في اللواحق

وفيه بابان:

الأول: في موانع الحج

وهي ستة:

قوله: فإذا أحصر العدو المحرمين عن المضي في الحج كان لهم أن يتحللوا، والأولى أن لا يعجل التحلل إن وسع الوقت فربما يزول المنع فيتمون النسك، وإن كان ضيقًا فالأولى التعجيل كيلا يفوت الحج. انتهى: فيه أمور:

أحدها: أنه لم يبين أن التحلل واجب أم لا. وقد تقدم الكلام عليه مبسوطا في أعمال يوم النحر فراجعه.

الأمر الثاني: أن الإحصار المقتضى للتحلل شرطه أن يكون عن الأركان خاصة، فلو منع من الرمي والمبيت فإنه لا يجوز التحلل كما نقله في "شرح المهذب" عن الروياني وغيره؛ لأنه متمكن من التحلل بالطواف والحلق، ويقع حجه مجزئًا عن حجة الإسلام، ويجبر الرمي والمبيت بالدم.

الأمر الثالث: أنه إذا صابر الإحرام متوقعًا زوال حتى فاته الحج فإنه القضاء لا يجب على الأصح كما ستعرفه وحينئذ فقوله: لئلا يفوته الحج؛ أي: فإنه يلزمه القضاء على وجه.

الأمر الرابع: أن محل ما ذكره فيما إذا لم يتيقن انكشاف العدو فإن يتقن قال الماوردي: فينظر إن كان في الحج وتيقن انكشافهم في مدة يمكن إدراك الحج بعدها، أو في العمرة وتيقن انكشافهم عن قرب -وهو ثلاثة أيام- لم يجز التحلل.

ص: 497

قوله: إحداها: لو منعوا ولم يتمكنوا من المسير إلا ببذل قال: فلهم أن يتحللوا ولا يبذلوا المال وإن قلَّ؛ إذ لا يجب احتمال الظلم في أداء الحج، بل يكره البذل إن كان الطالبون كفارًا؛ لما فيه من الصغار. انتهى كلامه.

وتقييد الكراهة بالكفار يقتضي أن المسلمين ليسوا كذلك، وقد تقدم عن الرافعي في أول كتاب الحج ما يخالفه، وتقدم ذكر لفظه هناك فراجعه.

قوله: وإن احتاجوا إلى قتال يسير نظر إن كان المانعون مسلمين فلهم التحلل ولا يلزمهم القتال وإن قدروا عليه؛ لما فيه من التغرير بالنفس، وإن كانوا كفارًا فقد حكم صاحب "الكتاب" بوجوب القتال إذا لم يزد عدد القتال على الضعف.

وهكذا حكى الإمام عن بعض المصنفين ولم يرتضه على هذا الإطلاق بل شرط فيه وجدانهم السلاح وأهبة القتال، وقال: إذا وجدوا الأهبة وقد قصدهم الكفار فلا قرار ولا سبيل إلى التحلل.

والأكثرون قالوا: لا يجب القتال على الحجيج مطلقًا. نعم لو تقاتلوا لم يكن لهم الفرار بالشرط المتقدم. انتهى.

ذكر في "الروضة" مثله. وما أوهمه كلام الإمام في نقله عن بعض المصنفين من المخالفة في اشتراط الأهبة عجيب لا يتصور أن يريده أحد، وكيف يتصور إيجاب المقاتلة بغير آلة؟ إلا أن المراد ببعض المصنفين هو الفوراني، وفي نفس الإمام منه ما في نفسه كما تقدم إيضاحه في أوائل الكتاب، وحبك الشئ يعمي ويصم.

قوله: فإذا أحاط العدو بهم من الجوانب كلها ففيه وجهان: أحدهما: ليس لهم التحلل لأنهم يستفيدون به أمنًا فصار من العدو الذي بين يديهم. انتهى.

ص: 498

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره في تعليل الصحيح يقتضي تقييد المسألة فإذا كان المانعون فرقًا متميزة لا تعضد كل واحدة الأخرى، فإن كان المانعون بجميع الجوانب فرقة واحدة لم يجز التحلل، فتفطن له.

الأمر الثاني: أن هذا الخلاف إنما يستقيم إذا اتسع الوقت، فإن ضاق بحيث يخشى الفوات تحللوا قطعًا ليستفيدوا به دفع القضاء على ما مر ومصابرة الإحرام إلى التحلل يعمل عمرة.

قوله: الثالثة: ليس للمحرم التحلل بعذر المرض خلافًا لأبي حنيفة، فإن شرطه فقولان: أظهرهما: صحة الشرط، وبه قال أحمد؛ لحديث ضباعة بنت الزبير وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:"أما تريدين الحج؟ " فقالت: أنا ساكنة. فقال: "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستنى"(1).

والثاني: المنع، وبه قال مالك وأبو حنيفة. انتهى ملخصًا.

وضباعة: بضاد معجمة مضمومة ثم باء موحدة. والزبير أبوها هو أحد أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها هذا مذكور في الصحيحين.

والمراد بقوله: "محلي حيث حبستني" أي: مكان تحللي هو المكان الذي حبسني فيه المرض.

وهذا الذي نقله عن أبي حنيفة عجيب فإنه كيف يتصور الجواز بدون الشرط والمنع عند وجوده.

قوله: فنقول: إذا كان المحصر واجدًا للدم فيذبح وينوي التحلل عنده لأن الذبح قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فلابد من قصد صارف، وفي

(1) أخرجه البخاري (4801) ومسلم (1207) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 499

وجوب الحلق خلاف مبني على أن الحلق نسك أم لا. انتهى ملخصًا. تابعه عليه في "الروضة". وفيه أمران:

أحدهما: أن كلامه يوهم أنه لا يجب مقارنة النية للحلق إذا أوجبناه، والقياس وجوبه لما سبق، وقد جزم به ابن الرفعة نقلًا عن الأصحاب، ويتلخص منه أنه لابد من النية مرتين فاعلمه؛ ولهذا ذكر الرافعي بعد ذلك أنه إذا لم يجد الهدي يتحلل بالنية والحلق، وذكر نحوه في الكلام على تحليل العبد. ويتجه أن يقال: إن لم يقدر على الهدي وجبت مقارنة النية للحلق؛ لما سبق، وإن قدر عليه فتكفي مقارنة النية له كما يكفى اقتران النية بأول الوضوء والصلاة وغيرها.

الأمر الثاني: أنه لابد من تقديم الذبح على الحلق كما صرح به الماوردي وغيره؛ ويدل عليه قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (1).

قوله: وإن لم يجد الهدي إما لإعسار أو غيره فهل له بدل؟ فيه قولان يأتي ذكرهما: أصحهما: نعم وهو الإطعام بقيمة الشاة فإن عجز فصوم التعديل.

فإن قلنا: إن دم الإحصار له بدل، فإن كان بطعم فيوقف التحلل عليه كتوقفه على الذبح، وإن كان يصوم فكذلك مع ترتيب الخلاف، ومنع التوقف هاهنا أولى لأن الصوم يفتقر إلى زمان طويل فتكون المشقة في الصبر على الإحرام أعظم أي: بخلاف الذبح. انتهى كلامه.

ذكر مثله في "الشرح الصغير" وتابعه عليه النووي في "الروضة"، وهو كلام غير مستقيم؛ لأنه حكى الخلاف في الصوم وجعله مرتبًا على الخلاف في الذبح ثم فرق، والخلاف في الذبح لم يتقدم له ذكر، بل جزم بتوقف

(1) سورة البقرة: 196.

ص: 500

التحلل عليه فبقي مرتبًا على غير مذكور، وقد ذكره الغزالي في "الوجيز" على الصواب فإنه قال: وتحلل المحصر هل يقف على إراقة دم الإحصار؟ فيه قولان.

فإن كان معسرًا وقلنا: الصوم بدل ففي جواز توقفه قولان مرتبان وأولى بأن لا يتوقف، لأن الصوم طويل هذا لفظه، فلما شرحه الرافعي نسى القول الأول ثم إنه رتب عليه فلزم ما لزم.

قوله: الثانية: لا يشترط بعث دم الإحصار إلى الحرم بل يذبحه حيث أحصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحصر عام الحديبية فذبح بها وهى من الحل. انتهى. ذكر في "الروضة" نحوه. وهو يشعر بأنه لو أراد أن يذبح في الحل أيضًا ولكن في موضع آخر غير الذي أحصر فيه فإنه لا يجوز له ذلك والأمر فيه كما أشعره كلامه فقد جزم به النووي في "شرح المهذب" نقلًا عن الدارمي وغيره. وسببه أن موضع الإحصار قد صار في حقه كنفس الحرم، وهو نظير منع المتنفل إلى غير القبلة من التحول إلى جهة أخرى وحديث الذبح بالحديبية ثابت في الصحيحين من رواية ابن عمر (1).

قوله: فأما إذا كان مصدودًا عن البيت دون أطراف الحرم فهل له أن يذبح في الحل؟ ذكر فيه وجهان؛ والأصح أن له ذلك. انتهى.

ذكر في "الروضة" مثله. ومحل هذا الخلاف ما إذا كان الحصر في الحل ولكن أمكنه الذبح في الحرم، فأما إذا كان الحصر في أطراف الحرم فلا يجوز الذبح في الحل بلا خلاف. كذا ذكره في "شرح المهذب". وكلام الرافعي يوهم خلافه.

قوله: ولو أذن السيد للعبد في الإحرام بالعمرة فأحرم بالحج فله تحليله،

(1) أخرجه البخاري (2554).

ص: 501

قاله في "التهذيب" وظني أنه لا يسلم من الخلاف. انتهى ملخصًا.

والأمر كما ظنه الرافعي؛ فقد حكى الدارمي في المسألتين وجهين وصحح أن له التحليل فيهما. كذا رأيته في "الاستذكار" في باب حج الصبي يبلغ والعبد يعتق، ونقله عنه النووي في "زيادات الروضة" و"شرح المهذب" قال: لكن الأصح الوجه الثالث المفصل كما قاله صاحب "التهذيب".

قوله: وكل دم يلزم بسبب ارتكاب المحظورات كالطيب واللباس وقتل الصيد والفوات فلا يجب على السيد بحال سواء أحرم بإذنه أو بغير إذنه.

وأما العبد فلا ملك له حتي يذبح لكن لو ملكه السيد فعلى القديم يملك ويلزمه إخراجه، وعلى الجديد لا يملك، وإذا لم يملك ففرضه الصوم وللسيد منعه منه في حال الرق إن كان إحرامه بغير إذنه، وكذا إن كان بإذنه في أصح الوجهين لأنه لم يأذن في موجبه. انتهى كلامه. فيه أمران:

أحدهما: أن ما أطلقه من وجوب إخراج العبد عند تمليك السيد قد تابعه عليه في "الروضة"، ومحله إذا ملكه ليكفر أو ملكه مطلقًا ثم أذن له في التكفير به. كذا صرح في الباب الثاني من كتاب "الأيمان"، وذكر نحوه في الظهار، فاعلمه.

الأمر الثاني: أن يمنع السيد من الصوم. محله إذا كان الرقيق أمة لما فيه من تفويت الاستمتاع عليه والكفارة على التراخي، أو كان عبدًا يضعف به عن الخدمة أو يناله ضرر، وإلا فلا منع على الأصح.

كذا نبه عليه أيضًا في كتاب "الأيمان" ثم قال عقبه: وعلى هذا لا يمنعه من صوم التطوع وصلاة التطوع في مثل هذه الحالة في غير زمان الخدمة.

ص: 502

قوله: وإن قرن العبد أو تمتع بإذن سيده فهل يجب الدم على السيد؟

الجديد: لا يجب، وفي القديم قولان، بخلاف ما إذا أذن له في النكاح فإن السيد يكون ضامنًا للمهر على القديم قولًا واحدًا؛ لأن الدم له بدل وهو الصوم.

ثم قال: وإذا لم يوجب الدم على السيد فالواجب على السيد الصوم. انتهى.

ولك أن تقول: إذا لم يجب على السيد فلم لا يجب في كسب العبد كما في الصداق وغيره؟ وقد أشار إليه الجرجاني في "التحرير".

قوله في "أصل الروضة": وإذا جاز للسيد التحليل جاز للعبد التحلل. انتهى كلامه.

وذكر مثله في "شرح المهذب" أيضًا، وهو يوهم أن العبد يجوز له أن يتحلل وإن لم يأمره سيده.

وليس كذلك بل المراد إنما هو الجواز عند أمر السيد.

وقد صرح الرافعي بمثله في الزوجة، وهو نظير المسألة.

وذكر الرافعي أيضًا هنا تعليلًا يشير إلى المقصود فإنه قال عقب هذه العبارة الموهمة: لأن الحصر بغير حق يجوز له أن يتحلل؛ فالمحصر بحق أولى. هذا لفظه. فحذف النووي التعليل المذكور وأبقى هذه العبارة الموهمة بل الدالة على الجواز عند عدم الأمر، ثم إن التحلل يجب عند الأمر؛ فكان حقه أن يقول: وإذا أمر السيد بالتحليل وجب على العبد التحلل.

قوله: ولو أحرم المكاتب بغير إذن المولى فمنهم من جعل جواز تحليله

ص: 503

على قولين بناء على قولين في سفر التجارة. وهل يمنعه السيد منه؟ ومنهم من قطع بجواز التحليل لأنه لا منفعة للسيد في سفر الحج. انتهى كلامه.

لم يصحح في الروضة شيئًا من الطريقين، والأصح طريقة القطع بالجواز؛ فقد صححها البندنيجي والنووي في "شرح المهذب".

قوله: ولو نذر العبد الحج يأتي به في حال الرق فهل يجزئه؟ فيه وجهان.

انتهى ملخصًا.

والأصح أنه يجزئه. كذا صححه النووي من "زيادات الروضة".

قوله: المستحب للمرأة أن لا تحرم دون إذن زوجها. انتهى.

وما ذكره هاهنا من كون الإذن مستحبًا لا واجبًا قد ذكر في آخر هذا المانع ما يخالفه فقال ما نصه:

الثاني: الأمة المزوجة لا يجوز لها الإحرام إلا بإذن السيد والزوج جميعًا.

هذا لفظه، وهو صريح في وجوب استئذان الزوج.

وأما كون الزوجة حرة أو أمة فلا أثر له قطعًا بالنسبة إلى وجوب استئذان الزوج لاستوائهما في المقتضى وهو الزوجية.

ووقع الموضعان كذلك في "الروضة".

وذكر في "شرح المهذب" حكم الأمة كما ذكره في "الروضة" وادعى أنه لا خلاف فيه لكنه لم يصرح في الموضع المذكور أولًا بالجواز بل قال: ينبغي لها أن لا تفعل فليس فيه تناقض صريح، فالمنع من ذلك موافق لما

ص: 504

أفهمه كلام "الروضة" في النفقات من منع الشروع في الصوم فإنه قال: ولا تشرع فيه بغير إذن.

وظاهر هذه الصيغة التحريم، وبه صرح فيها أي: في الروضة في صوم التطوع نقلًا عن الأصحاب، لكن عبارة الشرحين "الكبير" و"الصغير": أنه لا ينبغي لها ذلك، وقد حذف في "الشرح الصغير" مسألة الأمة ومع ذلك اختلف كلامه؛ فإنه استدل على جواز تحليلها بأنه حج غير جائز، وعبر في "الكبير" بقوله: غير مشروع.

قوله: وهل للزوج منع المرأة من حج الفرض؟ فيه قولان: أحدهما: لا؛ لأنها عبادة مفروضة فأشبه الصوم والصلاة.

وأصحهما: نعم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها زوجها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها"(1). ولأن الحج على التراخي وحق الزوج على الفور. انتهى ملخصًا.

فيه أمور:

أحدها: ليس المراد من الصوم المقيس عليه هو الصوم المضيق؛ لأنه لا يكون نظير المسألة، بل الصوم المتسع لقضاء رمضان، والصحيح فيه أن له المنع منه على خلاف ما جزم به هاهنا. كذا ذكره في كتاب النفقات.

الأمر الثاني: أن مقتضى التعليل المذكور امتناع تحليل الصغيرة إذا أحرمت بتطوع أو قضاء، وكذلك الكبيرة إذا سافرت مع الزوج فأحرمت بالفرض وقت إحرامه به.

(1) أخرجه الطبراني في "الصغير"(582) والدارقطني (2/ 223) والبيهقى في "الكبرى"(9906) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قال البيهقي: تفرد به حسان، يعني ابن إبراهيم. وأعله عبد الحق بجهل حال محمد بن أبي يعقوب. قال ابن القطان اتبع في ذلك أبا حاتم نصًا والبخاري إشارة.

ص: 505

وفيه نظر يتجه أن يكون محل الخلاف فيما إذا أحرمت من الميقات أو من مكة في الوقت المعتاد وهو يوم التروية، فإن أحرمت قبله كان له المنع جزمًا.

الأمر الثالث: أن التعبير بالفرض تدخل فيه مسائل:

إحداها: حجة الإسلام ولا إشكال فيها.

الثانية: المنذورة، وللنذر حالان:

أحدها: أن يتعلق بزمان بعينه فيتجه أن يقال: إن كان قبل النكاح فليسله المنع منه؛ لأن تعينه سابق على حقه، وإن كان بعده نظر إن أذن فيه الزوج فكذلك كما لو أحرمت بإذنه ثم أراد الرجوع، وإن كان بغير إذنه فله المنع.

وقد صرح الرافعي بنظير هذا التفصيل في نذر الصوم، ذكره في كتاب النفقات، وهناك ذكر ما يجوز مبسوطًا.

الحال الثاني: أن لا يتعلق بزمان بعينه فيتجه أيضًا أن يقال: إن كان قبل النكاح أو بعده ولكن بإذنه فهو على القولين في حجة الإسلام، وإن كان بعده وبغير إذنه فلا يتخرج على القولين لبعدها.

وقد أطلق الرافعي في نظير هذا من الصوم أن له المنع على الصحيح.

المسألة الثالثة: القضاء:

وفي جواز المنع منه وجهان صرح بهما المتولي والبغوي وغيرهما في الكلام على الجماع؛ قال المتولي: والوجهان ينبنيان على أن القضاء على الفور أم لا؟

فإن قلنا: نعم فلا منع، وإلا فيمنع، والمرجح الفورية فيكون المرجح عدم المنع، وهذا متجه إذا وطئها الزوج أو أجنبي ولكن قبل النكاح.

ص: 506

فإن وطئ الأجنبي بعده في نسك لم يأذن فيه الزوج فله في القضاء المنع أو التحليل كما في الأداء، وإن كان قد أذن ففي المنع نظر.

والقضاء إذا كان سببه الفوات يجب أيضًا على الفور على الصحيح.

ولا يخفى حكمة ما ذكرناه.

وقد ذكر النووي مسألة النذر والقضاء في "شرح المهذب" فقال: قال الدارمي والجرجاني في "التحرير": وحجه النذر كالإسلام، فإذا أحرمت بها بغير إذنه فله تحليلها في أصح القولين، وينبغي أن يكون القضاء كذلك.

هذا لفظه. وعجب منه في هذا الكلام المخالف للمنقول والمعقول.

المسألة الرابعة: الإحرام لدخول مكة:

إذا فرعنا على وجوبه فقد تقدم أن مقتضى إطلاق الرافعي وغيره أنه لا فرق فيه بين المرأة المتزوجة وبين غيرها إذا كان سفرها بإذن الزوج؛ وحينئذ فإذا أحرمت لا يحللها، غير أن زوجها إذا كان بمكة مثلا فالمتجه أنه لا يجوز لها العدول عن العمرة إلى الحج؛ لطول زمانه.

فإن فعلت فالمتجه جواز التحليل لتقصيرها. ولا قضاء لو دخلت بغير إحرام.

والحديث المذكور رواه الدارقطني والبيهقي.

قوله: وأما حجة التطوع فله منعها منها، وكذا له أن يحللها على الأصح كما له التحليل في صوم التطوع وصلاة التطوع. انتهى.

وما ذكره من المنع في التطوعات محله في النفل المطلق، أما صوم عرفة وعاشوراء والسنن الراتبة للصلاة فليس له منعها في أصح الوجهين كما ذكره في كتاب النفقات، قال: وصوم الاثنين والخميس كالتطوع المطلق وله المنع من الخروج لصلاة العيدين والكسوف.

ص: 507

قوله: وحيث جوزنا للسيد التحلل فمعناه الأمر به، فإن أمرها فلم تفعل فللزوج أن يستمتع بها والإثم عليها. كذا حكاه الإمام عن الصيدلاني ثم توقف فيه؛ لأن المحرمة محرمة لحق الله تعالى كالمرتدة. انتهى.

ذكر في "الروضة" مثله. والذي قاله الصيدلاني هو المذهب كما قاله في "شرح المهذب".

قوله: ولم أجد حكاية الخلاف في منع الأبوين الولد في حج الفرض لغير الغزالي إلا للقاضي ابن كج. انتهى.

وهذا الخلاف قد صرح به الفوراني من الإبانة والعمد، وأشار إليه القاضي حسين في "تعليقه" فقال: المذهب أنه لا منع، وصرح في كتاب السير بحكايته وجهًا، وقد سبق في أول الكتاب التنبيه على سبب ذلك.

قوله: وإذا حصل الفوات فله التحلل كما في الإحصار.

وبم يتحلل؟ قال في "المختصر" وغيره: يطوف ويسعى ويحلق، وقال في "الإملاء": يطوف ويحلق ولم يتعرض للسعي. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن المراد بالتحلل بما ذكره إنما هو التحلل الثاني، وأما الأول ففي "شرح المهذب" أنه يحصل بواحد من الحلق أو الطواف. يعني مع السعي على ما فيه من الخلاف الآتي ذكره؛ لأنه لما فاته الوقوف سقط عنه حكم الرمي وصار كمن رمى.

الأمر الثاني: أنه ليس في كلامه هنا ما يدل على وجوب التحلل على الفور أم لا، وقد سبق الكلام عليه مبسوطًا في أعمال يوم النحر فراجعه.

قوله: واتفق الأصحاب على وجوب الحلق إذا جعلناه نسكا وعلى أن الطواف لابد منه، والسعي على طريقين: أشبههما أنه على

ص: 508

قولين: أصحهما: الوجوب.

والطريق الثاني: القطع بالوجوب. انتهى ملخصًا.

تابعه في "الروضة" على تصحيح طريقة القولين ثم خالف في "شرح المهذب" فصحح طريقة القطع.

قوله: ثم من فاته الحج إن كان حجه فرضًا فهو في ذمته كما كان، وإن كان تطوعًا فعليه قضاؤه كما لو أفسده.

ثم قال: وفي وجوب الفور في القضاء الخلاف السابق في الإفساد. انتهى.

ومقتضى كلامه أن الفرض في الفوات لا يكون قضاء وأنه يبقى في ذمته موسعًا كما كان.

وهذا بخلاف ما قاله في نظيره وهو الإفساد؛ فإنه صرح هناك بأن المفسد إذا أتى بالنسك يكون قضاء سواء كان فرضًا أم نفلًا.

فإن قيل: الفرق أن المفسد متعد فلهذا جعلنا الفرض فيه قضاء حتى يكون على الفور بخلاف الفوات.

قلنا: لا نسلم أن الفوات لا تعدي فيه؛ فإنه قد يترك الوقوف عمدًا حتى يفوت وقته.

ولو سلمنا أنه لا تعدي فيه فيكون من فاته النفل ليس متعديًا فيكون تداركه على التراخي. وهو خلاف ما سبق نقله عنه.

لا جرم أن المذكور في "التنبيه" و"التعجيز" و"الحاوي" و"المنهاج" وغيرها من المختصرات إطلاق لفظ القضاء على المأتي به لأجل الفوات أيضًا.

قوله: الثالثة: لو أحصر فلم يتحلل بل صابر الإحرام متوقعًا زواله ففاته

ص: 509

الحج والإحصار دائم فلابد من التحلل بعد عمرة.

وفي القضاء طريقان: أظهرهما وهو المذكور في الكتاب طرد القولين. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على ذلك، وفيه أمران:

أحدهما: أنه يقتضي إيجاب التحلل بالعمرة وإن لم يكن متمكنًا من البيت وذلك بأن يبقى محرما إلى أن يتمكن وهو في غاية البعد والجرح.

والقياس جواز التحلل في هذه الحالة لأنه محصر، وستعرف من لفظه بعد هذا ما يدل عليه.

الأمر الثاني: أن ظاهر هذا الكلام يقتضي تصحيح عدم القضاء؛ لأنه الأصح من القولين السابقين، لكن ذكر -أعني- الرافعي بعد هذا بقليل ما يخالف ذلك فقال: ثم إن كان الإحصار قبل الوقوف وأقام على إحرامه حتى فاته الحج نظر إن زال الحصر وأمكنه التحلل بالطواف والسعي لزمه ذلك، وعلة القضاء والهدي الفوات.

وإن لم يزل الحصر تحلل بالهدي وعليه مع القضاء هديان: أحدهما للفوات، والثاني للتحلل.

انتهى كلامه.

وتفريعه في جواز التحلل بين زوال الحصر وعدمه لابد منه كما ذكرنا من قبل. وأما إيجابه للقضاء مع دوام الإحصار إلى الفوات فمخالف بإطلاقه ظاهر ما تقدم فينبغي حمله على ما إذا صابر الإحرام غير متوقع للزوال.

قوله: وإذا أحصر بعد الوقوف فتحلل ثم زال الحصر فالقديم أنه يجوز البناء على ما مضى ويحرم إحرامًا ناقصًا ويأتى ببقية الأعمال.

ص: 510

ثم قال ما نصه: وعلى هذا فلو لم يبن مع الإمكان فعليه القضاء. نقل الإمام فيه وجهين. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن النووي قد اختصر هذا الكلام في "الروضة" بقوله: وجب القضاء، وقيل: فيه وجهان، فزاد طريقة قاطعة وصححها وسببه إيهام قول الرافعي فعليه.

ولا شك أن همزة الاستفهام هنا مقدرة، والأصل: أفعليه، ولكن حذفها جريًا على عادة الناس في تعبيرهم التعبير المتداول الذي لا ينكر، وكيف اختصره على هذا والموجود في نسخ الرافعي نقل بلا واو، ولم يتعرض للمسألة في "الشرح الصغير".

الأمر الثاني: أنه كيف يتأتى التردد في وجوب القضاء؛ لأن صورة المسألة فيما إذا كان الإحصار بعد الوقوف، والحصر المبيح للتحلل حينئذ لا يتأتى إلا بالنسبة إلى الطواف خاصة؛ لأن الحلق لا يختص بمكان ولا زمان والواجبات كالرمي والمبيت تنجبر بالدم فلذلك قالوا: لا يتحلل منها، ولا يأتي فيها القولان في أنه هل ينبني أم لا؟ كما قاله الرافعي في الكلام على الاستئجار للحج.

وإذا علم أن المراد بالحصر هنا إنما هو عن الطواف والطواف لا آخر لوقته وإذا لم يكن لوقته آخر لم يتصور فواته، وإذا لم يتصور الفوات لا يتصور الخلاف في وجوب القضاء.

فإن قيل: يتكلف ويفرض المسألة فيما إذا تعذر منه الطواف بالموت؟ قلنا: التفريع على جواز البناء؛ وحينئذ فيستأجر الورثة عنه من يقوم بهذا الذي فاته، ويبني فعله على فعله كما لو لم يكن محصرًا وأخر الطواف بلا عذر.

ص: 511

قوله: ثم إذا تحلل بالإحصار الواقع بعد الوقوف فلا قضاء عليه وبه قطع العراقيون.

وحكى صاحب "التقريب" في وجوب القضاء قولين وطردهما في كل صورة أتى فيها بعد الإحرام بنسك لتأكد الإحرام بذلك النسك. انتهى ملخصًا.

وما حكاه الإمام عن "التقريب" من الاطراد المذكور حاصله جريان الخلاف فيما إذا أتى بطواف القدوم أو الرمي أو الحلق إذا جعلناه نسكا ونحو ذلك.

وهذا النقل غلط على "التقريب" ليس له ذكر فيه فإنه ذكر أن المحصر عن البيت يجوز له التحلل، وفي القضاء قولان.

ثم ذكر أن المحصر بعد الوقوف يجوز له التحلل.

ثم قال ما نصه: ثم يكون الجواب في الإعادة على القولين اللذين ذكرناهما:

أحدهما: لا إعادة عليه لأنه إنما حل بعذر الحصر.

والثاني: عليه الإعادة لأنه لما وصل إلى البيت خرج عن معنى الحصر. هذا لفظه من غير زيادة عليه، ولم يذكر بعده ولا قبله غير هذا.

قوله: ولو صد عن عرفة ولم يصد عن مكة فيدخل إلى مكة ويتحلل بعمل عمرة كمن صد عن طريق وسلك غيره. انتهى.

سكت رحمه الله عن عكسه؛ وهو ما إذا صد عن مكة ولم يصد عن عرفة، والحكم فيه أنه يجب عليه الوقوف ثم يتحلل. كذا نقله في "شرح المهذب" عن الماوردي ولم ينقل غيره فاعلمه فإن الإطلاقات السابقة في الباب توهم جواز التحلل قبل الوقوف.

ص: 512